ثقافة و فنونعربي توني موريسون… أكبر من الحياة by admin 25 أغسطس، 2019 written by admin 25 أغسطس، 2019 31 عرب 48 – نسمة / أشرف الزغل كانت توني موريسون في الثانية من عمرها حين احترق بيت عائلتها، بفعل مالك البيت الأبيض، الّذي قام بذلك احتجاجًا على عدم دفع عائلتها الأجرة الشهريّة. ترك أفراد العائلة البيت وهم يضحكون، فعلوا ذلك وهم يعلمون أنّ مالك البيت ارتكب “فعلًا شرّيرًا عجيبًا” بتعبير موريسون، الّتي قالت في ذلك أيضًا: “كان على عائلتي أن تمتلك أمر حياتها في وجه تلك الفظاعة الرهيبة”. بذات الدأب والنزاهة يناضل شخوص روايات الكاتبة الأمريكيّة الراحلة بداية هذا الشهر، ضدّ محاولات هدم إنسانيّتهم، في التفاصيل اليوميّة، في اللغة الدارجة البسيطة، في الألم الّذي يشحن الأحداث المتوالية، في كلّ قصّة هم يحقّقون إنسانيّتهم، في كلّ قصّة موزاييك، من التاريخ والشعر والموسيقى وعلم الاجتماع والضحك. رفيقة الهامشيّين في الطريق من “العين الأكثر زرقة” (1970)، إلى “فليكن الله في عون الطفلة”(2015) ، رصيد سرديّ دسم وثقيل العيار جمعته توني موريسون، بدأب محارب شجاع، وبخفّة لاعب أكروبات بارع، وبمكر خالق يبحث في أعضاء مخلوقاته عمّا يصنع الحبّ. من الصعب أو المستحيل على كاتب أسود أو ملوّن ألّا يتأثّر بتوني موريسون؛ فهي رفيقة الهامشيّين أو صديقة عقولهم، تنظر إلى وجعهم الجمعيّ بعين الرأفة، وتجمع أطرافهم المهمَلة، المتروكة على الأرصفة، تمامًا كتعبيرها المثير في رواية “محبوبة” (1987)، حين أرادت تمثيل قدرة أحدهم على وصف شعوره البسيط بالحبّ: “إنّها صديقة عقلي، إنّها تجمعني يا رجل، القطع الّتي هي أنا، تجمعها وتعيدها إليّ بالترتيب الصحيح”. ثمّة رسالة أخلاقيّة حملتها موريسون طيلة حياتها، وهي أن تتحدّى، أن تكون ندًّا للرجل الأبيض، أن تعرّف الأشياء والعلاقات تعريفًا عادلًا من الصعب عدم التأثّر بإرث موريسون عندما يتعلّق الأمر بمواجهة “النظرة البيضاء “The White Gaze؛ التعبير النقديّ الّذي سطّرته موريسون في كتابها النقديّ “اللعب في الظلام” (1992)، حيث يُمثَّل السود من خلال عدسة الإدراك الأبيض، وكذلك “منع أيّ مفكّر أسود من أن يستولي على الفضاء التفسيريّ، ضمن التسلسل الهرميّ المرتّب للنقدين الثقافيّ والسياسيّ”. باختصار، جوهر العمل الفكريّ المنثور في روايات موريسون الإحدى عشرة، إضافة إلى أعمالها في النقد والمسرح وأدب الأطفال، هو في المواجهة والتخلّص من الخوف، وخلق لغة خاصّة للأقلّيّات تكون لغة قادرة وفاعلة، لا سلبيّة أو مستترة. في مقدّمتها لكتابها “اللعب في الظلام”، تقول موريسون: “حتّى فترة قريبة، وبغضّ النظر عن عرق أو أصل الكاتب، اعتاد قرّاء الرواية الأمريكيّة على التموقع كعرق أبيض. أريد أن أفهم كيف أثّر ذلك في المخيّلة الأدبيّة”. روت موريسون أنّ جدّتها، الّتي كانت تزورهم بين الفينة والأخرى، قالت لأمّها يومًا: “لقد جرى العبث بهؤلاء الأطفال”، لم تفهم موريسون البالغة ثلاث سنوات حينذاك معنى “العبث”، لكن أثر القصّة بقي معها وفي رواياتها. بحثت الروائيّة الراحلة، طيلة حياتها الشخصيّة والفنّيّة والعامّة، عن التباين بين صورتين أو حالتين أو