تفاصيل عروض إسرائيل على الغزيين للهجرة الطوعية

التواصل عن طريق “واتساب” والمقابلة في محور نتساريم والسفر عبر معبر كرم أبو سالم ومنه إلى مطار رامون و”حماس” تحذر

اندبندنت عربية / عز الدين أبو عيشة مراسل @press_azz

عندما وصل إشعار إلى هاتفه المحمول، أخذ ماجد يقرأ الرسالة النصية التي وصلته “إلى أهالي البريج نفحص إمكانية الخروج من قطاع غزة، لتنسيق مقابلة عند محور نتساريم يرجى التواصل عبر ’واتساب‘”، صمت الرجل قليلاً وأخذ يتمعن في الرقم الإسرائيلي الذي أرسل إليه دعوة الهجرة.

استغرق ماجد وقتاً طويلاً في التفكير، يقول “الحرب أنهكتنا، بصراحة تعبنا كثيراً، كل يوم نموت قصفاً وجوعاً ومرضاً، أكذب إن قلت لا أفكر في السفر خارج غزة، هذا المكان لا حياة فيه، لكن أنا متردد في السفر بهذه الطريقة”.

خطط التهجير جاهزة

حديثاً بدأت إسرائيل تروج لتهجير الغزيين من القطاع، تنفيذاً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أعلن نيته السيطرة على قطاع غزة وتحويله إلى مشروع عقاري، أطلق عليه لقب “ريفييرا الشرق الأوسط”.

ودعا ترمب إلى تفريغ القطاع من السكان، وطلب من مصر والأردن استقبال الغزيين لكن الدولتين رفضتا ذلك.

أما إسرائيل التي أعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في بدايات الحرب وخلال عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أن بلاده لا تعتزم تهجير الفلسطينيين أو احتلال غزة، فقد تراجعت عن ذلك، إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس “نستخدم كل الوسائل لتنفيذ رؤية الرئيس الأميركي في شأن غزة”.

دفع اقتراح ترمب إلى انتشار فكرة تهجير الغزيين، وبدأ الساسة في إسرائيل يناقشون بصورة علنية التهجير الجماعي لسكان غزة كحل للحرب، وأنشأت تل أبيب إدارة داخل وزارة الدفاع لإعداد وتسهيل التنقل الآمن والمنضبط لسكان غزة الذين يرغبون في الانتقال الطوعي إلى دول ثالثة.

ويبدو أن تل أبيب انتهت من تجهيز خطط التهجير وبدأت في التنفيذ الفعلي له، إذ انتشرت في غزة حديثاً عروض إسرائيلية للهجرة الطوعية، فضلاً عن تسيير رحلات تقل عدداً قليلاً من سكان القطاع لنقلهم من غزة إلى دول مختلفة.

عروض الهجرة

وأول عرض لحث سكان غزة على الهجرة الطوعية تمثل في إرسال رسائل نصية على هواتف سكان القطاع، تدعوهم إلى التواصل مع ضابط استخبارات إسرائيلي عبر تطبيق المراسلات الفورية “واتساب”، من أجل تنسيق موعد لإجراء مقابلة أمنية في محور نتساريم وسط غزة الخاضع لسيطرة الجيش.

وبحسب هذا العرض، فإنه بعد إجراء المقابلة تُجهز أوراق الراغب في السفر ثم تحديد موعد لنقله إلى معبر كرم أبو سالم، وبعد ذلك إلى مطار رامون الإسرائيلي لتسيير رحلة جوية ونقله إلى دولة ثالثة، بعد توقيعه على أوراق تفيد بعدم عودته لغزة وأنه سافر طواعية من الأراضي الفلسطينية.

أما الأسلوب الثاني فإنه يتمثل في اتصال محامين إسرائيليين على سكان غزة، ويطلبون منهم توقيع توكيل لاستخراج وثائق واستكمال أوراق تخص هجرتهم من القطاع، بنفس آلية السفر المتبعة من معبر كرم أبو سالم ثم مطار رامون إلى بلد ثالث آمن.

والأسلوب الثالث يتلخص في توجيه دعوة من المؤسسات الدولية إلى الغزيين لاستقطابهم في مشاريع علمية أو موسيقية أو أية مشاريع خارج حدود القطاع، وعند الموافقة تُرتب طريقة الإجلاء بنفس الآلية المتبعة.

