ثقافة و فنونعربي جمال وفنون وتقاليد الخط العربي by admin 17 نوفمبر، 2020 written by admin 17 نوفمبر، 2020 28 أشكال الكتابة من أقدم أنماط الفنون في العالم إلا أنها في العالم الإسلامي تبقى كما كانت دائما مفعمة بالحيوية إلى جانب أنها تستخدم اليوم لإحياء ذكرى الراحلين اندبندنت عربية / أحمد تويج يمكن للمرء إذا ما سلك ذاك الطريق الرملي الضيّق والواجم في وادي السلام، والمحاط من الجانبين بالقبور الممتدة نحو الأفق وما بعده، أن يعاين كتابات زاهية بالخط العربي تزيّن شواهد قبور الراقدين هناك تحت التراب. ويقع وادي السلام في مدينة النجف جنوب العراق، مشكّلا أكبر مقبرة في العالم، وقد غدا هذا الوادي مهداً مجلّلاً بالحزن للخط العربي، ذاك الفن التقليدي في الثقافة الإسلامية، المستخدم في جميع أنحاء العالم الإسلامي كطريقة لتكريم الموتى وإحياء ذكراهم. ويشرح الخطاط الفنان غالب حويلة عن الخط العربي المعاصر، فيشير إلى تلك “الصلة بين الشكل الفني والجماليات والحياة بعد الموت”، متناولاً ذاك “الاعتقاد الشائع الذي يعتبر الاستعانة بخطاط كي يكتب اسم الراحل على ضريحه، بمثابة تكريم للراقد تحت التراب”. مقبرة وادي السلام في النجف حيث القبور التي تزين بأسماء المتوفين بالخط العربي بيد أن الخط لم يبق مقتصراً على تكريم الموتى، إذ إنه غدا مرادفاً للفن الإسلامي ومقترناً به، فتجسّد بالزخارف والكتابات التزيينية ضمن العمارة وعلى قطع النقد المعدنية وفي الثياب والحلي. لكن صيرورة هذا النمط الفني تنبع من جهود المسلمين للنأي عن ماضي الجزيرة العربية الما قبل إسلامي والوثني. ويشرح فنان الخط والغرافيتي اللبناني يزن حلواني، قائلاً إن “التحريم (الإسلامي) للتصوير التجسيدي وتفضيل التجريد في الثقافة العربية، الذي تأثر على نحو كبير بالإسلام، دفع الخطاطين العرب وعلى مدى قرون إلى تكرار ذاك النمط الفني، ومن ثم وضعوا له قواعد وأصولاً صارمة، ما جعله فنّاً تقليدياً ومنتظماً إلى حدّ بعيد”. “حصل الكثير من التهذيب طوال مئات السنين، وكما هي الحال مع كل مهارة تتبلور، حدث ما يشبه التطور الدارويني إذ صار [فن الخط العربي] أجود مع الوقت”. وأدى الطابع المنقّح لهذا النمط الفني ببابلو بيكاسو، الذي مهّد الطريق للتجريد في العالم الغربي، إلى ما يُنسب إليه من قول: “لو علمتُ أن هناك شيئاً مثل الخط الإسلامي، لما بدأتُ الرسم أبداً. لقد اجتهدتُ لبلوغ أعلى مستويات الحذق الفتي، بيد أنني وجدتُ أن الخط العربي وقد سبقني بعصور إلى هناك.” وعلى عكس تحريم التصوير التجسيدي في الإسلام، ما فتئت الثقافة الغربية تحتفي بالتجسيد في الفن. وتاريخياً، حظي المتوفّون في المجتمعات الغربية بالتكريم برسم صور لهم، أو إقامة تماثيل كاملة ونصفية لهم. ومن الشائع في الجنائز وضع صورة للراحل قرب نعشه. و”على هذا المنوال”، يتابع حلواني شارحاً، ” كلما كان المرء أكثر جاهاً وغنى في مصر القديمة، كان التحنيط وناووس الضريح الذي يحظى به أفضل. في العصور الإسلامية، ومع تحريم التصوير وتجسيد الموتى، أوجد الإسلام بيئة وثقافة، إذ لديك التجريد فقط، لذا التزم الناس الخط والأشكال الهندسية وانكبّوا على تطويرها”. في الثقافة العربية، مأثور يقول: “صفاء خط الكتابة من صفاء الروح”. ولقد بزغ فجر الخط العربي بمبادرة العبقرية الخلّاقة لثلاثة خطاطين متمكّنين في بغداد، هم الوزير الخطاط ابن مقلة في البلاط