جدارية في غزة في 2015 (رويترز) ثقافة و فنون تأثير بانكسي… “غرافيتي” يرسم تاريخا ويلون صراعا by admin 26 مارس، 2024 written by admin 26 مارس، 2024 147 ظهر في المنطقة إبان أحداث الربيع العربي وشجرة لندن تستحضر تدمير غزة وجداريات بريستول تنبض بالحياة عن أوكرانيا اندبندنت عربية / أمينة خيري بقايا كتلة إسمنتية ضخمة ملقاة في شارع جانبي صغير عليها بقايا فستان الصغيرة وخيط البالون الأحمر الشهير، وأسفل طبقات الطلاء الردئ ومحاولات الطمس العتيد آثار الرسم الغرافيتي المثير حيث ثائر أو متظاهر أو مواطن غاضب ملثم يرشق أحدهم بباقة ورد، وعلى رغم أن صبي الدراجة الهوائية الذي يحمل “قفص” خبز ضخماً على رأسه ما زال يخترق العقد المرورية ويراوغ في الميادين والأزقة بحمله الشاهق، إلا أن أثره المتبقي على جدار منزو أصبح في حكم المطموس. طمست الأحداث والحوادث والأزمات والمصائب السياسية والأمنية المتواترة الغالبية المطلقة من رسوم جدران ميادين وشوارع أحداث ما يسمى بـ “الربيع العربي“، مر ما يزيد على عقد منذ غزت رسوم لم يعتدها المصريون وغيرهم من الدول التي ضربتها رياح “الربيع العربي” جدران الشوارع والميادين، أقصى ما كان يعرف طريقه إلى جدران المباني كان إعلان عن شقة خالية أو درس خصوصي أو أحمد يحب منى، أما التعبير الغاضب والإسقاط الزاعق والفكاهة السوداء فلم تعرف طريقها إلى العديد من الجدران العربية إلا في الأشهر القليلة السابقة والسنوات القليلة التالية لأحداث 2011. فن المستحيل الصحافية السويدية ميا غراندال أرخت في كتابها “غرافيتي الثورة: فن الشارع لمصر الجديدة” الظاهرة الجديدة بدءاً من صيف 2011 حين شعر المصريون أن جدرانهم تتعرض لهجمة غرافيتية شنعاء، لكن قوات الأمن كانت لها بالمرصاد، وهو ما جعل غراندال توصف الغرافيتي في عصر الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك بـ “الفن المستحيل”. بزع هذا النوع من الفن عربياً مواكباً لأحداث 2011، لا سيما في مصر، التي شهدت ضمن ما شهدت موجة رسوم غرافيتي سياسي واجتماعي واقتصادي غزت جدران المحروسة سرعان ما تحولت في ما بينها حرباً ضروساً بين الفرق المتناحرة والأيديولجيات المتناقضة من إسلاميين وليبراليين واشتراكيين ثوريين ومصريين عاديين وغيرهم. شجرة لندن “تأثير بانكسي” ليس حكراً على دول عربية خاضت رياح ما يسمى بـ “الربيع العربي”، أو تعاني قبضة احتلال يحولها أطلالاً بين حين وآخر، دائماً تظهر ألوان بانكسي لتقول الكثير مما يصعب قوله، “تأثير بانكسي” عاود الظهور قبل أيام، ولكن هذه المرة في العاصمة البريطانية، وتحديداً في حي “فينسبري بارك” شمال لندن. استيقظ السكان ليفاجأوا بجدارية ضخمة على عمارة سكنية، حيث طلاء أخضر أشبه بأوراق خضراء بدت وكأنها تكسو شجرة كبيرة فقدت أوراقها بفعل الشتاء وتم تقليمها بإفراط، يصفه البعض بالقسوة، أمام الجدار، وأسفل الجدارية الضخمة سيدة بالحجم الطبيعي تحمل مضخة وتنظر إلى الأوراق. الجدارية والعمارة السكنية تحولتا خلال سويعات قليلة إلى مزار يجذب آلاف الأشخاص الذين يأتون على مدار ساعات