موقفين. خلال ذلك البحث المرهق، أسّست موريسون لموقفها الثقافيّ الصلب – أنّها لن تفسّر اختلاف لونها عن الآخر، ولن تشرح التفاوت بين لغة دارجة وأخرى أو فنّ وآخر. بدل ذلك، ستؤسّس خطابًا مضادًّا، ذا وعي متجدّد بهويّته ولغته. رفض اللغات القمعيّة يليق بتوني موريسون وصف “أكبر من الحياة”؛ فهي كاتبة خارقة للعادة، وناقدة بارعة، لها حضور ثقافيّ وسياسيّ مدهش، لن ينتهي بانتهاء جسدها بل سيستمرّ؛ لأنّ ذلك ما يفعله بالضبط مَنْ هم “أكبر من الحياة”. أسّست موريسون لموقفها الثقافيّ الصلب – أنّها لن تفسّر اختلاف لونها عن الآخر، ولن تشرح التفاوت بين لغة دارجة وأخرى أو فنّ وآخر. بدل ذلك، ستؤسّس خطابًا مضادًّا، ذا وعي متجدّد بهويّته ولغته. ثمّة رسالة أخلاقيّة حملتها موريسون طيلة حياتها، وهي أن تتحدّى، أن تكون ندًّا للرجل الأبيض، أن تعرّف الأشياء والعلاقات تعريفًا عادلًا. تلك مهمّة صعبة؛ لأنّ “الّذي يُعرَّف ينتمي إلى المعرِّف لا المعرَّف” وفق تعبيرها؛ بمعنى أنّ من يمتلك القدرة على التسمية والتحديد، يمتلك – بالنتيجة – السلطة على استخدام ما سمّاه وحدّده والدفاع عنه. في خطابها بعد أن تلقّت “جائزة نوبل للآداب” عام 1993، قالت إنّ “مواجهة اللغة القمعيّة الّتي تحصر المعرفة، سواء لغة الدولة الغامضة كانت أو لغة الإعلام الطائشة، سواء اللغة الأكاديميّة المتكلّسة أو لغة العلوم الّتي تخضع للعرض والطلب، سواء اللغة الخبيثة المتمثّلة بعدم وجود قانون للأخلاق، أو اللغة المصمَّمة لتشتيت الأقلّيّات، وإخفاء نهبها العنصريّ داخل حمولة أدبيّة يجب رفضها وتغييرها وكشفها”. أشرف الزغل شاعر وباحث من فلسطين. له أربع مجموعات شعريّة؛ ‘دواليب الرماد’ (بالاشتراك مع عبد الرحيم الشيخ)، و’نوم كما أرى’، و’صحراء في المترو’، و’صورة العائلة البشعة’. حصل على جائزة الكاتب الشابّ – حقل الشعر، من مؤسّسة عبد المحسن القطان عام 2001. المزيد عن : توني موريسون /أدب /أفريقيا /الرجل الأبيض /سرد /أشرف الزغل /نقد /اللغة القمعية /أمريكيا/أدب أمريكي /أدب أفريقي /الأدب الأسود 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تلّ الزعتر: حكاية اكتشاف 15 كيلومترًا من تسجيلات المجزرة next post بأسماء مستعارة: عن النساء والكتابة You may also like الكاتب آفي شتاينبرغ: الجنسية الإسرائيلية أداة للإبادة الجماعية... 6 يناير، 2025 “بيتلز 64″… عندما وصل الهوس بالفرقة البريطانية إلى... 5 يناير، 2025 لوحتان للنمسوي كليمت أشعلتا معركة قاسية بين الفن... 5 يناير، 2025 فيلم “إميليا بيريز” يجس نبض هوليوود في “غولدن... 5 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن: جوزف طراب اليهودي الأخير... 5 يناير، 2025 الساروت مغني الثورة السورية صار “جسرا” إلى النصر 5 يناير، 2025 باسكال لينيه فكك الهوية الإنسانية من خلال التباين... 4 يناير، 2025 أفلام هوليوودية شهيرة انطوت على إساءات 4 يناير، 2025 التركي ياشار كمال عوضته إسطنبول عن “نوبل” العصية 4 يناير، 2025 الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا... 4 يناير، 2025 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.