العباسي (886-940) وابن البواب المُزخرف (961-1022) وياقوت المستعصمي الرومي، مساعد آخر الخلفاء العباسيين (توفي سنة 1298). لكن يبقى ابن مقلة للكثيرين أباً روحياً للخط العربي، إذ طوّر الوزير ستة أساليب مختلفة من الخط تُعرف بـ”الأقلام الستة”، التي يحذقها الخطاطون المعاصرون خلال مسيرة تحصيلهم صنعتهم. وطوّر الخط العربي على مدى الأعوام قواعد صارمة، تم فيها تصميم كل حرف من الحروف تصميماً هندسياً، فيمكن عبر العودة إلى جذور تلك الحروف، تلخيصها بسلسلة من النقاط المنتظمة. ومثالاً على ذلك، ينبغي أن يكون الألف، الحرف الأول في الأبجدية العربية بعرض نقطة واحدة وارتفاع ثلاث نقاط بنمط خط “الثلث”. والحلواني يصفه (الألف) بأنه ” بالفعل مجموعة من المنحنيات”، ويتساءل “لكن ما هو الشيّق بالنسبة إلى مجموعة من المنحنيات؟”، ليُجيب: “نظراً إلى عمليات الصقل والتصفية للتجارب المختلفة، يمكنك الحصول على منحنى يأسرك بمجرّد النظر إليه”. ويذكر أن بإمكان هذا النمط الفني المنضبط والمستند إلى قواعد صارمة، الأخذ والاستلهام من شخصية الميت وصفاته الذاتية، كما يمكنه، بحسب ما يصف حلواني، أن لا “يمثّل أيّاً من هويات ذاك الشخص الراحل وصفاته”، بل أن يغدو “تجريداً لوجوده”. لقد اشتهرت منطقة شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام بالشعر الشفهي ولم يدوّن من تلك الثقافة سوى القليل. لكن مع ظهور الإسلام، وإذ باتت ثمة حاجة لحفظ النص القرآني المقدس وصونه وضبطه، بدأ الخط العربي يشهد التطور في السنوات التي تلت وفاة النبي محمد. وقد ذاع صيت العرب بروايتهم الشفهية، كما افتخر بعضهم بقدرته على حفظ قصائد كاملة وآيات من القرآن. واعتبرت المعلّقات السبع، وهي قصائد سبع ألفها سبعة شعراء عرب مختلفين في عصر ما قبل الإسلام لتعلّق على جدران الكعبة التي صارت في ما بعد أقدس المواقع الإسلامية، من أول أعمال الخط العربي الموثقة في العالم العربي. ويتساءل حلواني: “لا أعرف تماماً إن كانت المعلّقات لتكريم القصيدة أم لتكريم الشاعر؟”. حلواني، المتخرج مهندس حاسوب من إحدى جامعات بيروت، لا يعتبر نفسه فناناً وجدانياً، بيد أنه حقق أعمالاً شكّلت جزءاً لا يتجزأ من الشخصية البصرية الراهنة لمدينة بيروت، حيث زيّنت جدارياته الرائعة بعض الأبنية ذات الحضور الأيقوني في المدينة. وجاء عمله الأحدث، “شجرة الذاكرة”، الذي أنجز في شهر يوليو (تموز) عام 2018، ليمثّل منحوتة في وسط المدينة لذكرى مرور قرن على المجاعة الكبرى في جبل لبنان التي قتلت 200 ألف شخص من سكان البلاد. وتحمل أوراق تلك الشجرة (شجرة الذاكرة) كلمات واقتباسات من أشخاص عاشوا في أيام المجاعة. ويقول حلواني عن هذا العمل إن الخط يخلق على سطح المنحوتة “طبقة ذات بعد جمالي كثيف”، تؤدي إلى علاقة حب من النظرة الأولى بين العابرين والعمل الذي يتراءى لهم”. وذاك يجعلهم، بحسب ما يوضح، يستوعبون ذكرى موت مئات آلاف الأشخاص”. وأمام فقدان أي شاهد على تلك المجاعة، يستخدم حلواني الشجرة وأعمال الخط التي تتضمنها كي تمثل الحياة النباتية التي يفترض أنها عايشت تلك الفترة وخبرتها، فتُحيي رواية من ماتوا عبر روعة وبهاء الحروف المكتوبة والمخطوطة. وكذلك تنتشر الوجوه التي رسمها حلواني في أنحاء بيروت، مستخدماً في إنجازها الحروف العربية بصيغة “نقاط ضوئية” (بكسلات pixels) ليُحيي ذكرى شخصيات لبنانية ثقافية وتاريخية مبرزة، وليُسائل على نحو صريح تحريم التصوير في الثقافة الإسلامية بموازاة الاستخدام الثقافي للخط. وفي هذا الإطار وأمام آلاف الملصقات السياسية المنتشرة في الفضاءات المدينية اللبنانية، يوضح حلواني فكرته قائلاً: “أردتُ رسم الصور في مواجهة الملصقات السياسية المثيرة للشقاق”، إذ بوسع صور فنانين وشعراء لبنانيين شهيرين راحلين، يحبهم كثيرون في طول البلاد وعرضها، أمثال صباح وجبران خليل جبران، أن تخلق “عملاً فنياً ممثلاً للناس الذين يعيشون في قلب الأحياء السكنية، لا الأقليات الحزبية السياسية الطائفية التي تحاول فرض وجودها عبر ملصقاتها”. 3سرّب الخط العربي نفسه في الحياة اليومية للعرب في شتى أنحاء العالم (أحمد تويج ولقد سرّب الخط العربي نفسه في الحياة اليومية للعرب في شتى أنحاء العالم، مشكّلاً عموداً فقرياً للفن والتجارة العربيين المعاصرين على حدّ سواء. واحتفاء بالبعد العالمي للخط العربي ودوره في الحياة اليومية، أنشئ على “إنستغرام” حساب @arabictypography لينشر صور أعمال خط عربي من حول العالم، تتنوّع بين جداريات بهية تزيّن واجهات المباني، وخطوط أنيقة تزيّن مساحة صغيرة بخلفيات القطارات أو السيارات. ويسهم في ذاك الحساب، أو الصفحة، على “إنستغرام” أفراد من جميع أنحاء العالم، مستخدمين “ترند” #foundkhtt رغبة منهم في نشر مساهماتهم. وقد حقق الحساب المذكور نجاحاً باهراً السنة الفائتة. واحتفاء بتقليد استخدام الخط العربي وحروفيته لاستذكار الموتى، كلّف الحساب، الذي لديه 115 ألف متابع، فنانين من مختلف أنحاء العالم تصميم أسماء الأشخاص الـ 51 الذين قتلوا في الهجوم الإرهابي الذي وقع في نيوزيلندا العام الفائت. وكان الاعتداء الفظيع على مسجدين محليين في منطقة كرايستشيرش Christchurch قد نشر موجات ذهول وصدمة في جميع أنحاء العالم. فجريمة القتل الجماعية الأكبر هذه في تاريخ نيوزيلندا الحديث راح ضحيتها 51 شخصاً، بيد أن الحزن أصاب الآلاف على صعيد عالمي. واستدعى الحزن على الضحايا، في ذلك الوقت، أشكال عدة من أنماط الحداد، من أداء الـ”هاكا” الاحتفالي للـ”ماوري”، سكان نيوزيلندا الأصليين، إلى وقفات وحلقات إضاءة الشموع في مختلف البلدان. وجاءت تلك الحملة المتضامنة مع ضحايا الاعتداءين كي تلتفّ على الصدمة النفسية وتتجاوزها عبر تذكّر من فقدوا أرواحهم من منظور فني إسلامي. وعن هذا الحساب المذكور على “إنستغرام”، تقول مطلقته الموريتانية الأصل فاطمة موسى: “منذ أن بدأت بهذا الحساب، حاولت دعوة العاملين في الوسط الفني إلى تذكر أسماء الضحايا (ضحايا الاعتداء في نيوزيلندا). وقد استُقبلت المبادرة على نحو عظيم، إذ حظي بعض الصور المنشورة بـ2000 علامة استحسان”. وتابعت “هدفي (من هذه الحملة) هو إعادة تركيز النقاش حول الناس، بدل اقتصار تركّزه على البيض المتعصبين، وسعيتُ كذلك إلى أنسنة تلك الوجوه التي فقدناها في السياق”. وعن العدد الكبير من المقالات التي تناولت مرتكب الاعتداء وبعض عناوين الصحف والأخبار الرئيسة الذي أشار إلى ماضيه كـ”ولد ملائكي”، تعلّق موسى: “نعيش في عالم نجنح فيه إلى تركيز الانتباه على الأجساد البيضاء، حتى لو كان أولئك مرتكبي الجرائم”. وتستخدم موسى منصتها على “إنستغرام” كذلك لمواجهة الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) السائدة في أوساط الجمهور الأوسع. وتقول: “فن الخط يمثل إرثنا ونمط فننا. لا