ANTHONY WALLACE - AFP / معجبون ينتظرون لدفع ثمن بضائع في متجر مؤقت خاص بفرقة BTS يحمل عنوان "Monochrome". ثقافة و فنون ثقافة “الهاليو”… قوة كوريا الجنوبية الناعمة التي اجتاحت العالم by admin 30 نوفمبر، 2024 written by admin 30 نوفمبر، 2024 12 سياسات حكومية مدروسة بين أسباب نجاح الظاهرة المجلة / نجيب مبارك ظاهرة “الهاليو” Hallyu، أو “الموجة الكورية” كما يسميها الصينيون، حركة ثقافية استثنائية انطلقت من كوريا الجنوبية واكتسحت العالم على مدى ربع قرن تقريبا، لها حضور في مختلف المجالات الثقافية والفنية، بما في ذلك الموسيقى والدراما والأفلام والأزياء والجمال، وحتى المطبخ الكوري، بحيث ساهمت في تشكيل صورة جديدة عن كوريا الجنوبية على الساحة العالمية، وحوَّلت ثقافتها المحلية إلى قوة ناعمة عابرة للحدود، مما جعلها تقطف ثمار هذه الموجة في أرقى المحافل الثقافية على المستوى العالمي. مثلا، يجب ألا يمر فوز الكاتبة هان كانغ بجائزة نوبل للآداب مرور الكرام، فهي أول كاتبة باللغة الكورية تنال هذا الشرف، كما ينبغي التأمل قليلا في النجاح الباهر لفيلم “Parasite”، الذي حصل على جوائز أوسكار عدة في عام 2020، بما في ذلك أفضل فيلم. جذور تاريخية نشأت “الهاليو” في أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما بدأت الدراما الكورية تحظى بشعبية كبيرة في دول آسيا مثل اليابان والصين. في تلك الفترة، كانت كوريا الجنوبية في صدد تعزيز بنيتها التحتية الثقافية، مدفوعة بسياسات حكومية طموحة تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز ثقافي عالمي. فبدلا من الاعتماد على الصناعات الثقيلة أو التكنولوجيا فقط، ركّزت هذه الحكومة على دعم الإنتاج الثقافي مثل الموسيقى والتلفزيون والأفلام. وبفضل هذا الدعم القوي، بدأت الدراما الكورية تصل إلى شاشات التلفزيون في الدول الآسيوية المجاورة، وهذا مهَّد السبيل لانطلاق “الهاليو”. ثم اتسعت دائرتها لتشمل مجالات أخرى، خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، فأصبحت الموسيقى الكورية، أو ما يُعرف بـالكي-بوب (K-pop)، القوّة الدافعة الرئيسة لنشر الثقافة الكورية خارج حدود آسيا. ومنذ ذلك الوقت، تطوّرت “الهاليو” لتشمل مجالات متنوعة كالأفلام، ومستحضرات التجميل الكوري (K-beauty)، والمطبخ الكوري، لتصبح الثقافة الكورية ظاهرة عالمية. نشأت “الهاليو” في أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما بدأت الدراما الكورية تحظى بشعبية كبيرة في دول آسيا مثل اليابان والصين يمكن اعتبار الدراما الكورية نقطة بداية “الهاليو”، إذ حظيت بشعبية كبيرة في البلدان الآسيوية مثل الصين واليابان. ومن أول المسلسلات الكورية التي حققت نجاحا كبيرا كان”سوناتا الخريف” Winter Sonata في 2002، الذي أثار اهتمام الجمهور في جميع أنحاء آسيا. واللافت أن الدراما الكورية، منذ بدايتها، ركزت على السرد القصصي الرقيق والمواضيع العاطفية المعمقة، وقدرتها على تقديم قصص مصقولة مع إنتاج عالي الجودة، بحيث يمكن للجمهور الواسع في أنحاء العالم التفاعل معها. وعلى الرغم من أنها انتشرت أوّلا في آسيا، إلا أنها سرعان ما شقت طريقها نحو جماهير الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا. MUBI /الدراما الكورية “Winter Sonata” ولعل المثل الأقرب والأبرز هو مسلسل “لعبة الحبار” Squid