الجمعة, فبراير 21, 2025
الجمعة, فبراير 21, 2025
Home » بيلاسكويث الإسباني وصل إلى جيرانه الفرنسيين تدريجا

بيلاسكويث الإسباني وصل إلى جيرانه الفرنسيين تدريجا

by admin

 

عندما استعجله مستشارو الملك الإسباني للقائه أجابهم بعبارة أضحكت فيليب الرابع

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

يروى عن الرسام الإسباني دييغو بيلاسكويث أنه أخذ وقتاً طويلاً قبل أن يعود إلى دياره الإسبانية وينضم إلى البلاط الملكي في عهد الملك الشاب فيليب الرابع، الذي كان كما يبدو ينتظره بلهفة كي يجعل منه الرسام الرسمي لعائلته وقصره وله هو شخصياً، وحين استحثه مستشارو الملك للإسراع في العودة، وهم يقولون له إن الملك لا يستطيع الانتظار أكثر من ذلك، ابتسم مجيباً “لكني كنت أعتقد أن جلالته قادر على كل شيء. وهذه المرة الأولى التي يقال لي فيها إن ثمة ما لا يستطيعه الملك”. ويروى أن فيليب الرابع حين وصل إليه جواب الرسام غرق في الضحك. لسنا ندري ما إذا كانت هذه الحكاية حقيقية هي التي تنسب أيضاً إلى الموسيقي الفرنسي لوللي إذ استعجلوه للعزف في حضرة الملك لويس الـ14 فكان منه ذلك الجواب نفسه، لكنها تتلاءم على أية حال مع شخصية بيلاسكويث وما عرف عنه من ظرف وأبهة. المهم أن الأمر انتهى حينها بتسريع الرسام عودته إلى مدريد وانضمامه إلى البلاط الملكي لينفرد بتحقيق بورتريهات لا تنسى للملك وعائلته زادت من مكانته بوصفه واحداً من كبار رسامي أواسط القرن الـ17. والغريب أن أوروبا كلها قد اعترفت لذلك الرسام الكبير بمكانته، لكن فرنسا لم تفعل، بل هي انتظرت بدايات القرن الـ20 قبل أن تكتشفه ليصبح تدريجاً رسام نخبتها المفضل ومصدر إلهام لمثقفيها ورساميها الكبار وفي مقدمهم بل قبلهم، أحد كبار انطباعيي النصف الثاني من القرن الـ19 فيها إدوار مانيه.

فوكو يتوج بيلاسكويث

وهنا قبل أن نستطرد في حديث العلاقة التي ربطت بين فيليب الرابع وبيلاسكويث، قد يكون من الملائم التريث بعض الشيء في فرنسا، لنقول إنه إذا كان فيلسوفها الكبير في نهايات القرن الـ20 ميشال فوكو، قد أوصل مكانة بيلاسكويث فيها إلى الذروة حين كرس له العدد الأكبر من صفحات مقدمة كتابه الأساس “الكلمات والأشياء”، مع أن الكتاب ليس عن فن الرسم ولا عن إسبانيا وليس كذلك عن علاقة المثقف بالسلطات الحاكمة، فإن ذلك التكريس قد عوض على الرسام الجار قروناً من التجاهل بدت دائماً مدهشة وغير مبررة. ولقد تمثل ذلك التجاهل في أنه فيما كانت مناطق أوروبية عديدة تلهج بذكر صاحب لوحة “لاس مينيناس”، التي سيركز فوكو حديثه عليها، لم يكن الفرنسيون يذكرون صاحب اللوحة لا بخير ولا بشر. بل الأدهى من ذلك أنه منذ زمن بيلاسكويث نفسه، إذا كان عدد من الفرنسيين، ومن بينهم أندريه فيليبيان ديزافو وجيرمان بريس، وكانا أشهر مؤرخي الفن في ذلك الزمن، قد اطلعوا على أعمال لبيلاسكويث، وكتبوا عنها وتحديداً بقدر لا بأس به من الإعجاب، فإن مناسبة كتاباتهم لم تكن مشاهدتهم لوحات حقيقية للرسام، بل هي أعمال منحولة قدمت باسمه، وأعمال أخرى تنتمي إلى محترفة ومن صنع تلاميذه على الأرجح. ومن هنا كان على بيلاسكويث أن ينتظر زيارات إدوار مانيه إلى إسبانيا، وإعلان هذا الأخير تأثره به قبل أن يجد مكانة لدى الجيران أوصلته إلى اهتمام فوكو، من دون أن ننسى اهتمام بيكاسو الذي أعاد رسم “لاس مينيناس” مرات عديدة، على طريقته ذات حقبة.

