قوات أوكرانية في منطقة زابوريجيا بأوكرانيا، مارس 2025 (رويترز) بأقلامهم جاك واتلينغ يكتب عن: حرب أوروبا في أوكرانيا by admin 10 أبريل، 2025 written by admin 10 أبريل، 2025 18 المهمة الخطيرة التي تتولاها القارة لتثبيت صمود كييف في الميدان والدفاع عن نفسها اندبندنت عربية / جاك واتلينغ جاك واتلينغ زميل وباحث بارز في مجال الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) بلندن. كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين مضطربة خلال الشهرين الأولين من إدارة ترمب الثانية. فمنذ أيامه الأولى في منصبه مجدداً، شدد الرئيس الأميركي على وجود خلافات كبيرة مع الاتحاد الأوروبي، واصفاً التكتل بأنه معادٍ للمصالح الأميركية، بينما قال نائبه جي دي فانس في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير (شباط) إن القيم الأميركية والأوروبية آخذة في التباعد. وبينما تتطلع الإدارة الأميركية إلى ضم غرينلاند وفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق، يستعد القادة الأوروبيون لعلاقة عبر أطلسية شائكة. ومع هذا فإن مضامين المخاوف الأوروبية تبدلت على نحو ملحوظ فيما شرعت إدارة ترمب بتنفيذ مناوراتها الأولى في محاولة إنهاء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. إذ بعد مواجهة علنية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض في فبراير (شباط)، توقف ترمب مؤقتاً عن تزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية– التقنية والاستخباراتية، مجبراً كييف على قبول استراتيجية تفاوضية استبعدتها ومعها شركاءها الأوروبيين من معظم المفاوضات المباشرة مع موسكو. وعلى رغم رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقف إطلاق النار الذي اقترحته واشنطن، فقد وصف ترمب تواصله مع الكرملين بأكثر العبارات إيجابية، بينما اقتصر الضغط الأميركي حتى الآن على كييف وحدها. في الوقت نفسه، أكدت الإدارة الأميركية بوضوح أنها لن تلتزم بدعم أوكرانيا على المدى الطويل، وأثارت تساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بتعهداتها الأمنية في أوروبا. وفي ظل دبلوماسية متعثرة، تتدهور الأوضاع على جبهات القتال في أوكرانيا. فقد تمكنت القوات الروسية إلى حد كبير من طرد القوات الأوكرانية من مقاطعة كورسك– وهي أراضٍ روسية احتلتها أوكرانيا منذ أغسطس (آب) 2024 – وتستأنف الآن عمليات هجومية كبيرة باتجاه بلدتي كوستيانتينيفكا وبوكروفسك الأوكرانيتين الرئيسيتين. وعلى رغم أن الجيش الأوكراني يكبّد القوات الروسية خسائر كبيرة في الأفراد والعتاد خلال هذه المعارك، فإنه يواجه صعوبة في تجنيد وتدريب عدد كافٍ من الجنود للحفاظ على مواقعه. وفي الوقت ذاته، يتبادل الطرفان ضربات ليلية بعيدة المدى تستهدف البنية التحتية والدعم اللوجيستي العسكري. وقد دفع خطر وقف الدعم الأميركي مرة أخرى كييف إلى استكشاف سبل استمرار مقاومتها- وبالتالي الحفاظ على نفوذها التفاوضي- من خلال الاعتماد على المساعدات الأوروبية وحدها. لقد أجبر ترمب أوروبا على التخطيط لتحمل مسؤولية أمنها الخاص وأمن أوكرانيا، سواء أثناء الحرب أو في مرحلة ما بعد انتهائها. والسؤال المباشر هو: هل هذا ممكن؟ الجواب المختصر: نعم ولا في آن معاً. فلدى أوروبا القدرة الكامنة على إنتاج معظم العتاد العسكري الذي تحتاجه أوكرانيا لمواجهة روسيا، لكنها لم تستعد بشكل فعال بعد لتحمل هذا العبء. يمكنها أن تحل محل الولايات المتحدة كمزود رئيس لأوكرانيا بالأمن، لكن تحقيق ذلك سيستغرق وقتاً، وسيتطلب تعاوناً صعباً، وسيكون مكلفاً. وعلى رغم أن هذه العقبات حقيقية، فإنها ليست مستحيلة التجاوز. ومع ذلك، فإن المضي في هذا المسار من المرجح أن يغير طبيعة العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة. مفاجأة متوقعة كان ينبغي على أوروبا أن تتوقع هذا التطور. فمنذ إدارة أوباما، كانت الولايات المتحدة واضحة في اعتبار منافسها الأمني الأول هو الصين. وقد أدى اهتمام واشنطن المتزايد بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى سعي الإدارات الأميركية المتعاقبة لتقليص التزامها تجاه أوروبا. ولتحقيق ذلك، طالبت الولايات المتحدة الدول الأوروبية بتعزيز قدراتها العسكرية لضمان الردع التقليدي ضد روسيا، وبالتالي إفساح المجال للولايات المتحدة للتركيز على آسيا. لكن حتى بداية إدارة ترمب الثانية، لم تلقَ تلك المطالب الأميركية استجابة حقيقية. فعلى رغم بعض الاستثمارات الرمزية في الدفاع بعد ضم روسيا للقرم عام 2014، وزيادةٍ بنسبة نحو 30 في المئة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي بين عامي 2021 و2024، فإن أوروبا لم توفر حتى الآن الموارد اللازمة لجيوشها كي تضطلع بوظائفها ضمن خطط حلف الـ “ناتو”. وحتى الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022، على رغم ما أثاره من خطابات حازمة في أوروبا، لم يدفع الحكومات إلى القيام بالاستثمارات المطلوبة لإعادة بناء قواتها الضعيفة. إذ تردد القادة الأوروبيون في تحمل تكاليف هذا المسار، وخشوا أن تؤدي زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي الأوروبي إلى تسريع انسحاب الولايات المتحدة من القارة، ما سيجعل العبء أوروبياً دائماً. احتماء من هجوم مسيرة حربية روسية في بوكروفسك، أوكرانيا، مارس 2025 (رويترز) وتتحمل أوروبا قسطاً كبيراً من اللوم لعدم بذل المزيد لمعالجة المخاوف الأميركية قبل عودة ترمب إلى السلطة. لكن الطريقة التي فرض بها ترمب الأمر الواقع أثارت ردود فعل قوية ومؤلمة في عواصم أوروبا. كان بإمكان ترمب أن يبلغ أعضاء الـ “ناتو” بأنه لن يلتزم بالمادة الخامسة- المادة في ميثاق الحلف التي تنص على أن الاعتداء على دولة عضو هو اعتداء على جميع الأعضاء- بالنسبة للدول التي لم تفِ بالتزاماتها تجاه الحلف، وهو ما كان سيتطلب إنفاقاً دفاعياً يقارب ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة لمعظم الأعضاء. مثل هذا الإنذار كان سيغضب العواصم الأوروبية، لكن كثيراً منها كان سيذعن له. فحينها، كانت الولايات المتحدة تطالب فقط بما التزمت به تلك الدول مسبقاً. لكن بدلاً من ذلك، أدى سحب الإدارة الأميركية دعمها لأوكرانيا إلى ضربة أعمق بكثير. فقد عرّض ذلك الأمن الأوروبي لتدهور سريع، بمنحه روسيا فرصة لتحقيق عدد من أهدافها العدائية في أوكرانيا، كما جعل الأوروبيين، قادة وشعوباً، يشعرون بأنهم تعرضوا للخيانة. إذ إن الدول الأوروبية لم تعد واثقة بأن الولايات المتحدة ستحمي مصالحها، حتى في أكثر المجالات الأساسية المتعلقة بالأمن والدفاع. تواجه الولايات المتحدة الآن خياراً مهماً. فإذا اختارت دعم وتمكين إعادة بناء القاعدة الصناعية الدفاعية في أوروبا، وامتنعت عن عرقلة الدعم الأوروبي لأوكرانيا، فإن بمقدورها تحقيق هدفها المتمثل في تمكين أوروبا من إدارة شؤونها الدفاعية والأمنية بنفسها، الأمر الذي يسمح لواشنطن بتحقيق هدفها طويل الأمد المتمثل في إعادة توزيع قواتها نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ. لكن، ولسنوات