الأحد, مايو 11, 2025
الأحد, مايو 11, 2025
Home » تاريخ بأسره وإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وفيلم استثنائي لشغف بامرأة

تاريخ بأسره وإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وفيلم استثنائي لشغف بامرأة

by admin

 

السؤال: هل نحن أمام سيدة روسيا أم فاتنة هوليوود الألمانية؟

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

ليس غريباً في عالم الإبداع، وربما في عالم السينما أكثر مما في أي فن آخر، أن يوجد عمل إبداعي لأسباب لا علاقة لها أصلاً بالفن، لكنه سرعان ما ينتمي إليه وإلى تاريخه، لا سيما بعدما تنسى الأسباب التي أدت إلى وجوده أصلاً. ولعل فيلم “الإمبراطورة الحمراء” من إخراج الهوليوودي ذي الأصل الألماني – النمسوي جوزيف فون شترنبرغ، واحد من تلك الأعمال، بل لعله النموذج الأصلح للحديث عن هذا الأمر. فهذا الفيلم الذي حقق في عام 1934، ويعد، اليوم، إلى حد كبير نموذجاً للسينما التاريخية الناجحة، إن لم يكن في تقديم الحكاية التاريخية التي يسعى إلى تقديمها بصدق تاريخي مثالي، ففي الأقل بكونه عرف كيف يغرف من التاريخ موضوعاً ينضح بعديد من الحقائق التاريخية، ويقدم تاريخ امرأة من خلال تاريخ إمبراطورية وتاريخ إمبراطورية من خلال تاريخ امرأة، والحال أن هذا الفيلم لم يصنع في حقيقة أمره قبل نحو قرن من اليوم، فقط لتلك الغاية، بل ربما يجدر بنا أن نقول إن تلك الغاية لم تكن مهمة مخرجه الأولى. في ذلك الحين كان فون شترنبرغ مهتماً بشغفه الخاص وبإمبراطورة فؤاده أكثر من اهتمامه بإمبراطورة عموم روسيا، كاثرين الثانية التي يطلق عليها في عنوان الفيلم لقب “حمراء”، إشارة إلى الأرجح إلى الدماء التي أسالتها وهي في سبيلها للوصول إلى العرش، ناهيك بالدماء التي أسالتها بعدما استتب لها العرش. صحيح أن كاثرين حاضرة في الفيلم بل هي كل الفيلم، لكن الحضور الأكثر أهمية في رغبات المخرج كان حضور فاتنته مارلين ديتريش، مواطنته في ألمانيا ورفيقة منفاه في هوليوود، والتي، كان هنا، يحقق سادس فيلم في مساره الفني، من بين سبعة أفلام لم يحققها فقط من بطولتها، بل كرمى لعينيها. فهي وليس التاريخ في حد ذاته، كانت وبقيت شغفه لكنها بقيت طوال حياتها عصية عليه تتخذ منه رفيقاً وزميلاً وتحكي له في ليالي الربيع الناعمة حكايات غرامياتها التي لا تنتهي. كل هذا يبدو اليوم منسياً وفي ذمة التاريخ، بينما لا يزال “الإمبراطورة الحمراء” يشاهد ويحب ويعطي عن الإمبراطورة الروسية الكبيرة صورة يمكن القول، على أي حال، إنها قريبة إلى حد كبير من صورتها الحقيقية حتى وإن كان الذين شاهدوا الفيلم في عروضه الأولى، قد خمنوا أن تلك التي يرونها على الشاشة ليست سوى مارلين ديتريش كما رآها فون شترنبرغ، وأراد أن يخلدها فاستعمل، في سبيل ذلك، كل الوسائل المتاحة بما في ذلك حكاية الإمبراطورة كما كتبتها هذه بنفسها في يومياتها.

تاريخ ما وراء التاريخ

هنا قبل متابعة حكاية ما وراء الحكاية، لا بد من أن نقول: ما هو هذا الفيلم وكيف حكى موضوعه؟ بل ما هو موضوعه في الإطار التاريخي الذي يتناوله؟ فهو يتحدث عن تاريخ وحياة تلك التي كانت في صباها تدعى صوفيا فريدريكا، وكانت أميرة بروسية ابنة العائلة الحاكمة في بروسيا الألمانية، في الـ16 من عمرها حين زوجتها أسرتها من شاب معتوه هو الدوق الروسي الأكبر بيار، ابن ووريث إليزابيث إمبراطورية عموم روسيا. وصوفيا فردريكا، على سبيل الانتقام من الضابط الوسيم ألكسي الذي كانت مغرمة به، انتقاماً سببه تخليه عنها، ومشاركته في ترتيب تلك الزيجة بين الدول، ورغبتها بالتالي في إذلاله، تعمدت الارتباط بقائد الحرس الإمبراطوري في القصر الروسي المدعو أورلوف. ولاحقاً حين ورث بيار عرش أمه وانطلق في ترتيب انتقامي غايته التخلص من تلك الزوجة الخائنة، لم تتوان، هذه الأخيرة، عن تولي قيادة ثلة من المقاتلين الفرسان قادتهم صعوداً على درجات القصر في هجوم مباغت، دعمتها فيه الكنيسة كما دعمها الجيش، في وقت تولى فيه أورلوف اغتيال الدوق الكبير ما أتاح لصوفيا فردريكا السيطرة على القصر والسلطة والإمبراطورية تحت اسم كاثرينا الثانية. والحقيقة أن ما رويناه هنا نقلاً عن الفيلم الذي رواه بدوره نقلاً عن الوقائع التاريخية، لا سيما كما روتها الأميرة – الإمبراطورة في يومياتها وبنفسها، لا تشوبه شائبة، فهو ما حدث حقاً في التاريخ ولم يكن للمخرج أو لمشاركه في كتابة السيناريو مانويل كومروف، الذي كان من المؤرخين المطلعين بصورة جيدة على تاريخ روسيا القيصرية، لم يكن لهما أن يبدلا فيه شيئاً، ولم يكن التغيير ليهم المخرج على أي حال. كان كل ما يهمه أن يرسم دوراً يناسب نظرته إلى فاتنته وابنة بلده، مارلين ديتريش، دوراً يمجدها ويصل بها إلى أعلى الذرى الهوليوودية، وهو فعل ذلك بالتأكيد وربما بصورة لا يضاهيه في رسمه لها أي فيلم آخر حقق على مدى تاريخ السينما عن حياة امرأة مهما كان شأنها.