Game، الذي أنتجته منصة “نتفليكس”، وأصبح واحدا من أكثر الأعمال مشاهدة في تاريخ المنصة منذ إطلاقه في سبتمبر/ أيلول 2021. وهو مسلسل كتبه وأخرجه هوانغ دونغ هيوك، وحقق نجاحا ساحقا في جميع أنحاء العالم بفضل قصته المثيرة وأسلوبه المبتكر. Netflix – AFP صورة من مسلسل “لعبة الحبار” Squid Game، الموسم الأول. في الانتقال إلى مجال السينما، يلفت الانتباه نجاح فيلم Parasite للمخرج بونغ جون، الذي يعتبر نقطة تحول في تاريخ السينما الكورية. إذ أصبح أول فيلم غير ناطق باللغة الإنكليزية يفوز بجائزة “أوسكار” أفضل فيلم، مما كشف عن الإمكانات الفنية العالية التي تملكها السينما الكورية. وقبل ذلك، كانت أفلام مثل Oldboy وThe Host وMemories of Murder لفتت الانتباه لتميزها في سرد القصص وتقديم موضوعات فريدة تعبر عن الصراع الطبقي، والضغط المجتمعي، وقضايا الهوية. السر في هذا النجاح ربما هو أن أسلوب صانعي الأفلام الكوريين يجمع بين الواقعية والحس النقدي، ويتميز بجرأة معالجة المواضيع الثقافية والمجتمعية، مما يجعل أفلامهم ممتعة وملهمة للجمهور العالمي. ركزت الدراما الكورية على السرد القصصي الرقيق والمواضيع العاطفية المعمقة، وقدرتها على تقديم قصص مصقولة مع إنتاج عالي الجودة الموسيقى الكورية: اجتياح الكي-بوب في حين وضعت الدراما الكورية الحجر الأساس للثقافة الكورية في الخارج، فإن موسيقى “الكي-بوب” هي القاطرة التي قادت حقا الانتشار العالمي لـ”الهاليو”، خصوصا بين المراهقين. فقد بدأت فرق موسيقية مثل BTS وBlackpink وفرقة EXO في تجاوز الحدود الثقافية والجغرافية، مستفيدة من وسائل التواصل الاجتماعي لخلق شعبية عالمية منقطعة النظير. وتُعتبر فرقة BTS، على وجه الخصوص، رمزا بارزا في صعود الكي-بوب، حيث تمكنت من كسر العديد من الحواجز، ليس فقط الموسيقية، بل الثقافية أيضا. أما فرقة BTS، فتتناول في أغانيها قضايا تتعلق بالصحة النفسية، وتمكين الذات، والمساواة، مما جذب إليها قاعدة جماهيرية عالمية تُعرف باسم ARMY. AFP / فرقة BTS الكورية الجنوبية تقدم عرضا خلال جوائز الموسيقى الأميركية 2020. يميز موسيقى “الكي-بوب”، مزيج من الألحان الجذابة، والرقصات المتقنة، والفيديوهات ذات الجودة العالية، والعناية بأدق التفاصيل من حيث الموضة والمظهر. حيث يتدرب أعضاء الفرق الموسيقية بشكل صارم قبل الظهور للمرة الاولى، ويخضعون لبرامج تدريبية تشمل الغناء والرقص والتمثيل وتعلم اللغات الأجنبية. هذان التدريب الدقيق والاهتمام بالتفاصيل، ساهما في خلق صورة مثالية للفرق، انجذب لها ملايين الشباب والمراهقين حول العالم. تعزيز الهوية الكورية ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تسريع انتشار “الهاليو” حيث أصبح الجمهور نفسه جزءا أساسيا من عملية الترويج، مما ضاعف شعبية الفن الكوري. فمنصات مثل “يوتيوب” و”إكس” و”إنستاغرام” و”تيك توك” جعلت من الممكن للفنانين الكوريين الوصول إلى جماهير جديدة بسرعة وتحقيق مشاهدات قياسية. كما تتيح هذه المنصات للمشجعين التفاعل مع الفنانين ومتابعة أخبارهم ومشاركتها بسهولة. في هذا السياق، يمكن اعتبار تحدي الرقص Gangnam Style للمغني PSY عام 2012 علامة فارقة في تاريخ “الهاليو”، حيث انتشر هذا التحدي بشكل كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فأوصل الكي-بوب إلى جمهور غير معتاد على الموسيقى