السبت, يناير 4, 2025
السبت, يناير 4, 2025
Home » تولستوي الصغير يكتب روايته بعيدا من الأرض الروسية

تولستوي الصغير يكتب روايته بعيدا من الأرض الروسية

by admin

 

نيكيتا” ألكسي يتحول في فرنسا إلى “إيغور” ويستعير من سلفه الكاتب الكبير روعة وصف الطبيعة لا أكثر

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

يقيناً أن للكاتب الذي نتحدث عنه هنا اسماً عريقاً في الحياة الأدبية كما في الحياة الاجتماعية الروسيتين. وهل هناك بعد كل شيء أعرق من اسم تولستوي؟ ولكن هل يمكن لتشابه الأسماء أن يورث الكاتب الأحدث سناً موهبة سميه الأكثر قدماً منه؟ ففي النهاية من نتحدث عنه هنا هو ألكسي تولستوي وليس ليو تولستوي قريبه من بعيد وسابقه إلى الوجود بنصف قرن وأكثر من الزمن. أما الكتاب الذي يشغلنا هنا فليس “الحرب والسلم” ولا “آنا كارنينا” على أية حال، بل “طفولة نيكيتا”. وهذا العنوان الأخير تحمله واحدة من روايات ألكسي تولستوي الأساسية التي من المؤكد أن تولستوي الكبير لم يعرف عنها شيئاً قبل رحيله في عام 1910 وليس فقط لأن كاتبها الحامل اسمه لم ينشره إلا بدءاً من عام 1920 وفي باريس لا في العاصمة الروسية حتى وإن كان قد نشرها باللغة الروسية على حلقات أسبوعية في واحدة من تلك المطبوعات التي كان يصدرها منفيون روس في العاصمة الفرنسية. ومهما يكن من أمر فإنك لو كنت من قراء الفرنسية وحاولت العثور على ترجمة فرنسية لرواية “طفولة نيكيتا” سيخيب مسعاك وببساطة لأن الترجمة الفرنسية للرواية نفسها حملت لسبب يبدو لنا غريباً، عنواناً آخر هو “طفولة إيغور”!. والواقع أن تلك الغرائب تجعل المسألة تبدو محملة بالألغاز لكن الحقيقة ليست كذلك. الحقيقة هي أننا في إزاء رواية ألكسي تولستوي هذه أمام رواية بسيطة عذبة طبيعية طبيعة الأرض الروسية وأحبها القراء كثيراً في حينها لكنها… غابت في النسيان بعد ذلك.

ليون تولستوي: موهبة متوارثة؟ (غيتي)

جزء من حقيقة الأرض الروسية

منذ الصفحات الأولى في الرواية التي كتبها ذاك الذي سيدين بجزء من شهرته لكونه قريباً من عميد الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، وجزءاً آخر لكونه سيقف مناصراً النظام البولشفي على رغم علو شأن عائلته. وكان حين كتبها بالكاد بلغ الثلاثين من عمره، منذ الصفحات الأولى يشعر القارئ بأن في الرواية نفساً ينتمي إلى السيرة الذاتية، وبأن مصدر إلهام تولستوي الصغير هذا كان ثلاثية سلفه الكبير “الطفولة، المراهقة، والشباب”، حتى وإن كانت الحياة التي يصف فيها طفولة بطله نيكيتا هي حياته الشخصية. ولعل أجمل ما في هذه الرواية هو ذلك الابتعاد الذي راح الكاتب الشاب يحاوله أكثر وأكثر كلما توغل في أحداث روايته غارقاً من همومه الذاتية ساعياً للابتعاد عن هموم ذلك السلف الذي لا يضاهى. وكأننا نقول هنا إن ألكسي قد حرص على أن يتعلم وهو يدبج مئات الصفحات التي تؤلف “طفولة نيكيتا” كيف يسلك طريقه ويبتكر لغته مبتعداً عن معلمه الكبير. ومن هنا إلى القول بأن القارئ سيتعلم بالتدريج معه، كيف يتعلق بأدبه وقد راح ينسى تأثراته بصاحب “آنا كارنينا” وسواها من روائع الأدب الروسي، خطوات قليلة يمكن أن نقطعها بسهولة. ولكن لئن كان ألكسي قد حقق غايته ولا سيما خلال الفصول الأخيرة من كتابه، فإنه بقي على أية حال ملتصقاً بالتراب الروسي الذي يبدو أن ما علقه به أكثر كان كتابته الرواية في غربته الفرنسية ما راح يبعده من أسلوب سلفه الكبير خالقاً له أسلوبه الخاص أسلوباً مشبعاً بقدر كبير من حنين يمكننا أن نعثر على ما يعادله في فن الرسام شاغال على أية حال. ومن هنا تمكن ألكسي تولستوي من أن يبدع في طريقه أدبه الخاص الذي قد لا تكون له قوة ليون تولستوي الفكرية لكنه ضاهاه على الأقل في قوته الوصفية.

