منظر من الريف العماني الغني بالتقاليد (وزارة الثقافة) ثقافة و فنون “بوصلة السراب” رواية الريف والتقاليد المستبدة by admin 6 أغسطس، 2024 written by admin 6 أغسطس، 2024 90 أحمد م. الرحبي يسترجع شؤون الطبقة الوسطى في عمان الثمانينيات اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد يواصل الكاتب العماني أحمد م. الرحبي (1971) تمرسه بالكتابة الروائية والقصصية، وهو المترجم عن الروسية قصصاً وروايات من الأدب الكلاسيكي الروسي، في رواية جديدة (2024) بعنوان “بوصلة السراب” صادرة عن دار “أوكسيجين”. في الرواية عودة للزمن الطفولي في أحد أرياف عمان، إبان الثمانينيات من القرن الماضي، يحكيه الراوي العليم، ويكون الشاهد فيه طفلاً، يدعى محمد التويجر، ينتمي لعائلة من الطبقة الوسطى، يفتش فيها الأب عن مصدر لرزقه، وإن جندياً ملتحقاً في صفوف الآليات بحرب تحرير الكويت من جيش صدام حسين العراقي. الريف العماني رواية الريف العماني (دار أوكسيجين) إذاً تبدأ الرواية من لحظة نزول الطفل محمد وأمه من سيارة الأب مفتاح التويجر، وحلولهما ضيفين لدى الجد سليم التويجر لقضاء العطلة الصيفية، بل أكثر منها، شأن كثير من عائلات القرية التي تقيم في مدينة مسقط، ولها جذر ريفي في قرية “المكان”. وعندئذ تتبدى أمام الطفل محمد عوالم القرية، بشخصياتها المهمشة والغريبة، بمجانينها وأبطالها ومستبديها، ونسائها المظلومات والعرافات ونصف العاقلات، ويتوالى أمام ناظريه عالم الحيوان الذي كان لا يزال ساكناً خياله الفتي إلى حينه، فمن الثعابين والحيات، والسحالي والعظايات، إلى الشياه (الماعز) والحمير والكلاب، فإلى العناكب وأسماك الصيد، والعصافير والطيور على أنواعها، والبومة، وغيرها مما سيدخله الفتى في سجل ذاكرته المتيقظة. على أن حشريته في التعرف إلى كائنات الطبيعة القروية ما كانت لتقف عند تلك الحدود، بل تعدتها إلى الأساسي في السرد، عنيت النفاذ إلى الشخصيات التي تكون المشهد الريفي الغريب بنظر الفتى ذي الأعوام الـ12، ومنهم إلى الصراعات الكامنة في الواقع الريفي، وطموح الأشخاص وخيباتهم، وصنوف استغلال الأشخاص واستبداد الرجل بالمرأة، واستقواء رجل السياسة (الوالي والنايب) على رجال القرية، (ومنهم صالح عم الفتى)، الفقراء والعاطلين عن العمل والساعين إليه بأي ثمن، وذلك كله على النهج الواقعي كما أدركه في أدبيات غوركي، ومنظري الأدب الروسي الواقعي. شخصيات ومصائر الروائي أحمد م. الرحبي (دار أوكسيجين) من يبحث عن مسار تسلسلي بين للأحداث في رواية “بوصلة السراب” للكاتب أحمد م. الرحبي يختبر، أو يجد أحداثاً من نوع آخر. ذلك أن القالب الروائي الذي وضعه الكاتب لها، باعتبارها مسرداً لمغامرات الفتى محمد التويجر، وسجلاً حياً لما ينكشف له في العالم الريفي الغريب والمدهش، لا يوجب ضغطاً للأحداث وتراكماً منظوراً وتحولات مصيرية تجري بين ظهراني الراوي – وهو الفتى المذكور – وإنما يسري خيط السرد مشدوداً برابط الاكتشاف، والوصف النفسي الداخلي للشخصيات، مرفقاً بالوصف الخارجي، وتعليل مواقفهم بما يتوفر من أبعاد (دينية، وسياسية، وخرافية)، وصولاً إلى إخراج هيئة تامة (بورتريه) لبعض الشخصيات النموذجية في قرية “المكان” من مثل شخصية الوالي، صاحب السلطة المطلقة في قرية “المكان”، وصاحب الكلمة الفصل في توزيع الأعمال على أهل القرية، وشخصية أب الفتى محمد، مفتاح التويجر، ذي البنية الصلدة والملقب، في فصيله العسكري، بالتمساح، والخاضع لأوامر السلطة والمندفع وراء حوافزها المالية. في مقابل شخصية صالح، أخيه، المميز بنحوله وميله الديني الجارف أول الأمر، والساعي إلى نيل الحظوة لدى الوالي، من خلال زواجه بابنته المتخلفة عقلياً (بنصف عقل، كما وصفتها أمه)، ومتخلياً عن زوينة الفتاة الجميلة التي أحبها زمناً وتغنى بها، ثم أمهل قلبه عسى يظفر بقدر من المال والمكانة بسبب من ابنة الوالي هذه، غير أنه يصاب بخيبة كبرى في ليلة زواجهما الأولى، إذ يصدم بمقدار جهلها ماهية الزواج، وعدم أهليتها للمعاشرة، وتالياً بتخلفها العقلي، وذلك على رغم من تدخل المكوبرا، أي المرأة الموثوق بها لتخدم العروس في أيام زواجها الأولى. ولكن الفتى محمد لدى خروجه من عالم جديه، وإطلالته على العالم الريفي الخارجي، سرعان ما تنكشف له نماذج أخرى لشخصيات يتولى وصفها له فتيان من أترابه، مهمشين من المجتمع، من أمثال مزهود الصديق المتسكع، وابن المرأة البدوية المستغلة في الدعارة والأعمال الشاقة، وسلمان الفتى من جماعة