فيلم على صورة بطلته

ومن هنا ما أجمع عليه النقاد والمعلقون كما فعل الجمهور العريض يومها: أننا هنا أمام فيلم صنع لمجد مارلين ديتريش وعلى شكل هدية غرام ووفاء من مبدع يعترف هنا أمامها وأمام الخلق جميعاً، أنه يعشقها بأكثر مما يعشق أية امرأة أخرى في الوجود. مبدع يرى وكأن كاثرينا الثانية إنما خلقت لكي تعود يوماً إلى الحياة، ولو على الشاشة، تحت ملامح مواطنتها من القرن الـ20، إلا أن مارلين ديتريش قد وجدت كي تظهر على الشاشة تحت ملامح كاثرينا الثانية. ويقيناً أن الفارق كبير بين الحالتين، وأن فون شترنبرغ كان يعلم هذا بل يتعمد التركيز عليه. فهو في التصوير والديكور، في الأزياء والمواقف، في الأمكنة التي جعل الكاميرا تطل منها على فاتنته، في الأضواء والظلال، في الغرف المغلقة والفضاءات المفتوحة، في لحظات الفيلم الحميمية أو في الاجتماعات الكبرى، وأيضاً في المعارك كما في لحظات التردد وعدم اليقين التي كان يحدث لبطلته/ فاتنته أن تمر بها، كان لا يرى على شاشته، ولا يريد حتى لجمهوره أن يرى أحداً غير مارلين ديتريش، إنها هنا أول وآخر امرأة في العالم. هكذا يراها هو، فلماذا لا يجعل الآخرين يرونها كذلك؟ والحقيقة أن الآخرين فعلوا ذلك، وبكل بساطة، لأن المخرج سخر كل إمكانات الفيلم التقنية والجمالية والتزيينية والمالية لفرض تلك النظرة. صحيح أن السيناريو، كما ينبغي أن نعيد التذكير هنا، مستوحى مباشرة وبأمانة من تاريخ كاثرينا الثانية، لكن له في الحقيقة دوراً بالغ الأهمية، وهو إتاحة الفرصة للإخراج كي يقول كيف على التصوير أن يخدم ما يراه في مواجهته وليس ما يستشفه بين السطور، كما يجدر بالسينما الذكية أن تفعل. والتصوير هنا طوال زمن الفيلم (ساعتان إلا ربعاً) لم يكن يرى سوى مارلين ديتريش، بالتحديد لأن المخرج وكاميراه رفضا رؤية أي شيء آخر فيه. ففي الحقيقة يبدو فون شترنبرغ مسيطراً هنا على كل العناصر الإخراجية من الديكور والأكسسوارات إلى الحوارات والموسيقى المصاحبة مروراً بأقل الممثلين الثانويين شأناً، وأقل اللقطات أهمية، لكن سيطرته عليها لم تكن لخدمة الإخراج أو اللعبة الفنية أو حتى في سبيل مجده الشخصي كمبدع، بل لخدمة غاية واحدة يختصرها قوله لفاتنته إنه يحبها وكم أنه يحبها. ومن هنا لن يكون غريباً أن نستنتج من ذلك كله أن الفيلم لا يعود في نهاية الأمر سوى سرد لحكاية في منتهى البساطة: حكاية تحول صبية تزخر بالحياة والحيوية، إلى صورة مثالية للمرأة الاستثنائية كما يجب ويمكن أن تكون. وفي هذا السياق يجب ألا يغرب عن بالنا أبداً أن فون شترنبرغ إذ اكتشف أصل كاثرينا الألماني، ربطه، من فوره، بكون فاتنته الهوليوودية ألمانية الأصل بدورها، وكان هو نفسه، في خلفية فقدان المرأتين مارلين وكاثرينا، ليشار إليهما فقط باسم مشترك يجمع بين اسميها العلم فلا يقال سوى: مارلين/كاترينا.

المزيد عن: الإمبراطورة الحمراءجوزف فون شترنبرغالإمبراطورة كاثرين الثانيةمارلين ديتريشفون شترنبرغألمانيا

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili