من فيلم "مجهول تماماً" الذي يدور حول بوب ديلان (ملف الفيلم) ثقافة و فنون بوب ديلان يتألق غناء وشعرا في فيلم “مجهول تماما” by admin 10 فبراير، 2025 written by admin 10 فبراير، 2025 13 سيرة شاملة ومتشعبة للفائز بنوبل تتقاسمها شخصيات يجمعها القلق والتمرد اندبندنت عربية / زياد عبدالله “ما هو إحساسك، كيف هي أحاسيسك؟/ وأنت وحيد/ بلا وجهة تفضي إلى بيت/ مجهولاً تماماً، مثل حجر متدحرج”. يستدعي فيلم “مجهول تماماً” A Complete Unknown، البدء باقتباس من أغنية بوب ديلان “مثل حجر متدحرج” Like A Rolling Stone، ليس لأن عنوان الفيلم متضمن في كلماتها فحسب، إنما لكون الفيلم بأكمله متأسس حول أغاني ديلان، ويمكن لكل أغنية صدحت فيه أن تحيل إلى حدث من أحداث الفيلم، وما نعايشه من حياته في بداية الستينيات، فالفيلم أولاً وأخيراً سيرة ديلان المغني والشاعر، والعاشق والمتمرد، وتمرده منحصر بفنه فحسب، بعيداً من السياسي وحيثيات تحوله إلى أيقونة ثورية في ستينيات القرن الماضي. لم أُحصِ عدد الأغاني التي حملها الفيلم لأنني كنت مأخوذاً بها، وأنا أشاهده على شاشة Imax مدهشة جعلتها تتردد في كل خلية من خلاياي، إلا أنها 23 أغنية، بحسب “ويكيبيديا”، بما يعادل ساعة من مدة الفيلم البالغة ساعتين و20 دقيقة، هذا عدا أغاني جون بايز وجوني كاش وودي غاثري وبيتي سيغر، بما يجعل من ثلثي الفيلم أغاني، مما يدفع للتساؤل: وماذا عن قصة الفيلم؟ وما الذي يضيء عليه من حياة ديلان أو ما الجديد الذي يضيفه على سيرته؟ استعادة شباب بوب ديلان (ملف الفيلم) هذه الأسئلة مشروعة جداً لأي مشاهد، فالفيلم ليس وثائقياً كما فيلمي سكورسيزي عن ديلان “تيه بلا وطن” NO Direction Home (2005) و”استعراض الرعد الهادر” Rolling Thunder Revue (2019)، وأبسط بأشواط من فيلم تود هينز الروائي “أنا لست هناك” I’m Not There (2007)، الذي قارب عوالم ديلان وسيرته على مستويات متعددة ومتشعبة لدرجة تتقاسمه فيها شخصيات لا رابط بينها إلا القلق والتمرد، وأغانيه التي ترافق الفيلم من بدايته إلى نهايته، فهو الفتى الزنجي ماركوس (كارل فرانكلين) عازف موسيقى البلوز الهارب من إصلاحية، والمغني الريفي جاك (كريستيان بيل) المسكون بصراعات نفسية ووجودية عميقة، وروبي (هيث ليدجر في آخر أدواره الكاملة) النجم المحاصر بنجوميته. كما أن كيت بلانشت جسدت ديلان وهو يخون عشاق فنه بالانتقال من موسيقى “الفولك” إلى “الروك”، وهذا مما نشاهده أيضاً في “مجهول تماماً”، وصولاً إلى ريتشارد غير وصراعه مع أفكار المهاجرين الطهرانية المتطرفة، وظهور بوب ديلان نفسه (بن ويشو) في حوار مطول يستغرق كل الفيلم عن مسيرته الفنية وآرائه الإبداعية والحياتية والفلسفية. الفتى الشاعر الغناء المشترك (ملف الفيلم) بالعودة إلى فيلم “مجهول تماماً” فهو يقودني إلى إطلاق تحذير مزدوج على شاكلة: ما لم تكن مهوساً بأغاني ديلان، أو معجباً بها في الأقل، فلا تشاهده! أو إن كنت تريد فيلماً يأخذك عميقاً في الغناء