جان بودان (موسوعة الفلسفة) ثقافة و فنون جان بودان يجدد “جمهورية أفلاطون” على الضد من “أمير” ماكيافيللي by admin 3 مارس، 2024 written by admin 3 مارس، 2024 186 “كتب الجمهورية الست” تدعو إلى حكم المستبد العادل المستمد شرعيته من ولاء العائلة اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب ربما يكون المفكر الفرنسي جان بودان منسياً بعض الشيء اليوم، حيث لا شك أنه في الفكر السياسي وتاريخيته، من المؤكد أن ماكيافيللي صاحب “الأمير” يفوقه شهرة بكثير، مما يجعل من الممكن الافتراض بأن “المعركة” الفكرية التي خاضها بودان ضد فكر ماكيافيللي انتهت لمصلحة هذا الأخير، وحتى على مستوى التلقي الشعبي للفكر السياسي، دخل “الأمير” في الوعي العام، سلباً أو إيجاباً، كجزء أساس من الفكر المتعلق بالسلطة والحكم وشؤونهما، فيما يبدو بودان ولا سيما كتابه الأشهر – في زمنه – “كتب الجمهوريات الستة” غائباً تماماً، بالكاد يحفل به أحد خارج نطاق الجامعات والحلقات الفكرية الضيقة. غير أن هذا كله يمثل في سطح الأمور فقط. فإذا كان “أمير” ماكيافيللي بقي في الذاكرة الشعبية، بذاته كمرجع يستدل به ويستند إليه، فإن فكر بودان بقي أيضاً من خلال مؤثراته ومن خلال كونه مرجعاً أساسياً، لبعض أهم نتاجات الفكر السياسي العالمي، خلال القرون الأربعة الأخيرة، ذلك أن كتاب بودان كان له أثر متراكم وورثة استخدموه وطوروه، ومن بينهم خصوصاً الإنجليزي هوبس، فيما ظل فكر ماكيافيللي قادراً على الحضور من دون ورثة حقيقيين، ومن دون أن يشكل مرجعاً يستند إليه أي فكر سياسي تال، بل لعلنا لا نعدو الحقيقة إن قلنا إن “الأمير” يعيش في سلبيته، ومن خلال ما يؤاخذ عليه، فيما بودان يعيش كخطوة انعطافية في مسار الفكر السياسي العالمي الممتد من “جمهورية أفلاطون” حتى العصور الحديثة. تكامل لا تناحر مهما يكن من أمر، لنقل بالأحرى إن الفارق الأساس بين الإثنين، أي بين ماكيافيللي وبودان، يكمن في أن “الأمير” اهتم برسم الواقع انطلاقاً من نظرة سوداوية إلى السلطة وممارساتها في زمنه، صير إلى اكتشاف واقعيتها بشكل تدرجي على أية حال، فيما “كتب الجمهورية الستة” يكاد يكون تلخيصاً لتطلعات الفكر في المجال السياسي، وأحياناً من موقع “طوباوي”، يبدو لنا كنوع من التمني كان يبدو في زمنه غير قابل للتطبيق. ولقد أصاب المفكرون الذين كانوا يرون أن ماكيافيللي وبودان، على تناقضهما، كانا متكاملين، بمعنى أن أحدهما يرسم الواقع وينطلق منه، فيما يرسم الثاني ما يجب أن يكون عليه الواقع. فجان بودان كان همه، أصلاً، أن يستعيد للسلطة قوتها ومكانتها وسط مناخ من التسامح الديني، وذلك في زمن كان أبعد ما يكون عن ذلك التسامح. فهو عاش في منتصف القرن الـ16 وسط عالم ممزق بالصراعات الدينية، تفقد فيه السلطة السياسية، مهما كانت قوية، قوتها لمصلحة صراعات وتعصب تمزق المجتمع. من هنا عرف بودان دائماً بكونه “فيلسوف سياسة ذا تطلع طليعي” يسعى إلى وضع الأسس لحكم مثالي، يقوم على أساس ملكية ديمقراطية، “تنسف الملكية القائمة والبرلمان، عبر سلطة دستورية مطلقة تتأسس على حق إلهي لا يحده سوى القانون الطبيعي”. إن هذا الكلام كله قد يبدو في إطارنا الفكري الراهن حافلاً بالمتناقضات، غير أنه في إطاره الزمني والفكري يقوم على أسس الموازنة الدقيقة بين الاحتمالات الممكنة، انطلاقاً من سمات متعددة لواقع ينبغي تجاوزه. ماكيافيللي (غيتي) منظومة تنطلق من طاعة الملك إذاً، يركز جان بودان، في كتابه هذا، على نموذج سياسي محوره قيام منظومة مدنية تتمحور حول الطاعة لعاهل، يعرف جيداً حاجات المواطنين ويسير على هديها. هل نحن بعيدون جداً عن نظرية “المستبد العادل”؟ وفي مثل هذه المنظومة يكون من الضروري، وفق بودان، احترام قرارات السلطة، بغية تفادي الفوضى العارمة التي كانت مستشرية خلال القرن الـ16، والتي سيكون بودان نفسه واحداً من ضحاياها، إذ سرعان ما سنجده متهماً بالهرطقة على رغم كثير من التنازلات التي عبر عنها مبدياً خضوعه الكلي لما هو قائم في زمنه! وبودان، الذي كان أفلاطونياً في روح فكره، أرسطياً في أسلوبه، حرص على أن يختتم كتابه هذا بأنشودة أفلاطونية مؤثرة تحدث فيها إلى العدالة الإلهية طالباً عونها، غير أن هذا لم يشفع له، لكن الجوهر ليس هنا، الجوهر في فكر بودان هو أنه كان يرى – وعلى عكس ماكيافيللي تماماً – أن الأساس في “فن السياسة، ليس الوصول إلى السلطة بكل الوسائل الممكنة، بل الوصول إلى الحق، أي إلى تطابق ممارسات الحكم مع كل قوانين الكون والإنسان الكبرى”. وفي هذا الإطار من المؤكد أن “الحيلة والجرأة اللتين يمارسهما أمير ما، لا تكونان على أهمية إقامة بنية صحيحة للمؤسسات”، مما يعني أن بودان يرى روح الدول في تلك القوى التي “أهملها ماكيافيللي تماماً: الدين والأخلاق والعدالة والغريزة العائلية”. والحال أن “العائلة” ومفهومها يلعبان دوراً أساسياً لدى بودان، ذلك أن “العائلة المسيرة تسييراً حسناً، هي الصورة الحقيقية للجمهورية” كما أن “القوة داخل البيت تشبه قوة الملك”. وهذه الفكرة التي ترى أن الخلية الاجتماعية الأولية والأساسية توجد في العائلة لا في الفرد، هي التي هيمنت على فكر بودان وسوف تجد تعبيراً مهماً عنها لدى ورثته، في هذا الإطار في الأقل، من بونالد إلى كونت وغيرهما. وكان بودان هو أول من عبر عنها وقننها في الفكر الغربي الحديث، بل إنها تشكل المبدأ الأساس لتصوره للدولة، وفق دارسيه، ذلك أن العائلة هي التي تصور أفضل تصوير بتماسكها ووظائفيتها، الصورة التي يريدها بودان لـ”الجمهورية” ولا نعني هنا بالطبع الحكم الجمهوري بالمعنى الحديث للكلمة، بل حكم “الجمهور” من قبل ذلك المستبد العادل الذي هو من يمثل حقاً إرادة ذلك الجمهور الذي يمده بالمشروعية التي تسير خطى الأمير، وذلك على أية حال انطلاقاً من كون العائلة هي الخلية الاجتماعية الأساسية لتكوين ذلك الجمهور. فالعائلة تعبر عن الوحدة والتماسك والاستقلال، وأكثر من هذا: عن الواقع الملموس للكائن السياسي. وانطلاقاً من الخلية العائلية يرسم بودان إذاً صورة للسلطة ترتبط بمفهوم السيادة في الشكل الذي كانت تعبر عنه، من ناحية عملية، تطلعات أصحاب النزعة القومية الصاعدة في القرن الـ16. صفحة من كتاب بودان (أمازون) والحال أن بودان من بعد أن حدد هذا الأساس الذي اعتبره جوهرياً، يبدأ باستعراض شتى الأشكال الكلاسيكية للحكم: الديمقراطية التي، في رأيه، تستند إلى “حلم يقف ضد الطبيعة يتحدث عن مساواة مستحيلة بين البشر” إلى الأرستقراطية “التي تتصدى في شكل جيد لتحدي صعوبة الوصول إلى اتحاد دائم للبشر النزهاء والمعتدلين في تطلعاتهم الشخصية”. وأخيراً إلى الملكية، التي من الواضح أن بودان يفضلها على غيرها. إنتاج كبير ومتنوع ولد جان بودان في مدينة آنجيه الفرنسية عام 1530، وعاش حياة شديدة التقلب انتهت في عام 1596، بيد أن بودان هو واحد من المفكرين الذين يعرفون بإنتاجهم الفكري، أكثر مما بحياتهم الشخصية. وإنتاج بودان كان كبيراً ومتنوعاً، بل إن بعضهم يعتبره واحداً من مؤسسي “الشمولية الفكرية” في العصور الحديثة، إذ نراه يسير في هذا على خطى الفلاسفة الإغريق القدماء. ومع هذا، مهما كان تنوع مؤلفات بودان، في مجال التاريخ أو تاريخ الأديان أو علم المناخ أو العلوم السياسية، يبقى أنه يبدو في نهاية الأمر وكأنه يحرص على أن يسخر كل معارفه، وكل المعارف السابقة عليه، من أجل بناء وإغناء نظريته السياسية. ومن هنا يرى كثر من الباحثين أن مؤلفه “كتب الجمهورية الستة” والذي يعرف، عادة، اختصاراً باسم “الجمهورية”، ما يوحي في الوقت نفسه بأفلاطونيته، هو الكتاب الأساس لديه، أو خلاصة كتبه وأفكاره كلها. وهو نشره للمرة الأولى عام 1576. وما يذكر من كتب بودان الأخرى “نظرية المناخات” الذي تأثر به مونتسكيو كثيراً، وحاكاه في وضعه هو الآخر نظريته في المناخات مطوراً إياها على ضوء ما طرأ على العلوم في زمنه. وهناك من أعماله أيضاً كتابان يكشفان تعكفه في قضايا العلم في زمن لم يكن العلم قد انفصل فيه عن الفلسفة ولا الفلسفة السياسية عن الفلسفات التأملية بالطبع: “منهج التاريخ” و”مسرح الطبيعة”… إلخ. المزيد عن: جان بودانمكيافيلليأفلاطونأرسطوالفكر السياسيطوباويالتسامح الدينيالإغريق 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا بيتكوفيتش الخيار الأفضل لتدريب المنتخب الجزائري؟ next post مترو لندن يختار 40 موسيقيا للعزف في محطاته You may also like جدلية العلاقة بين ابن رشد والأكويني رسمها فنانو... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024