الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » جهاد الزين / سوريا الغد” كتاب ندرة مطران عام 1916: خسارة التاريخ ورِبْحُ التأْريخ

جهاد الزين / سوريا الغد” كتاب ندرة مطران عام 1916: خسارة التاريخ ورِبْحُ التأْريخ

by admin

النهار اللبنانية /  جهاد الزين

عام 1916 حين صدر كتاب ندرة مطران في باريس عن دار نشر مكتبة plon: “سوريا الغد” كان الكاتب مؤمنا أنه يطرح مشروعا سياسيا شديد الواقعية، ومتماسكا لأنه يتحدث عن سوريا، ومن ضمنها جبل لبنان ومناطق فلسطين، ولكنْ سوريا دولة تحت الإدارة الفرنسية، ولهذا هو وجّهه إلى كبار المسؤولين الفرنسيين وكتبه بلغتهم الفرنسية وتحديدا إلى رئيس مجلس النواب الفرنسي بول دوشانل. إنه من صفحاته الأولى، بل من أحرفه الأولى يوجِّهه إلى فرنسا “التي كانت صماء عن الدعوات الخجولة والمصمّمة أن لا تتعرض مرة أخرى لخداع تركيا والأتراك، إلى احتلال أراضي هذه البلاد التي أصبحت روحُها تخص فرنسا”.

قرأت هذا الكتاب على نسخة أونلاين مصورة عن طبعته الأولى الأصلية أهداني إياها، أي نسخة الأون لاين، السيد طوني المطران قريب الكاتب. وندرة هو سليل العائلة البعلبكية العريقة آل مطران التي كان لها نفوذ واسع وصلات سياسية في عاصمة الأمبراطورية اسطنبول وأحد أثريائها ومثقفيها والذي كان على ما يبدو مقيما في باريس خلال تلك السنوات من الحرب.

إنه كتاب ممتع لأسباب عدة ذاتية وتركيبية وموضوعية لعل أولها هو قراءة حلمٍ تاريخيٍّ فاشل لمثقف فرنكوفوني يذهب بعيدا في الطموح إلى الاندماج بفرنسا ولكنه وهو يضع كل سوريا (وكل نفْسه ونفَسِه) في “الروح” الفرنسية وهي الوجهة التي سار التاريخ بعيدا عنها سوى لفترة محدودة بعد الحرب الأولى، يقدّم خدمة هائلة للتأريخ(بوضع الهمزة على الألف). هكذا نحن أمام كتاب يخسر التاريخ (من دون همزة) ويكسب التأريخ (مع همزة). هذه هي جاذبيته. واقعيته “الساحرة” والمستحيلة.

أكاد أجزم أن أي يساري سوري بل أي بعثي لا يزال يعتقد أن عليه أن “يكره الاستعمار” أو أي كتائبي لبناني أو طبعاً سوري قومي سيحب هذا الكتاب لأنه يتضمّن سوريا ليس فقط موحدة متنوعة ومحترمة عندما يعني الاحترام وجود شخصية سياسية وقانونية وثقافية حَلُم الكاتب بأنها تقبل تعايش وتفاعل جميع مكوناتها فلا تلغي لبنان ولا الأكراد ولا تلغي حتى الوجود اليهودي في فلسطين في كنف مسلمي ومسيحيي فلسطين ولكنها ترفض بشكل قاطع أي مشروع إنشاء دولة لليهود. لذلك كتب ندرة مطران حالما بسوريا “كاملة” فرنسية، فإذا بقارئ بعد مائة عام يجد هذا الكتاب السياسي نوعا من اليوتوبيا التي تنبعث منها واقعية معرفة وتحليل. ولكن إحدى نقاط ضعف الكتاب الكبرى هي موقفه، لا الرافض للحكم التركي، فهذا يمكن فهمه وتفهمه، بل موقفه العنصري ضد “العرق” التركي. وسأعود إلى هذه النقطة لاحقا في النص.

فالكاتب المثقف المتنور مطلعٌ إطلاعاً شاملاً وعميقا على الوضع العالمي وتطوراته ناهيك عن تطورات الحرب العالمية الأولى التي كانت مندلعة وفي ذروتها عام 1916.

والكاتب البعلبكي السوري المسيحي الرومْ كاثوليكي يقدّم ضمن ما يقدّم عرضا جغرافيا تاريخيا دينيا سياسيا أنتروبولوجيا لكل مناطق سوريا وهي بنظره وبنظر كثيرين يومها تمتد ساحلا من غزة إلى الإسكندرونة شمالا ومن بيروت إلى دير الزور شرقا ومن حوران مرورا بدمشق إلى عينتاب شمالاً وأنطاكية غربا.

لنأخذ فكرة كيف يقترح ندرة مطران التقسيم الإداري لسوريا التي يريدها محمية تحت الإدارة الفرنسية ويعتبرها ” الهند الفرنسية” نسبة إلى الهند التي كانت بريطانيا لا تزال تحتلها حين صدورالكتاب.