طويلة، اتبعت السياسة الصناعية الدفاعية الأميركية تجاه أوروبا نهجاً يستهدف تفتيت وإضعاف الصناعة الدفاعية الأوروبية، من أجل تشجيع المبيعات العسكرية الأميركية الخارجية داخل القارة. كذلك توقعت الولايات المتحدة أنها هي من سيتولى قيادة التحالف، نظراً إلى أن تدخلها كان شرطاً لازماً تقريباً لأي عملية عسكرية جادة. وإذا حاولت الولايات المتحدة فرض عملية إعادة تسليح أوروبية من خلال إلزام الدول الأوروبية بشراء مزيد من الأسلحة الأميركية، فلن تُكلل تلك المحاولة بالنجاح. صحيح أن أوروبا غير قادرة على إنتاج بعض أنظمة الأسلحة الحيوية، مثل نظام الدفاع الجوي “باتريوت”، وستواصل الاعتماد على مشتريات من الولايات المتحدة في هذا المجال. لكن مع اهتزاز ثقة الرأي العام الأوروبي بواشنطن، فإن الحكومات الأوروبية ستتردد في الرضوخ لهذا الضغط. كما أن اعتماد أوروبا على القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية لن يشكل أساساً قوياً للدعم المتوسط أو طويل الأمد لأوكرانيا أو لردع روسيا، نظراً إلى أن الولايات المتحدة سترى نفسها في النهاية مضطرة إلى تحويل جزء من طاقتها الصناعية للتعامل مع اختلال موازين القوى في المحيط الهادئ. وإذا استخدمت الولايات المتحدة ضوابط التصدير لمنع التصنيع الأوروبي المحلي- مع العلم أن العديد من سلاسل التوريد الخاصة بالمكونات الدقيقة والإلكترونيات المعقدة تُصنَّع وتُنقل بين دول مختلفة على جانبي الأطلسي– فمن المرجح عندها أن تفترق أوروبا عن الولايات المتحدة بسرعة أكبر، حتى لو عنى ذلك امتلاكها أسلحة أقل قدرة. انتقال منظم؟ الطريقة التي تختار بها الولايات المتحدة نقل أعباء الحرب إلى أوروبا ستحدد ما يمكن أن تنجزه أوروبا. ويتوقف الكثير من ذلك على ما إذا كانت واشنطن ترغب في تمكين أوكرانيا من مواصلة الدفاع عن نفسها أثناء التفاوض، أو إذا كانت مستعدة لإجبار كييف على قبول تسوية بأي شروط كانت. في هذا الإطار فإن حكومات أوروبية عدة، ولسبب وجيه، تتخوف من التناقض العميق الذي تظهره إدارة ترمب بشأن مسار الحرب. إذ إن الهزيمة الأوكرانية أو وقف إطلاق نار بشروط مواتية تماماً لروسيا، من شأنهما إجبار أوروبا على إعادة التسلح، الأمر الذي يمثل في نهاية المطاف هدفاً استراتيجياً أميركياً. إذ يمكن للولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق مع روسيا، ثم ممارسة ضغوط متزايدة على أوكرانيا لحملها على الامتثال لبنود الاتفاق. وفي الواقع، قد تسعى الولايات المتحدة إلى إجبار أوكرانيا- وبالتالي أوروبا- على الخضوع لهذا المسار. يمكن لأوروبا أن تأخذ دور أميركا وتصبح السند الأمني الأول لأوكرانيا يمكن لواشنطن، على سبيل المثال، أن توقف عمل محطات “ستارلينك” في كييف، وهي تكنولوجيا الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. وقد أثبتت “ستارلينك” أنها ضرورية لجهود الحرب الأوكرانية، وإن توقفها سيؤدي إلى انهيار فوري في منظومة القيادة والسيطرة عبر الخطوط الأمامية الأوكرانية، وهو ما سيكون كارثياً عسكرياً. ونظراً لحجم اعتماد أوكرانيا على “ستارلينك”، فإن الدول الأوروبية لن تتمكن من تعويض هذا الانقطاع المفاجئ في الخدمة خلال المدى القصير. وعلى رغم أن “ستارلينك” ليست تكنولوجيا لا يمكن الاستغناء عنها، وأنه يمكن بناء بنية تحتية بديلة للقيادة والسيطرة، إلا أن اعتماد أوكرانيا الحالي على هذا النظام يجعلها عرضة بشدة للمخاطر. كذلك تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ هائل على أوكرانيا وعلى حلفائها