الكاتبة الإيرانية أزار نفيسي (غيتي) ثقافة و فنون تاريخ إيران من خلال مئة ألف بيت من الشعر مليئة بالحكايات والعبر by admin 10 مايو، 2025 written by admin 10 مايو، 2025 7 حين يعبُر كتاب الفردوسي مذكرات صاحبة “أن تقرأ لوليتا في طهران” كطيف سحري اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في أي فصل من فصول كتاب المذكرات الذي وضعته الجامعية والكاتبة الإيرانية المعاصرة أزار نفيسي وعنوانه “أشياء كنت ساكتة عنها” لا يمكنك أن تفلت من تلك التيمة التي تتكرر في الكتاب عبر صفحات مستقاة من بعض أجمل وأقوى فصول كتاب الفردوسي “الشاهنامه” (كتاب الملوك) الذي يعد عادة الكتاب الرئيس والتأسيسي في التراث الفارسي، كما يعرف كثر أنه واحد من أولى الكتب التي منعها نظام الخميني حين سيطر على البلاد والعباد والتهم الحاضر والتاريخ في ذلك البلد الذي لفرط ما هيمنت أحداث العقود الأربعة الأخيرة من تاريخه على الأفئدة والأذهان فربطته بالإرهاب والتخريب، نسي العالم أنه بلد ذو حضارة عريقة تمتد ألوف السنين إلى الوراء. وهي نفس الحضارة التي تحاول رقابة النظام حتى اليوم منعها من البقاء في ذاكرة الشعب وبالتالي ترى الكاتبة أزار نفيسي صاحبة الكتاب الشهير “أن تقرأ لوليتا في طهران” التي تعيش اليوم منفية في أميركا، أن مجرد الإمعان في الحديث عن “كتاب الملوك” في مؤلفها الجديد يشكل فعل مقاومة تماماً كما يفعل بإصرار إيرانيون يجرون زيارة هي بمثابة حج إلى مدفن الفردوسي نفسه في مدينة طوس بخراسان حيث يرقد منذ ما ينيف عن ألفية من الزمن هو الذي عاش تقريباً بين عامي 940 و1020. ويبدو كتابه الأساسي الذي نحن في صدده وكأنه قد كتب في الأمس فقط، أو هذا ما يوحي به لنا على الأقل إصرار الكاتبة نفيسي على الحديث عنه في “أشياء كنت ساكتة عنها”. فعل إيمان تاريخي والحقيقة أن نفيسي لا تأتي بشيء من عندها في تمسكها بهذا الكتاب. فهي لا تفعل في النهاية سوى ما يفعله عشرات الملايين من الإيرانيين حتى اليوم ورغم كل شيء، وكذلك كثر في “العالم الخارجي” فَتَنَهم “كتاب الملوك” منذ اكتشفوه في ترجمات لا تتوقف. والحال أن هذا الكتاب يعد من كتب التراث العالمي الكبرى، إلى جانب الملاحم الإغريقية وغيرها من الكتب التي أضاءت تاريخ الإنسانية. والحقيقة أن هذه العبارات الأخيرة لا تحمل أية مبالغة، بل هي مجرد توصيف ولو على الأقل، للقسم الأول من كتاب يبلغ طوله الإجمالي نحو 100 ألف بيت من الشعر. وتحديداً من الشعر لأن ما نحن في صدده هنا إنما هو قصيدة لها هذا الطول المدهش. واستطراداً لما جاء في السطور السابقة لا بد من الإشارة إلى أن القسم الأول من الشاهنامه لا يتوقف عند ما يتعلق ببلاد فارس (التي بات اسمها إيران منذ قرون قليلة على أية حال)، بل يتناول تاريخ البشرية بأسرها منذ الخليقة مروراً بأول الملوك خالقي الحضارة (البيشداديان) الذين في رأي الفردوسي على الأقل، علموا البشر مجمل الصناعات والفنون والسيطرة على النار والشغل على المعادن وبناء البيوت والطب و… العدالة. وكان ذلك، كما يذكر. لنا ذلك القسم من “الشاهنامه”، قبل ولادة فارس. وتلك الولادة هي ما يشغل على أية حال الأقسام المتبقية من ذلك السفر وصولاً إلى الفتوحات العربية الإسلامية. تاريخ أمة في قصيدة شعر متواصلة في قسمه الثاني إذا يشهد الكتاب اهتمام الفردوسي بإيران الفارسية وتركيزه عليها عبر العدد الأكبر، ومن بعيد، من صفحات الكتاب وفصوله. غير أنه، وكما يشير العنوان بكل وضوح، إنما يهتم أكثر ما يهتم بتواريخ الملوك والأبطال الأسطوريين الذين يزدحم بهم وبحكاياتهم تاريخ تلك الأمة، ازدحاماً لا يعود من الواضح معه ما هي حصة الحقائق التاريخية وما هي حصة الأساطير. إحدى طبعات الشاهنامه (أمازون) وذلك على أية حال قبل الوصول إلى جزء ثالث وأساسي من الكتاب وهو قسم يكرس بمجمله للملوك الساسانيين الذين عاش الفردوسي على أية حال في ظل حكمهم حين وضع كتابه. والحقيقة أن ما يجدر التنبيه إليه بصورة خاصة في مجرى التاريخ الذي يقصه شعراً هو أنه لا يتحدث مطولاً لا عن ملوك فارس الأخمينيين الذين حكموا بين 556 قبل الميلاد و330 بعد الميلاد، ولا عن ملوكه الفارسيين القدامى الذين امتد حكمهم إلى نحو من 500 سنة بين أواسط القرن الثالث قبل الميلاد والربع