والشعر، فعليك به! فالفيلم قادر على إيقاظ الهوس بأغانيه، هذا إن كان نائماً أصلاً، فهذه الأغاني، كما قاربتها على الدوام، قصائد استثنائية، لا أكتفي بسماعها، بل قراءتها أيضاً، كما لو أني أقرأ قصائد روبرت فروست وآلن غينسبرغ وروبرت كريلي وغيرهم من شعراء أميركا الكبار، مع تأكيد خصوصية تجربته وأسلوبه في هذا السياق، هو الذي أخذ الشعر والغناء إلى فضاءات ما كانت معهودة قبله، ولعل نيله جائزة نوبل للآداب عام 2016، كأول وآخر مغني ينالها حتى تاريخه، كانت تكريماً له كشاعر أيضاً أو كما قالت حينها سارة دانيوس، سكرتيرة مؤسسة نوبل، إن اللجنة اختارت ديلان لأنه “شاعر عظيم ضمن التقليد الشعري للناطقين بالإنجليزية”. على هدي أغنية “كنت فتى حين فارقت موطني” يمكن المضي مع بداية الفيلم، فنحن نقع على بوب ديلان (تيموثي شالاماي) في يوم غائم من أيام نيويورك في بداية الستينيات يبحث عن المغني وودي غاثري (سكوت مكنيري). وهذا يطالعنا مباشرة بعيداً من نشأته، في وفاء منقطع النظير لأغنية “كنت فتى…” التي يرد فيها “لم أرسل رسالة إلى موطني” وأشياء كثيرة من هذا القبيل، تدلل على انقطاع ديلان التام عن ولادته ونشأته في مينوسوتا، لا بل إن اسم عائلته “زيمرمان” لا تعرفه حبيبته سيلفي روسو (إيل فانينغ) إلا من خلال رسالة يتجاهلها، تحمل هذه الكنية هو الذي أسمى نفسه بوب ديلان تأثراً أو لعباً على اسم الشاعر ديلان توماس، مما يدفعني أيضاً للاقتباس مجدداً من الأغنية التي بدأت بها: “كنت فتى حين غادرت موطني/ هائماً في الدنيا، أذرع الآفاق/ ولم أرسل يوماً رسالة إلى موطني/ إلى موطني، يا إلهي، يا إلهي/ لم أكتب يوماً رسالة إلى موطني”. بوستر الفيلم (ملف الفيلم) وفي المضي قدماً في الفيلم، فإن كل ما يشغل ديلان يكون الأغاني وتأليفها، وحين يقع في حب سيلفي، فإنه يحول شقتها إلى ورشة دائمة من الكتابة والتأليف ليل نهار، ولا شيء ينغض على حبه سوى تعرفه على المغنية جون باييز (مونيكا باربارو)، التي ستكون بصورة أو أخرى شريكته الموسيقية، مع أن هذه الشراكة لن تمنعها من أن تضيق ذرعاً بهوسه بأغانيه، بقدرته على أن يترك كل شيء بما في ذلك لقاؤه السري معها في أحد الفنادق وانكبابه على كتابة أغنية جديدة. لا شيء من المفاصل التاريخية التي ارتبطت بـديلان يحضر في الفيلم، سوى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، حين أصبحت صواريخ الاتحاد السوفياتي النووية في كوبا، على مقربة من الانطلاق نحو الولايات المتحدة، فهو يكون وحيداً بعدما سافرت حبيبته سيلفي، والناس من حوله يهربون وقد خلت نيويورك من الناس، فإذا بـديلان لا يجد سوى الغناء ملاذاً له، ويقصد حانة يغني فيها “سادة الحرب” التي تبدأ على النحو التالي: يا سادة الحرب/ يا من تصنعون المدافع العملاقة/ وتشيدون طائرات الموت/ وتملأون الأرض بالقنابل. تختبئون خلف الجدران/ وتتوارون خلف المكاتب. شي واحد بودي أن تعرفوه جيداً/ ألا وهو أني أستطيع رؤية وجوهكم خلف الأقنعة. لم تصنعوا يوماً سوى