ثقافة و فنونعربي تحية للأم ولكل امرأة في كتاب “نغمة الجوع” للفرنسي لوكليزيو by admin 5 أكتوبر، 2022 written by admin 5 أكتوبر، 2022 9 رحلة صاحب نوبل 2008 من الرواية الجديدة إلى ما بعد الكولونيالية إلى حكايات الطفولة اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب منذ فوز الكاتب الفرنسي كلود سيمون بجائزة نوبل الأدبية في عام 1986 ليكون الكاتب الفرنسي الخامس عشر الذي يفوز بها منذ تأسيسها في بدايات القرن العشرين، لم يتوقف الفرنسيون عن الشكوى من أن السنوات تمر والجائزة راحت تبتعد عن أدب بلادهم. ولكن فجأة في القرن الجديد فوجئ الفرنسيون بأدبهم يستعيد المبادرة ومرتين تباعاً تقريباً وليس مرة واحدة، ما رفع رصيدهم إلى 15 جائزة محققاً لهم الحفاظ على المرتبة الأولى بين أكثر الآداب فوزاً بهذه الجائزة في العالم مخلفين وراءهم في المرتبة الثانية أدباء الولايات المتحدة بـ 13 فوزاً ما أثلج صدرهم إلى حد كبير بالتأكيد. غير أن هذه المفاجأة الطيبة لم تكن الوحيدة إذ أعطيت نوبل الأدبية في تينك المرتين، عام 2008 إلى غوستاف لوكليزيو، ثم عام 2013 إلى باتريك موديانو وهما يعتبران من أحبّ الروائيين الفرنسيين إلى قلوب مواطنيهما، ولا سيما منهما لوكليزيو الذي ازداد حب المثقفين والتقدميين له حين صرح خلال الفترة الفاصلة بين دورتي الانتخابات الرئاسية الفرنسية يوم كان التنافس محتدماً بين المرشحين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان بأنه “لو قدّر الله وفازت لوبان” لن يتردد دون التخلي عن جنسيته الفرنسية. ويومها على خطورة هذا التصريح ابتسم كثر وقالوا بتفكه ومرح: “لكنه لن يضيره ذلك فيمكنه أن يستعمل جنسيته الثانية” وذلك لأن من المعروف أن لوكليزيو يحمل جواز سفر من دولة جزر موريشيوس التي يربطه بها ألف سبب وسبب. مهما يكن، لئن كنا سنعود إلى باتريك موديانو في نصّ آخر فإننا هنا نتوقف مع لوكليزيو الذي ترجمت أعماله إلى 36 لغة حتى من قبل فوزه بنوبل، ويعتبر نفسه مواطناً عالمياً ينتمي إلى أفريقيا كما إلى أميركا اللاتينية ناهيك عن ارتباطه بالعالم العربي من خلال زوجته المغربية. ويُلجأ إليه عادة حين يكون ثمة أسئلة عن تلاقح الحضارات وتلاقيها بل حتى عن تراتبيتها كما حدث مرة حين دعاه متحف اللوفر لتقديم معارض وعروض بالغة الأهمية حول هذا الموضوع قبل سنوات. ضد العنصرية على رغم أن لوكليزيو يبدو اليوم بشعره الأشقر وقامته الأوروبية وكأنه لا يزال في مطلع كهولته فإنه من مواليد عام 1940 ما يعني أنه تجاوز الثمانين بعامين. لكنه في الحقيقة يبدي نشاطاً بالكاد يبديه ابن الخمسين ولا يتوقف عن إصدار الروايات والدراسات وتنويع النشاطات وخوض النقاشات العامة المناهضة للعنصرية وهو كان قبل سنوات في طليعة 100 مثقف فرنسي وقعوا بياناً حاداً ضد التعامل العنصري مع العرب والأفارقة في بلدهم معلنين في بيانهم أن “على فرنسا أن تسهم بشكل حاسم وأساسي في نهضة البلدان التي كانت قد استعمرتها ثم تخلت عنها، كي تقوم من كبوتها وإفلاسها بدلاً من محاربة أبنائها في رزقهم”. ويقول لوكليزيو أنه إنما ورث هذه المواقف من أبيه الطبيب الجراح الذي عمل طويلاً في أفريقيا كما من جده الذي طوف في العالم ولا سيما في المكسيك والجزر الأفريقية بحثاً عن الذهب فتعلم كيف يتعامل مع السكان المحليين وكأنه فرد منهم. غلاف “نغمة الجوع” (أمازون) الخسارة الأولى بصوت واحد ولئن كان جان ماري غوستاف لوكليزيو قد بدأ حياته الأدبية بروايته “المحضر” التي حين صدرت عام 1963 خسرت جائزة الغونكور بصوت واحد فنالت بدلاً عن ذلك جائزة رينودو، فإنه كان يتجه أولاً ضمن تيار الرواية الجديدة الفرنسية لكنه ما لبث بعد ذلك أن اتجه إلى كتابة روايات بل دراسات حتى، يستمد موضوعها من تنقلاته بين شمال أفريقيا ومناطق عدة في جنوبها وصولاً إلى أقصى الشرق الآسيوي ما جعل أدبه يتبدى بشكل عام وكأنه أدب ما – بعد – كولونيالي واصلاً إلى ذروته من خلال روايته “العربية”، “صحراء” التي ركز محكمو جائزة نوبل على ذكرها لاحقاً والتي استوحى هو بعض أجوائها من علاقته بزوجته المغربية ومما كانت هذه ترويه له من حكايات تتعلق بأهلها. غير أن لوكليزيو عند نهاية سنوات السبعين تبدى لديه ميل كتابي جديد