“بيبي جيرل” الانتصار للرغبة ولو بكسر القواعد

نيكول كيدمان تطرح قضايا النساء في المرحلة الحرجة

اندبندنت عربية / نجلاء أبو النجا صحافية @nojaaaaa

ليس جديداً أن تتناول السينما أزمات المرأة في نهاية الأربعينيات ومرحلة مغادرة الشباب بكل ما فيها من أحاسيس وتقلبات ونزوات، وربما نجح فيلم “بيبي جيرل” للممثلة العالمية نيكول كيدمان في تقديم صورة غير نمطية لتلك المرحلة الحساسة من حياة المرأة فكسر مقاييس ما سبق بجرأة أثارت الجدل.

خروج عن المألوف

فيلم “بيبي جيرل” للمخرجة الهولندية هالينا راين شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية بدورته السابقة وحصل على جوائز عدة، وتمكن التحالف النسائي بين المخرجة والبطلة من مناقشة حقوق المرأة في التعبير عن رغباتها حتى ولو كانت خارجة عن المألوف وصادمة لكل أنواع التقاليد والمسلمات.

تدور الأحداث حول امرأة تقترب من سن اليأس متزوجة من مخرج مسرحي وسيم، تنعم باستقرار أسري كبير جداً مع شريك شديد الإخلاص والمحبة، وعلى الجانب الآخر هي سيدة أعمال ناجحة تدير شركة من أهم الشركات التكنولوجية، ولديها كثير من المحبين والمؤمنين بموهبتها وقدرتها القيادية.

مشهد من فيلم بيبي جيرل (مواقع التواصل الإجتماعي)

تعاني رومي بطلة العمل “نيكول كيدمان” من فتور العلاقة الزوجية الحميمية، فعلى رغم تفاهمها مع زوجها وحبه الكبير لها وقدراته في إسعادها تظل غير راضية عن تلك الأحاسيس التي تتبقى بعد العلاقة ولا تشعر بالسعادة التي تنشدها.

تبدو رغبات رومي أمامها صريحة وجامحة وخارجة عن المنطق، فهي لا تريد علاقة سوية بل تسعى إلى من يؤلمها، وتلمح بأن لها ميولاً تستمتع فيها بمن يمارس عليها السادية، فتعشق أن يأمرها شخص، ويقضي معها أوقات الغرام بطريقة تتحطم فيها شخصيتها القوية الحازمة المتسلطة.

الوقوع في الفخ

تقابل رومي متدرباً لديها بالشركة يدعى صمويل، وهو شاب في مقتبل العمر يتعدى فرق العمر بينهما 20 عاماً في الأقل، تنجذب لنظرات الرجل الصغير الذي يرمقها بعيون قاسية وآمرة ومثيرة.

تحاول رومي الهرب من فخ الوقوع في حب المتدرب، لأنها بذلك قد تجازف بكل تاريخها المهني، وتضع نفسها في خانة الاتهام والمحاسبات القانونية، إضافة إلى خوفها على أسرتها وابنتها الوحيدة والزواج المستقر المثالي.

تتهرب وتواصل البعد من الشاب، لكنه يفهم بحكم طبيعته الذكية أن تلك المرأة ستستجيب لأن لها رغبات مكبوتة شديدة التمرد والجموح وتتشابه مع أهوائه الخارجة عن اللياقة في كثير من الأحيان.

يواصل صمويل مطاردة رومي حتى تنتهي المطاردة بامتثالها لرغباتها ونزواتها مع غريب الأطوار.

صراع خطر

تتصاعد الأحداث وتتعلق رومي بطريقة صمويل القاسية معها التي تجد فيها أقصى وصول للرغبة، وتتعقد الأمور مع إحساسها بالخطر عندما يقترب الشاب من أسرتها، وربما يفضح سرها المهين أمام زوجها ويدمر حياتها بالكامل.

تجد رومي نفسها في صراع مرير بين رغبتها في الحب الجامح، وتعويض نفسها عن زواج يمنحها روتيناً مملاً ومستمراً حتى في أسعد اللحظات من جهة، وبين الخطر الذي يقترب وسيدمرها بصورة كاملة بسبب صمويل من الجانب الآخر.

تعترف رومي لزوجها بأنها تميل لأحاسيس غير طبيعية في العلاقات الزوجية ولا تجد الإحساس المنشود معه، بل وتفاجئه بالاعتراف بالخيانة ويعرف الزوج ماهية الشاب الذي اقترب من زوجته وعصف بعلاقتهما المستقرة.

بانديراس يتألق

قدم أنتونيو بانديراس في دور الزوج أداءً مميزاً وعميقاً بخاصة في مشهد المواجهة بين الزوجة والعشيق، تألم وانهار بإجادة لدرجة حبست الأنفاس وعبرت عن خيبة أمل لا نهائية لرجل يكتشف أنه غير كاف لزوجة أضاع عمره من أجله، وحتى يرضيها عليه أن يكون شخصاً خارجاً عن المنطق.