النهار والليل لمشاهدة الظهور الأحدث لبانكسي، وذلك قبل أن يأتي أحدهم في خلسة من الجميع ويسكب طلاءً أبيض على العمل، على رغم الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات لحماية الجدارية. هالة الغموض كعادة بانكسي، كل ما يتعلق بالعمل يحمل هالة من الغموض، الظهور الفجائي للجدارية في “فينسبري بارك” دفع السكان للبحث عن هوية الفاعل، إنها عادة بانكسي، يظهر فجأة ويترك جدارية فجأة، ويبدأ الجميع في البحث عن الفاعل، قبل أن يعلن بانكسي عبر حسابه أنه من رسمها، صورة للجدار قبل الرسم، وأخرى بعده، وعلى رغم الإشهار في كل مرة، لكن جانباً معتبراً من الرسوم عميقة المغزى يبقى مجهولاً. تأثير بانكسي جمهور بانكسي متعدد الجنسيات، عابر للقارات، شأنه شأن رسومه واهتماماته الممتدة من الثورات إلى الصراعات ومنها إلى قضايا البيئة والمجتمعات الاستهلاكية والأفكار الرأسمالية وقسوة الشرطة وحقوق السود وحتى أثر العمل من البيت بسبب “كوفيد -19” وحرب روسيا في أوكرانيا وغيرها كثير، وتأثير بانكسي النابع من أعماله الفجائية ذات الأفكار غير المعتادة والظهور في أماكن لا تخطر على بال أحد، “تأثير بانكسي” كان في شوارع محمد محمود والبستان وميداني التحرير وعبد المنعم رياض. وعرف طريقه إلى الحواجز الأسمنتية التي أحاطت بمقر وزارة الداخلية القديم في وسط القاهرة، وعلى جدران مبان حكومية وأخرى خاصة في الدقي ومصر الجديدة وإمبابة وشبرا، وكذلك ظهر “تأثير بانكسي” جلياً لا تخطئه عين في جداريات الغرافيتي خارج حرم جامعتي عين شمس والقاهرة وكذلك حلوان والإسكندرية والمنصورة وبور سعيد، امتد التأثير غير عابئ بحدود أو جسور أو حتى كون “بانكسي” نفسه صاحب التأثير غير معروف الهوية الحقيقية. جدارية بانكسي في لندن والشجرة المقلمة بقسوة (أب) وكان “تأثير بانكسي” صاحب الهوية المجهولة في الضفة الغربية عبر حمامة سلام ترتدي سترة مضادة للرصاص، وفي غزة خلال عمليات دك سابقة للقطاع عبر العديد من الرسوم التي كانت خيراً من ألف شجب لما يقترفه الاحتلال الإسرائيلي. المثير أن حضور بانكسي في الدول العربية لا يقتصر على جدارياته التي ظهرت هنا وهناك فقط، بل له تلاميذ في كل مكان، لم يتدربوا على يده، أو حتى يلتقوه، بل تأثروا بأفكاره غير التقليدية وطرقه المتفردة في التعبير عن مجموعة من القيم تجمع فئات بعينها من الناس لا سيما الشباب من الغاضبين من الظلم والفساد والقسوة وانعدام المساواة، أصبح بانكسي مدرسة فكرية وفنية قائمة بذاتها حيث كل فكرة وكل خط بألف معنى ومعنى. شر البلية هذا الفنان البريطاني ناشط سياسي واجتماعي وبيئي وفنان “شارع” خطوطه القليلة في لوحاته عميقة المغزى تحتمل وتحمل عشرات المعاني، حس السخرية يطل من كل أعماله، وروح الدعابة بالغة المرارة تنبع من كل لوحة على حدة، وعلى رغم أن الكآبة والحزن والمرارة سيدة الموقف في كل أعماله من دون استثناء، إلا أنها ترفع شعار “شر البلية ما يضحك”. فمثلاً، قرود بانكسي فكرة أبطال متكررة في أعمال عدة، قرود ترتدي مجوهرات الملكة إليزابيث، وأخرى تستمتع للموسيقى بسماعات أذن ضخمة وثالثة تضحك ورابعة تنظر إلى اللاشيء وخامسة ترتدي ملابس الشرطة وسادسة تحمل لوحة مكتوباً عليها “اضحكوا الآن، ولكن يوماً ما سنكون المهيمنين”، نقاد فنيون يرون أن بانكسي متمسك بالقرود لأنها الأقرب للبشر في الشكل والتصرفات، وآخرون يرجحون أن القرد بتصرفاته يشبه البشر الذين يسيرون في قطيع يقلدون وينقلون ويسلبون أدمغتهم فرصة التفكير والتدبير. الطفلة والبالون أحد الأبطال المتكررين في أعمال بانكسي الطفلة التي تحمل بالوناً، وهي الطفلة التي تختفي أحياناً ليحل محلها شرطي أو رجل أو امرأة مسنة يحمل البالون نفسه. كثيرون من رسامي الغرافيتي يقترضون طفلة بانكسي وبالونها في أعمالهم، أحدهم رسم على الجدران الخرسانية التي شيدت في ميدان التحرير إبان أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 رسماً لرجل يحمل بالونات وفتاة صغيرة تحاول الوصول إلى البالونات. الفتاة نفسها ظهرت في رسم على جدار في رام الله وهي ممسكة بالبالونات ذاتها التي رفعتها من على الأرض، ومن رام الله إلى بيروت ومنها إلى تونس والفتاة والبالون بخطوطهما الشحيحة وأثرهما العميق لدى كل مدقق ظلت يعاد رسمها عشرات وربما مئات المرات، وعلى رغم أن الرسمة لا تتضمن فكرة أو كلمة أو خطاً توحي بثورة أو غضبة أو تحريض أو حتى شبهة أي ما سبق، إلا أنها تنضح بالكثير من المشاعر الغاضبة والرافضة للظلم والعنف. أمل وحراك وسوريا في متحف “موكو” في أمستردام قبل ثلاثة أعوام، وقف الزوار العارفون أمام لوحات بانكسي المعروضة يتداولون حكايات الطفلة والبالون، بدءاً من خروجها إلى النور للمرة الأولى في لندن عام 2002 وتحديداً على جدار أسفل جسر “ووترلوو” وبعدها بأيام على جدار مطبعة في “شورتديتش” في شرق لندن، كلا الرسمتين اختفتا من على الجدارين، لكن البنت والبالون تعيشان وتصران على الظهور في مشارق الأرض ومغاربها، مروراً بما تمثله من رموز مختلفة يقول البعض إنها “الأمل” ويراها البعض الآخر “حراكاً” ويعتبرها آخرون فقداناً للأمل حيث الصغيرة على الأرض والبالون في الهواء، وانتهاء بإعادة “بانكسي” رسم فتاته وبالونها في عام 2014 وأهداها لسوريا في مناسبة مرور ثلاث سنوات على الصراع السوري، ولكن بعد ما جعل الصغيرة ترتدي حجاباً وتصبح رمزاً للجوء السوري لا تخطئه عين. فلقت العين اللوحة عربياً، يقولون “العين فلقت الحجر”، وفي الغرب لا يتوقفون كثيراً عند العين أو يستوقفهم الحجر، لكن “التدمير الذاتي” الذي لحق بلوحة بانكسي الأشهر رفع من أرصدتها وزاد من قاعدة عشاقها ومحبيها والباحثين عنها بغرض زيارتها أينما حلت هي أو قريناتها التي رسمها الفنان ذاته، ففي عام 2018، وأثناء مزاد علني في بريطانيا وما إن بيعت اللوحة الأشهر “فتاة وبالونة” حتى فوجئ الحضور بتمزق اللوحة ذاتياً بفعل آلة حادة مخبأة بين اللوحة والإطار. الطريف أن من اشترى اللوحة لم يتراجع عن شرائها بعدما هبط نصف اللوحة أسفل الإطار على هيئة شرائط ورقية، بل تم تغيير عنوان العمل من “فتاة البالون” إلى “الحب الموجود في سلة المهملات”. والمثير أنه بعد ثلاث سنوات بيعت اللوحة