السبت, أبريل 12, 2025
السبت, أبريل 12, 2025
Home » بيرانديللو في “كسو العرايا” يجعل الحياة مجرد خيال روائي

بيرانديللو في “كسو العرايا” يجعل الحياة مجرد خيال روائي

by admin

 

الكاتب الإيطالي يبني شخصيات أدبه منطلقاً من الخيال إلى الواقع وليس بالعكس المعتاد

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

إذا كان في مقدورنا أن نعد الكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو الأشهر بين كتاب المسرح الإيطاليين خلال الثلث الأول من القرن الـ20، من المؤكد أن السمتين الرئيستين اللتين ميزتا أدبه لتبنيا علاقة قرائه الشغوفة به تقومان، من ناحية على قوة بنائه للشخصيات التي يبتكرها آتياً بها من مخيلته الخالصة بعيداً من الواقع الذي سيقول دائماً إنه نادراً ما اهتم به، ومن ناحية ثانية من قدرته على إضفاء طابع واقعي لاحق على تلك الشخصيات المتخيلة، بحيث يصعب لاحقاً فصلها عن ذلك الواقع الذي سيبدو وكأنه خلق من أجلها. ولسوف يحدد بيرانديللو (1867 – 1936) لاحقاً أن كل تلك العلاقة لديه بين الواقع والتخييل إنما يعود الفضل فيها إلى رصده المؤسي للجنون، الذي أصاب زوجته وبعث بها إلى مستشفى الأمراض العقلية منذ عام 1919 من جهة، ولـ”لجنون” الآخر الأكثر عمومية والذي رصده دائماً في مسقط رأسه في صقلية محيطاً به من كل جانب. وهكذا يخبرنا أنه لولا الجنون الفردي داخل عائلته مباشرة، والجنون الجماعي داخل بيئته في صقلية، لما كانت ولدت لديه تلك الحبكات والشخصيات التي كثيراً ما استقاها من أرق تفكيره الليلي، ليرميها خلال نهراته على الورق تحت عناوين مثل “6 شخصيات تبحث عن مؤلف”، و”لكل حقيقته”، و”الليلة نرتجل”، و”كما تريد”، و”عمالقة الجبل”. ونعرف أن هذه العناوين إنما تعود إلى نصوص – مسرحية غالباً – كتبها بيرانديللو خلال العقد ونصف العقد الأخير من حياته وربما على ضوء جنون زوجته.

نحو الميلودراما

ومهما يكن من أمر هنا، قد يكون من المناسب أن نلتفت لحظة لنرصد كم أن معظم هذه الأعمال، ومهما كانت نجاحاتها سواء حين قدمت على خشبة المسرح أو نشرت مطبوعة في كتب، تبدت في بداية الأمر نخبوية وطليعية تعصى على إدراك الجمهور العريض، لكنها سرعان ما كانت “ترفع” الجمهور لاحقاً إلى مستواها فيكثر بصورة مدهشة تفاعل الجمهور معها بعيداً من “انطباعات الوهلة الأولى”، بيد أن في إمكاننا أن نستثني واحدة من مسرحيات بيرانديللو الكبرى من ذلك التوصيف، لنلحظ كيف أنها عرفت كيف تلتقي جمهورها منذ عروضها الأولى. ونتحدث هنا عن مسرحيته “كسو العرايا” التي كتبها بيرانديللو لتقدم للمرة الأولى خلال عام 1922 مباشرة، تالية لتلك المسرحية التي ستكون دائماً أشهر أعماله “6 شخصيات تبحث عن مؤلف“، التي لئن كانت أثارت استغراب الجمهور منذ ظهورها في الحياة المسرحية داخل أوروبا كلها، كما في نيويورك وحتى في بلدان أخرى أكثر بعداً، تلقفتها باعتبارها تجديداً هائلاً في اللغة المسرحية. فإن هذا الحكم أتى متأخراً ليساعد الكاتب على العودة إلى ذلك النمط من “المسرح داخل المسرح”، ولكن بعد أن “خفف من غلواء طليعيته النخبوية” مباشرة بعد “6 شخصيات…” وذلك تحديداً لأنه هو نفسه كان يهتم بجمهوره المحلي أكثر من اهتمامه بجمهور العالم الخارجي. وأدرك باكراً أن الجمهور المحلي يفضل الميلودراما والحكايات الاجتماعية على “الابتكارات الشكلية”. وهكذا يمكننا أن نلاحظ كيف أن الكاتب تمكن من مسرحة الميلودراما والقضية الاجتماعية في “كسو العرايا” قبل أن يعود إلى التجديدات الشكلية لاحقاً. وكان ذلك من حسن حظ “كسو العرايا” التي لا تزال حتى اليوم تعد من أنجح مسرحيات كاتبها إلى جانب “الجرة”، وطبعاً كذلك إلى جانب روايته الأساس الكبرى “المرحوم ماثياس باسكال” (1904) التي يراها كثر من متابعي عمله نوعاً من التخييل لكتاب مبكر له هو “عندما كنت مجنوناً”، الذي “أرخ” فيه منذ عام 1902 لجنون زوجته. غير أن ما يهمنا هنا هو مسرحية “كسو العرايا”، التي قد لا يمر موسم مسرحي داخل المدن الكبرى في إيطاليا وأوروبا إلا ويعاد تقديمها بنجاح كبير من جديد.