انتونيو بانديراس برع في أداء دور الزوج المخدوع في بيبي جيرل (مواقع التواصل الإجتماعي)

أما نيكول كيدمان فكانت تتنقل ببراعة وعمق وبساطة في الوقت نفسه بين أحاسيس النشوة اللامبالية بقواعد الحياة، وصراع المرأة التي تحمل عار الإحساس بما تفعله بحياتها ومهنيتها وزوجها وابنتها.

تنتهي الأحداث بمفاجأة وهي أن الجميع يتغيرون من أجل إشباع النزوات والرغبات غير المنطقية، وربما كانت النهاية صادمة لأنها خارج حدود اللياقة المتوقعة، لكن جاءت منطقية لأن الحياة بلا رغبات حقيقية من أجل القواعد تكون موتاً محققاً.

قنبلة موقوتة

حاولت المخرجة الانتصار لفكرة تتبع الرغبات بأقل قدر من الضرر، وعدم السكوت عن أحاسيس قد يتحول كتمانها إلى قنبلة مكبوتة.

ربما يعتبر الفيلم رسالة صريحة للمرأة مهما كان سنها أن تتحدث عن رغباتها بصراحة للوصول لحل قبل فوات الأوان، وكانت رومي بطلة العمل مثالاً حياً على أن السكوت قد ينتهي بفضيحة في يوم ما ويجلب تعاسة تفسد أية حياة مثالية.

فازت نيكول كيدمان بجائزة أحسن ممثلة عن فيلم بيبي جيرل بمهرجان فينسيا الأخير (مواقع التواصل الإجتماعي)

الفيلم يجدد خطاب المشاعر وينحاز لها، فلا شيء يتعلق بالقلب يجب كتمانه، وعليك تغيير حياتك أو شريكك إذا لم تجد معه السعادة بدلاً من الوقوع في خطيئة لا تليق بمكانتك وسنك وإنسانيتك.

يحذر الفيلم أيضاً من خطورة إهمال السعادة في العلاقة الزوجية، لأنها العنصر الأساس لنجاح الزواج وإلا سيكون واهياً مثل زواج رومي مهما طال عليه الزمن.

ناقش العمل كذلك دور الأسرة في دعم الأبناء في حال وجود ميول مثلية، فرومي وزوجها دعما ابنتهما الوحيدة المثلية الجنس، ورحبا بعلاقتها مع صديقتها وكانا يعتبران الاثنتين من العائلة من دون تفريق.

ربما يشعر بعض المشاهدين أن الفيلم ذو طابع مبتذل لأنه يشجع الانحياز للرغبات والأحاسيس مهما كانت جامحة، لكن وجود نيكول كيدمان وتعبيرها العميق عن مشاعر شريحة من النساء في سن حرجة أثقلت العمل، بخاصة أنها أكدت في حواراتها أن الأحاسيس التي عانتها رومي موجودة ومكبوتة لدى الملايين من النساء، ويخشين الاعتراف خوفاً من المجتمع، في حين أنهن يفقدن حياتهن في كذبة كبيرة تحت اسم الزواج السعيد.

تقييمات سيئة

نيكول كيدمان فازت عن هذا العمل بجائزة أحسن ممثلة في مهرجان فينيسيا السينمائي السابق، في وقت حصلت على تقييمات سيئة جداً من الجمهور بسبب دورها الجريء، في موقع “الطماطم الفاسدة”.

وعلى جانب شباك التذاكر لم يحقق العمل إيرادات مرضية أو شبه معقولة بسبب عزوف الأسر عن مشاهدته بدور العرض على رغم طرحه بديسمبر (كانون الأول) عام 2024.

وشارك في بطولة الفيلم إلى جانب نيكول كيدمان وأنتوني بانديراس كلاً من هاريس ديكينسون وصوفي وايلد وإيستر ماكجريجور، والفيلم من تأليف وإخراج هالينا راين.

نيكول كيدمان قدمت مشكلة المرأة في سن اليأس في فيلم  a family affair  (مواقع التواصل الإجتماعي)

والغريب أن نيكول قدمت فكرة ارتباط المرأة في عمر كبير بشاب يصغرها بعشرات الأعوام في فيلم آخر منذ أشهر مع النجم زاك إيفرون وهو (a family affair)،

وحظي الفيلم بنجاح جيد، لأن قصته اعتمدت فقط على الرومانسية والحب بين رجل وامرأة فرق العمر بينهما شاسع، لكن التفاهم قائم ومن دون خدش تقاليد أو قواعد اللياقة.

المزيد عن: نيكول كيدمانفيلم بيبي جيرلانتونيو بانديراسسينما عالميةقضايا المرأة