المقطوع نصفها بستة أضعاف سعرها الذي بيعت به في 2018 (1.4 مليون دولار)، وذلك بعدما تم تجميعها على لوح مزدوج وتدلت منها الشرائط الممزقة أسفل الإطار، بيعت اللوحة بـ25.3 مليون دولار في قاعة “سوذبيز” للمزادات في لندن. والأكثر إثارة أنه بعد هذا المزاد التاريخي بيوم واحد، بيعت “فتاة البالون” مجدداً، ولكن هذه المرة على لوحتين منفصلتين حيث الفتاة في لوحة والبالون في لوحة أخرى في قاعة “كريستيز” للمزادات في لندن بسعر 4.3 مليون دولار. الشرطة حاضرة ومن القرد وفتاة البالون إلى رجال الشرطة الذين يعرفون طريقهم إلى الكثير من أعمال بانكسي، رجل شرطة بوجه “إيموجي” مبتسم، وآخر يصطحب كلباً بوليسياً عبارة عن دمية، وثالث يفتش طفلة صغيرة ترفع يديها إلى أعلى، وطفلان يرتديان سترة شرطة ويركضان في حديقة، وشرطيان يجران “مهرج” سيرك، ورجال شرطة يركضون كالأطفال وهم يمسكون أيادي بعضهم البعض في حديقة، ورجل شرطة يحرر مخالفة لطفل صغير يقود دراجة هوائية وغيرها كثير لرجال ونساء شرطة في مواقف غريبة لا تخلو من طرافة حادة وإسقاطات واضحة تدل على رفضه لما تمارسه الشرطة عموماً من سلطة مطلقة أو عنف غير مبرر. طلاء أخضر الظهور الأحدث لبانكسي في لندن لا يتطرق إلى رفض السلطة المطلقة أو الاعتراض على العنف وعدم المساواة أو حتى المطالبة بالحرية، فقط طلاء أخضر يبدو كأوراق شجر تحاول تغطية الشجرة المزروعة أمام الجدار بعدما خضعت لعملية تقليم مفرطة لا تتحملها شجرة كرز عجوز، البعض فهمها اعتراضاً على قسوة التقليم وحدته، البعض الآخر فهمها دعوة إلى حماية الأرض والبيئة، لا سيما وأن زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين والذي يمثل منطقة إسلنغتون في البرلمان البريطاني قال إن “العمل (الجدارية) يجعل الناس تتوقف وتفكر: انتظروا، نحن نعيش في عالم واحد، نحن نعيش في بيئة واحدة، إنها هشة وعلى أعتاب أضرار جسيمة”، تتعدد الرؤى في تفسير أعمال بانكسي الذي لم يحاول يوماً أن يشرح عملاً أو يفسر توجهاً من دون غيره. حرب غزة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تعرض عمل لبانكسي ظهر أيضاً فجأة في حي “بكهام” (جنوب لندن) للسرقة بعد أيام من ظهوره، العمل عبارة عن علامة “قف” المعدنية التي توضع في الشوارع، وعليها ثلاث طائرات عسكرية هي على الأرجح طائرات من دون طيار، البعض رآها دعوة لوقف الحرب على غزة، البعض الآخر اعتبرها دعوة لوقف أسلحة الدمار في العالم والتي تلقى سوقاً رائجة في الحروب. بانكسي حاضر في الحروب، هذا ما أكدته سبع جداريات ظهرت في أوكرانيا، بينها جدارية على مبنى تعرض للقصف خارج كييف وتظهر لاعبة جمباز تقف على يديها ورأسها إلى أسفل وسط الحطام، الجداريات تظهر أشخاصاً يمارسون تفاصيل حياتهم اليومية وسط المباني المحطمة جراء القصف الروسي العنيف رجل يستحم في حوض استحمام على جدار يبدو إنه كان حمام بيت تخدم، طفل وطفلة على أرجوحة، طفل يهزم لاعب كاراتيه ضخم، ولاعبة جمباز إيقاعي تؤدي رقصتها على خلفية الخراب في تناقض مضحك مبكٍ. التناقضات الرهيبة والغامضة سمة أعمال بانكسي، جداريات