"المسرح العربي" (علياء أبو خضور) ثقافة و فنون بول شاوول يكتب عن: التجديد المسرحي العربي في المنعطفات الخطرة by admin 11 ديسمبر، 2024 written by admin 11 ديسمبر، 2024 27 تحدّيات الهوية وآفاق المستقبل المجلة/ بول شاوول لم يعرف العالم منذ الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، ومرورا بمجمل الحروب والثورات الأوروبية والآسيوية وصولا إلى العربية، مثل هذه التحديات المصيرية والكيانية والثقافية والحضارية. كأنما العالم، بكل إنجازاته، انقلب على قيمه التاريخية والفكرية والفلسفية والسياسية والثقافية. نحن اليوم في المنقلبات، وفي الضفاف الرمادية الملتبسة. الاهتزاز سمة هذه المرحلة، اهتزاز الديموقراطيات والفنون والدول والمؤسسات والأنظمة. كل شي كأنه رهن المجهول. كل شيء على شفيره. ونحن في العالم العربي، ولأننا لا يمكن أن نكون بمنأى عمّا يجري حولنا وأبعد منا، جزء من هذه الأزمات الكيانية والوجودية. بل نعاني ما هو أخطر وأفدح، فالإرث، كتراكم حضاري واجتماعي وثقافي على حافة الخطر. وبعض الكيانات العربية مهدّدة بكلّيتها أو بجزئيتها، كأنما هي مهدّدة بالاضمحلال. ليس كهياكل مؤسساتية، من سلطات وأنظمة، بل كشعوب وحدود وديموغرافيات واحتلالات أجنبية صارخة وعنف. التباسات أما الثقافة، فليست إطلاقا بمنأى من ذلك: فعندما يلتبس الإرثان السالف والحديث، على هذه الفوضى السديمية، فيعني ذلك تشوشا في أنظمة القيم وتعابيرها ومضامينها، من أدب وفكر وفلسفة ومسرح وفنون: كأنما هذه الهجرات المليونية العربية القسرية، تركت فراغا ليس في أماكنها الأصلية القطرية فحسب، بل في العديد من المناطق العربية. وهذا، قد يؤدي إلى اقتلاع قيَم وجذور. إنه الجمهور يُطرد من تاريخه ومن منازله، ومن دُوره، ومن مسارحه، ومن فضاءاته، ومن ذاكرته، ومن حاضره، ومن ماضيه. والسؤال الكبير هل ساهمت النخب باختياراتها وانتماءاتها وإنتاجاتها وممارساتها في إدراك هذا الانهيار الرهيب؟ هل استشعرت بالكوارث المحتدمة في بواطن مجتمعاتها؟ وإلى أي مدى يمكن أن يساهم المسرح، والشعر والفنون والفكر؟ لا نقول ذلك من باب المحاسبة والمحاكمة، بقدر ما تطرح أسئلة مباشرة عن واقعنا الكلّي، وعن احتمالات تحدياتنا وقدراتنا، على استدراك نوع من الوعي الشامل، أبعد من التنظيرات والمعطيات الجاهزة التي وسمت القرن العشرين. عندما يلتبس الإرثان السالف والحديث، على هذه الفوضى السديمية، فيعني ذلك تشوشا في أنظمة القيم وتعابيرها ونظن أن المسرح العربي اليوم، نال أيضا نصيبه من الخراب ولهذا بات علينا طرح أسئلة موازية لهذه الظواهر المتقهقرة، ومحاولة البحث عن تجارب ووسائل تأخذ من إيجابيات الإرث المسرحي الماضية، ونفكّكها ونحلّلها ساعين إلى إيجاد مسالك تجديدية تنبع من واقعنا الذي نكابده قصد اكتشافه من دون قطيعة، وإنهاضه من دون ردود فعل ماضوية كلّية. فالمسرح العربي اليوم أمام عقبات ومسائل لم يعرفها من قبل، منها الموروث ومنها المستجد. من هنا ينبوعه، من هنا يحتك بالحياة والمآسي والمخاوف وتردّي الأحوال، من هنا يبرز اليوم تراكم تاريخ هشّ، سواء مع المجتمع أو الجمهور، إزاء هذه المنقلبات والارتدادات وهنا يمكن إجراء توازن ما بين الماضي والحاضر. إرث مهدّد فالإرث في أول تجربة مع مارون النقاش من نحو أكثر من 150 عاما بأعماله، ومنها “البخيل” (أول مسرحية يعرفها العرب) و”أبو حسن البصري” كانا تعبيرا نهضويا قائما على دعامتين: الموروث الغربي (الأوبرا) والعربي (ألف ليلة وليلة)، والإثنان غرف منهما المسرح العربي الحديث في مختلف مراحله، من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين. عميد