ترمب في هيئة نابليون على حصان أبيض (ديرشبيغل الألمانية) عرب وعالم بين ترمب ونابليون: روح العالم يتحرك مجددا by admin 29 مايو، 2025 written by admin 29 مايو، 2025 16 إن نهج “أميركا أولاً” بعيد كل البعد من الرؤية التي حاولت الولايات المتحدة تجسيدها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية اندبندنت عربية / جمال نعيم أكاديمي لبناني ما عرفناه من نظام عالمي أسهمت أميركا المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في إرسائه بعد انتهاء الحرب بقوة، طفق يتفكك ويتداعى اليوم بفضل دونالد ترمب. ذلك بأنه يهاجم حتى حلفاءه الأوروبيين ولديه طموح للانسحاب من حلف الناتو حتى من كل المؤسسات الدولية التي يراها عبئاً وقيداً على الولايات المتحدة. فهل نشهد ولادة نظام عالمي جديد أم ندخل في فوضى مدمرة؟ وهل يمكن إنقاذ النظام العالمي القديم؟ إن عالماً تحكمه سياسات “أميركا أولاً” بعيد كل البعد من الرؤية التي حاولت الولايات المتحدة تجسيدها في العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. فنومنولوجيا الروح وروح العالم في عام 1806، كان هيغل على وشك استكمال كتابة عمله العظيم الذي مهد لأنظومته الفلسفية، أعني به فنومنولوجيا الروح، في وقت كان فيه نابليون يستعد لخوض إحدى معاركه الكبرى، معركة يينا. كان نابليون يتجول في شوارع المدينة وصادف أنه مر قرب نافذة بيت فيلسوف ألمانيا الكبير. كان هيغل يرى في نابليون ذلك الفرد الاستثنائي الذي ينفذ عملياً ما يسعى هو نفسه إلى التعبير عنه فلسفياً، فالتاريخ عند هيغل ليس مجرد تجميع لأحداث لا غاية لها وتحدث بالمصادفة، بل عملية غائية ومسار ذو هدف نهائي لتحقيق “الروح المطلق” وتجسيده. وما ينجزه هيغل في الفلسفة يحققه نابليون في أرض الواقع. هيغل ونابليون كلاهما يعبر عن الروح المطلق ويجسدانه. فهيغل ليس خارج الحدث، بل في قلبه، بكتاباته الفلسفية يمنح حركة نابليون العظيمة معنى كونياً. إمبراطور فرنسا وإمبراطور العالم ضمناً، بحسب هيغل، لا يعي أبعاد ما يقوم به، إذ إنه، بهذا المعنى، أداة المطلق الذي يحرك بها التاريخ ويغير العالم. ما يهم هيغل ليس الفرد، بل ما يجسده. روح العالم يتحرك مجدداً سيد العالم أو روح العالم أو إمبراطور العالم يتحرك اليوم مجدداً، لكن لا ليعيد بناء العالم وتنظيمه وفقاً لمبادئ الثورة الفرنسية وقيم الحداثة، أي وفقاً لما يقتضيه العقل، بل ليحافظ على قوة إمبراطوريته الأميركية وهيمنتها على المعمورة قاطبة ويسهم في مزيد من الانحطاط العالمي. روح العالم هذا أو لنقل سيد العالم تحول من قائد عظيم يخوض أشرس الحروب ليغير العالم ويقضي على الملكيات والعروش الأوروبية التي كانت مجرد امتداد لأنظمة القرون الوسطى التي لم تعد تتماشى والعقل لتكون واقعية، وينشر مبادئ الثورة الفرنسية في الحرية والأخوة والمساواة، تحول إلى رجل صفقات يشن حروباً تجارية في كل الاتجاهات فيهز الأسواق المالية العالمية، ليجني بذلك أكبر المكاسب له ولبلده. لوحة للفنان