الكورية. ولا نزال نذكر جيدا أن الفيديو الأصلي حقق أكثر من مليار مشاهدة، ليصبح الفيديو الأكثر مشاهدة على “يوتيوب” في ذلك الوقت. يميز موسيقى “الكي-بوب”، مزيج من الألحان الجذابة، والرقصات المتقنة، والفيديوهات ذات الجودة العالية، والعناية بأدق التفاصيل من حيث الموضة والمظهر ثم أن “الهاليو” وسيلة فعالة لتعزيز الهوية الوطنية الكورية. فمن خلال الفنون والترفيه، استطاع الفنانون وصانعو الأفلام نقل الثقافة والتاريخ الكوري إلى العالم. وحين يركّز العديد من الأعمال الفنية على القيم الثقافية مثل الأسرة والاحترام والتقاليد، فهي تسوق لا محالة الجوانب الإيجابية للثقافة الكورية. إن مسلسلا مثل Goblin (2016) يبرز موضوعات عن الخسارة والحنين، تثير العواطف الإنسانية العميقة التي يمكن أن تتعلق بها جماهير من ثقافات مختلفة. في المقابل، ينجح مسلسل (2019) Crash Landing on You في تسليط الضوء على الشمال والجنوب الكوريين من خلال قصة حب غير تقليدية، تطرح التساؤلات حول القضايا السياسية الشائكة بين الكوريتين. Anthony WALLACE – AFP /سائحة ترتدي زي “هانبوك” التقليدي. من جهة أخرى، أنعشت “الهاليو” بقوة السياحة في كوريا الجنوبية. فصار الكثير من السياح يزورون البلاد لتجربة الثقافة الكورية، وزيارة مواقع التصوير الخاصة بالمسلسلات، وحضور حفلات الكي-بوب. في عام 2019، مثلا، قدّرت عائدات السياحة الناتجة من “الهاليو” بمليارات الدولارات، مما جعل الحكومة تستثمر في تطوير البنية التحتية السياحية لتعزيز هذا القطاع. كما أن الصادرات الكورية من المنتجات الثقافية، مثل الموسيقى والأفلام والأزياء، قد شهدت زيادة ملحوظة، إذ قُدّرت عائدات صنّاع الكي-بوب وحدها بنحو 5 مليارات دولار في عام 2020. أيضا، يجب عدم إغفال دور الحكومة الكورية الجنوبية في تعزيز “الهاليو”. فقد وفّرت الدعم المالي والتسويقي للفنانين والمبدعين، ووضعت استراتيجيات تهدف إلى زيادة التأثير الثقافي لكوريا على المستوى الدولي، إضافة إلى إنشاء مؤسسات تعليمية وفنية لتدريب المبدعين في مختلف المجالات، وهذا كله لرفع مستوى الإنتاج الثقافي والفني. وتلعب الشركات الكورية الكبرى مثل SM Entertainment وYG Entertainment وJYP Entertainment دورا أساسيا في تطوير “الهاليو”، فهي لا تقدم فقط الدعم المالي، بل تنخرط أيضا في تصميم وتنفيذ الحملات التسويقية والإنتاجية. حين يركّز العديد من الأعمال الفنية على القيم الثقافية مثل الأسرة والاحترام والتقاليد، فهي تسوق لا محالة الجوانب الإيجابية للثقافة الكورية تأثير “الهاليو “على الثقافات الأخرى أدت موجة “الهاليو” إلى تفاعل ثقافي متزايد بين كوريا الجنوبية وبقية العالم. فقد بدأ العديد من البلدان في استيراد الثقافة الكورية، سواء من خلال الأطعمة الكورية، أو الأزياء، أو أساليب الحياة. ويظهر هذا التأثير بشكل خاص في الدول الآسيوية، حيث انتشرت محلات الأطعمة الكورية والمطاعم والأزياء الكورية. وفي الآونة الأخيرة، أصبح المطبخ الكوري يحظى بشعبية متزايدة، إذ يفضل الكثيرون تجربة أطباق مثل “الكيمتشي” و”البولغوغي”. Kevin Winter – Getty Images for MRC – AFP / أعضاء فرقة BTS يؤدون على مسرح جوائز الموسيقى الأميركية 2021. إضافة إلى ذلك، أصبح من الشائع رؤية الشباب في مختلف البلدان يرتدون أزياء كورية ويقلدون تصفيفات شعر مستوحاة من نجوم “الكي-بوب”، كما بدأت