بأقلامهمعربي جهاد الزين: في انتظار غوورو by admin 8 يوليو، 2021 written by admin 8 يوليو، 2021 109 لا غودو لبنانيا من دون أنبياء زائفين يتجدّدون بين وَهْمٍ ووهْم. وغوورو العائد سيصطدم لا فقط بأخصام أشباح خلافا لأخصام الأمس بل بحلفاء أشباح خلافاً لحلفاء الأمس النهار اللبنانبة \ جهاد الزين لو فكّر أحدٌ في لبنان بمقاربة سياسية كيانية لبنانية لمسرحية صمويل بيكيت الإيرلندي الذي كتبها بالفرنسية “في انتظار غودو” ؟ : هناك شخصيتان تائهتان في المسرحية. تنتهي المسرحية ويُعْتَقَد أن غودو لم يأتِ. وإذا كان بيكيت نفسه لا يعرف هل جاء غودو أم لم يأتِ ولا يقول لنا ذلك لا داخل المسرحية ولا خارجها في التصريحات التي سيدلي بها بعد نشر العمل في باريس عام 1952 فأنا كقارئ للمسرحية أعتقد أن غودو كان دائما موجودا في النص. ولكن هذه قراءة أدبية شخصية. لدينا في القراءة اللبنانية للمسرحية الجنرال الفرنسي غوورو، الجنرال المؤسِّس للكيان اللبناني الكبير حوالي نصف قرن قبل نشر مسرحية بيكيت وحوالي 48 عاما قبل كتابتها. ربما يكون العنصر الجوهري في المقاربة السياسية اللبنانية هو علاقة جماعتين يمثّل كلاً منهما أحدُ بطلي المسرحية، الجماعة المسيحية والجماعة المسلمة اللتين تنتظران غودو الذي سيحمل معه الحل النهائي لعلاقتهما المضطربة. اضطرابات وصدامات وصراعات ومحاولات حلول خلالها يستمر افتقاد غودو فيما ينضم الجنرال غوورو إلى خشبة المسرح سعيا للوفاق أو ربما تستحضر إحدى الجماعتين ما يعنيه الماضي الذي سبق الجنرال وكل ذلك في مئوية تأسيس لبنان وقد أصبحت كلُّ جماعةٍ جماعاتٍ وادعى أنبياء جدد ظهور غودو وسط نكران أنبياء آخرين. يحسم بيكيت أنه لم يقصد الله بغودو. ولو أراد لقال. عندنا في لبنان سيتقاتل المنتظرون على أكثر من إله وسيدّعي كل من الأنبياء القدامى والجدد للكيان اللبناني بأن غودو الخاص به سيأتي أو أنه مرّ واستشهد. إذن نحن في مئوية لبنان لم نتعب من الانتظار ولو تحوّل البلد كله إلى محطة قطار. في مسار الانتظار سيحضر الجنرال غوورو بقوة وزخم وحتى بانتصارية لا لينضم إلى المنتظرين بل ليحمل معه نبأ أن غودو سيأتي. ويخبرنا غوورو أن غودو جنرال فرنسي فيما تتداول محطة القطار أخبارا عن أن غودو مجرد جندي فار من الجيش العثماني. مائة عام على غوورو ولا زال غودو فاراً من وجه محكمة أميركية في العراق أو سجن للنساء في طهران أو هو معتقَل في إسرائيل. إذا كانت النظرة إلى مسرحية بيكيت قد تكرّست على أنها تعكس عبثية الحياة فماذا عن عبثية علاقات الجماعات التي تتصارع كل مرة إلى حد إدخال نفسها في عبودية صارمة إن لم يكن للأشخاص الوافدين فللأقدار الوافدة. هكذا يتحوّل الكيان إلى سجن دائم ويفر منه لا غودو فقط بل غوورو أيضاً. وظيفة هذا المقال ليس نسخ الشخصيات بل “نسخ” العلاقات السياسية حين تصل إلى درجة العبثية. ربما نسخ الشخصية الوحيدة الكبرى “غير الموجودة” واستبدالها بالجنرال غوورو. غودو الغامض الوهمي سيحل مكانه غوورو الحقيقي الواضح. لكن الجماعات اللبنانية في عبثية انتماءاتها وأحيانا عبودياتها المختلفة تعلّق نفسها على مقصلات وهمية وحقيقية فلا تغتال فقط الجنرال غودو بل تجول برأسه بين خطاباتها المتنوعة. سينقلب المسرح فنصبح في انتظار الجنرال غوورو. ولكنه ليس مجرد حلول بين غودو “جنرال” الوهم الفردي و غوورو جنرال الوهم الجَماعي اللبناني بل هو تحوّل ثقافي وسياسي ينتقل فيه العبث من حوار الجماعة مع الأخرى إلى حوار الأجداد الذين انتظر بعضهم غوورو فحضر عام 1920 ولكنه شُبِّه لهم أنه سيحضر عام 2020 وعام 2021. إنه تأويل سيحشر الحلبة المدماة لا فقط بالجماعات المنتظِرة بل أيضا بالجدود المحبَطين والأحفاد المهاجرين والقضاة الحائرين وحتى بالأنبياء المزعومين في كل اتجاه. إنها الحلبة الجديدة للانتظار اللبناني بين غودو الغامض وغوورو المتفقِّد لما تركه وراءه والجماعات المتغيّرة والمفجوعة وغير المصدّقة. لا غودو لبنانيا من دون أنبياء زائفين يتجددون بين وَهْمٍ ووهْم. وغوورو العائد سيصطدم لا فقط بأخصام أشباح خلافا لأخصام الأمس بل بحلفاء أشباح خلافاً لحلفاء الأمس. لكن هل يمكن لهذه القراءة أن تحصل من دون حوار بين غودو وغوورو؟ غودو أشهر شخص في العالم ولسنا متأكّدين، بما فينا صمويل بيكيت، هل جاء أم لم يجئ (ربما لم يغب أصلا). أما غوورو فهو شخص أكيد وقّع على مراسيم تأسيس دول صغيرة جديدة في زمن كانت تتلاشى فيه أمبراطوريات وبهذا المعنى وقّع على تأسيس مجتمعات جديدة وأبرزها المجتمع اللبناني. مجتمعات، كلٌ منها ينتظر “غودوه” الذي لم يأتِ بعد ولو ادّعى ذلك كثيرون. الذي عاد، وهذا خبر جيد، أو صار جيدا بعد مائة عام، هو الجنرال غوورو. j.elzein@hotmail.com Twitter: @ j_elzein 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الكبت الجنسي كمحرّك للنظام الرأسمالي الفلسطيني next post دلال البزري من تورنتو : نزار بنات شهيد حرّية مجتزأة You may also like عبد الرحمن الراشد يكتب عن: نهاية الحروب اللبنانية... 11 يناير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: سوريا بعد الأسد واستقبال... 10 يناير، 2025 ابراهيم شمس الدين يكتب عن: هوية الشيعة الحقيقية... 10 يناير، 2025 منير الربيع يكتب عن: “الوصاية” الدولية-العربية تفرض عون... 10 يناير، 2025 لماذا يسخر ترمب من كندا بفكرة دمجها كولاية... 9 يناير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: هل مسلحو سوريا... 9 يناير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: لا يطمئن السوريّين إلّا…... 9 يناير، 2025 ديفيد شينكر يكتب عن: لبنان يسير نحو السيادة... 9 يناير، 2025 غسان شربل يكتب عن: إيران بين «طوفان» السنوار... 7 يناير، 2025 ساطع نورالدين يكتب عن: بيروت- دمشق: متى تُقرع... 5 يناير، 2025 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.