مشهد من فيلم "عربة اسمها الرغبة" المقتبس عن مسرحية ويليامز (موقع الفيلم) ثقافة و فنون تنيسي ويليامز يستعير شخصياته من حياته ورؤاه by admin 14 فبراير، 2025 written by admin 14 فبراير، 2025 22 كبار المخرجين يتسابقون للحصول على نصوصه والناشرون شوهوا مذكراته لأسباب تجارية اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يكن الكاتب الأميركي تنيسي ويليامز حالة فريدة في الحياة الثقافية الأميركية منذ أواسط القرن الـ20 في الأقل، لكنه كان حالة متفاقمة بالمعنى السلبي والإيجابي للكلمة. فمن ناحية، من يريد اليوم أن يدرس حياته كي يربط أعماله الكبرى بمسارات تلك الحياة، يتعين عليه من فوره أن يبتعد من ذلك، لأن ناشري مذكراته شوهوها إلى حد لا يطاق ولأسباب تجارية تتعلق بالرواج من طريق ملئها بكل ما هو إباحي ومشاكس ومتمرد ويخرج عن أية أخلاقيات يمكن قبولها، ومن ناحية ثانية من يريد أن يدرس حياته على ضوء كتاباته سيجد أمامه حياة أكثر ارتباكاً وتشعباً وتعقيداً بكثير من أي نصوص للكاتب تتعلق بحقائق تلك الحياة. ومن هنا يمكن القول إن ذلك كله خلق حياة لتنسي ويليامز قد لا تكون هي حياته حقاً وخلق خلفيات لأعماله من الصعب القبول بها كما هي مطروحة. وقد يكون الحل الوحيد في دراسة كل من الحياة والأعمال على حدة، حتى وإن كان الأمر غير سليم من الناحية الفكرية. تنيسي ويليامز (1914 – 1983): مسرح من داخل الذات (غيتي) ما يقوله الكاتب مهما يكن من أمر لا بد من بدء الحديث عن تنيسي ويليامز (1914 – 1983) المعتبر الهرم الرابع في الكتابة المسرحية الأميركية في القرن الـ20، إلى جانب آرثر ميلر وكليفورد اوديتس وثورنتون وايلدر، وطبعاً أستاذهم جميعا يوجين أونيل. ومن موقع آخر تماماً يتعلق بتسابق كبار مخرجي السينما والمسرح للحصول على إمكان اقتباس نصوصه للفنين الاستعراضيين الكبيرين. فمن إيليا كازان إلى جون هستون في السينما، إلى بيتر بروك ولوكينو فيسكونتي وحتى انغمار برغمان في المسرح، تمتد لائحة كبيرة بالمخرجين الذين فتنتهم تلك النصوص، ومن أبرزها طبعاً تحفة كازان “عربة اسمها الرغبة” و”ليلة الإيغوانا” و”طائر الشباب الجميل” وطبعاً “الحيوانات الزجاجية”، وسواها من أعمال ارتبطت بالمجتمع الأميركي ولكن بالنوازع الإنسانية العميقة لدى كل الناس وفي كل المجتمعات. وهذا ما يعيدنا مثلاً لواحدة من أشهر مسرحياته، “الحيوانات الزجاجية”، التي يمكن أن تكون حقيقة الحكاية التي تربطها مباشرة بشخصية شقيقة الكاتب نفسها التي أمضى طفولته وبداية مراهقته في رفقتها ليكتشف في النهاية أنها مصابة، وبحسب تحليل أطباء عدة، بانفصام خطر في شخصيتها. وانطلاقاً منها ومن هيمنة ذلك الاكتشاف عليه، نراه يكتب تلك المسرحية السوداوية إنما المغرقة في حنان يرسم جزءاً أساسياً من شخصيته هو نفسه. مشهد في قطار ما وفي السياق نفسه، أي السياق الذي نحاول فيه هنا أن نتخطى المعضلة التي أثرناها