نحا به في اتجاه طفولته والحكايات الغنية التي يعرفها بالمعايشة أو بالسمع عن أهله وأهل أهله، وكذلك في اتجاه تلك التنقلات الغريبة المدهشة التي كانت تأخذهم من بقعة إلى أخرى في هذا العالم الفسيح الذي كان هو يعتبره وطنه. وهكذا نجده يكتب عن نفسه أولاً رواية أوتوبيوغرافية بعنوان “الأربعينية” ثم يكتب عن أبيه رواية “الأفريقي” المستوحاة من حياته ومن علاقته به، وكذلك أصدر روايته البديعة “أورنيا” عن لقائهما أمه وهو بأبيه بعد غياب هذا الأخير حين استدعاهما بحراً إلى نيجيريا حيث كان مقيماً. وكتب عن جده “الباحث عن الذهب” التي استكملها بـ”السفر إلى رودريغ”. ثم في عام 2008 الذي فاز فيه بجائزة نوبل، حان دور أمه بالنسبة إليه فأصدر “نغمة الجوع” تلك الرواية الشاعرية البديعة التي تناول فيها ما لا يقل عن عشرين سنة من حياة تلك الأم عشية الحرب العالمية الثانية وخلالها بين الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. امرأتان في واحدة ولئن كنا نقول هنا أن “نغمة الجوع” هي بالنسبة إلى لوكليزيو روايته عن أمه كما كانت “الأفريقي” روايته عن أبيه، فلا بد لنا من أن نسرع إلى القول إن ما نحن في صدده هنا ليس سيرة حقيقية لأمه سيمون لوكليزيو، ولكن رواية عن امرأة تدعى إثيل برون نتابع حكايتها خلال تلك الفترة الصعبة من حياة أوروبا. ومع ذلك فإن لإثيل سنّ أم غوستاف وثمة كما سيقول هو نفسه، الكثير من نقاط التشابه والتقاطع بين المرأتين. فهما ولدتا في الوقت نفسه تقريباً وترعرعتا في الأحياء الأنيقة. ولكن إثيل عاشت صباها بعد تلك الولادة بالقرب من مونبارناس في باريس بحضانة عم لأبيها كان طبيباً عسكرياً في القوات الفرنسية في أفريقيا وأب كان رجل أعمال لم يعرف نجاحاً حقيقياً في أعماله. ومن هنا وجدت إثيل نفسها على رغم أرستقراطية منشئها وأناقة تربيتها، تعيش شتى أنواع الفوضى والفقر خلال الحرب العالمية الثانية والصعوبات التي سبقتها. وهكذا وجدت نفسها، كحال أم لوكليزيو مجبرة على مبارحة باريس نافية نفسها إلى مدينة نيس في الجنوب الفرنسي. وعلى هذا النحو وبحسب ما قال النقاد الذين أثنوا بقوة على هذه الرواية، عرف الكاتب من خلال تحويل أجزاء كثيرة من حكاية أمه إلى “تخييل روائي”، عرف كيف يوجه تحية عميقة إلى تلك “المرأة التي عرفت، ورغماً عنها كيف تكون بطلة وهي بعد في العشرين من عمرها”، كما عرف في طريقه كيف “يرسم صورة رائعة لامرأة رسخت قدميها في مسار التاريخ”. عم شديد الفرنسية مهما يكن فإن المطلعين من قبل على سيرة لوكليزيو نفسه وتحديداً على تلك النصوص العديدة التي رسم فيها صور طفولته وصباه الباكر، لن يفوتهم أن يلاحظوا ذلك التقاطع العميق بين المرأتين، فهما عاشتا في نفس الأماكن والمدن وتنقلتا في الوقت نفسه بين نفس القارات وعايشتا نفس الحضارات. ومن الواضح على سبيل المثال أن غوستاف كان وهو يحضر مشروعه لكتابة هذه “السيرة المتقاطعة” لامرأتين هي واحدة في نهاية الأمر، كان دائماً ما يستعيد في ذكرياته ما كانت أمه ترويه له عن طفولتها وعن أشخاص عايشتهم في صباها كان هو يتذكرهم بسرعة، إذ غالباً ما كان قد سبق له أن التقى بهم بل كانوا جزءاً من ريبرتوار طفولته هو الآخر ولا سيما منهم شخصية عم أمه السيد صمويل سليمان الذي روت له أمه كيف أنه وهو المحتقر لكل من يقول كلمة سوء في حق الكولونيالية الفرنسية، اصطحبها صبية إلى المعرض الدولي في باريس عام 1936 ليتفقد، هو الذي كان طبيب جيش في القوات الفرنسية في أفريقيا قبل سنوات وبات الآن متقاعداً، ليتفقد أجنحة المستعمرات الفرنسية السابقة والباقية وفضّل على الجميع جناح الهند الفرنسية فقرر أن يشتري الجدران ليعيد بناءها في حديقة داره كنوع من تطويل أمد استعمار بلاده الفرنسية لتلك المناطق النائية من العالم، المناطق التي يصر على فرنسيتها على رغم كل شيء ضارباً الصفح على ما حل بالعالم من تبدلات! المزيد عن: كلود سيمون\جائزة نوبل\غوستاف لوكليزيو\باتريك موديانو 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post دلالات الهتافات ضد نجل المرشد وسط الاحتجاجات الإيرانية next post عبدالله الغذامي يستثير “شرف جدة” عبر عبدالمقصود خوجة You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024