السبت, فبراير 1, 2025
السبت, فبراير 1, 2025
Home » بلزاك يبتكر مبدأ عودة الشخصيات في روايته “الأب غوريو”

بلزاك يبتكر مبدأ عودة الشخصيات في روايته “الأب غوريو”

by admin

 

دراما عائلية ألهمت زولا والآخرين نمطاً أدبياً جديداً في الرواية الفرنسية وأبدعت راستينياك

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

في القسم الثاني من رواية “جودت بيك وأبناؤه” التي تعد أول رواية كبيرة للكاتب التركي أورهان باموك ثمة شخصية يرد ذكرها أكثر من أية شخصية أخرى من شخصيات الرواية، لكنها مستعارة من العمل الروائي لكاتب آخر هو الفرنسي أونوريه دي بلزاك، ونعني بها شخصية راستينياك التي تلهم بطل ذلك الجزء من رواية صاحب جائزة نوبل التركي الكثير من طموحاته وأفعاله وتكاد تكون موجهة له في حياته وعمله. نادراً ما حضرت شخصية مستعارة من عمل أدبي آخر في رواية تنتمي إلى بلد مغاير وثقافة أخرى، لكن حضورها في رواية باموك بدا كواحد من أهم عناصر رواية هذا الأخير، ومن الأكثر إقناعاً، بخاصة أنها “كشفت” عما يمكن اعتباره تغلغل تلك الشخصية المستوردة، في نمط اجتماعي يكاد يشبه تغلغل شخصية الفتى فيرتر في الحياة الاجتماعية الألمانية قبل ذلك بأكثر من قرن من الزمن، حين لفتت القراء في رواية غوته “أشجان الفتى فيرتر” مع حفظ الفوارق طبعاً. ومع ذلك ليس لراستينياك رواية خاصة به بين نصوص بلزاك، حتى وإن كان حضوره في أدب هذا الأخير كبيراً، بل إنه هو الذي افتتح في أدب بلزاك مبدأ عودة الشخصيات نفسها بين رواية وأخرى.

الظهور الأول

لم يكن ذلك أول ظهور لراستينياك في “الأب غوريو” التي صدرت للمرة الأولى في عام 1835 وستعتبر دائماً واحدة من أولى رواياته الكبرى، لكنها كانت أكثر من ذلك، كانت الرواية التي بها افتتح الكاتب مبدأ “عودة الشخصيات” الذي يقوم على عودة شخصية في رواية ما تكون قد ظهرت في رواية أخرى. والحقيقة أن هذا المبدأ بعدما بدا محيراً أول الأمر، سرعان ما استقر في عادات الكتابة والقراءة البلزاكية من خلال ابتكار آخر للكاتب نفسه سيحمل عنوان “الكوميديا” الإنسانية ويقوم على تحويل العدد الأكبر من روايات وقصص الكاتب إلى منظومة روائية واحدة تدرس المجتمع الفرنسي كله من خلال مجموع كتابات المؤلف. ونعرف طبعاً أن بلزاك حقق الجزء الأكبر من مشروعه عبر ما يزيد على 90 نصاً – من أصل نحو 150 كان يخطط لجمعها – بين رواية طويلة وقصة قصيرة وما شابه ذلك، أعطاها عناوين تنتمي إلى علم الاجتماع بأكثر مما تنتمي إلى الأدب. وهو الأسلوب الذي استوحى منه إميل زولا لاحقاً مجموع رواياته المعنونة “آل روغون – ماكار” التي تضم 20 رواية. ولئن كان يحدث في روايات زولا أن تعود الشخصيات من منطلق منطقي فحواه أن الحديث هنا عن عائلة واحدة بفرعين نتابع حلقات حياتها بين رواية وأخرى، فإن هذا المبرر لا وجود له في مجموعة بلزاك. ومن هنا اعتبر الأمر بادرة أسلوبية مستحبة ولا سيما منذ نجح بلزاك، للمرة الأولى، في إعادة راستينياك إلى عديد من النصوص الأخرى بعد ظهوره، تحديداً، في “الأب غوريو”. وكان قد ظهر قبل ذلك في رواية بلزاك الأخرى الكبيرة “جلد الشجن” التي صدرت في عام 1831. ولسوف يظهر كثيراً بعد ذلك حتى دون أن يتصدر اسمه أية رواية أخرى لبلزاك. ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن المرات العديدة التي سيظهر فيها بعد ذلك. غير أن ما سيكون لافتاً إنما هو ذلك التبديل في شخصية صاحب العلاقة بين ظهور له وآخر، بل إن اسمه نفسه أصابه أثناء ذلك تعديل. فعند بداية ظهوره في “الأب غوريو” كان يسمى “ماسياك”، علماً أنه لن يفوت بلزاك أن يعرفنا به في رواية لاحقة يظهر فيها هي “ابنة حواء” (1839) بكونه “لويس أوجين راستينياك الابن الكبر للبارون والبارونة راستينياك، المولود في راستينياك بإقليم شارانت تحديداً في عام 1788 (نفس تاريخ ولادة بلزاك!)، وهو انتقل إلى باريس في الـ20 من عمره لدراسة الحقوق”.

