توماس بيكيت المفكر وأسقف كانتربري (الموسوعة البريطانية) ثقافة و فنون توماس بيكيت في رواية كونراد ماير: التاريخ مناسبة للهروب من الواقع by admin 6 مارس، 2024 written by admin 6 مارس، 2024 126 صديق هنري الثاني وضحيته في مسرح إليوت والفرنسي آنوي نقلا عن رواية سويسرية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كثيراً ما سحرت حكاية توماس بيكيت مؤلفي القرن العشرين، من مسرحيين وروائيين، إلى درجة أن واحداً من كبار هؤلاء، هو الشاعر والناقد تي. أس. إليوت، خصّه بواحد من أفضل نصوصه: مسرحية “مقتلة في الكاتدرائية”؛ وإلى درجة أن جان آنوي، الكاتب الفرنسي الشديد الكاثوليكية الذي ما عهد خارجاً، في أعماله المسرحية، بإفراط عن مواضيع فرنسية، خصّه هو الآخر بمسرحية تعتبر أشهر ما كتب ونقلت إلى شاشة السينما في الستينيات، وهي مسرحية “بيكيت”، أو “شرف الله” التي كتبها في عام 1959، بعد ربع قرن من صدور مسرحية إليوت. وفي النهاية يبدو واضحاً أن الاثنين إنما اقتبسا بنيتها الإبداعية – لا أحداثها التاريخية فهي مدونة ومعروفة منذ زمن بعيد، من رواية للكاتب السويسري باللغة الألمانية كونراد ماير الذي لئن كان هو قد نظر إلى شخصية بيكيت من موقع محايد يلتقي مع كالفنيته البروتستانتية، فإن الكاتبين المسرحيين إليوت وآنوي تعاملا معها كتعبير عن كاثوليكيتهما مستخدمينها كتعلة لتوكيد إياهما ما أضفى على عمليهما طابعاً ذاتياً يتناقض مع موضوعية ماير في تعامله مع موضوعه. ومن هنا كان القراء دائماً ما يُنصحون للتعرف حقاً إلى شخصية بيكيت الأقرب إلى الصحة أن يبحثوا عنه لدى ماير. بين الكنيسة والملك مهما يكن فإن توماس بكيت الحقيقي تاريخياً كان، في القرن الثاني عشر الإنجليزي، كاتباً ومفكراً صار أسقفاً لكانتربري ومستشاراً لملك إنجلترا هنري الثاني، قبل أن يضطهد ويعدم، ظلماً ولصواب رأيه المخالف رأي سيده، ويتحول بعد ذلك إلى واحد من قديسي الكنيسة المسيحية. ولئن كان كتّاب القرن العشرين، الذين كان همهم البحث عن بطولات فكرية ليعيدوا إليها الاعتبار، فتنوا بحكاية توماس بيكيت وحداثة أفكاره ومواقفه، فإن كونراد ماير كما أشرنا، سبقهم إلى بيكيت بأكثر من نصف قرن، راوياً حكايته مقدماً حياته وأفكاره عبرة لمن يعتبر. وهذا الكاتب عرف – من دون أن يكون كاتباً مبدعاً ومبتكراً للمواضيع – كيف يجعل لنفسه في عالم الأدب، وبفضل كتاباته الغزيرة، مكانة أساسية في زمنه، وإن كان يبدو منسياً بعض الشيء في أيامنا هذه. يفتتح كونراد ماير روايته، وعنوانها “القديس”، بشخصية مبتكرة هي شخصية هانز، السويسري الذي عاد إلى بلاده بعد فترة طويلة من الزمن قضاها في خدمة ملك إنجلترا، أواخر القرن الثاني عشر. وهانز هذا إذ يجابهه وهو في زوريخ خبر تطويب توماس بيكيت قديساً في الكنيسة الرومانية، يقول لمن اجتمعوا من حوله متسائلين عن خلفية هذا كله، في الفصل الأول من الرواية: “أعطوني، يا أصدقائي، بعض الوقت فأحدثكم عن الإنسان الأكثر استثنائية الذي عرفه هذا الكون… عن النموذج الإنساني الذي يجدر بنا أن نحتذيه”. وسنعرف على الفور أن هانز تعرّف إلى بيكيت حقاً في بلاط الملك وعرفه عن كثب. كونراد ماير (1825 – 1898) (غيتي) رجل ذلك العصر وإذا كان التاريخ الحقيقي أبقى لنا من حكاية توماس بيكيت صورة الرجل السياسي الذي أبدى كل النباهة وهو يخدم العرش في بلاده، والذي ما إن عينه مليكه على رأس الكنيسة في هذه البلاد، حتى أدار له ظهر المجن لأسباب تتعلق بنزاهته ومبدئيته، فمات مقتولاً بتحريض من ذلك الملك، فإن الكاتب كونراد ماير، يقدم صورة أخرى تبدو متناقضة إلى حد ما مع الصورة التي يصفها بطله هانز، من المؤكد أن بيكيت إنما هو رجل العصر. ذلك أن ماير يقدم المفكر الثائر في روايته “القديس” رجلاً معزولاً وحيداً. إنه رجل تسيّر ظروف العصر والأوضاع السياسية كينونته وأفكاره حقاً، كما تفعل ذلك العلاقات الاجتماعية، لكن أفكاره ومبادئه ومواقفه تبدو طالعة من داخل ذاته يمليها عليه ضميره ووعيه الخاصان. والسؤال الأساس الذي ينبع من هذا كله، والذي تحاول هذه الرواية أن تجيب عنه، على طريقتها هو: كيف يمكننا أن نفسر انقلاب توماس بيكيت على ملكه وسيده وراعي نعمته، ما إن عيّن رئيساً لأساقفة كانتربري؟ إن الجواب، أو التفسير الذي يحاول أن يكون منطقياً بالأحرى والذي تقترحه علينا الرواية هو الآتي: بالنسبة إلى كونراد ماير مهما كان من شأن دوافع بيكيت ليتصرف كما تصرف، هناك خلفية واحدة لهذا كله: إن الإنسان، ومهما كان سموه وسمو أفكاره، كائن يفاجئ ولا يمكننا، أبداً، أن نزعم أن في إمكاننا توقع ردود فعله على أي أمر كان. قناعات إنسانية خارج الزمن ومن هنا فإن هذه الرواية المنصفة، لا تحاول أن تقول تاريخية الحدث، بمقدار ما تقول نظرة مؤلفها إلى الإنسان. لأن المهم هنا ليس موقف بيكيت، الذي قاده إلى الاستشهاد ثم التطويب، بل كونه إنساناً يملي عليه وعيه الخاص، والمتغيّر، تصرفاته مهما كان الثمن. وفي هذا الإطار علينا أن نلاحظ، مع دارسي عمل ماير هذا، أن الكاتب، الذي كان يعتبر نفسه مفكراً ومؤرخاً في الوقت نفسه، لا يسعى إلى تفسير أو تبرير المواقف التي يتمسك بها بطله، انطلاقاً من الظروف الاجتماعية الراهنة، بل انطلاقاً من قناعات إنسانية راسخة في داخل الشخصية، ما يجعل “بيكيت” ماير، إنساناً يقف خارج الزمن، وبالتضاد مع صورته لدى إليوت وآنوي مثلاً، حيث يقدم ابن زمنه وتاريخه. وكونراد ماير لم يسعَ إلى إخفاء هذا، إذ نجده يقول في صدد روايته هذه، حين ثار نقاش حاد من حولها، زمن صدورها (حوالى عام 1879): “إنني في الحقيقة أستخدم هنا شكل الرواية التاريخية القصيرة، بكل بساطة، من أجل التعبير عن أفكاري وعن مشاعري الشخصية الخاصة”. ومن هنا فإن توماس بيكيت لا يعود، تحت قلم ماير، سوى مادة يشتغل عليها لتقديم أفكار شديدة المعاصرة، ترتبط بعنصر الذات والأفكار الشخصية الذي كان عنصراً أساسياً من عناصر الإبداع والفكر عند نهاية القرن التاسع عشر، أي زمن كتابة الرواية، لا زمن أحداثها التاريخية. وتلكم على أية حال سمة ترتبط بحداثة إبداعية تنتمي إلى الزمن الراهن في مجال العلاقة بين الأدب والتاريخ. طريقة لنزع الأساطير عن البطولات من الواضح أن ما أراد كونراد ماير أن يقوله في هذه الرواية – وهو شيء يؤكده كاتبو سيرته على أي حال – إنما هو موقفه المكتئب إزاء زمنه وأفكار زمنه ونوع البطولات التي كانت سائدة فيه. فهو كان في ذلك الحين بالذات، قلقاً وغير مرتاح إلى أي وضع من الأوضاع. لذلك كان – وبحسب تصريحاته الشخصية – يلجأ إلى التاريخ وكتابة التاريخ كنوع من المهرب. وينظر إلى أحداث التاريخ، ليس في واقعها وحقيقتها، بل فقط عبر مرشح الذات والنافذة المطلة على العواطف الشخصية… ومن هنا كان من الواضح أن توماس بيكيت في رواية “القديس” لا يشبه الشخصية التاريخية الحقيقية، بقدر ما يشبه ماير نفسه. ومع هذا، على رغم أن هذا التوجه سيسود فن كتابة الروايات التاريخية بعد ماير بزمن معطياً ماير كل المبررات التي تفسر اختياره هذا، فإن باحثين كثراً يرون أن الرجل كان، بعد كل شيء، كاتباً مرتبطاً بزمنه، أي بزمن الواقعية، وأن رواية “القديس” مهما كان الطابع الذاتي طاغياً فيها، تظل واقعية الكتابة، واقعية اللغة والأجواء، تظل عملاً عن توماس بيكيت لا يمكن هذا الأخير أن يستنكره لو بعث إلى الحياة وقرأه. وكونراد فرديناند ماير، الكاتب السويسري – الألماني، الذي عاش بين 1825 و1898، كان معروفاً بوقوفه عند النقطة الجامعة بين ثلاث ثقافات ولغات: الألمانية والإيطالية والفرنسية، وقد اتسمت حياته – وكتاباته بالتالي – بقدر كبير من التشاؤم والقدرية، لكنه من الناحية السياسية كان مناصراً لبسمارك مؤمناً بقوة هذا الأخير كزعيم. وكان ماير شاعراً ومفكراً أخلاقياً، غير أنه – في أفضل حالاته – جعل الشعر والأخلاق جزءاً من الكتابة التي اشتهر بها أكثر من غيرها: الروايات التاريخية التي تبدى في بعضها متأثراً بمؤرخ عصر النهضة مواطنه الكبير يعقوب بوركهاردت. ومن أشهر روايات ماير إلى الرواية التي نقدمها هنا، “ثورة في الجبل” و”إغواء بسكارا”… المزيد عن: توماس بيكيتتي. أس. إليوتكونراد ماير 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جهاد الزين يكتب من بيروت عن: المعادلة المقلوبة next post رئيس حكومة لبنان: محادثات غير مباشرة مع إسرائيل في رمضان You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024