هو يقسّم سوريا الموحدة تحت حكم ومستشارين فرنسيين إلى عدد من الولايات وداخل كل ولاية متصرفيات. هي ولايات:

القدس وعاصمتها القدس وتضم يافا وغزة ومَعان

بيروت وعاصمتها بيروت وتضم نابلس وعكا وطرابلس واللاذقية.

ولاية دمشق وفيها الكرك، حوران،، لجا، البقاع.

ولاية لبنان وعاصمتها بيت الدين وتضم بعبدا وزحلة وجبيل.

ولاية الزور وعاصمتها دير الزور وتضم حماه، الإسارية،

ولاية حلب وعاصمتها حلب وتضم الاسكندرونة، عينتاب، أنطاكية، وجبل بركات.

المثير في هذه السوريا، التي تبدو الآن بعد أكثر ماية عام على الكتاب سوريا غير واقعية، بل أيديولوجية وليس سياسية بمعايير الحاضر، لكنها كانت واقعية جدا وقابلة للتحقّق لو سارت مصالح فرنسا وبريطانيا في اتجاهات مختلفة. هذا مع العلم أن فرنسا ستسيطر وتدير كل هذه السوريا (ولبنان) ناقصةً فلسطين لمدة ربع قرن لاحقا… وستدير أيضا في معظم الفترة نفسها لواء اسكندرون الذي س”تبيعه” لتركيا حسب نظرية تقول أنها فعلت ذلك للحؤول دون التحاق تركيا بالمحور النازي وتبقى على الحياد في الحرب العالمية الثانية؟

لم يكن الكاتب حتما على معرفة باتفاقات سايكس بيكو فقد كانت لا تزال سرية أو أنها لم تكتمل بعد كاتفاق، لكنه كان على أتم الدراية بتطور مشروع الاستيطان اليهودي الذي كانت تقوده الجمعيات الصهيونية في فلسطين وبدعم مباشر من آل روتشيلد. وهو يخصص فصلا كاملا لواقع الوجود اليهودي والاستيطاني يحتوي على معلومات تفصيلية عن المستوطنات لم أقرأ بتفصيل يعادلها في أي من التقارير العربية عن تلك المرحلة. إذن الرجل لم يكن مجرد حالم ساذج فهو على تواصل مع أوساط فرنسية ربما كان يظن أو كانت هي فعلا تحمل هذاالمشروع لسوريا موحدة تحت الإدارة الفرنسية وليس فيه وجود ل”وطن قومي لليهود”. لقد شارك ندرة مطران في المؤتمر القومي العربي الذي عُقد في باريس عام 1913 والأرجح أنه ساهم بتنظيمه ولربما بتمويله أو بالحصول له على تمويل فرنسي وهو المؤتمر الذي حضرته شخصيات عربية جاءت من اسطنبول ومناطق الدولة العثمانية التي كانت لا تزال قائمة ويمثل المؤتمر تحديا صريحا لها.

بالنسبة للبنان كان ندرة مطران هو المسيحي الرومْ كاثوليكي البعلبكي المجاورة مدينته لمدينة زحلة والمحاذية للمناطق التابعة لها لجبل لبنان. فإذا كان ابن يريفان عاصمة آرمينيا اليوم يستفيق صباحا ليشاهد قمة جبل آرارات القريبة وراء الحدود داخل تركيا وهو الجبل المقدّس لدى الأرمن، فإن ابن بعلبك لا زال يستفيق كل صباح ليشاهد قمم جبل لبنان المرتفعة في الغرب وعلى رأسها القرنة السوداء حيث الأرز المختبئ شامخاً على أحد سفوحها، فكيف إذا كان هذا البعلبكي مسيحياً مثل ندرة مطران ؟ بعلبك التي لم يبق فيها مسيحيون كثر بعد مائة عام مثل صور وصيدا والنبطية وطرابلس!! حتى سوريا الحالية نفسها التي تفرغ اليوم من مسيحييها الكثر أيام ندرة مطران وهو الذي يعرض بإسهاب العالِم لأرقام التنوع الطائفي والديني وأكثريته المسلمة السنية وبإعجاب لأنه يعتبر هذا التنوع السوري بنصيرييه(العلويون) ودروزه وأكراده وشيعته وموارنته ورومه الكاثوليك والأرثوذكس وأرمنه وشركسه وبَدْوِهِ وووو… هو الشخصية الخاصة لهذه السوريا أو ما سيسميه أنطون سعادة لاحقا بعد حوالي العقدين أو العقد ونصف العقد من الزمن في سياق ثقافي مختلف… سيسمّيه: “المتّحَد السوري”

ويخصِّص ندرة مطران فصلا لتاريخ الصراعات في جبل لبنان مليئ بأحاديث وفضائح فساد الإدارة العثمانية للمتصرفية واللبنانيين الملتحقين بها. وذكّرني هذا الفصل بالكتاب الذي يُرجّح أن يكون الأمير شكيب إرسلان كتبه بالفرنسية وهو يمثل وثيقة مذهلة عن فساد المتصرف مظفر باشا وعائلته خلال توليه منصب المتصرف بين عامي 1902 و 1907. مع العلم أن إرسلان و مطران كمثقفَيْن فرنكوفونيّيْن كانا على طرفي نقيض في الاختيارات الكبرى: الأول إرسلان العثماني صديق جمال باشا ولكن الذي سيبقى عثمانيا حتى سقوط الأمبراطورية محتفظاً بعد ذلك بميل بان إسلامي (ليس بالمعنى الأصولي) والثاني ندرة مطران المثقف الموغل في رفضه للأمبراطورية العثمانية بل في عدائه للأتراك. إنه عداء يبلغ في بعض صفحات الكتاب، كما أشرت أعلاه، حد العداء العنصري المركّز. وهذه في الواقع إحدى نقاط ضعف الكتاب لأنها تتجاوز وجهة النظر التاريخية في مردود حكم الأتراك لبلادنا، لتصبح موقفا عرقياً متطرفا ضد الأتراك. ولكن ذلك لا يمنعه من الاعتراف للأتراك بمكرهم السياسي، أي بذكائهم السياسي بالنتيجة. وهو في موضوع الاستيطان اليهودي في فلسطين يتبنى موقف السلطان عبد الحميد.. ولن يعيش ندرة مطران ليشهد انتصارا سياسيا للذكاء والقوة التركيّتَيْن عام 1938 عندما تمكّنت تركيا من إقناع الفرنسيين بتسليمها لواء اسكندرون السوري بعد قرار لعصبة الأمم يفصلها عن سوريا.

الملاحظة الأولى على الفصل المخصص لجبل لبنان في الكتاب هو ثناء ندرة مطران المتكرر على أهالي زحلة ودفاعهم عن بلدتهم خلال المعارك مع الدروز عام 1860 وانتقاده الشديد للشخصية المارونية البارزة في التاريخ الجبلي اللبناني في القرن التاسع عشر وهو يوسف بك كرم الذي يتهمه ندرة مطران بالتخاذل عن نصرة المسيحيين عبر صفقة سياسية مع المراجع العثمانية كان يطمح منها إلى الحصول على منصب كبير.

الملاحظة الثانية هي أن مطران يقدّم مرافعة كاملة حول كون لبنان تاريخيا جزءا لا يتجزأ من سوريا وبالتالي فإن وجوده داخل “الوطن” السوري هو مسألة طبيعية ولو كان يجب أن تُؤخَذ خصائصُه وميزاته بعين الاعتبار ضمن الدولة اللامركزية التي يريدها لسوريا. ويقدّم مطران حضور فرنسا حتى ذلك الحين بأنه حضور تعليمي أولا مع وجود مصالح اقتصادية طبعا. وهذه سمة حقيقيّة عن حجم النشاط الثقافي الفرنسي المتجذّر ولو كان جزءا من صراع تعليمي على سوريا يضم المبشرين الأميركيين والنفوذ الروسي والإرساليات عموما.

لا يترك ندرة مطران “شاردة ولا واردة” عريضة متعلقة بتنظيم الدولة السورية لا يأتي على ذكرها بل اقتراحها: الوزارات، مجالس الولايات والمتصرفيات، الأوقاف، المالية العامة، القضاء، مجلس النواب، مجلس المقاطعات، القوى العسكرية ويقدم جداول لمساهمات المناطق في المداخيل المالية وللتصدير والاستيراد والصناعات الأساسية كصناعة النسيج…..

كتاب ندرة مطران يتضمّن عرضا تاريخيا عاما لتطور علاقات وصراعات المسلمين، وهذا بحد ذاته شهادة على ثقافة الكاتب المسيحي مع أنه رجل مدني وليس دينيا، قلما نجد مثلها في الحالة المقابلة بحيث لا يزال يعوز رجال الدين المسلمين في منطقتنا معرفة دقيقة بالديانة المسيحية وتاريخها. ربما في أوروبا بدأ ينشأ جيل مسلم من رجال الدين صار يغطّي هذه الفجوة. ولكن هذا موضوع مختلف.

j.elzein@hotmail.com

Twitter: @ j_elzein

 

 

 

 

 

You may also like

3 comments

Sex Online 17 مارس، 2021 - 3:00 ص

Watch nude Leah Gotti fuck hard in anal sex, threesome, lesbian and POV porn videos on xHamster.
Visit us for free full-length Pornstar XXX videos to watch!

Reply
lavagame168 17 مارس، 2021 - 3:21 ص

Hi, i feel that i saw you visited my web site so i got
here to return the favor?.I’m attempting to in finding issues to improve my site!I suppose its
adequate to use a few of your concepts!!

Reply
mila Pendant 17 مارس، 2021 - 3:22 ص

If some one needs expert view on the topic of blogging and site-building after that i suggest him/her to go to see this webpage, Keep up
the fastidious work.

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00