الأوروبيين عندما يتعلق الأمر بصيانة مخزونات الأسلحة والمعدات القائمة. فإلى جانب المعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا، فإن جزءاً كبيراً من المعدات والأسلحة التي أرسلها شركاء أوكرانيا الآخرون تم شراؤه أيضاً من شركات الدفاع الأميركية. وتشمل هذه المعدات مدافع هاوتزر M777 وM109، ودبابات القتال الرئيسة “أبرامز”، ومركبات القتال المدرعة “برادلي”، وأنظمة المدفعية الصاروخية عالية الحركة HIMARS، وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة M270، وطائرات مقاتلة من طراز F-16، وأنواعاً مختلفة من ناقلات الجنود المدرعة. إن رفض الولايات المتحدة إنفاق أموال على شراء معدات جديدة لأوكرانيا أمر، لكن أن تتوقف عن صيانة المعدات الموجودة بالفعل أو توفير قطع الغيار لها فهو أمر مختلف تماماً. كما يمكن للولايات المتحدة أن تمنع الدول الأوروبية من شراء قطع الغيار ذات الصلة ثم إرسالها إلى أوكرانيا. وتمتلك القوات المسلحة الأوكرانية نحو 4000 قطعة من المعدات العسكرية بانتظار الإصلاح، وتتعرض المزيد من القطع للتلف يومياً في القتال. ويمكن لأوروبا، مع مرور الوقت، أن تنقل الجيش الأوكراني إلى أنظمة يمكنها دعمها من دون مساعدة أميركية. لكن إذا اتخذت الولايات المتحدة خطوات عدائية لمنع صيانة المعدات التي سبق أن قدمتها، فلن تكون أوروبا قادرة على وقف التدهور المستمر في آلية عمل الجيش الأوكراني. وبوصفها العضو القيادي في التحالف، وفّرت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من الدعم اللوجيستي والقدرات على النقل والكوادر المسؤولة عن إدارة المساعدة العسكرية التقنية لأوكرانيا. وكما هي الحال في مجالات أخرى، فإن أوروبا لا تستطيع أن تعوض هذا الدعم بسرعة. صحيح أن الاتحاد الأوروبي قادر على إدارة الخدمات اللوجيستية على نطاق واسع داخل حدوده، وأن الدول الأوروبية تملك أصولاً وقدرات كبيرة لتخطيط وتنفيذ العمليات، لكن معظم البنى التحتية لتخطيط وتنفيذ الخدمات اللوجيستية العسكرية في أوروبا تقع ضمن حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وتشهد انخراطاً أميركياً كبيراً. ويمكن لواشنطن أن تدفع بكوادرها ضمن القيادة الأوروبية للقوات الأميركية إلى نقل السيطرة على الخدمات اللوجيستية تدريجاً إلى نظرائهم الأوروبيين. لكن إذا منعت واشنطن كوادرها من دعم هذا الانتقال، فستضطر أوروبا إلى بناء هياكل جديدة بديلة بدلاً من مجرد استبدال الكوادر الأميركية في مواقع الحلف، وهو ما سيعقّد العملية بشكل كبير. التماسك القاري ثمة عقبة كبرى أخرى تحول دون أن تتولى أوروبا زمام القيادة من الولايات المتحدة وهو افتقار القارة إلى التماسك. قطاع الصناعات الدفاعية الأوروبية هو أحد الأمثلة على ذلك. فعلى رغم امتلاك الشركات الدفاعية الأوروبية الخبرة اللازمة لإنتاج معظم فئات المعدات المطلوبة لدعم الجهد الحربي الأوكراني، فإن معظم الدول الأوروبية تشتري كميات ضئيلة من هذه المعدات، بحيث لا تتيح للشركات المصنعة تحقيق عائد مجزٍ على الاستثمار ما لم تُباع بأسعار مرتفعة. ونظراً لغياب التوقعات بالحصول على طلبيات ضخمة، تميل الشركات الأوروبية إلى الاكتفاء بمنشآت إنتاج صغيرة، وتواجه تنظيمات معرقلة حين تسعى إلى التوسع. ومعالجة هذا التحدي تتطلب تعاوناً قارياً لزيادة حجم الطلبيات على كل مستوى من مستويات سلسلة التوريد، وطمأنة الشركات إلى أنها ستحقق عائداً جيداً على الاستثمار إذا وسعت منشآتها وقدراتها. وعلى رغم أن القوة المالية للاتحاد الأوروبي