لوحة للرسامة الإيرانية ألبينا فاتشيفا (صفحة الرسامة - فيسبوك) ثقافة و فنون بيجن جلالي فيلسوف الشعر الفارسي الجديد تجاهلته الثورة by admin 7 ديسمبر، 2024 written by admin 7 ديسمبر، 2024 30 مخارات بالعربية للشاعر الذي فتح آفاقا غير مألوفة في حركة الحداثة الإيرانية اندبندنت عربية / عبد الرحيم الخصار من يقرأ المنتخبات الشعرية الصادرة حديثاً ضمن منشورات ميزوبوتاميا في هولندا تحت عنوان “وردة في صحارى الأبد”، بترجمة لافتة لمحمد الأمين الكرخي من الفارسية إلى العربية، سيدرك هذا الذهاب المبكر لبيجن جلالي نحو الحداثة في شكلها المتجدد. لقد قطع مع الاشتغالات الذهنية التي هيمنت على لغة الشعراء خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وكسر حاجز البلاغة، متفادياً الأشكال التعبيرية التي تقوم على الإنتاج المركب والمعقد والغامض. من ثم كانت البساطة في تشكيل النص هي المبدأ الذي تنطلق منه كتاباته. وإن كانت البساطة هي الظاهر الشكلي لأشعاره، فإن هذا لم يمنعه من تعميق الدلالات والذهاب بالمعاني إلى مسافات قصية، خصوصاً في نصوصه التي كتبت تحت ضغط الشرط الوجودي. ارتأى محمد الأمين الكرخي أن يورد في مقدمة الترجمة نصاً مركباً من حوارات لبيجن جلالي يلقي فيه الضوء على نقاط معينة من تجربته الشعرية، إذ يصرح بأن كتاباته بسيطة ولغتها الفارسية سهلة، وأنه معني بأن تكون قريبة من القارئ، لا بعيدة عنه. إنه يصف قصائده على النحو التالي، “هي بقول آخر طبيعية، أي إنها ولدت لضرورة حقيقية، وليس بغية خلق عمل أدبي”. العودة بالإنسان إلى براءته لم تكن البساطة خياراً تقنياً للكتابة عند جلالي، بل كانت فلسفة توجه هذا الكتابة، وتؤسس من ثم لاتجاه يختلف سواء عن سابقيه أو مجايليه. لذلك نأى بنصوصه عن الهواجس السياسية والاجتماعية، وحاول نقل الصراعات التي تحتدم في نفسه تحت ضغط الحياة اليومية، بالموازاة مع تأملاته التي تسندها في الغالب دعائم روحية ووجودية. وإن كان جلالي قد كتب اليومي، فإنما فعل ذلك ليتخلص منه، بالأحرى يتخلص من الأثقال التي تعمل باطراد على تسطيح الإنسان الراهن وتفريغه من كل الحمولات الروحية. لقد صرح هو نفسه بأن وظيفة الشاعر هي العودة باللغة إلى الروح، والعودة بالروح إلى اللغة. المنتخبات الشعرية لبيجن جلالي (منشورات ميزوبوتاميا) ثمة هاجس ظل يشغله في كتاباته، هو الرجوع بالإنسان إلى إنسانيته، إلى براءته الأولى ودهشته اللامنتهية، فضلاً عن تجسير علاقة الإنسان بالعالم الذي ينتمي إليه، في سياق من المصالحة والسكينة، بدل علاقات التوتر التي تدمر الذات وترفع منسوب الشقاء في الوجود. فإذا كان من خلل في عالمنا اليوم فمرده إلى الإنسان، لأنه المسؤول عما آل إليه هذا العالم. عاش الشاعر بيجن جلالي ينشد مياهاً عذبة ومنسابة تربط الكائن بالمكان. ولعل هذه النظرة الصافية هي ما رفع من شاعرية جلالي بين معاصريه وأثر من ثم على أجيال لاحقة، كانت تبحث عن سبل الانعتاق من الصراعات اللغوية التي دفعت بكثير من التجارب الشعرية إلى مناطق الضيق. ويبدو أن إقامته في فرنسا في أربعينيات القرن الماضي أسهمت في تحول تجربته الأدبية وانفتاحه على الشعر الأوروبي. ففور وصوله إلى باريس اقتنى ثلاثة أعمال شعرية لكل من بودلير ورامبو وفاليري. وربطته صداقة شعرية مع بول إيلوار، بل إنه تأثر بالتيار السوريالي في فرنسا وكان يدعو إلى انفتاح الشعر الإيراني الحديث عليه، من أجل تطعيم تجربة الكتابة وتجديدها. ويبدو أن بيجن لم ينل من تجربة الإقامة في فرنسا سوى الشعر، فلم تعرف حياته الدراسية والمهنية أي شكل من أشكال التناغم. فقد درس الفيزياء في جامعة طهران، والعلوم الطبيعية في باريس، ثم عاد إلى طهران لدراسة الأدب الفرنسي، وعمل لاحقاً موظفاً في شركة، بعيداً من كل ما درسه. صداقة الموت والليل الشاعر الإيراني بيجن جلالي (منشورات ميزبوتاميا) يلقي الموت بظلاله الثقيلة على عدد كبير من قصائد