فرق موسيقية من دول مختلفة في استلهام أنماط الموسيقى والرقص الكورية. هكذا تشكل العديد من الفرق في الولايات المتحدة وأوروبا تدمج عناصر “الكي-بوب” في موسيقاها. والخلاصة هي أن “الهاليو”، باعتبارها قوة ناعمة، لمّعت صورة كوريا الجنوبية عالميا، وأدت إلى تبادل ثقافي نشيط وخدمت جيدا العلاقات الديبلوماسية. فقد زادت الشعبية الكبيرة للثقافة الكورية اهتمام الناس بتعلم اللغة الكورية، حيث يقدّم العديد من الجامعات حول العالم دورات في اللغة الكورية، وشهدت منصات تعليمية مثل Duolingo زيادة في عدد المستخدمين الذين يتعلمون اللغة. تعرضت بعض جوانب “الهاليو” للانتقادات، خاصة في ما يتعلق بالمعايير الجمالية الضيقة التي تروجها ثقافة “الكي-بوب” التحديات لكن، على الرغم من نجاح ظاهرة “الهاليو”، إلا أنها ليست في منأى من التحديات. فقد تعرضت بعض جوانبها للانتقادات، خاصة في ما يتعلق بالمعايير الجمالية الضيقة التي تروجها ثقافة “الكي-بوب” ووسائل الإعلام، إذ يشكل الضغط الرهيب لتحقيق المثالية في المظهر والعادات الصحية الغذائية مصدر قلق للكثيرين، لأنه يؤثر سلبا على صحة الشباب النفسية والجسدية. JUNG YEON-JE – AFP / إعلان لعيادة جراحة تجميل في محطة مترو في سيول. بل يرى البعض أن العديد من الشباب في آسيا قد يعانون من قضايا مثل اضطرابات الأكل والاكتئاب بسبب المعايير الجمالية المرتبطة بعالم “الكي-بوب”، ويظهر هذا التأثير في تصرفات بعض المعجبين الذين يسعون الى تقليد المظهر الجسدي للفنانين. كما أن نظام التدريب الشاق الذي يخضع له فنانو “الكي-بوب” قد يتسبّب في مشاكل صحية وضغوط نفسية هائلة. وفعلا، تم توثيق حالات من الانتحار والاكتئاب والقلق بين الفنانين بسبب ضغوط العمل والتوقعات العالية من المعجبين، من بينها وفاة مغنية “الكي-بوب” Sulli في 2019، وقبلها وفاة المغني Jonghyun من فرقة SHINee في 2017. في الختام، ليست “الهاليو” مجرد موجة عابرة، بل هي حركة ثقافية أعادت تشكيل مشهد الترفيه العالمي وأعادت تعريف ما يعنيه أن تكون دولة ما قوة ثقافية عظمى، وهي مثل يحتذى في هذا المجال. فمن خلال نجاح الدراما و”الكي-بوب” والسينما والموضة والمطبخ، تستمر كوريا الجنوبية في الابتكار والتأثير، مثبتة أن القوة الثقافية قادرة على تجاوز الحدود الجغرافية. بينما يبدو أن الشغف العالمي بالثقافة الكورية لن يتراجع، في المستقبل المنظور على الأقل المزيد عن: كوريا الجنوبية ثقافة فن المسلسلات آسيا شباب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عودة غودار من منفاه النهائي احتجاجا على كارثة غزة next post معركة حلب… صراع إقليمي متجدد وتحذيرات من “فخ الموصل” You may also like عودة غودار من منفاه النهائي احتجاجا على كارثة... 30 نوفمبر، 2024 مقولة النصر والهزيمة في ضوء الفلسفة والنقد التاريخي 30 نوفمبر، 2024 كتّاب المرحلة الروسية الفضّية في “زهرة تحتَ القدَم” 30 نوفمبر، 2024 مستقبل مقاومة هوليوود الليبرالية بوجه ترمب 29 نوفمبر، 2024 نظرية فوكوياما عن “نهاية التاريخ” تسقط في غزة 29 نوفمبر، 2024 لماذا لا يعرف محبو فان غوخ سوى القليل... 29 نوفمبر، 2024 جائزة الكتاب النمساوي لرواية جريمة وديوان شعر ذاتي 29 نوفمبر، 2024 طفولة وبساطة مدهشة في لوحات العراقي وضاح مهدي 29 نوفمبر، 2024 استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024