أول هذا الكلام، حول علاقة ما نعرفه من أدب ويليامز بما هو منغلق علينا من حياته، لا بد أن ننقل عنه هو ذاته ما يحكيه في تقديمه لواحدة من طبعات “عربة اسمها الرغبة”، من كيف أن تلك المسرحية تعتبر عادة من أجمل ما كتب أميركي عن المرأة في تاريخ الأدب المسرحي في هذا البلد. وهو حكى ما حكاه هنا منطلقاً من تأكيد أن صورة تعرض له في لحظة غير متوقعة، قد تكون بداية عمل كبير يغوص فيه بصورة تدريجية ليصبح جزءاً من كينونته كما جزء من لائحة مؤلفاته، فيقول: “ذات يوم شاهدت امرأة جالسة على كرسي، لا تفعل شيئاً سوى انتظار أمر ما، وربما هو الحب ما كانت تنتظره. كان ضوء آت من الشارع يلمع في داخل غرفتها عبر النافذة، لكنه كان ضوءاً يقترح حضور نوع من جنون عذب. من فوري يومها كتبت ذلك المشهد وحده، وأعطيته عنواناً بدا لي غاية في الإبهام، ’كرسي بلانش في ضوء القمر‘. والحقيقة أنني لم أكن أرغب من خلال ذلك العنوان أن أصل إلى التعبير عن جمالية معينة، لكني كنت أشعر بالرغبة في إيصال رؤية ما. ففي مسرحية ما من المؤكد أن ليس الرمز سوى هدف واحد مشروع، يقوم على قول معنى ما بصورة مباشرة، وقوله بقدر كبير من البساطة والجمال لا يمكن الكلمات وحدها أن توصله، فالرمز ليس سوى الشكل الطبيعي للتعبير الدرامي”. هواجس مبدع حساس بوستر فيلم “عربة اسمها الرغبة” (موقع الفيلم) من المؤكد أن من لم يقرأ أو يشاهد مسرحية “عربة اسمها الرغبة”، لن يدرك تماماً العلاقة بين ما يقوله ويليامز هنا وبين المسرحية، ولكن من المؤكد أن “مشاهداً وقارئاً من طينة السينمائي الإسباني بيدرو المودوفار، عرف بعد أن شاهد المسرحية وقرأها مرات عديدة وبالتالي باتت هاجسه، ثم قرأ واستوعب ما قاله كاتب النص في شأنها عرف كيف يتخذ قراره بأن ينطلق منها – ولكن أيضاً من فيلم آخر عن المرأة هو “كل شيء عن حواء” لجوزف مانكفيتش – محققاً واحداً من أبدع أفلامه وهو “كل شيء عن أمي” الذي ننتهز المناسبة هنا للإشارة إلى أن بطلته الرائعة الممثلة الإسبانية ماريزا بيريديث، رحلت عن عالمنا قبل أيام. المهم في الأمر هنا أن هذين المثلين على رغم عدم وجود أي قاسم مشترك بينهما، من شأنهما أن يوضحا لنا وإلى حد ما، نوع العلاقة التي قد تكون فريدة بين تنيسي ويليامز وكتابته. وهو أمر قد يمكن السير فيه قدماً فنذكر أن معظم أدب هذا الكاتب ومن دون أن يكون ذاتياً، يستند إلى هواجسه الخاصة، على عكس الحال مع رفاقه من كبار كتاب المسرح الأميركي في حقبته الذهبية الممتدة منذ منتصف القرن الـ20 وحتى نهاياته. ولعل الموقف من الزمن والوقت الذي يجري وبالتالي، من الموت، هو واحد من حاملي ذلك الهاجس. أي أن إفلات الزمن من بين أيدينا، إفلاتاً يحسه الكاتب بقوة حساسيته وبتجربته الشخصية، التي تعجز مذكراته كما هي منشورة على أية حال، عن إيصالها إلى قارئه، هو كنه ذلك الهاجس الذي يمكننا أن نجده في كل النصوص ولكن بخاصة في واحدة من نصوصه المتأخرة، “طائر الشباب الجميل”، إذ تفاجئنا عبارة تبدو للوهلة الأولى في غاية البساطة: “العدو هو الزمن الماثل في داخل كل واحد منا”، وهي عبارة لا بد من القول إنها تتكرر بصورة أو بأخرى في مجمل مسرحيات ويليامز وكتاباته الأخرى. من يوقف الزمن؟ بيد أن ما يلفت هنا حقاً هو ما يعبر عنه ويليامز مراراً وتكراراً، وبمناسبة أو من دون مناسبة، من أن الرغبة في إيقاف الزمن إنما هي واحد من دوافع كل فن وكل فنان. وهو يرى في هذا المجال أن الفارق الأساس بين المسرح والحياة هو أن المسرح يأخذ على عاتقه مهمة إيقاف الزمن، وذلك عبر لعبة تكثيف الحياة التي يمارسها. فهو، أي المسرح، في نظر الكاتب، “مثل التأمل يوقف مسار اللحظة الزمنية. إذ إن الخشبة، كما أنها مكان مغلق، هي كذلك زمان منغلق على ذاته”، بيد أن الزمان المنغلق قد يكون ماض مستعاد. ومن هنا يمكن لمسرحية أن تحمل عنوان “فجأة في الصيف الماضي”، كما أن مسرحية عنوانها “الحيوانات الزجاجية” قابلة لأن يسميها كاتبها “مسرحية ذاكرة”، بالنظر إلى أننا لا نشاهدها إلا من منظور الذكريات. وبما أن هذا الحديث يمكن أن يقودنا إلى حديث الشيخوخة يمكن لنا أن نلاحظ هنا أن الرجال في مسرحيات ويليامز يشيخون بأفضل مما تفعل النساء، فالمرأة تبدأ شيخوختها لديه وهي في الثلاثينات، فيما يظل الرجل شاباً حتى الستينيات والسبعينيات. وإذ يقول ويليامز هذا يعطينا مثلين: تشانس في “طائر الشباب الجميل”، وبريك في “قطة على سطح صفيح ساخن”، وفي النهاية انطلاقاً من مثل هذا الاستناد إلى ما يقوله تنيسي ويليامز عن مسرحه يمكن تبني نظرة إلى هذا المسرح قد لا تعتبره مسرحاً ذاتياً بالمعنى الأكاديمي للكلمة، لكنه بالتأكيد مسرح ينطلق من هواجس الذات، بأكثر مما يفعل أي كاتب مسرحي أميركي آخر، وهي نقطة يمكن على أية حال تسجيلها لصالح هذا الكاتب. المزيد عن: تنيسي ويليامزالثقافية الأميركيةالمسرح الأميركيبيدرو المودوفارآرثر ميلريوجين أونيل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أسفار ويوميات ومخطوطات تحصد جوائز ابن بطوطة next post ما علاقة تعاطي الماريغوانا بارتفاع حالات الفصام؟ You may also like شباب المغرب يحتشدون لإنقاذ الحرف التقليدية 14 فبراير، 2025 أسفار ويوميات ومخطوطات تحصد جوائز ابن بطوطة 14 فبراير، 2025 عبده وازن يكتب عن: وزارة الثقافة اللبنانية المنهارة... 14 فبراير، 2025 أسامة منزلجي المترجم الذي أسس مشروعا شاملا 13 فبراير، 2025 المفكر رولان غوري: تفكيك الحضارة منطق جديد للهيمنة 13 فبراير، 2025 شابلن بدأ مشروعه بشرائط قصيرة تسخر من السينما 13 فبراير، 2025 الفيلم الفرنسي “الجدار الرابع”: بيروت 1982 في ظلال... 13 فبراير، 2025 الوحدة الأوروبية أجهضت قبل أن تولد مرة ثانية 13 فبراير، 2025 اتهامات مفبركة ضد كراوتيين مجنسين في “مسكوت عنه” 13 فبراير، 2025 تحويل منزل فيروز إلى متحف قريبا… صور ومقتنيات... 13 فبراير، 2025