ودعمه التنظيمي سيكونان عنصرين أساسيين في توسيع القاعدة الصناعية الدفاعية في أوروبا، فإن على الدول الأعضاء في الاتحاد التعاون مع المملكة المتحدة والنروج وأوكرانيا نفسها، من دون السماح للخلافات غير المتعلقة بالشؤون الدفاعية بأن تُخرج النقاشات عن مسارها. سيتعين على الدبلوماسيين عزل الخلافات العالقة عن هذا المسار. فلا ينبغي للنزاعات المحلية الضيقة بين فرنسا والمملكة المتحدة بشأن حقوق الصيد، أو بين بولندا وأوكرانيا بشأن الزراعة، أن تُفسد العملية برمتها. يُعد حلف الـ “ناتو” مصدراً آخر للتوتر. فالاستثمار في القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية من شأنه أن يعزز قدرة الحلف على الصمود، وعلى تنفيذ عمليات قتالية واسعة النطاق. لكن الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالمزيد من المعدات والمخزونات سيكون على حساب جاهزية أوروبا لتنفيذ خطط الـ “ناتو” للدفاع عن الدول الأعضاء في الحلف على ضفتي المحيط الأطلسي. وهذا وضع مقلق للغاية بالنسبة للدول المتاخمة لروسيا. علاوة على ذلك، قد تلعب هنغاريا ودول أخرى دور المعطّل وتُعيق الحلول البراغماتية داخل الاتحاد الأوروبي. وللحفاظ على وحدة الصف الأوروبي، على الحكومات أن تعي أن بعض الدول تواجه تهديدات أكثر إلحاحاً وتحتاج إلى دفاع أقوى، وبالتالي من المنطقي أن تتحمل الدول الغربية الجزء الأكبر من مسؤولية دعم أوكرانيا. جنود أوكرانيون قرب تشازيف يار، أوكرانيا، فبراير 2025 (رويترز) لن تتمكن أوروبا من تلبية حاجات أوكرانيا إلا إذا أعادت تنظيم سلاسل الإمداد عبر القارة بطريقة أكثر عقلانية وتمكنت من خفض تكاليف إنتاج الأسلحة من خلال الإنتاج بكميات كبيرة. أما في ظل النظام الحالي، حيث تتنافس الدول الأوروبية في ما بينها على الحصول على القطع والمكونات- مما يؤدي إلى رفع أسعار المواد الدفاعية- فإن الفشل هو النتيجة المرجحة. لنأخذ ذخائر المدفعية مثالاً: في عام 2023، تلقت أوكرانيا نحو 1.6 مليون قذيفة مدفعية عيار 155 ملم من شركائها الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة. وفي عام 2024، بلغ عدد القذائف نحو 1.5 مليون. لكن المحللين يقدرون أن أوكرانيا تحتاج إلى 2.4 مليون قذيفة سنوياً لردع التقدم الروسي. هذا الفارق يشير بوضوح إلى أن أوروبا، من دون الإمدادات الأميركية، لا تستطيع دعم أوكرانيا بشكل كافٍ. لكن أوروبا لا تستثمر طاقاتها كما ينبغي. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، ارتفعت القدرة الفعلية على صب وتعبئة قذائف الـ155 ملم بمقدار 16 ضعفاً عما كانت عليه عند بدء الغزو الروسي الشامل. وعلى رغم هذا التوسع، لم تترافق الزيادة في القدرة مع زيادة في الإنتاج، لأن الحكومة البريطانية لم تبرم عقود الشراء اللازمة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أوروبا لا تنتج ما يكفي من المواد المتفجرة، ما يعني أن الشركات قادرة على تصنيع القذائف، لكنها تواجه صعوبة في تأمين المواد اللازمة لإنتاج شحنات الدفع اللازمة لها. شركة دفاعية بريطانية أخرى حاولت توسيع مصنعها لإنتاج المواد المتفجرة منذ عام 2022، لكنها قوبلت برفض متكرر من المجلس المحلي، في حين لم تتدخل الحكومة المركزية للضغط على المجلس وتجاوز هذه العقلية الضيقة. ولو تم منح التصريح، لكان بالإمكان زيادة إنتاج الشحنات الدافعة خلال أشهر قليلة. والصورة مشابهة إلى حد كبير في بقية أنحاء القارة. ربما لن تتمكن أوروبا من إنتاج 2.4 مليون قذيفة بحلول عام 2025، لكنها، من خلال مزيد من التنسيق والعزيمة، قادرة على تعويض النقص الأميركي مع نهاية العام. مع ذلك، ستواجه أوروبا صعوبات حقيقية في تلبية حاجات أوكرانيا في مجالات أخرى. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع أوروبا أن تعوض فعلياً الصواريخ الاعتراضية الأميركية المستخدمة في منظومات “باتريوت” للدفاع الجوي الأوكرانية، وهي المنظومات الوحيدة القادرة على اعتراض الصواريخ الروسية الباليستية وشبه الباليستية. ومع ذلك، فإن أغلب الأضرار التي تلحق بأوكرانيا ناجمة عن صواريخ كروز يمكن اعتراضها باستخدام أسلحة أوروبية مثل صواريخ SAMP/T وIRIS-T. كذلك فإن معظم الضربات البالستية الروسية تستهدف مواقع لا تغطيها منظومات باتريوت. بدعم أوروبي، يمكن لأوكرانيا أن تجد وسائل للتقليل من تأثير هذه الضربات البالستية المحدودة، وفي المقابل، تستهدف سلاسل الإمداد التي تقوم عليها صناعة الصواريخ الباليستية الروسية. وهنا باختصار يمكن القول، العواقب ينبغي ألا تكون وخيمة، حتى إن لم تستطع أوروبا تعويض غياب الولايات المتحدة. لا أعذار السؤال الأساسي الذي يؤثر في قدرة أوروبا على تحمل عبء أمنها- إلى جانب العوائق التي تفرضها السياسة الأميركية- هو الإرادة. إن تمويل الإلتزامات الأوروبية الراهنة تجاه حلف الـ “ناتو” كان سيجعل الإنفاق يزيد ثلاثة في المئة على الناتج المحلي لمعظم الدول الأعضاء. كذلك فإن تحقيق توسع سريع في القدرة الصناعية الدفاعية لتثبيت صمود أوكرانيا إضافة إلى تجديد القوات المسلحة (الأوروبية) سيسهم برفع التكاليف حتى إلى مستويات أعلى. إلى الآن كانت الدول الأوروبية مترددة تجاه مسألة الإلتزام بالموارد. لقد أعلنت ألمانيا للتو عن زيادة في الإنفاق الدفاعي، فيما قام الاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع بتغيير قواعد ديونه كي يسمح بمزيد من الاقتراض للاستثمار في قطاع الدفاع. لكن كما هي الحال مع ما أعلنته ألمانيا عام 2022، من غير الواضح بعد إن كانت هذه التصريحات الألمانية الجديدة ستدفع إلى عملية فعالة لإعادة التسلح. الأمر سيبقى متروكاً للأوروبيين لتحديد ما إذا كان بإمكانهم تحمل التكلفة، لكن عليهم ألا يختبئوا خلف أدعاء أنهم غير قادرين على الدفاع عن أوكرانيا من دون الولايات المتحدة. كما أن الكثير في هذا الإطار يعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة نفسها ترغب بهذا البديل الأوروبي. مترجم عن “فورين أفيرز” 24 مارس (آذار)، 2025 المزيد عن: دونالد ترمبالعلاقات عبر الأطلسيالصناعات الدفاعيةالدعم العسكريأوروباأوكرانيافورين أفيرزحلف الناتوالحرب الروسية الأوكرانيةالأمن الأوروبيالإنفاق الدفاعي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كريم سعيد حاكم جديد يواجه “لوبي” الفساد اللبناني next post إدارة ترامب تعلن سببا جديدا لرفض طلبات الهجرة You may also like رضوان السيد يكتب عن: الخوف في كل مكان…... 11 أبريل، 2025 دلال البزري تكتب عن: ترامب- نتنياهو إلى أهل... 11 أبريل، 2025 حازم صاغية يكتب عن: لكنْ ماذا نفعل؟ 10 أبريل، 2025 بقاء النظام الإيراني رهن بالتفاوض مع أميركا 9 أبريل، 2025 مايكل شيريدان يكتب عن: ترمب يجعل الصين تبدو... 9 أبريل، 2025 غسان شربل يكتب عن: إما نتنياهو وإما أورتاغوس 7 أبريل، 2025 وليد الحسيني يكتب : لن نتراجع عن الهزائم 6 أبريل، 2025 حازم صاغية يكتب عن: ماذا لو حدث ما... 6 أبريل، 2025 محمد بدر الدين زايد يكتب عن: ما الذي... 5 أبريل، 2025 علي رضا نوري زاده يكتب عن: اليمن من... 5 أبريل، 2025