بول ديلاروش تُصور الإمبراطور الفرنسي نابليون (أ ف ب) وعليه، لم يعد روح العالم هذا أو هذا الفرد الاستثنائي الذي وضع القدر بين يديه كل عناصر القوة والمال والنفوذ التقليدية يحرك التاريخ ساعياً إلى عالم أفضل وأرسخ عقلانية وأغنى إنسانية. يدعي أنه يحاول إطفاء الحروب المشتعلة لا لأنه يسعى إلى عالم خالٍ من الحروب، بل لأنها تقف في طريق تحقيق وعوده في العظمة والرخاء لبلده، لذلك نراه لا يكترث لحرب الإبادة في غزة لأنها لا تؤثر في الاقتصاد العالمي. لا يرى أحداً أمامه، لذلك يصح أن نصفه بـ”إمبراطور العالم”. ترمب ونابليون أظهر نابليون بونابرت عبقرية استثنائية في مجال الحكم وتنظيم شؤون الدولة ومجال الحرب، إذ كان قائداً عسكرياً فذاً يتقن فن تنظيم الجيوش وإدارتها وخوض الحروب والانتصار فيها. نظم نابليون شؤون الدولة الفرنسية، إذ قسم البلد الأوروبي محافظات مختلفة، وأسس الأنظمة التشريعية والقضائية والمصرفية، واهتم بقطاع التربية والتعليم، ولا تزال فرنسا حتى اليوم تعيش في بعض من تشريعاتها على القانون المدني الذي وضعه عام 1809. لم يصل نابليون إلى السلطة بسهولة، فقد حاول أعداؤه اغتياله أكثر من مرة. الأمر نفسه ينطبق على ترمب الذي لم يصل إلى السلطة بسهولة، إذ حاولوا اغتياله كما حاولوا اغتياله معنوياً وإدانته في المحاكم حتى لا يتمكن من الترشح ثانية. منذ تسلم منصبه وهو يحاول إعادة تنظيم الدولة والإدارة والوزارات. عدل نابليون الدستور لكي يضمن انتخابه إمبراطوراً لكل الفرنسيين، ويحل نهائياً محل السلالة الملكية السابقة، وهذا ما يفكر فيه ترمب اليوم، إذ يلمح إلى إمكان ترشحه لولاية ثالثة، إنه أصلاً يتصرف كإمبراطور للعالم لا كرئيس للولايات المتحدة. هكذا توج نابليون إمبراطوراً على فرنسا، بحضور البابا شخصياً، وأصبح الإمبراطور نابليون الأول، في حين أن ترمب نفسه نشر صورة له مرتدياً ثياب البابا نفسه. وصل نابليون إلى ذروة مجده عام 1810، وأصبح يسيطر على مناطق واسعة من أوروبا، بعدما ضمها إلى فرنسا، أما ترمب فيطالب بضم كندا وجزيرة غرينلاند إلى الولايات المتحدة كما يطالب بامتلاك غزة والسيطرة على مناطق أخرى. أكبر خطيئة ارتكبها نابليون وأودت به هي أنه لم يضع حداً لطموحاته وفتوحاته، فغرق في ثلوج روسيا وفقد معظم جيشه الجرار بعدما كان أقوى جيش في العالم. لذلك تحالفت ضده العروش الأوروبية، واستطاعت أن تهزمه للمرة الأولى عام 1813. لقد هزمت القائد الذي أنجبته الثورة الفرنسية والذي نقل الأفكار الجديدة في الحرية والمساواة والإخاء إلى أوروبا كلها. حمل نابليون راية التنوير وأفكار فولتير وجان-جاك روسو ومونتسكيو وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين التنويريين لينشرها حيث تصل قدماه. واليوم، هل نشهد نهاية ترمب ونهاية أميركا بسبب الحروب التي يشنها في كل الاتجاهات؟ إعجاب هيغل بنابليون لذلك أعجب هيغل، وهو فيلسوف ألمانيا الكبير، بنابليون وصفق له، على رغم أنه كان يغزو بلاده، فقبل يوم من معركة يينا كتب هيغل رسالة إلى أحد أصدقائه، بين فيها مشاعره تجاه نابليون وقال فيها عبارته الشهيرة “رأيت الإمبراطور – روح العالم هذا – يمشي في المدينة يستطلع، إنه لشعور رائع أن ترى مثل هذا الشخص هنا في هذه اللحظة، ممتطياً جواده يجول في هذا العالم ويخضعه”. اللامتناهي عند هيغل يسري في ما هو متناهٍ، يقول هيغل في تاريخ الفلسفة “إن الماهية الكلية للروح تتجزأ في أرواح فردية تعي هذه الماهية الكلية، وتصبح على وعي باتحادها معها”. هذا المطلق كان في البدء غير واعٍ، ثم وعى نفسه في النهاية في روح الفيلسوف. هل ألَّه هيغل نفسه؟ ألم يقل لطلابه في ختام محاضراته في يينا بين عامي 1805 و1806، “لقد أطل عليكم فجر عصر جديد، إذ يبدو أن روح العالم قد نجح أخيراً في أن يدرك ذاته على أنه الروح المطلق”. ومع ذلك فإن هيغل يرى في أبطال التاريخ أدوات يحقق بها الروح المطلق أهدافه، حتى لو كان هؤلاء الأبطال غير واعين بما يفعلون، لذلك تحدث عن مكر التاريخ، هكذا رأى هيغل في نابليون التجسيد الأقوى لروح العالم، فقد أرسلته “العناية الإلهية” ليقوض حصون الأنظمة المتهالكة البالية، ويسرع حركة التاريخ، أرسلته لكي يدشن عهداً جديداً مشرقاً للبشرية جمعاء. لا شيء خارج الفلسفة لا يمكن للفلسفة أن تتجاهل الظاهرة الترمبية هذه، فلا شيء خارج الفلسفة، لذلك علينا أن نتأمل في ما يعنيه ترمب وفي ما تعنيه حركته التي لا تهدأ. فترمب، شئنا أم أبينا، يجسد روح العالم اليوم، وإن كان مجرد أداة للروح المطلق لتحقيق مسيرته المظفرة، فترمب هو ذلك الفرد الاستثنائي الذي جاء ليغير العالم، لكن ليس كما كان يشتهي الفلاسفة والمفكرون، بل كما يشتهي، اليوم، رؤساء الشركات وأصحاب المال والنفوذ. نابليون، القائد العظيم والفاتح الكبير، وقد استحال رجل أعمال ورجل صفقات، لم يعد المجد ما يحركه، بل المال ومزيد منه، لذلك يغير كلامه ومشاريعه بحسب ما تقتضي مصالح أصحاب رؤوس الأموال، ولا يرى عيباً في ذلك. إنه من يحرك التاريخ، اليوم، ويجسد روح العالم في ظل ابتذال وانحطاط عالميين. ربما يكون ترمب هو ما يناسب العالم اليوم، هو ما يناسب ما وصلت إليه البشرية من انحطاط عالمي وفراغ في المعنى بعد عقود من التخلي التدريجي عن قيم الحداثة وحقوق الإنسان. إننا نعيش حقبة آخر السرديات أو لعلنا نعيش في غياب السرديات الكبرى، مما يولد فراغاً في المعنى رهيباً، هذا الفراغ في كل شيء هو ما جعل ترمب ممكناً. كان نابليون الذي جسد روح العالم يقطع عن القرون الوسطى ويدشن عصر الحداثة الحق، أما اليوم فإن روح العالم يمثل آخر تجليات الحداثة الرثة أو الرديئة. لقد فقد عصرنا روحه، إذ إننا نعيش عصراً بلا روح. يقال إن الرأسمالية تجدد نفسها دائماً، حتى لو عبر الأزمات المالية والاقتصادية الدورية، ترمب يمثل اليوم روح الرأسمالية المتوحشة، لذلك نراه أقوى من كل أصحاب الأيديولوجيا الدينية وغير الدينية. زيارة ترمب الخليج أثمرت زيارة ترمب الخليج عقد صفقات من كل الأنواع، وجلبت استثمارات خليجية بتريليونات الدولارات إلى الولايات