بأقلامهمعربي جهاد الزين: العالم داخل الفيروس by admin 4 مارس، 2021 written by admin 4 مارس، 2021 16 الفيروس غير المرئي “استرعب” العالم، وبهذا المعنى استوعبه بانتظار أن يرد العالم، وهو في هذه الحالة العالم المتقدم، فيستوعب الفيروس، بينما ينتظر الآخرون على قارعة الطريق في عملية ضخمة تعكس كل حقائق العصر الجوهرية. ينتظرون وهم يحملون بقاءهم على قيد الحياة كما تحمل أمهات الدول الفقيرة في الأرياف أطفالهن أمام الخيم التي يشغلها الأطباء النهار اللبنانية / جهاد الزين العالم لم يخرج بعد من بسيكولوجيا الكهف الذي وضعه فيها الوباء. كأن الكرة الأرضية تجمّعٌ من الكهوف الصغيرة المتراصة لكن المتصلة ببعضها البعض افتراضيا. لو كنتُ رسّاماً لرسمتُ زيتيةً من بيوت النمل وأنشطتها داخلها بشر لا نمل. لقد تحوّل الواقع إلى افتراض ولكن أيضا تحوّل الافتراض إلى واقع. وكم يحمل هذا التغيّر من تغيّر بل انقلاب في العلاقات والطقوس الاجتماعية والعمل ستترك أثرهاالعميق بعد الانتهاء من الوباء. فلا الجامعة ولا المدرسة ولا العمل هي نفسها بعد الوباء مع كل ما يعنيه ذلك تأثيرات سلبية وإيجابية على أنماط الإنتاج والعيش الإنسانيّين. العالم كهف ولا زلنا فيه. كان قرية وأصبح كهفاً. من كهوفنا الصغيرة إلى كهوفنا الكبيرة في الشوارع. الهواء الطلق “تكهفن”. كنتُ سابقا أصف غرفة مكتبتي في بيتي بِ “الكهف” ولم يدر في ذهني أن العالم بأسره سيصبح كهفاً. لم تتراجع أهمية غرفة مكتبتي البيتية في حياتي اليومية بعدالوباء بل وفيما العالم يضيق اتسعت هي، صارالكهف وهو يأخذ الحيز الأوسع من نشاطي كهفا آخذا بالاتساع داخل كهف آخذٍ بالضيق هو الكرة الأرضية. على أنه، ورغم الظلمة التي لا يمكن محوها من أي كهف مهما كان فولتاج الكهرباء، فقد أتاح لنا الوحش كورونا أن نرى العالم أفضل. أو بطريقة أصوب. أتحدّث عن صواب الرؤية لا صواب العالم. فقد فرز كورونا بوضوح بين الدول الغنية وبين الدول الفقيرة (ومنها لبنان) مع أنه ساواها بالانتشار. لهذا فإن مرحلة اللقاح كشفت عن الحقيقة القاسية وهي أن هناك دولاً عاجزةً ودولاً قادرة. هناك في الواقع مستويان للتفاوت: الأول بين دول متقدمة هي جزء من عمليات إنتاج اللقاح بصورة قريبة أو أبعد ودول متخلِّفة عليها أن تشتري اللقاح أو تتوسل للحصول عليه بشروط مادية مقبولة. طبعا بين الدول المتخلفة علميا هناك دول قادرة ودول فاشلة. لبنان يواجه هذه الحقائق في أسوأ أوضاعه. فكميات اللقاح التي وصلت وبدأت تصل، هي كميات متواضعة بمعزل عن جهود توزيعها وتطعيمها المشكورة والتي لانزال ننتظر أن يتحسّن أداؤها. أي فارق يتضح بين ما كان يمكن أن نراه من إمكانات اللبنانيين في الحصول على اللقاح وتوزيعه العادل وبين الإعاقات التي تظهر في دولة مضطربة وتكاد تكون فاشلة على أكثر من صعيد. كتبتْ ” النيويورك تايمز” يوم الإثنين المنصرم عن بدء “ديبلوماسية اللقاح” في الصراع الدولي واعتبرتها واقعاً لا مجال لتجاوزه لأنه لا يمكن إلا أن تخرج جميع الدول من الوباء أو لن يخرج أحد. لقد بدأ هذا الصراع الدولي لاسيما على كسب الدول العاجزة عن تأمين فعّال للقاح. نحن في المنطقة سمعنا بالخبر الذي يتحدث عن منح إسرائيل لسوريا كمية من اللقاح كبند من صفقة تبادل جثث أو أسرى. لم يتأكّد بعد الخبر، لكن هذا خبر من عمق المرحلة. هل هو من المخيّلة؟ إذا حصل.. فستكون هذه أعجوبة كورونية. أو آخر “أعمال” الجاسوس إيلي كوهن بعد ستة وخمسين عاماً على إعدامه. وإن لم يحصل فهو مؤشِّر على المستقبل من حيث انتقال السياسة بما هي الصراعات القومية على كتف العلوم إلى آفاق جديدة. طبعا سنظل ننتظر حصيلة كيف تعامل نظام الأبارتايد الإسرائيلي مع متطلبات الوباء بين الشعب الفلسطيني وكيف رُصِدت مظاهر السلوك العنصري؟ من الصعب أن يغيِّر كورونا الشرق الأوسط وحده سياسيا ولكن إذا صحّ الخبر اللقاحي بين سوريا وإسرائيل سيكون الفيروس قد ساهم بالتغيير أو بإعلان التغيير وقد يكون حمل على اجنحته القاتلة بعض ردود الفعل. على أي حال ليس جديدا أن تتوسّل الدولُ الكوارثَ أو تتكيّفها للتغيير كما حصل بين اليونان وتركيا خلال زلزال إزميت قبل حوالي ربع قرن. في الشرق الأوسط أشك أن تتمكن أي كارثة من تغيير يتخطى العنصر المسرحي إذا استمرّت الكارثة الهائلة الممثّلة بأوضاع الفلسطينيين دون علاج بنّاء. لم تخرج فكرة الدولةِ في كل أنحاء العالم ولا الدولة كمؤسسةٍ، ضعيفةً من جائحة الفيروس. مع أن التكنولوجيا العالية جعلت القدرة على عبور الحدود ممكنة في كل لحظة لكن حاجة المجتمعات للدولة، أيضا تكرّست في الجائحة. هكذا بدا القرن الحادي والعشرون على مفترق رياح عاصفة مندفعة في اتجاهات مختلفة، من الصعب التأكّد من نتائجها قبل هدوء العواصف، وكيف ستهدأ وهي متعددة ومتداخلة؟! الفيروس غير المرئي “استرعب” العالم، وبهذا المعنى استوعبه بانتظار أن يرد العالم، وهو في هذه الحالة العالم المتقدم، فيستوعب الفيروس، بينما ينتظر الآخرون على قارعة الطريق في عملية ضخمة تعكس كل حقائق العصر الجوهرية. ينتظرون وهم يحملون بقاءهم على قيد الحياة كما تحمل أمهات الدول الفقيرة في الأرياف أطفالهن أمام الخيم التي يشغلها الأطباء. وفي هذا الصراع على البقاء لا يملك الفقراء سوى هجراتهم إلى القلاع الحصينة. وهذا ما يحصل على أي حال j.elzein@hotmail.com Twitter: @ j_elzein 1 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فيصل سلطان: الراحل الياس ديب وفانتازيا الحدس الشّرقي next post دلال البزري : فرنسا تكشف الشرّ من بين نخبتها You may also like ساطع نورالدين يكتب عن: “العدو” الذي خرق حاجز... 24 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: شالوم ظريف والمصالحة 24 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ 24 نوفمبر، 2024 مها يحيى تكتب عن: غداة الحرب على لبنان 24 نوفمبر، 2024 فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 1 comment Lamborghini performance 22 يونيو، 2024 - 11:10 م This is a great resource. Thanks for putting it together! Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.