غلاف ترجمة إنجليزية مبكرة من “طفولة نيكيتا” (أمازون)

الحياة ومجراها

لقد أشرنا هنا قبل سطور إلى “أحداث الرواية” لكننا نجد أنفسنا الآن ميالين إلى تعديل الكلمة بالنظر إلى أن ليس ثمة هنا وعلى الأقل في الأرباع الثلاثة الأولى من النص، أحداث بالمعنى المتعارف عليه للكلمة. وذلك لأن الحياة نفسها ومجريات تلك الحياة هي الأحداث الحقيقية في نص يحاول جهده أن يرسم صورة تكاد تكون انطباعية لما يدور من حول الفتى نيكيتا الذي يعيش في كنف عائلته الموسرة في ظل النظام القديم – النظام القيصري-. وما يدور إنما هو تلك الحياة في العزبة التي تملكها العائلة عند نهايات القرن التاسع عشر في منطقة بديعة من مناطق حوض الفولغا. أما هم الكاتب فيبدو منصباً طوال الوقت على توصيف سيكولوجية بطله الفتي وأترابه وألعابه وتعامله المبكر مع الحياة وغرامياته الأولى. وهو إذ يقدمه لنا في شتى أحواله يتحول لتقديم أترابه من أبناء المزارعين العاملين لدى أبيه من دون مبالغة في التوقف عند التفاوتات الطبقية. وإثر ذلك ينتقل الكاتب إلى تقديم الأب لنا وهو يصفه بعاديته الروسية وجموحه وإفراطه في كل ما يفعل ما سيتسبب في الإفلاس وتحول أحوال العائلة على رغم شجاعة الأم وقلقها الدائم من ناحية على ابنها ومن ناحية ثانية على زوجها وخوفها من التطورات التي تطرأ على حياتهم وعلى الحياة من حولهم. في نهاية الأمر، وعلى رغم قلق الأم كما على رغم ما يتحقق من مخاوفها، فإن الكاتب لا يعطي أي شيء من ذلك كله بعداً تراجيدياً ولا حتى درامياً. فالدراما الوحيدة هنا هي تلك المرتبطة بتدبير الحياة اليومية ومقارعة البرد وما إلى ذلك.

الفصول الأربعة وأكثر

ومهما يكن يبقى هنا أن تلك العلاقة بالطبيعة ومن خلال حياة نيكيتا وأصحابه ومغامراته، تبدو وكأنها الذريعة التي توصل الكاتب من خلالها إلى تقديم صور رائعة وقل نظيرها في أدب تلك المرحلة في الروايات الروسية للحياة اليومية في ذلك الريف القاسي والحنون في الوقت نفسه. حيث لا شك أن تولستوي هذا أمعن، ومن خلال ابتعاده الوصفي عن سلفه الكبير كما عن ذلك الواقع المختلف تماماً والذي لا ريب أنه كان يرصده من وصف للحياة المدنية الواقعية في مجمل أدب القرن التاسع عشر الروسي، تمسك هنا بما يمكن اعتباره معادلاً لما أبدعه فن الرسم والموسيقى الأوروبي من تصوير لمجرى الفصول الأربعة محاولاً من ناحيته أن يجعل لتلك التبدلات اللونية والمناخية والمزاجية التي يعبر عنها تعاقب الفصول، نوعاً من عوالم بصرية لغوية هي بالتأكيد أجمل ما في هذه الرواية. ونحن إذ نتتبع ذلك صفحة بعد صفحة من منظور نيكيتا نفسه، نحس في كل مقطع وفقرة، كم أن ذلك العالم الطبيعي قد انطبع في ذاكرة الكاتب ممتزجاً بألحان ولوحات رصدها منذ طفولته هو الآخر لدى كبار الموسيقيين والرسامين الأوروبيين (وفي مقدمتهم هايدن وبروغل وبوسان الفرنسي وغيرهم)، منذ وقت مبكر ما مكنه من خلق معادل أدبي لذلك كله كان هو ما دفعه إلى كتابة هذه الرواية ولو جزئياً.

الوجه الآخر للميدالية

ومن ناحية ما قد يمكن القول هنا إن تولستوي هذا قد بدا وكأنه رغباته الكتابية وعلى الأقل مع بدء زوال ذلك العالم الذي شغل النصف الأول من نصه وبالتحديد حتى بلوغ بطله نيكيتا مبلغ الصبا واضطرار العائلة إلى إلحاقه بالدراسة بعيداً من الفردوس الذي كانته حياة الطفولة في ريفهم الوديع. فها هو الآن يتوجه ليدرس في مدينة سامارا ما يضطر العائلة بأسرها إلى الانتقال معه إلى تلك المدينة الكبيرة التي لن تكون بالنسبة إلى الفتى سوى مذاق أول للانتقال لاحقاً إلى مدن أكبر وعوالم أكثر تعقيداً. وهي أمور ربما كان ألكسي تولستوي يزمع نقلها إلى قرائه في أجزاء تالية للكتاب نفسه لكنه لم يفعل لحد علمنا. والحال أن هذه الفرضية قد تكون خدمت نص ألكسي تولستوي بالنظر إلى أن الفصول الأخيرة تشي لقارئها بأن ثمة ابتعاداً لدى الكاتب، كلما أمعن في خلق حياة على الورق لبطله، يجعل الرواية تفتقد تلك اللحظات البديعة التي وسمت طفولة نيكيتا في مراحلها الفردوسية الأولى لتحول – أو على الأقل تعد بتحويل – ما قد يلي ذلك إلى نص أكثر عادية وأقل فتنة ما يفقد النص المعروف سحره الخفي… السحر الذي جعل “طفولة نيكيتا” كما هي تطبع مراراً وتكراراً في موسكو ولينينغراد منذ عودة تولستوي إلى الوطن لتقرأ من قبل الملايين.

المزيد عن: الأدب الروسيألكسي تولستويليو تولستويالنظام البولشفي

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00