الغجر (الزط) الذي يشاركه مغامرة التعرف إلى قصر أحد الأغنياء وأسواره العالية، والدخول في عراك مع صبية يعيرونه بابن المجنونة، وتدخل رشيد الغجري لنجدتهما ورد الصبية عنهما، ومن ثم النفاذ إلى سوق الهنغرية (وهي تعريب حرفي لكلمة إنجليزية “الجائع”) حيث المطاعم المعدة للسائحين والأثرياء الجدد، من دون أهل القرية الفقراء. ولا يتم محمد مسار مغامراته واكتشافاته إلا بحضوره حلقات تدريس القرآن الكريم، يساهم بها عمه صالح ذو الخيبتين. لا جدال في أن الرواية “بوصلة السراب” للكاتب العماني أحمد م. الرحبي، يمكن إدراجها في خانتين على السواء، فهي تصور الواقع الريفي العماني، أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بقدر كبير من الطلاوة والمتانة والأخذ باللغة المحكية أخذاً لطيفاً ودالاً على طبيعة الخزين الفكري لدى المتداولين بها. مثلما يجهد الكاتب بهذه اللغة في تدوين بعض من ملامح المجتمع العماني الفولكلورية، مثل الأغاني الشعبية والرقصات (“لالي يلالي يلالي يلال، لالي يلالي يلالي يلال..” ص:184)، والأشعار التي تلقى في مناسبات ذات وجدانية عالية منها الأعراس، مثل (لا تضعضع يا الجدار وتنهدم، راكن عليك الورد ومايل بثمره. شك الجباير والشواهد والختم، كلهن جواهر، ما شفتني غير ذيك الجوهرة”، ص:184). ناهيك عن دق الطبول، وإطلاق الرصاص من بنادق الرجال. ولا أحسب الكاتب في هذا المنحى غافلاً عن تراث أدبي عربي حديث، نجده لدى كل من الشرقاوي ويحيى عباس، والطيب صالح في روايته “عرس الزين” ولكن بأدوار مقلوبة. وعلى أية حال، تحفل الرواية بالإحالات على مظاهر فولكلورية لبيئة عمانية مثقلة بالتراث والتقاليد، ومقبلة على الحداثة بخطى وئيدة، وأليمة، في آن. أما الخانة الثانية التي يمكن إدراج الرواية فيها، فهي المنحى الانتقادي الصريح حيناً والمرمز إليه أحياناً، ففي الرواية لا يخفي الكاتب نبرته الانتقادية، من خلال تحميله بعضاً من شخصياته، أو راويه العليم خطاباً يفضح فيه تدخل الوالي، هذه الشخصية ذات المقام والدور السياسيين، في حياة سكان قرية “المكان” الفقراء بعامة، والتحكم بمصائرهم على نحو يشوه طبيعة علاقاتهم القائمة على الفطرة والنقاء والسوية الخلقية، وليس على المال، والأمر نفسه ينطبق على النائب الذي ينشئ عنه صورة منفرة، إذ يصفه على هذا النحو: “أما النائب نفسه فكان يقف على مبعدة منهم (أبناء القرية). يرفع يده لتحيتهم فيهبط كم دشداشته البيضاء، كاشفاً عن ساعته الذهبية. كانت ساعة جميلة، مؤكد أنها ثمينة، لكنها تبدو في تلك اللحظة مثل حيوان غضوب، لا يعترف إلا بصاحبه ولا يأنس لأحد سواه” (ص:42). غير أن الظلم الأكبر، الذي يسلط الكاتب الرحبي ضوءاً كاشفاً، فهو الظلم اللاحق بالمرأة الأم والأخت، والمرأة المطلقة، وتلك العزباء من اللاتي بقين في الريف، وبات على عاتقهن تدبير سبل البقاء، لكل من حولها، وتحمل كل الآلام الناجمة عن تهميش الذكر (سواء أكان زوجاً أم أخاً أم عديلاً أم خالاً أم ابناً) لها، على نحو ما فعل الشيخ الملقب بالثعلب بابنة أخيه، لما أجبرها على الزواج بمن لا تهواه فأصابها الجنون، وأنكرت ابنها سلمان، فأفردت عن العشيرة، وقيدها بالسلاسل، ولم تتحرر إلا بوفاته. للكاتب العماني أحمد م. الرحبي عدد من الأعمال، منها: مجموعة قصصية بعنوان “أقفال”، وروايتان أخريان، هما “الوافد”، و”أنا والجدة نينا”. ومن ترجماته عن الروسية، “زواج الطاهية لأنطون تشيخوف، و”ثلاثية مكسيم غوركي: الطفولة، بين الناس، جامعاتي”، و”كيف تعلمت الكتابة” لمكسيم غوركي، وغيرها. المزيد عن: روائي عمانيروايةعمانالريفالتقاليدالعادات الشعبيةالفولكلورالسردشخصيات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “الأولمبية الدولية” تبحث مصير الملاكمة استعدادا لألعاب 2028 next post “خيال رخيص”: فيلم خرق قواعد هوليوود وحول تارانتينو إلى أيقونة You may also like عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024 من هي إيزابيلا بيتون أشهر مؤثرات العصر الفيكتوري؟ 21 نوفمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: فيروز في التسعين..... 21 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: فيروز… من فتاةٍ خجولة... 19 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: أسود منمنمة من موقع... 19 نوفمبر، 2024 براعة باخ في كونشرتوات براندنبورغ وأثرها الدائم 19 نوفمبر، 2024 في روايته الجديدة… أوبير حداد يصوّر الحرب بعيني... 19 نوفمبر، 2024