لويجي بيرانديللو (1867 – 1936) (غيتي)

 

في قلب السياسة

بالنسبة إلى المتلقين المعتادين على متابعة الحياة السينمائية والمسرحية الإيطالية كما عبرت عن مجتمع هذا البلد خلال النصف الثاني من القرن الـ20، تبدو “كسو العرايا” وكأنها كتبت في خضم تقلبات الحياة السياسية خلال تلك المرحلة، بل تدور من حول السجالات الصحافية الكبرى وسينما النقد السياسي التي تناولت ذلك الهذيان المعمم في العلاقة بين الصحافة والسياسة والمسرح ودرامات الحياة اليومية المنسية بالنسبة إلى حاملي القضايا الكبرى، ولا سيما منها قضية المرأة ومكانتها في المجتمع. وهي في نهاية المطاف عمل يدور من حول امرأة آتية من شرق ما تدعى إرسيليا دراي، صبية تجد نفسها في الشارع دون أن تكون مهيأة لذلك، فيلتقطها كاتب يؤويها في منزله، بعد أن يتخلى عنها كل الرجال الذين تلجأ إليهم، فيما تلتقطها الصحافة كقربان باعتبارها مطرودة من كل مكان ومطاردة من كل الذين تلتقي بهم. لكنها تبدو دائماً عاجزة عن قول أية حقيقة تتعلق بها وبحالها لسبب بسيط، وهو أن تلك الحال لا تبدو أنها تهم أحداً. ففي النهاية ليس ثمة ما يهم كل أولئك الآخرين في حكاية إرسيليا سوى غرابة تلك الحكاية وما فيها من إثارة ميلودرامية، بالتالي غرابة الحياة التي تعيشها تلك المرأة وسط صراعات لا تنتهي لعل أهمها الصراع بين الرجال والنساء، ثم بين حفنة من الرجال بعضهم بعضاً للاستحواذ عليها، خلال وقت لا يتوقف فيه المشاهدون أو القراء عن التساؤل عما إذا كانت هذه المرأة/ الشيء موجودة حقاً، هي التي لا نراها إلا من خلال المتحدثين عنها والساعين إلى الحصول عليها… حتى وإن كان بعض “حلقات حياتها والصراع معها وحولها” يدور على الخشبة أمام أعين الحاضرين. والحقيقة أن تلك الحلقات إنما يختلط واقعها على المتفرج الذي لا يعود يعرف، على رغم بساطة لغة المسرحية، ما إذا كان الذي يراه، يدور حقاً في فضاء واقع ما، أم إنه يحكى على ألسنة من يتخيلون حدوثه أو على أعمدة الصحف.

حكاية عادية…

والحكاية التي تصورها تلك الحلقات بسيطة بدورها ولكن ظاهرياً. فإرسيليا التي تبدأ معاناتها مع تخلي خطيبها عنها للارتباط بامرأة أخرى، تلتحق أول الأمر بالعمل كمربية لطفل القنصل غروتي، غير أن هذا الطفل يسقط من طابق عال ميتاً في غفلة من إرسيليا التي تسارع بمحاولة وضع حد لحياتها انتحاراً. وهو انتحار ينقذها منه الكاتب لودوفيكو نوتا الذي يؤويها في بيته، ويتلو ذلك دخول صحافي على الخط كان كتب موضوعاً مؤثراً عن حكاية إرسيليا، ليخبر الآن أن القنصل طلب سحب الموضوع من النشر، كما أن خطيب إرسيليا السابق عائد للتودد إليها من جديد. وأمام هذه التطورات يُغمى على إرسيليا فتحمل إلى سريرها لتفيق في هدأة الليل عازمة على الفرار من كل هذا الصخب من حولها. لكنها تعجز عن ذلك لتفيق في اليوم التالي وتلتقي خطيبها السابق فرانكو الذي يبدأ بالتوسل إليها كي تعود إليه صافحة عما بدر منه… لكنها ترفض الفكرة تماماً خلال وقت يصل فيه القنصل المفجوع بابنه ويطلب لقاءها. ويكشف لنا ما يحدث لاحقاً أنه كان ثمة علاقة معقدة بين القنصل وإرسيليا كانت هي السبب في سقوط الطفل وموته. وبعد حين يعود الخطيب وقد قرر أن عليه معرفة ما إذا كانت علاقة إرسيليا بالقنصل قبل أو بعد خطبتهما، لكن القنصل الذي يعود الآن ينفي وجود أية علاقة متهماً إرسيليا بالتسبب بموت الطفل. وهنا تدخل إرسيليا من جديد وقد سممت نفسها للمرة الثانية راغبة في الموت. لتعترف بأنها إنما كذبت “لمجرد أنني كنت أريد أن أفارق الدنيا وأنا مرتدية ثوباً لائقاً” أما الآن “فها أنا سأفارقها عارية كما ولدت عارية…”. ونذكر أخيراً أن هذه النهاية عدت دائماً أقوى ما في المسرحية، بالتالي خاتمة لعمل درامي بالغ القوة بل من أقوى ما كتب بيراديللو حتى وإن كان محكمو جائزة نوبل الأدبية حين منحوه جائزتهم عام 1934 أسهبوا في الحديث عن رائعته “6 شخصيات تبحث عن مؤلف”، في حيثيات حديثهم عن فوزه الكبير.

المزيد عن: لويجي بيرانديللوالمسرح الإيطاليالجنون الفرديالجنون الجماعي

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili