ثقافة و فنونعربي جمال العتّابي / الحياة السرية لسلفادور دالي by admin 29 مارس، 2021 written by admin 29 مارس، 2021 67 القدس العربي / جمال العتّابي-كاتب عراقي يسرد سلفادور دالي (1904ـ 1989) سيرة حياته، في أكثر من خمسمئة صفحة، في الكتاب الصادر عن دار الحوار السورية 2016، بترجمة متيم الضايع، لقد منح دالي امتياز إثبات حياته قبل أن يموت، وهو امتياز لم يحظ به غير قلة من الفنانين، واعتراف العالم بعبقريته أثناء حياته، وكانت تصريحاته، في معظمها، مطبوعة بطابع رجل قادر على أن يقف بمفرده في وجه العالم، ومع ان وضعه كرسام كان منسجماً مع المدارس المعاصرة لحياته، كالسيريالية، التي يتمثل دائماً في معارضها، ويحتل مكان الصدارة فيها، فإن من الصعب تصنيفه في أي المدارس يقف؟ ويبقى معزولاً في العالم الذي خلقه بنفسه. يميل دالي دائماً إلى أن لا يقدم تفسيراً لمعنى لوحاته، كتب ذات مرة: حقيقة كوني أنا نفسي في لحظة الرسم لا أفهم صوري، لا تعني أن هذه الصور بلا معنى، على العكس، فمعناها يبلغ في العمق، التعقيد، التماسك واللاإرادية، بحيث تفلت من أكثر التحاليل بساطة للحدس المنطقي. سلفادور دالي أحد أشهر الرسامين العالميين في القرن العشرين، ولد لأسرة إسبانية ثرية، حققت له كل ما يتمناه، ربما يكون هذا أحد الأسباب التي دفعت دالي إلى سلوك قريب من الجنون، اتسم بالطيش واللاعقلانية، إن حياته السرية التي دونها في هذا الكتاب تعد أحد الآثار المهمة التي تركها، وهي بهذا العدد من الصفحات، يصعب على المتتبع ان يختزل التفاصيل والأحداث والوقائع، وهي تتخطى الحدود المألوفة في الكتابة. بدأ دالي حياته السرية، بذاكرة داخل الرحم، ثم الولادة، وذاكرة الطفولة الزائفة والحقيقية، وفي القسم الثاني، تحدث عن مراهقته، ومراحل دراسته، وموت الأم، والرحلة إلى باريس، وفي القسم الأخير، تحدث عن دوره الريادي في الحركة السيريالية، وعن مدن أحبها، أو كرهها، وتحدث عن بشاعة الحرب، ونشأة الكون، والتحول، الموت والبعث. إلى جانب هذا يسجل دالي بعضاً من حماقاته في مذكراته، فكتب أنه كاد أن يقتل صديقه عندما دفعه عن حافة الهاوية، وركل رأس شقيقته الصغيرة برأسه، كما أنه عذّب هرة حتى الموت، بل كان يعذب نفسه، عندما يرتمي على السلالم، أو يتدحرج عليها أمام أنظار الجمهور. يقول دالي: أنا التجسيد الأكثر تمثيلاً لأوروبا ما بعد الحرب، لقد عشت كل مغامراتها، وكل تجاربها، وكل أحداثها الدرامية، كشخصية رئيسية في الثورة السيريالية، عرفت أبسط الأحداث الفكرية اليومية، وانعكاساتها في التطور العلمي للمادية الجدلية، والعقائد الفلسفية المزيفة، درست مطولاً علم اللاهوت، لم أكن مستعداً للانتماء إلى أي حزب سياسي أياً كان، يتساءل سلفادور دالي، ما هي السماء؟ أين توجد؟ فيجيب، السماء لا توجد في الأعلى، ولا في الأسفل، توجد السماء بالضبط في مركز صدر إنسان لديه إيمان! فرادة دالي، وإن ظلت بمعنى ما، مرتبطة بعصره، وهي في أعمق معانيها، نموذج حياة صاخبة لا يمكن تقليدها، سلفادرو دالي عالم قائم بذاته، من النوادر والأقوال والصور الخيالية الغامضة المعالم، كانت حياته سلسلة من الأفعال الدراماتيكية، القريبة في روحها، إن لم تكن في حرفيتها، من الدوافع الثورية للسيريالية، فهو في رسمه المستمر لنفسه، يمسك بالمتنوع، وبما لا يتكهن به، في حياته انعطافات فجائية، واكتشافات عديدة تؤلف حياة دائمة التجدد والانتعاش، وصار كيان دالي بخلاف أغلب الرسامين، شيئاً لا ينفصل عن كيان العالم. إن مبدأ حياته كفنان يكمن في حاجته إلى التجدد الذاتي الدائم، هذه الحاجة إلى الاكتشاف المتجدد، جعلت منه رساماً يخترق حدود الرسم باستمرار، إنه ساحر، وعرّاف. يقول عن نفسه: مثلي كانت تبدو على محياه ملامح عبقرية لا لبس فيها، منذ الطفولة، كنت قاسياً، وطرياً، وجباناً، أراد أن يكون طباخاً، في السادسة من عمره، وفي السابعة أراد ان يكون نابليون. يتحدث عن أشياء طريفة في حياته، كان لا يتناول السبانغ، يمقته بسبب شكله غير المرتب إطلاقاَ، ليس هناك شيء فيه سوى الرمل، وأثناء ما حاول الطبيب ثقب شحمة أذني أخته، هجم على الطبيب بحزام جلدي وكسر نظارته، أطلق الطبيب العجوز صرخة تنم عن ألم شديد، وسقط على الأرض، راهن في إحدى المسابقات في مدرسة الفنون الجميلة على نيل الجائزة برسم لوحة، دون أن تلمس فرشاته لوح الرسم، وقف على مسافة متر واحد منها، وبدأ بنثر الألوان، ونجح في جعل الصورة (المنقطة)، دقيقة جداً في تصميمها وألوانها ونال الجائزة. إن الفردانية الساخطة المبالغ فيها، التي أظهرها دالي كطفل، تبلورت في مراهقته على شكل ميول معارضة للمجتمع بشكل عنيف، يقول: تركت شعري ينسدل كشعر الفتيات، وبدأت أتقمص ملامح الكآبة التي سحرتني في صور روفائيل، كنت متأخراً في ممارسة (العادة السرية)، لم أكن قادراً على فهم ما هي. يتحدث سلفادور بإعجاب عن لقائه الأول المثير بالفنان بيكاسو، في منزله، يقول: كنت أسير وأنا أفيض احتراماً كما لو أني ذاهب لأقابل البابا، قلت له: جئت لزيارتك قبل زيارة متحف اللوفر، فأجاب، أنت محق تماماً. كان دالي حريصاً على أن يطلع بيكاسو على لوحة صغيرة جلبها معه هي (فتاة صغيرة)، ظل بيكاسو يدقق فيها مدة خمس عشرة دقيقة، دون أي تعليق، وظل لمدة ساعتين يعرض العشرات من أعماله، وفي كل لوحة كان يصب عليّ نظرته المليئة بالحيوية والذكاء بطريقة عنيفة، جعلتني أرتعش، وانتهى لقائي معه، دون تعليق من أي نوع. إن المتعة التي وفرها سلفادور دالي للقارئ، تتمثل بغنى التجربة والرؤية والموقف، ولعل إحدى المعلومات الجديدة التي أفصح عنها في كتابه هذا، هي إعلانه عن نسبه العربي المؤكد، الموجود في شجرة عائلته، التي تعود إلى زمن سيرفانتس. ويمكننا القول في ضوء تلك التجربة الطويلة الغنية، وما قدمه دالي من معلومات تفصيلية، إن عالمه قوامه السحر والخوارق، وهو يحتفظ بالمعنى البدائي الساحر، أي الإنسان الذي يكتشف المجهول. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post وليد الحسيني : فخامة “المتحوّل” next post بعد إنتاجها لقاحاً ضد كوفيد-19: بيونتيك الألمانية تطوّر لقاحاً ضد السرطان You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.