والطريقة الرابعة تنفذ عبر الاتصال بالأشخاص الذين سافروا إلى خارج القطاع ولو لمرة واحدة، ودعوتهم إلى السفر مجدداً، إضافة إلى الطريقة الخامسة بتسهيل إجراء نقل المرضى برفقة عائلاتهم إلى خارج غزة، وسادساً تقديم تذكرة سفر ومصروف مالي للغزيين الذين يوافقون على الهجرة طواعية من القطاع.

عائلات غادرت فعلياً

بحسب معلومات “اندبندنت عربية” الميدانية، فإن عشرات العائلات غادرت قطاع غزة خلال الأسابيع القليلة الماضية من طريق إسرائيل نحو وجهات مختلفة، وجاءت هذه المغادرة بتسميات مختلفة مثل اللجوء الإنساني والتجمع العائلي واستكمال التعليم.

بعض الغزيين يضطرون إلى التجاوب مع عروض الهجرة هربا من جحيم الحرب (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)

وتشير المعلومات إلى أن الأشخاص الذين غادروا غزة وقعوا على وثائق تشترط عليهم عدم عودتهم إلى قطاع غزة، وتقر بسفرهم طواعية وأنهم موافقون على شطبهم من السجل المدني الفلسطيني، مما يعني طوعية الهجرة.

توجهت رحلات الغزيين نحو البوسنة فيما سافر بعض الطلاب الجامعيين إلى إيرلندا، وهناك آخرون غادروا إلى دول البلقان، والمرضى إلى إندونيسيا، وحملة الجنسيات إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى ضوء ذلك التطور المهم بدأت إسرائيل في تقديم العروض للغزيين بالهجرة.

الإجراءات متواصلة

تلقت أسماء اتصالاً من مكتب محاماة في إسرائيل عرض عليها توقيع توكيل لاستخراج أوراق تتيح لها السفر إلى خارج قطاع غزة، ومنحة مالية تقدر بقيمة 5 آلاف دولار قبل ركوبها الطائرة، وتذكرة سفر إلى إندونيسيا أو ماليزيا، لكن السيدة رفضت العرض لعدم وجود ضمانات أمنية.

وفي حالة أخرى، تواصل ضابط استخبارات إسرائيلي مع منير عبر “واتساب” وعرض عليه إجراءات السفر طوعاً خارج القطاع، وتسهيلات كبيرة. وتردد الشاب في البداية وبعد تفكير وافق، قائلاً إنه فعل ذلك للنجاة من غزة ومن الجوع.

وحصل رؤوف على دعوة للمشاركة في مؤتمر علمي برفقة عائلته وتلقى ضمانات أمنية، وعندما وافق طُلب منه التجمع مع المدعوين الآخرين في مكان معين داخل غزة، تمهيداً لنقلهم براً إلى معبر كرم أبو سالم، ومنه عبر مطار رامون إلى الدولة التي سيعقد فيها المؤتمر.

“حماس” تحذر الغزيين

هذه العروض انتبهت لها وزارة الداخلية في غزة وحذرت منها. ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة “هذه حملات لتضليل المواطنين ودفعهم إلى الخروج من أرضهم، وعلى المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف الحملات الخبيثة المخالفة للقانون الدولي الإنساني”.

لم تعد غزة مكانا يصلح للعيش و”حماس” تحذر من التجاوب مع عروض الهجرة (اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)​​​​​​​

ويضيف “نتخذ الإجراءات القانونية بحق كل من يثبت تجاوبه مع تلك الرسائل، فالحالات القليلة التي غادرت القطاع أخيراً هي لمرضى وجرحى أتموا إجراءات السفر لتلقي العلاج في الخارج، وليسوا مهاجرين كما تروج إسرائيل”.

ويوضح الثوابتة أن حرية السفر والتنقل تعد حقاً أساساً لكل مواطن فلسطيني، وأن استمرار فرض الحصار المطبق على قطاع غزة جريمة، لافتاً إلى أن العروض الإسرائيلية ليست الطريقة الصحيحة لممارسة حق السفر، وإنما بها مخاطرة أمنية عالية.

أما في إسرائيل فإن الأمر لا يحتاج إلى مراوغة، إذ يؤكد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن بلاده شرعت فعلياً في تسيير رحلات لغزيين أرادوا النجاة بأرواحهم من الموت وغادروا القطاع طواعية وإلى الأبد لتسهيل إجراءات تنفيذ خطة ترمب في شأن غزة.

المزيد عن: غزةسكان غزةقطاع غزةإسرائيلحماستهجيرريفييرا الشرق الأوسطدونالد ترمبترمبحركة حماسالبوسنةدول البلقانإندونيسياالاتحاد الأوروبيواتسابمحور نتساريم