دييغو بيلاسكويث (1599 – 1660): فنان في بلاط الملك (غيتي)

في بلاط الملك

ذلك كان شأن الرسام في فرنسا التي لم تتوقف عن احتضانه منذ ذلك الحين، أما في وطنه الإسباني فكان له شأن آخر تماماً. وهو الشأن الذي جعله من ناحية يجرؤ على إطلاق تلك العبارة التي نسبناها إليه أعلاه، لمجرد الإشارة إلى أن مكانته كانت تتيح له ذلك، ومن ناحية ثانية يجد لنفسه لاحقاً تلك المكانة في البلاط الملكي تحت رعاية واحد من كبار ملوك تلك الدولة في واحدة من أكثر حقبات تاريخها ازدهاراً. والحقيقة أن فيليب الرابع كان لا يزال مراهقاً حين رسمه بيلاسكويث للمرة الأولى ففتن بالبورتريه، معتبراً أن الرسام قد عرف كيف يصور ملامح السلطة والقوة فيه ويغطي على تكوين سحنته غير المريح. ويقال إن الملك بعد ستة أسابيع فقط من اطلاعه على تلك البورتريه اتخذ قراره بأن يكون بيلاسكويث رسام البلاط مانعاً أي رسام آخر، وكانوا كثراً يحومون حول الملك وقصره الملكي، من أن يرسم أياً من أفراد العائلة المالكة لا سيما الأطفال من بينهم. لسوف ينتظر فيليب الرابع أكثر مما ينبغي رجوع بيلاسكويث كما الفنان. ولكن عند خريف عام 1623 سيتم اللقاء بين الملك والرسام لتبدأ معه واحدة من أجمل حكايات الرعاية والحماية بين عاهل وفنان. إلى درجة أن الملك قد أمر بأن يقيم الرسام في القصر حيث يكون له محترف ومساعدون ومعاش يمكنه من التفرد لرسم أفراد العائلة المالكة، وملاحقة تطور أعمار الصغار من بينهم، لا سيما ابنة الملك المفضلة، وكذلك أخته ماريا. ولقد خصص الملك للرسم 20 دوكات يتلقاها شهرياً “بالنظر، كما سيكتب الملك لاحقاً بخط يده، إلى إعجابي الشديد بموهبته وقدراته الفنية”. ولم يكن ذلك كل شيء على أية حال.

الطلبات تتراكم

فالحال أن بيلاسكويث، وعلى عكس ما كان يحدث بالنسبة إلى الرسامين الآخرين العاملين لحساب القصر، الذين كان عليهم أن يكتفوا بمرتب يتلقونه شهرياً يقل عن مرتب بيلاسكويث بالطبع، كان ينال أيضاً مبالغ أخرى مقابل كل عمل يحققه ويكون مخصصاً للقصر، ناهيك بأن أفراد العائلة المالكة كانوا يوصونه على لوحات يدفعون له مقابلها بصورة مستقلة عما يناله من البلاط. وهنا قد يكون لافتاً إلى أن نذكر أن رئيس الحكومة، الذي كان صديقاً لبيلاسكويث، الكونت أوليفاريس، قد دفع للرسام 800 ريال مقابل ثلاث لوحات أوصاه عليها، منها واحدة تمثل الملك نفسه وأخرى تمثل أوليفاريس وثالثة تمثل الدون أراثيال الذي إذ توفي خلال العمل على لوحته، قررت أرملته أن تدفع من جيبها قيمة اللوحات الثلاث. والحال أننا ما أسهبنا في ذكر هذه التفاصيل، إلا لتوضيح الود الذي كان بيلاسكويث يحاط به في البلاط وخصوصاً من قبل فيليب الرابع نفسه. وكان هذا على أية حال المستفيد الأكبر من الكرم الجماعي المغدق على الرسام، إذ إن هذا وفي نوع يبدو صامتاً من رد الجميل، راح يلاحق الملك في حله وترحاله، لا سيما خلال استقبالاته الرسمية، كما في احتفالاته الكبرى، وفي رحلات الصيد التي كانت تشكل هواية رئيسة من هواياته، راح يلاحقه بتخطيطاته وألوانه محققاً له ما يمكن اعتباره أكبر مجموعة من لوحات ازدهى بها ملك من ملوك أوروبا في ذلك الزمن. ولعل ما كان يفتن فيليب الرابع أكثر من أي أمر آخر، كان أن بيلاسكويث قد عرف دائماً كيف يظهر من الملك “جمال روحه” الداخلي غاضاً النظر عن بعض تشوهات فيزيائية في تكوينه الجسماني، ومن دون أن يبذل جهداً “منافقاً” في سبيل ذلك!

وفي نهاية هذا الحديث، قد يكون من الملائم أن نذكر بتلك اللوحة – الذروة التي حققها بيلاسكويث، للقصر الملكي وداخله التي تمثله هو نفسه منهمكاً في رسم واحدة من أجمل البورتريهات التي رسمت في داخل أي قصر ملكي في تاريخ الفن على الإطلاق، لوحة “لاس مينيناس” التي أتينا على ذكرها مرات عديدة في سياق هذا الكلام، ذكراً تستحقه دائماً كما قد تبرر وحدها إنجازات بيلاسكويث داخل البلاط الملكي.

المزيد عن: دييغو بيلاسكويثفن تشكيليالملك فيليب الرابعالملك لويس الرابع عشرميشال فوكوإدوار مانيهبابلو بيكاسو

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili