ابن رشد في لوحة الرسام الإيطالي بينوزو غوزيلي (من الكتاب - دار ماكولا) ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن رشد والأكويني رسمها فنانو النهضة by admin 27 ديسمبر، 2024 written by admin 27 ديسمبر، 2024 21 كتاب فلسفي فني جديد يكشف القلق الذي أحدثه فيلسوف قرطبة العقلاني في الفكر اللاهوتي اندبندنت عربية / مهى سلطان اعتمد الرسامون الإيطاليون مختلف الطرائق والأساليب التي عكست ليس فقط شخصيات الفنانين فحسب بل مقاربتهم لشخصيتين مثيرتين للجدل حول فحوى المسيحية وما تمثله الفلسفة الإسلامية في الفكر الغربي من تأثيرات لم يتم الاعتراف بها. والكتاب الصادر حديثاً عن دار ماكولا في باريس، بعنوان “الخارج من الداخل: ابن رشد في فن الرسم”، للمفكر جان بابتيست برونيه، وهو أستاذ متخصص في الفلسفة الإسلامية، يستحضر الماضي والحاضر في تاريخ السجال ما بين ابن رشد وتوما الأكويني من خلال قراءته الفلسفية لبعض الأعمال الفنية، وما تحمله من خفايا حول الموضوع الحقيقي لهذا السجال، كما يحوي الملاحق على ترجمة غير منشورة للنصوص الرئيسة للمناقشة. من المعروف أن الفنانين الغربيين في تلك الحقبة، أدرجوا الحكماء والعلماء ورجال الدين وأنبياء العهد القديم والجديد في أعمالهم الدينية، ولم يتطرقوا عادة إلى شخصيات تاريخية ما لم تكن لهذه الشخصيات مكانة وتأثير في الفكر عموماً، وفي الفكر الغربي خصوصاً. أما صورة الفيلسوف ابن رشد في الفن التصويري الغربي، فقد برزت كرجل بلباس عربي ملتح معتمر العمامة، كما يظهر ذلك جلياً في الرسم الجداري الشهير لرافائيل المحفوظ في غرفة التوقيعات في الفاتيكان، الذي جمع بوتقة من حكماء أو فلاسفة العصور في عمل واحد حمل اسم “مدرسة أثينا”. وكذلك ظهر ابن رشد بالحلة العربية من بين الحكماء الثلاثة الذين رسمهم جيورجوني (وقيل أيضاً تيسيانو). هذه السمات اللصيقة بشخصية الفيلسوف العربي استندت بلا شك على أوصاف وردت في الأحاديث والروايات وأخبار الأقدمين. يذكر أن بعض الأعمال الفنية التي ظهر فيها ابن رشد، منفذة بأيدي رسامين مجهولين أو غير مشهورين، كما هي حال كثير من الرسوم القديمة التي تعود غالباً إلى القرون الوسطى، أما في عصر النهضة الإيطالية، فهي من صنع فنانين معروفين، وكانت لهم مكانة مميزة في تاريخ الفن. ابن رشد معمماً باللباس العربي بالقرب من بيثاغورس (تفصيل من لوحة مدرسة أثينا لرافاييل) كرست الأعمال الدينية صورة الراهب والقديس توما (1225-1274)، كفيلسوف، وهو دومينيكاني أسس مذهباً جديداً في علم اللاهوت أو الفلسفة الإلهية. وعلى رغم من تأثره بأرسطو، لكنه دحض المفاهيم الفلسفية التي ترفع قيمة العقل على الدين، على اعتبار أن العقل البشري قاصر ومحدود. وضع مؤلفات عدة، أهمها “الخلاصة اللاهوتية”، الذي باشر في كتابته عام 1265 حتى سنة وفاته، ونشر في 1485، مع أن الكتاب بمجمل أجزائه لم يكتمل نهائياً، إلا أنه أحد الأعمال المهمة في تاريخ الفلسفة الغربية، وكذلك في الأدب الغربي، ويعد مصدراً رئيساً للعقيدة الكاثوليكية. ومن بين ما طرحه “البراهين الخمسة” وهي أدلة منطقية يستخدم فيها منهج التحقيق في إثبات وجود الله، وأن المعرفة التي نحصل عليها من خلال الحواس والشعور بالذات هي قاصرة، والعقل البشري قاصر أيضاً، لأنه يستمد معلوماته الطبيعية من الحواس، وبذلك ليس بمقدوره معرفة عالم ما وراء الطبيعة، وأن الكتاب المقدس هو الطريق الأمثل. إلى جانب الطرح اللاهوتي، تناول مواضيع أخرى في المنطق والأخلاق والسياسة والطبيعة والسعادة وغيرها، إذ زادت أعماله على الـ60 عملاً. ابن رشد: لا خلاف بين الدين والفلسفة عمل ابن رشد (من مواليد قرطبة 1126- 1198)، على التوفيق بين الحكمة