المسرح العربي يوسف وهبي (علياء أبو خضور) هذا الإرث مهدّد اليوم بوجهيه العربي والأجنبي، فالقديم بات بالنسبة إلى البعض توقفا عند مرحلة تاريخية وتأبيدية، والراهن غامض المعالم. وإذا كان القرن العشرون هو قرن الأيديولوجيات والنظريات الجاهزة كالنازية والشيوعية فقد انعكس ذلك على مجمل المناحي الفلسفية والأدبية والفنية وتاليا المسرحية: كالبرشتية، ومسرح القسوة (انطونان أرطو) و”المسرح الفقير” (غروتوفسكي)، والعدمية (بيكيت ويونسكو) كمرادفات لازبة للتجارب العربية. إنه الإرث الآخر، إرث المعاصرة، ومنه استتبع مسرحيونا تجارب رائعة في تونس والمغرب (الطيب الصديقي) وسوريا (سعد الله ونوس) ومصر (سعد أردش) ولبنان (منير أبو دبس والعبثية مع ريمون جبارة وعصام محفوظ وجورج شحادة)، والبرشتية (جلال خوري وروجيه عساف). إنه الإرث الآخر، إرث المعاصرة، استتبع فيه مسرحيونا تجارب رائعة في تونس، والمغرب وسوريا، ومصر، ولبنان، والخليج من السعودية إلى البحرين إلى الإمارات والكويت… إنها المرحلة الأغنى في تاريخ المسرح العربي، مرحلة العمل على النظريات المستطرقة، بأفكارها وثوراتها… المرحلة التي توازنت مع الغرب. مقابل ذلك، الاستفادة من هذه الاحتكاكات عرفنا مسرحا جيدا يعالج مواضيعه من الإرث العربي التاريخي، مطعما بظواهر قديمة. نحن اليوم، وعندما نجد المسرح العربي يبحث عن جديده بصعوبة، أو بسهولة، كأنما لحظة “فارغة”، بعدما استنفذت كل التجارب (التي أشرنا إليها)، وشاغرة. فمن الطبيعي أن نرد ذلك إلى واقع العالم اليوم، كأنما بات كله بلا أفكار… انتهى تاريخ ولم يبدأ تاريخ آخر. انتهت الأفكار من دون أن تترك وراءها أفكارا جديدة. إنه عصر التكنولوجيا المنتصرة، وهذا شأن العالم الذي يعاني فراغ الذات والفلسفات والقيم التاريخية، مما أخرج الظلاميون من جحورهم، وها نحن أمام إشكاليات من نوع آخر. هنا بالذات تحديات المسرحي اليوم كنوع، وكذلك تحديات “بعثه .” هذا الإرث مهدّد اليوم بوجهيه العربي والأجنبي، فالقديم بات بالنسبة إلى البعض توقفا عند مرحلة تاريخية وتأبيدية، والراهن غامض المعالم لكن نظن أن الإرث الأساسي والباقي للمسرح هو الجمهور، وهو أحد الأهداف الرئيسة التي يتوجه إليها المسرح. لكن هذا الجمهور خضع لتحولات جذرية، لم يعرف مثيلها منذ أكثر من قرن ونصف القرن، والسؤال: أين صار هذا الجمهور؟ فإذا كان في مطلات القرن العشرين سجّل خروجا من تفاقمات الماضي بتقاليده الثابتة، بفعل سحر التنوير و”المستقبل الزاهر”، والعقلانية والحداثة فكأن كثيره انقلب على هذه القيم. الجيل الجديد فهل يتخذ مسرحيونا اليوم، من الجيل الجديد، موقعا حيا مما سبقهم، بمراجعته مراجعة نقدية، ويعملون على تقديم مسرح جديد يتوغل في أسبابه في عمق الأزمات، وبمرونة تأخذ في الاعتبار واقع “التجريب”، وواقع الجمهور وواقع الجديد بمعضلاته البصرية والكتابية. ذلك لأن هذه العناصر مصهورة في إيقاع واحد. صحيح أن المسرح العربي في عزّ مجده وقع في مطبات كبيرة، منها اعتماده على الإبهار، عبر التقنيات والمجانية، من سينوغرافية وجماليات، فهذا أفرغه من رسالته المضمّنة علاقته من الأفكار والقضايا، في اعتماده على التجريب المجاني في الشكلانية والفراغ، أو وقع من خلال الالتزام في الخطابية المبسطة والشعارات. وتمادى من ناحية أخرى بهاجس الجديد والحداثي، فارغ من مضامينه، وساده غموض عند المتلقي، لا الغموض الذي يوحى بمضامينه بل الغموض الفارغ، والدرامي الهشّ والاستعراضية الخارجية. من هنا، نرى أن على أهل المسرح الجديد، أن يستفيدوا من هذه الملاحظات، ولا