ضخمة بخطوط قليلة جداً وأعمال متفردة بأدوات قليلة جداً ومعان عميقة جداً، جميعها يؤدي إلى مشاعر غريبة متناقضة متنافرة هي خليط من الضحك والبكاء، والأمل وفقدانه، والسلطة والفوضى سواء كانت خلاقة أو هدامة، إنها “تأثير بانكسي” أو أثره. البؤس الضاحك أثر بانكسي في الفن بشكل عام وفن الشارع بوجه خاص، وتأثيره في السياسة وعلاقتها بالمجتمع والاقتصاد والبيئة وحياة الناس كبير، وإن ظل غير معروف لكثيرين. متخصصة تاريخ الفن في جامعة زايد سابرينا دو تورك أشارت في ورقة منشورة في دورية “فنون الشارع والابتكار الحضري” أن استكشاف بانكسي لا يقف عند حدود أثره في إشعال الحراك في العديد من الدول العربية بغض النظر عن كونه أمراً إيجابياً أو سلبياً، لكنه عدسة يمكن من خلالها تتبع بزوغ فن الشارع في هذه الدول كوسيلة للتعبير الشعبي في العديد من دول الشرق الأوسط، لا سيما مصر وتونس ولبنان وغزة. غزة وأثر الرسم يشار إلى أن بانكسي زار غزة عدة مرات وخلف وراءه لوحات عدة مرسومة على جدران وأبواب، فمن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب معانقاً برج مراقبة إسرائيلي ملحق بالجدار العازل، وأخرى له يخاطب الجدار قائلاً “سأبني لك شقيقاً”، ربما في إشارة إلى الجدار العازل بين أميركا والمكسيك، إلى فتاة صغيرة تحمل بالونات ترفعها من على الأرض وكأنها توشك على اجتياز الجدار، وأخرى تمثل أطفالاً على أرجوحة تشبه تلك الموجودة في الملاهي لكن عمودها برج مراقبة وغيرها. وتبقى زيارة بانكسي لغزة في 2015 التي قام بها عبر الأنفاق السرية هي الأشهر، سواء لطريقة الوصول إليها أو للجداريات التي تركها هناك، أحد تلك الرسوم رسمها بانكسي على باب وسط أطلال بيت المواطن ربيع دردونة الذي تحطم في قصف في فبراير (شباط) في ذلك العام، يمثل الرسم الإلهة الإغريقية نيوبي وهي تبكي مصير أبنائها الذين قتلوا، لكن دردونة باع الباب بمبلغ بخس هو 175 دولاراً أميركياً لفنان فلسطيني وهو لا يدري قيمة الرسم وقيمة بانكسي، وحين عرف، أبلغ الشرطة التي تحفظت على الباب. باب الصراع وإذا كان باب بانكسي تمت مصادرته، ولا يعلم إلا الله مصيره لا سيما في الحرب الضروس الدائرة هناك، فإن الجملة التي كتبها على أحد جدران غزة ما زالت متداولة بين كثيرين، “إن غسلنا أيدينا من الصراع الدائر بين الأقوى والأضعف، فإننا نقف إلى جانب الأقوى، لذا لن نكون محايدين”. الحياد هو السمة الوحيدة المستحيلة في أعمال بانكسي مجهول الهوية، فالمتلقي إما يقع في غرامها لأسباب أغلبها سياسي وأيديولوجي، أو يمقتها ويعاديها لأسباب أغلبها سياسي وأيديولوجي، أما الجوانب الفنية فتبقى قيد تقييم “تأثير بانكسي” وأثره. جدارية في بريستول لسيدة مسنة تعطس فيطير طقم أسنانها (رويترز) أما عن بانكسي، فإن كل المعلومات المتاحة والمطروحة حوله ترد تحت عنوان “ما نعرفه عنه”، المقابلة الشهيرة التي أجراها بانكسي مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في 2003، من دون أن يكشف عن وجهه أو حتى اسمه بالكامل، تعد المرجعية الرئيسة. فنان الشارع الغامض المقيم في بريستول، والذي تظل هويته موضوعاً للتكهنات والقيل والقال سمح لمذيع “بي بي سي” الذي أجرى معه الحوار أن يناديه باسمه الأول، المذيع سأله “روبرت بانكس؟” فرد “إنه روبي”. جدران بريستول بدأ حياته كفنان غرافيتي على جدران بريستول، وبحسب المقابلة مع “بي بي سي”، كان معرض “حرب النفوذ”، وهو المعرض الذي استمر ثلاثة أيام في شرق لندن عام 2003، وأدى إلى بزوغ اسمه في عالم الفن في بريطانيا آنذاك، بين الأعمال التي عرضت سيارات شرطة على الجدران، وصورة لرئيس وزراء بريطانيا الراحل ونستون تشرشل والذي قاد بريطانيا في الحرب العالمية الثانية وعلى رأسه عشب أخضر، وحيوانات حية مرسوم عليها مربعات زرقاء المرتبطة التي ترسم على سيارات الشرطة البريطانية وملكة بريطانيا الراحلة على هيئة شمبانزي وغيرها من الأعمال ذات الأفكار المثيرة للجدل والغرابة، وضمن الغرابة ما قاله بانكسي من أن من لا يعجبه عمله، يمكنه أن يرسم عليه”. وهذا بالضبط ما قام به أحدهم قبل أيام حين سكب طلاء أبيض على جداريته في “فينسبري بارك”، الطريف أن ما جرى أزعج السكان الذين اعتبروا جدارية بانكسي وسيلة للفت الانتباه والاهتمام بمنطقتهم المتواضعة، وكذلك محبي بانسكي وجدارياته وأيديولوجياته، أما فنانو الغرافيتي فيعلمون أن “حروب النفوذ” أمراً معتاداً، بل ومقبولاً بين أهل مهنتهم أو هوايتهم حيث يقوم أحدهم بالرسم على جدارية غيره. ويبقى الجدار أرض المعركة ووسيلة التعبير والسلاح الأقوى في يد بانكسي وهو القائل “الجدار سلاح كبير جداً، إنه واحد من أبشع الأشياء التي يمكن أن تضرب به شخصاً ما”. يشار إلى أن معركة قضائية يتم خوضها حالياً قد تؤدي إلى إجبار بانكسي على الكشف عن هويته، على مدار ثلاثة أعوام، رفضت الشركة التي تنظم وتدير أعمال بانكسي “بست كونترول” (وتعني مكافحة الآفات) أن تؤكد أو تنفي لاثنين من جامعي الأعمال الفنية أصلية اللوحة التي رسم فيها شمبانزي متقمص شخصية الملكة الراحلة إليزابيث، وقد دفعهما ذلك إلى مقاضاة الشركة، وفي حال كسبا القضية، ربما يتحتم على بانكسي الكشف عن هويته. المزيد عن: بانكسيلندنالربيع العربيغزةالحربالرأسماليةبريستولالبيئةتشرشلالشرطةمصرتونسفن الشارعالغرافيتيأوكرانياالقرود 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post غسان شربل يكتب عن: حين تثأر الإمبراطوريات المجروحة next post ميشال ليريس يهجر المساجلات العلمية ليهتم بأفريقيا You may also like محمود الزيباوي يكتب عن: فيروز… من فتاةٍ خجولة... 19 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: أسود منمنمة من موقع... 19 نوفمبر، 2024 براعة باخ في كونشرتوات براندنبورغ وأثرها الدائم 19 نوفمبر، 2024 في روايته الجديدة… أوبير حداد يصوّر الحرب بعيني... 19 نوفمبر، 2024 16 فيلم رعب تسببت بصدمة نفسية لممثليها 19 نوفمبر، 2024 العداوة والعدو كما فهمهما الفلاسفة على مر العصور 19 نوفمبر، 2024 قصة واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ حكايات... 19 نوفمبر، 2024 أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024