أدوات الدمار/ وأنتم تتلاعبون بعالمي كأنه دميتكم/ تضعون بندقية في يدي/ ثم تتوارون عن ناظري/ وحين ينهمر الرصاص/ تولون هاربين. المتمرد على جمهوره فيلم “مجهول تماماً” مشغول تماماً بتقديم فنان حقيقي، لا يأبه بدروب الشهرة ويفعل ما يؤمن به غير مُبالٍ بأي شيء سوى ذلك، ومن دون الكليشهات التي تتسيد سير النجوم والمبدعين وترينا صعوبة البدايات ومخاضات الشهرة، وهذا من أهم ما فيه. وكما أسلفت فإن ديلان يحضر من دون أي خلفية أخرى سوى فنه وتشرده وحريته، لا عائلة ولا محيط اجتماعي ولا معاناة، بحيث يظهر بعيداً كثيراً عن فيلم مانغولد عن جوني كاش “على الحافة” أو “المشي على الخط” Walk The Line الذي يبدأ من نشأته وقسوة أبيه وموت أخيه، بينما لا نعرف في فيلم “مجهول تماماً” ما إذا كان لديلان إخوة أو أخوات أصلاً، وهو كلما سئل عن ماضيه يقول إنه كان يعمل في سيرك، وقد قصد نيويورك ليقابل ملهمه وودي غاثري مؤلفاً “أغنية إلى وودي” التي يقول فيها “يا، يا وودي غاثري، قد كتبت لك أغنية/ عن هذا العالم العجيب الذي يسير للأمام/ يبدو مريضاً وجائعاً، منهكاً وممزقاً/ كأنه يحتضر/ رغم أنه بالكاد ولد/ يا وودي غاثري/ أعلم أنك تعرف كل ما أقوله، وأكثر منه بكثير/ أغني لك هذه الأغنية، لكنني لن أغني ما يكفي/ فقلة هم الرجال الذين فعلوا ما فعلت”. وقلة هم الفنانون الذين فعلوا ما فعلت يا بوب ديلان، ودوافع أفعالك مردها الإبداع من دون أي حسابات أخرى، غير مُبالٍ بأي شيء آخر، بما في ذلك الجمهور، وليكون في ذلك مقولة الفيلم، وهو يرينا في نهايته، تمرده عام 1965 على الغناء الشعبي (الفولك) الذي درج على تقديمه في “مهرجان نيوبورت” المخصص لهذا النمط الموسيقي، وعزف باستخدام غيتار كهربائي مع فرقة روك أغاني جديدة لا صلة لها بكل ما يترقبه الجمهور أو جاهر في طلبه، مديراً له ظهره وقد وجد فيه معبراً إلى عوالم جديدة أخرى سرعان ما ترسخت في الذاكرة وتاريخ الموسيقى. المزيد عن: بوب ديلانفيلمسينماغناءموسيقىشعرجائزة نوبلسيرةالتمردالجمهور 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “سر الأسرار”… هل يكشف دان براون لغزه الأخير؟ next post كيف تعمل الحسابات الآلية المبرمجة على توجيه الرأي العام؟ You may also like «خلّ التفّاح» القاتل… تجرّعَته الضحية والجلّاد الدجّال 11 فبراير، 2025 “سر الأسرار”… هل يكشف دان براون لغزه الأخير؟ 10 فبراير، 2025 همينغوي ابن طبيب ناجح وشغل شاغل لأم كرست... 10 فبراير، 2025 عبده وازن يكتب عن: “المساحات هشة” خريطة عاطفية... 9 فبراير، 2025 “إميليا بيريز” يفوز بجائزة “غويا” لأفضل فيلم أوروبي 9 فبراير، 2025 ديمي مور معجبة بأدائها في “الشبح” 9 فبراير، 2025 حكاية غريبة عن كنز فني رفضته الدولة الفرنسية 9 فبراير، 2025 «تجليات الفكرة المسيحية»… استكشاف عميق للعلاقة بين الفلسفة... 8 فبراير، 2025 الفنان الصيني المعارض آي ويوي: أنا متشائم 8 فبراير، 2025 دستويفسكي يتباهى بـ”اختراعه” كلمة روسية 8 فبراير، 2025