والشريعة، أو بين دين الإسلام وفلسفة اليونان، فدعا إلى وجوب استعمال القياس العقلي والقياس الشرعي معاً، على اعتبار أن لا خلاف بين الدين والفلسفة. وكذلك “الرشديون” الأوروبيون المتأثرون به والمدافعون عنه، خصوصاً أن مسألة التوفيق بين الدين والفلسفة تطرق إليها بعض الفلاسفة المسلمين (الفارابي وابن سينا وابن طفيل وإخوان الصفا…) لكنهم لم يتعمقوا فيها ويشبعوها بحثاً كما فعل ابن رشد في كتابه “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” و”الكشف عن مناهج الأدلة” و”تهافت التهافت”. وقد كفره رجال الدين، بينما عده رجال الفلسفة مؤمناً مخلصاً. كتاب “الخارج من الداخل: ابن رشد في فن الرسم” (دار ماكولا) عرف ابن رشد في الغرب بتعليقاته وشروحه لفلسفة أرسطو، التي أمضى في كتابتها 30 عاماً، والتي لم تكن متاحة لأوروبا اللاتينية في العصور الوسطى المبكرة، مما أسهم في ازدياد تأثير أرسطو في الغرب القروسطي، فضلاً عن تأثيرات أفلاطون التي مهدت لعودة الأفلاطونية الجديدة لدى كبار الإنسانيين في عصر النهضة. أثرت مدرسة ابن رشد المعروفة بالرشدية في الفلسفة تأثيراً قوياً على الفلاسفة المسيحيين أمثال توما، واليهود أمثال موسى بن ميمون وجرسونيدس. وعلى رغم ردود الفعل السلبية من رجال الدين اليهود والمسيحيين، فإن كتاباته كانت تدرس في جامعة باريس وجامعات العصور الوسطى الأخرى، وظلت المدرسة الرشدية الفكر المهيمن في أوروبا الغربية حتى القرن الـ16 الميلادي. ترجمت فلسفة ابن رشد وشروحه لفلسفة أرسطو إلى اللغة اللاتينية على يد عالم الرياضيات والفلكي والكيماوي الاسكتلندي مايكل سكوت (1175-1232)، الذي تعلم اللغة العربية في مدينة طليطلة في الأندلس، وكان أعظم مفكر في زمانه، ومن بين الذين تأثروا وأعجبوا بالفلسفة الرشدية مجموعة كبيرة من المفكرين الأحرار يدعون “الرشديون”، أمثال سيغر البرابسوني وبونفيس الثامن ودانتي أليغري وجان جاندون وجون بكاونثروب وغيرهم. وكان التيار الرشدي الأوروبي يهدف إلى التوازن بين الدين والفلسفة، واستخدام التأويل بين النص المقدس والمنطق والفلسفة، وإيقاظ العقل المسيحي من غيبوبة الغوص في التصوف والباطنية الروحية، أما نفوذ ابن رشد على الفلاسفة المحترفين، فتجلى أكثر في الفرنسيسكان خصوصاً، وفي جامعة باريس عامة. ابن رشد ممدداً يقرأ في لوحة للرسام الايطالي جيوفاني دي باولو (من الكتاب) في الواقع، إن تأثير فلسفة ابن رشد في أوروبا أفرزت ثلاثة تيارات هي، الرشدية المسيحية والرشدية النهضوية والرشدية اليهودية، وكانت المؤسسة الدينية تجاه هذه التيارات سلبية إلى حد ما، إذ كفرت الرشدية وأتباعها بصورة عامة، بسبب النفوذ الفلسفي الرشدي على العقلية المسيحية الأوروبية، بل وصل الأمر إلى حد المطاردة والقتل لمن يعتنق الرشدية، كما جرى مع كبير الرشديين البرابسوني الذي وقف نداً للأكويني فقتل عام 1284. تمكن توما الأكويني من إقناع الكنيسة الأوروبية بأن نظام أرسطو يجب عده مع نظام أفلاطون كأساس للفلسفة المسيحية، وأن المسلمين و”الرشديين المسيحيين” قد أساءوا في تفسير أرسطو، وبذلك قدم فلسفة أرسطو لتكون عوناً للكنيسة، بعد أن أجلاها وطورها وجعلها ملائمة توافق وتخدم العقيدة الكاثوليكية. بين توما الأكويني وأفيروس يسلط كتاب “الخارج من الداخل: ابن رشد في فن الرسم”، للمفكر جان- بابتيست برونيه الضوء حول القاسم المشترك الذي يجمع بين توما وابن رشد وهو أرسطو، ويعد أن الجدل الواقع بين الاثنين نزاع فلسفي يتعلق بمكانة العقل إزاء الخطر من افتقاره في ظل سطوة الدين. يتوقف المؤلف عند لوحة انتصار توما للرسام الإيطالي بينوزو غوزولي (1420- 1497)، وهي تضم شخصيات دينية وكنسية مع عدد من الفلاسفة (من بينهم أرسطو وأفلاطون) وعلى المنبر المهيب يجلس القديس “المنتصر” ويبدو مهيمناً على الخصم الذي يظهر مستلقياً تحت قدميه. “هذا الرجل المهزوم ذو العمامة واللحية هو ابن رشد، المعلق العربي الكبير على أرسطو. ماذا يفعل هناك؟ ما معنى هذا التشبيه السلبي بداهة، الذي يتكرر على مر العصور؟” هذا السؤال الذي طرحه برونيه، يتعقبه في أعمال أخرى تحمل المسمى نفسه. ففي اللوحة الجدارية التي أنجزها الرسام الفلورنسي أندريا دي بونايوتو (1343- 1377) بطريقة الفريسكو، بين عامي 1365 و1367، بطلب من الأب جواسكوني زانوبي، على الجدار الأيسر لكنيسة سانتا ماريا نوفيلا في فلورنسا، تظهر قديساً جالساً على عرش من الطراز القوطي، مرتدياً الثوب التقليدي باللونين الأبيض والأسود، وهو الزي المميز للأخوة الدومينيكان، وممسكاً بكتاب الحكمة بين يديه. عند قدميه وضع الرسام “المهزومين” الكبار أمام العقيدة التوماسية: نسطور إلى اليسار، ابن رشد في الوسط، واريوس إلى الجهة اليمنى، وكأنه شاء إذلالهم من خلال هذه الوضعية. ومعروف أن الثلاثة قد اتهموا بالهرطقة، نسطور وأريوس بسبب آرائهما ومواقفهما من العقيدة الكنسية، وابن رشد بسبب تأثره بأفكار أرسطو حول عملية “الاستدلال المنطقي” لقد رسم أندريا دي بونايوتو، كما فعل آخرون سواه من أمثال جيوفاني دي باولو (1403- 1482)، تلبية لرغبة رجال الدين، لوحة تتقيد بالتعاليم المسيحية الصارمة، أي ما يعني بالنسبة إليهم تصوير هزيمة الزندقة والفلاسفة المفسدين، والسعي إلى تحطيم أطروحات عدة منها أطروحة أرسطو حول الروح. ولكن يبرز أمر آخر أيضاً، فجميع انتصارات القديس توما هي موضعية، لذا فإن ابن رشد الذي بدا متأملاً، يقع في الجزء السفلي، بما يرمز إلى الـ”هو اللاواعي”، إنه في المرتبة السفلية، والتمثيل المرفوض الذي جاء نتيجة للتعصب اللاتيني، وقد بانت عليه أعراض القمع والحزن وكأنه واقع تحت تأثير حلم مزعج. في هذا المجال، يقول جان- باتيست برونيه، “لقد كان ابن رشد يمثل قلقاً للعقل اللاتيني. إنه يزعجه بصورة غريبة كواقع قديم ومألوف لكنه مستتر، وهو ينهض ليستمر ويظهر من جديد”. ثم يضيف، “في الأساس، يقدم ابن رشد مفهوماً للعقل كشكل من أشكال النوع، وكقوة مشتركة للتفكير. إنه يمتلك العقل المادي في إمكاناته اللامحدودة. وبلغة فوكو عام 1966، هذا هو الشيء الذي يسبقنا، وهو الذي يحملنا ويمر عبرنا. ومن وجهة النظر هذه، فإن عقلانية ابن رشد مثيرة للقلق باعتبارها واحدة من أكثر التنظيمات طموحاً لنظام الفكر ذاته في أبعاده الثلاثة: القوة الخالصة، والاكتساب، والفعل الإجمالي”. بالنسبة لتوما، فالعقل هو حقيقة الفرد في علاقته بالله والخلاص. ومن هنا يبدو أنه إذا تم إنكار الشمولية بطريقة ما، فإن المسيحي وحده هو الإنسان حقاً. في الواقع، فإن عرض انتصار توما في التاريخ، أكثر من مجرد انتصار بسيط على الإسلام، هو أيضاً حجب للفلسفة العربية، مما يؤدي إلى الكليشيهات وإلى نوع من الكاريكاتيرية والأكاذيب التي يؤكدها المؤلف حول الجذور المسيحية لأوروبا ولفرنسا. ويبقى أن حضور ابن رشد المتكرر في الرسم يشبه عودة المكبوت. إن جسد ابن رشد المتأمل، كما كتب برونيه هو تصوير للتاريخ والمفهوم الذي يلحق بما أرادت الأيديولوجيا إخفاءه. المزيد عن: ابن رشدالرشديةالفلسفةتوما الاكوينيعصر النهضةرسامون إيطاليونالعقلالدين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ما مصير الاتفاقات الروسية مع سوريا بعد هروب الأسد؟ next post ليبيا… استنساخ “معقد” لمسرح صراع دولي You may also like جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024 كوليت مرشليان تكتب عن: الصحافي والكاتب جاد الحاج... 26 ديسمبر، 2024