الأول من القرن الثالث بعده، لكنه في المقابل يفرض حيزاً طويلاً للحديث عن الإسكندر المقدوني على رغم أنه كان محتلاً لفارس وغيرها من المناطق المتاخمة ولم يكن فارسياً بالطبع. اللافت إذاً، أن حصة الإسكندر في الكتاب كبيرة لكن ليس كملك وقائد عسكري، بل كرجل فكر وحكمة يخبرنا الفردوسي في أبيات شعر رهيفة كيف أن سعيه وراء الفكر والحكمة هو، وليس المكاسب المادية والجغرافية من قاده إلى مناطق الهند والصين. وهي نظرة تلتقي على أية حال مع النظرة العربية الإسلامية إلى المقدوني. وثيقة ولادة فارس الحديثة مهما يكن من أمر، يعد كتاب “الشاهنامه” وثيقة الولادة الحقيقية للأمة الإيرانية، وهو لا يزال كذلك، على الأقل بحسب ما تؤكد أزار نفيسي. ويبقى أن الفردوسي قد ولد في كنف عائلة موسرة من ملاك الأراضي في الشرق الفارسي ولقد مكنه ذلك من الانصراف إلى الكتابة والبحث في تاريخ بلده إلى درجة أنه كرس نصف عمره، من سن الـ35 إلى سن الـ70، لإنجاز تلك الملحمة التي لا يضاهيها كتاب آخر في تاريخ ذلك البلد. والجدير بالذكر هنا هو أنه بدأ تدبيج قصيدته الطويلة هذه وسط ظروف سياسية وثقافية تحدث رجة في الواقع الوطني لكن أيضاً في المحيط، حيث إن فارس التي كانت تعيش منذ 200 سنة تحت الفتح العربي الإسلامي كانت تسعى للإفلات منه تحت حكم العباسيين الذين راحت دولتهم تتهاوى لتتفتت تحت ظل الشعوبيات المتنوعة ومنها الشعوبية الفارسية، التي فتحت الباب أمام استعادة الأقوام المتنوعة تاريخياتها، ومنها الفارسية، حيث استفاد الفردوسي من ذلك التآكل تحت ظل السامانيين الفرس الذي تمكنوا في ظل تلك الظروف من التفرد بالحكم في تلك المنطقة من العالم وهو الأمر الذي أيقظ المشاعر القومية المحلية التي كان كتاب الفردوسي من آياتها. ولعل ما يجدر بنا التنبيه إليه-وهو على أية حال أمر تغفله نفيسي في كتابها- هو أن الفردوسي إنما سار في عمله على خطى شاعر فارسي آخر يدعى الدقيقي كان قد سبق له أن صاغ مشروعاً مشابهاً تماماً لمشروع الفردوسي حول تاريخ ملوك الفرس. لكن مشروع الدقيقي توقف وغاب في طيات النسيان بسبب موت هذا الشاعر الذي لا نعرف عنه الكثير. بل إننا لا نعرفه إلا من خلال التقاط الفردوسي للمشروع منطلقاً فيه من انتقاد حاد وجهه لسلفه في وقت لم يتوان فيه عن دمج المئات من أبيات الدقيقي الشعرية في صلب مشروعه الملحمي الخاص. غير أن ما كان وصفاً سردياً لدى الدقيقي، تحول لدى الفردوسي ليضحي شعراً قومياً يعبق بروح مشاكسة. ولعل من أهم سمات تلك الروح توقف الفردوسي في ملحمته عند أحداث تتعلق بعشية الفتح العربي الإسلامي لفارس، وكأنه- بل لأنه-، كان لا يريد الكلام على ذلك الفتح الذي كان في قرارة نفسه، وكما حال معظم الإيرانيين وحتى اليوم، يعتبره احتلالاً لبلاده. بل إن الفردوسي في فقرات تقديمية لكتابه، كثيراً ما يحدث أنها تمحى من بعض الطبعات المتلاحقة له، يمتدح الإسلام والرسالة النبوية معتبرهما خيرا حل في بلاده حتى وإن كان حديث “هذا الخير” يغيب تماماً عن سياق الملحمة نفسها مع أن الشاعر كتب تلك الملحمة في زمن كانت فيه شمس العرب قد بدأت تنحسر عن دنيا الفرس. المزيد عن: أزار نفيسيإيرانالخمينيالفرسالفارسيةأميركاالشاهنامهكتاب الشاهنامهالعباسيينالإسكندر المقدوني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post صناعة السينما في بريطانيا تئن تحت وطأة رسوم ترمب الجمركية next post شعراء من العالم يلتقون في مهرجان كازابلانكا الدولي You may also like عن الازدراء الفلسفي للوجود بعين الكاميرا السينمائية 10 مايو، 2025 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لشهر مايو 2025 10 مايو، 2025 أرتيميسيا تلميذة كارافاجيو التي تفوقت عليه تستعيد مكانتها... 10 مايو، 2025 شعراء من العالم يلتقون في مهرجان كازابلانكا الدولي 10 مايو، 2025 صناعة السينما في بريطانيا تئن تحت وطأة رسوم... 10 مايو، 2025 القطار الأخير إلى الحرية: حكاية الخادمة تكتب فصلها... 8 مايو، 2025 مهى سلطان تكتب عن: متحف نابو يوثق ذاكرة... 8 مايو، 2025 هاملت: من شخصية مسرحية إلى مادة لشتى الدراسات 8 مايو، 2025 رحيل محمد الشوبي الفنان المغربي الأكثر إثارة للجدل 8 مايو، 2025 لماذا سمى بودلير ديوانه «أزهار الشر»؟ 8 مايو، 2025