بيجن جلالي التي ترجمها محمد الأمين الكرخي، وعوض أن تحضر الإجابات تحضر الأسئلة إما بصورة صريحة، أو بما يومئ إلى الحيرة والدهشة والإحساس بالضآلة أمام شساعة هذا الكون وعمق أسراره. يقول الشاعر، “الموت أيضاً يموت”، ثم يردف، “لا أعرف/ إن كان علي أن أكتب القصيدة بالكلمات/ أم بالتراب”. يستدعي جلالي الموت على هيئة رجل يحمل وردة حمراء، ثم يتحدث إليه ولا يهابه، فالشاعر “ساحر ينثر في فضاء الكون الهائل بذور الأمل واليأس”. لذلك يقول، “حينما سأموت/ لن أكون خجلاً إزاء العالم/ ولن أتواضع إزاء الموت/ فقد تحاورنا أعواماً/ واصطحبني معه إلى أكوام التراب”. بل إنه يصرح في أحد نصوصه بعشقه للموت، ربما لأنه هو ما يمنح للحياة معنى، إنه نكهة الوجود، كما كان يقول إميل سيوران، أو “الخير الذي يخدم الطبيعة” كما كان يرى الفيلسوف الروماني إبيكتيتوس. يحضر الليل في نصوص جلالي بما هو ملاذ ومهرب من صخب النهار، وضوئه الذي يزعج الحواس. وتتناغم سكينة الليل مع النبرة الخافتة في قصائد الشاعر. يصرح الشاعر بهذا الانتماء، “أنا ابنك البار الوقور يا ليل. ومثلك روحي نائية ومقدودة من قماشة الرؤيا وشاحبة”. لقد وجد الشاعر روحه الضائعة في الليل، فهو وحده من يهبه الأمان والطمأنينة، ويسدل الوهج على عزلته. ثم إنه قضى وقتاً طويلاً قبل الوصول إلى هذه الحال التي تهدأ فيها روحه وتستكين إلى الليل. يقول الشاعر، “يا ليل بحثت عن وجهك الحالم في الينابيع وفي عيون النساء وفي عمق البئر… لن تموت أبداً نجومك المنتسبة إلي. وفي معبدك أشم عطر الأجساد النضرة. وفي جنينتك أغرس ورودي”. تهيمن الميتافيزيقا على نصوص جلالي، لكن برؤية شاعرية. فالحياة التي تعقب الموت آهلة بالجمال، وهي تتيح للكائن عيش تجارب أخرى تتجاوز بمسافات هائلة تجاربه الصغيرة على الأرض. لكن الثقل الوجودي ينزل على منكبي الشاعر بسبب وعيه المبكر وجنوحه إلى قراءة عناصر الكون، “عبء على كتفي هذا الكون/ بغية الاسترخاء/ أقيم في بيوت خربة/ وأبحث في اليوم المشرق/ عن الشمس”. تبدو المفارقة جلية حين يقارن الشاعر عمر الكون بعمره، فهذا الإدراك العميق للكون لا يتناغم مع المرور الوامض للكائن، “يقف الشاعر تارة/ على بداية العالم/ وتارة/ على نهايته/ يا للأسى/ ألا يحيا الشاعر إلى الأبد”. يصور الشاعر العزلة على نحو فريد، “وحيداً بقيت مع قصائدي/ مثل غراب على غصن متيبس”. والحقيقة أن عزلة الشاعر كانت حقيقية، ولم تكن تحضر هذه التيمة في نصوصه كملمح جمالي فحسب، على عادة معظم الشعراء. فقد عاش وحيداً معظم حياته، لم يتزوج ولم ينجب، ولم تكن له من علاقات متشابكة إلا مع قصائده. لذلك حين نتساءل إن كان الشاعر قد عاش كما يريد يجيبنا، “لم أعش قط/ قصائدي هي من كانت على قيد الحياة”. المزيد عن: شاعر إيرانيرجمةاللغة الفارسيةالعربيةمختارات شعريةالفلسفةالحداثةآفاق شعريةفرنسا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ملكان في القصر الإمبراطوري البروسي… فنان وسياسي next post كيف واجه الكتّاب الموت في تاريخ الأدب العالمي؟ You may also like رواية “صيف سويسري” لإنعام كجه جي: كبسولات لعلاج... 12 ديسمبر، 2024 يوميات ومذكرات وثّقت تجربة الاعتقال في سجون نظام... 12 ديسمبر، 2024 “الممتثل”… بين فضح الفاشية وتحليل النفس البشرية 12 ديسمبر، 2024 الشاعر السوري أدونيس يدعو لتغيير “المجتمع” وليس النظام... 12 ديسمبر، 2024 “ستموت في القاهرة” رواية عن شاه إيران وصراعاته 11 ديسمبر، 2024 بول شاوول يكتب عن: التجديد المسرحي العربي في... 11 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: طبق نحاسي من موقع... 11 ديسمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: قصة «أيمن» الحقيقي بطل... 11 ديسمبر، 2024 دي ميرابو… مع الثورة ولكن أليست الملكية أعدل؟ 10 ديسمبر، 2024 كيف تثبت الروايات القصيرة مكانتها في الأدب الإنجليزي؟ 10 ديسمبر، 2024