المتحدة، فحقق ترمب مكاسب مالية له ولأميركا. عقلية ترمب تركز على الصفقات ولا تكترث بالرأي العام العربي والعالمي. سيد البيت الأبيض هذا وسيد العالم أيضاً، بما هو يجسد الإمبريالية والنيوليبرالية الجديدة، خلع جميع أبواب السلاطين والأيديولوجيات الثورية وغير الثورية حتى يتابع التاريخ مسيرته، لكن علينا أن نعترف بأن التاريخ لا يتقدم دائماً إلى الأمام، بل قد يتراجع إلى الخلف. الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ ف ب) لنلاحظ أن روح العالم في جولته الخليجية لم يصطحب معه أي مفكر أو فيلسوف، بل ولا حتى أي عالم اجتماع أو أناس. اصطحب معه المؤثرين الكبار في هذا العالم، أعني المؤثرين الحقيقيين الذين يقوضون العالم القديم ويعيدون بناء العالم من جديد. اصطحب معه كبار رجال الأعمال من المديرين التنفيذيين لشركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وصناعة الطائرات الحربية والمدنية وكل ما له علاقة بالطاقة… لقد تغير العالم كثيراً. لماذا وصلنا إلى هنا؟ كيف سيطرت البراغماتية الأميركية بصيغتها الترمبية المنفعية من دون أي اعتبار لقيم الحداثة على العالم أجمع، بحيث إن أعداءها أنفسهم يمارسون اللعبة ذاتها؟ لماذا فقد العالم روحه ومعناه مع أن روح العالم فيه يتحرك بقوة ولا يهدأ ويضرب في كل الاتجاهات؟ كيف صار ذلك ممكناً؟ كيف انتقلنا من نابليون إلى ترمب؟ ماذا كان في وسع هيغل أن يقول لو شاهد روح العالم معتلياً جملاً ووراءه خزنات الأرض بدلاً من أن يمتطي فرساً ليذهب إلى كبريات المعارك من أجل تحقيق المجد وتغيير العالم؟ بل ماذا عسانا، نحن فلاسفة اليوم، نقول وقد رأينا أن تغيير العالم يتحقق، من غير أن نكون أبطال هذا التغيير؟ أوَما زالت الفلسفة قادرة على تغيير العالم؟ أفما زال الفيلسوف ينظر في نفسه بوصفه بطل التغيير الحق الذي تنتظر المجتمعات قدومه “المبارك”؟ المزيد عن: أميركافرنسانابليون بونابرت دونالد ترمبالحرب العالمية الثانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “سويني يحتضر” تمرين إليوت الأولي على الكتابة المسرحية next post دونالد ماكنتاير يكتب عن: انتقاد نتنياهو ليس معاداة للسامية… تمرد يهودي يثبت ذلك You may also like لأول مرة… إسرائيل تكشف عن سلاح استخدمته لصد... 30 مايو، 2025 سفير فرنسا في لبنان: لم أتوقع أن نبلغ... 29 مايو، 2025 300 كاتب بالفرنسية يدينون “الإبادة الجماعية” في غزة 29 مايو، 2025 قائد الأمن في السويداء ينفي المشاركة بمفاوضات مباشرة... 28 مايو، 2025 بعد الحظر… الأردن يلاحق “الإخوان” بدعاوى “غسل الأموال” 28 مايو، 2025 “شبكات الظل”… من يحاول تهريب السلاح مجددا من... 28 مايو، 2025 حافظ الأسد: اتّفاق لبنان مع إسرائيل «أسوأ بمائة... 28 مايو، 2025 رفض جان عبيد دخول السوريين قصر بعبدا… فسقط... 28 مايو، 2025 ترمب: انضمام كندا لـ«القبة الذهبية» سيكلفها 61 مليار... 28 مايو، 2025 كندا تأمل الانضمام إلى مبادرة «إعادة تسليح أوروبا»... 28 مايو، 2025