يعمّموها ويكرّروها: فالنص هو المادة الأساسية لاستنباط كل الأشكال والتجارب والتجاريب، والاستغناء عن هذه القيمة هو استغناء عن شرطه الأساسي، خصوصا إذا أدخل المخرج الرقص كعنصر كوريغرافي يطيح خلفياته وحتى جذوره. إنها مهمة وعرة بطموحاتها وتجديدية بأدوارها. لأن المسرح خصوصا اليوم لم يعد اقتباسا ببغائيا ومجرد ممارسات تجريدية. فالمسرح العربي يعيش حالة طوارئ نفسية وفكرية واجتماعية وثقافية، ومن الطبيعي أن يطمح إلى الخروج من قوقعة السهولة والاغتراب والتقليد، بل عليه الخروج من لغة الأبراج إلى أماكن المعاناة الإنسانية والشعبية ولكن بلا شعبوية، بل من خلال لغة تخترق مشاكله وانتماءاته ومصاعبه. فقضية هذا المسرح لم تعد مجرد استجداء لذوق المتفرج، أي أنه لم يعد مجرد لعبة فرجة، أو كوميديا بلا نص، ولا إخراج ولا ضبط ولا بنية… ولم يعد مجرد اختيار مذهب ما والانغماس فيه، وتكراره، لكي يكتسب سمة التجريب أو الالتزام… كما رأينا في الحركات المسرحية السابقة. ومن هنا أقول إن المسرح العربي مهدّد اليوم بتطور التقنيات وأدوات الفرجة، وابتعاد الجمهور عنه، ليكتفي يبعض المسرحيات الهزلية، في غياب الإرث السابق. النص هو المادة الأساسية لاستنباط كل الأشكال والتجارب والتجاريب، والاستغناء عن هذه القيمة هو استغناء عن شرطه الأساسي إذ نحن نطالب الجيل الجديد الاستفادة من إرثه الكبير، في حين لم يعد هذا الإرث موجودا سوى في الصناديق، وركام المخازن. فلو رافقنا كل الشاشات التلفزيونية العربية على امتداد طويل، فلن نجد عملا واحدا من إرث الماضي؛ وعبثا نجد مثلا أعمالا لريمون جبارة وسعد أردش وروجيه عساف وجواد الأسدي وعبد العزيز سريع ومحمد إدريس… الخ، تقدم، في تاريخيتها المتوهجة: لكي نتساءل من أين سيحصل الجيل الجديد على ذلك الإرث العربي العظيم؟ كأن الجيل الجديد اليوم بلا آباء ولا تاريخ، يحاول تعويض ذلك من فتات ما وصله جزئيا من ذلك العصر الجميل للمسرح العربي. ولهذا عانى المسرحيون الجدد غياب هوياتهم المسرحية، وها هم يغرفون من ذواتهم أعمالا تفتقر إلى ما يجعلها علامات جديدة تقدّم أعمالها لجمهور لم يعد مسرحيا بل بات تلفزيونيا. من هنا نقول إن المهرجانات المسرحية التي باتت هي الملاذ الوحيد للأعمال الجدية لا تكفي وحدها لتقديم أعمال، فالمهرجانات في بعض البلدان العربية صارت كالمناسبات العابرة، يقصدها الجمهور لكن تبقى أماكن المسارح الخاصة والعامة فارغة بعدها، بلا زوار… على امتداد عروضها. المزيد عن: مسرح المسرح التراث التجديد مهرجان التقاليد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post «غوغل» تطور شريحة للحوسبة الكمومية بسرعة فائقة «لا يمكن تصورها» next post “مذبحة” سفن بحرية سورية في ميناء اللاذقية You may also like “ستموت في القاهرة” رواية عن شاه إيران وصراعاته 11 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: طبق نحاسي من موقع... 11 ديسمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: قصة «أيمن» الحقيقي بطل... 11 ديسمبر، 2024 دي ميرابو… مع الثورة ولكن أليست الملكية أعدل؟ 10 ديسمبر، 2024 كيف تثبت الروايات القصيرة مكانتها في الأدب الإنجليزي؟ 10 ديسمبر، 2024 ندى حطيط تكتب عن: نحو تاريخ ثقافي لـ«أوراق... 10 ديسمبر، 2024 آخر كبار ثوريي ستينيات السينما الألمانية يفضل اعتباره... 9 ديسمبر، 2024 الرغبة الإنسانية في عدم المعرفة بين جهل ومراوغة 9 ديسمبر، 2024 جيف نيكولز: صانع الأفلام يقرر كيف وليس ماذا... 9 ديسمبر، 2024 الكتب رفيقة العزلة بمحتوياتها وملمسها ورائحة ورقها 9 ديسمبر، 2024