يمكننا الاتكال على الغرب كي ينشر روايتنا، بل إنها مسؤوليتنا في إيجاد الوسائط الإعلامية والمحتوى. وكانت الأحداث المتأتية من مشاعر رهاب الإسلام في بريطانيا، وفي أعقاب اعتداء نيوزيلندا مباشرة، قد ارتفعت نسبتها بمعدل قارب الـ600 في المئة، بحسب تقرير مجموعة الرصد “تيل ماما” Tell Mama. وعن هذا الأمر، تقول موسى: “إننا نحاول استخدام منصتنا لمواجهة الإسلاموفوبيا على الإنترنت، التي جاءت أعمال القتل في الأساس نتيجة لها”. حتى يومنا هذا، وفي مختلف الدول العربية، إذ يرحل الأحباء ويتوفّون، ما زالت الملصقات المزينة بالخط العربي الإسلامية، المعروفة بـ”ورقة الراوي”، تنتج من قبل عائلات المتوفين معلنة للأوساط المحلية حيث يعيشون عن غياب فقيدهم. وهم يفعلون ذلك، بحسب حلواني، “لأن السمة الجمالية تمنح الراحل بعداً تبجيلياً. وذاك يمثل تكريماً له”. وكلما ارتفع مقام الفرد الراحل، ازداد ضريحه زينة عبر أنماط فنية مختلفة مثل العمارة والهندسة والتناظر. النماذج على ذلك تتضمن المزارات الباهرة لأضرحة سلاطين الإمبراطورية المغولية في تاج محل بالهند، أو مقام علي بن أبي طالب في النجف بالعراق، حيث زُيّنت تلك المقامات والمزارات بالخط العربي، وبالعناصر المعمارية والهندسية والأبعاد التناظرية. وهناك في النجف ينتصب مقام علي بن أبي طالب، أي ضريح صهر النبي محمد، المشيّد سنة 977 ميلادية، متعالياً بقبابه وقناطره المتناظرة، المكسوّة بالبلاط الخزفي الأزرق والأخضر والأصفر، والمزدانة بالخط العربي المتوجة بقبّة مذهّبة مهيبة، تكريماً لدور الإمام الكبير منذ فجر الإسلام. وأنا إذ كنت قضيت وقتاً ضمن عملي الصحافي في العراق، شهدت بأم العين وعلى نحو مباشر تفجير الكرادة المروّع في بغداد سنة 2016، الذي أودى بحياة 300 مدني. وبعد أيام من التفجير، اكتست الأبنية في موقع التفجير بملصقات لأعمال بالخط العربي، تضم أسماء الضحايا، وتشارك أقاربهم الحداد وتضفي هالة من الحزن في أرجاء المدينة، كي تذكّر بالفاجعة. وعن الخط العربي وتكريم الموتى، يقول حلواني: “عندما ينتابك إحساس الذنب لدى وفاة شخص من عائلتك، فإنك تودّ تكريمه بقدر ما تستطيع. فتستخدم الخط العربي لأنه نمط الفن الوحيد المتاح أمامك للتكريم”. ويضيف حلواني “مسّ الخط العربي على الدوام جوانب عميقة من وجدان الناس، جوانب لا يمكنني شرحها. فهو يمسّهم فقط، ويروق لهم كثيراً، ما يجعلهم يعتبرونه مناسباً لتكريم المتوفّين. لم يسبق لي التفكير بالأمر على هذا النحو، لكنه (الخط العربي) يبدو مؤثراً في وجدان الناس. وهكذا، فإن السير في وادي السلام بعد استيعاب أثر السنين والتواريخ المتبدي في كل جرّة فرشاة للعبارات والجمل المخطوطة على شواهد القبور، يجعلك تشرع في فهم ذاك التكريم الذي خصّته كل عائلة من العائلات لراحلها تحت الثرى. © The Independent المزيد عن: الخط العربي/مقبرة السلام/النجف/التراث العربي 1 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “تاريخ الشعوب العربية” كتاب ألبرت حوراني ووصيته الفكرية next post كيسنجر يحذر من انزلاق خلافات أميركا – الصين إلى حرب عالمية You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 1 comment sheriff badge 13 أغسطس، 2024 - 4:24 م Great read! I appreciate the effort you put into researching this. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.