أونوريه دي بلزاك (1799 -1850) (غيتي)

حياة عاشق حقيقي

المهم أن راستينياك حتى وإن لم يكن البطل الأساس في “الأب غوريو”، فإنه واحد من الشخصيات المركزية المحيطة بالعجوز الذي أعار اسمه لعنوان الرواية. وهو بالتالي واحد من نزلاء ذلك النزل البورجوازي الذي تملكه مدام فوكيهو وتدور فيه أحداث الرواية، ومنهم طبعاً غوريو صاحب مصنع المعكرونة الشهير في المدينة، ومنهم أيضاً ذلك الشخص الغامض فورتين. وإذ ينضم الشاب راستينياك إلى هؤلاء النزلاء يكون قد علم من ابنة عم له هي الفيكونتيسا بوسيان أن غوريو لا يتوانى عن بذل الغالي والرخيص من أجل ابنتيه أناستاسيا ودلفين، المتزوجتين، أولاهما من كونت، والثانية من مصرفي. وإن جحود الاثنتين وإهمالهما غوريو لا يقللان شيئاً من تفانيه في سبيلهما. وراستينياك من ناحيته سرعان ما يفتن فوتران بشخصيته فيحثه هذا على التقرب من الوريثة الثرية فكتوريا. غير أن لراستينياك مأرب آخر يقوم على إغواء دلفين ابنة غوريو. وهنا تتسارع أحداث الرواية بين هذه الشخصيات التي يجمعها النزل وتتفاوت في طموحاتها ومآربها وأساليبها في تحقيق ذلك كله، وإلى ذلك العالم الداخلي الذي يبدو ذات لحظة وكأنه استقر على تلك العلاقات، يدخل العالم الخارجي فيعتقل رجال الأمن فوتران الذي يتبين أنه هارب من سجن طولون، ويموت الأب غوريو بعدما تتخلى عنه ابنتاه تماماً، فيما يبقي راستينياك على مساعدته والتعاطف معه حتى النهاية، لكن تلك النهاية إذ يجابهها القارئ في مقبرة، حيث يقف راستينياك مودعا العجوز للمرة الأخيرة ترينا فاعل الخير الشاب ذلك وهو قد قرر الآن فقط أن يبدأ رحلة غزوه باريس.

راستينياك في غزوه

وبالفعل، لئن كنا سنلتقي راستينياك مرات ومرات بعد ذلك في روايات تالية لبلزاك فإننا إنما سنتابع فيها تلك الغزوات التي وعد بها نفسه. وهي غزوات ستتحقق دائماً من خلال علاقاته المتعددة بشبان يماثلونه سناً وطموحاً يستعيرهم بلزاك دائماً من المجتمع الذي يتعرف عليه أكثر وأكثر، وفي روايات يحضرون فيها حضوره أكثر وأكثر. ويمكننا طبعاً أن نذكر من بينهم مارسي وبودنور وايسغينيون ولوسيان واميل بلونديه وناتان وعشرات غيرهم نلتقيهم كمعارف قديمة في روايات يظهر فيها راستينياك مراراً وتكراراً، مثل “غرفة العتائق” و”بيت آل نوسيجن” و”الوئام الزوجي” و”الآخر”. كما يظهر له أخ في “خوري الضيعة” وبالطبع “ابنة لحواء”. ومن ناحية الوظائف التي نراه يشغلها في طريقه لتحقيق غزواته الباريسية، نراه لا يتورع عن القبول، وهو المنتمي إلى عائلة من النبلاء، بوظيفة دنيا في حكومة مارساي… وكل هذا انطلاقاً من ذلك القسم الذي أطلقه وهو على قبر غوريو في الرواية المذكورة. إنه شاب بدأ حياته طموحاً، وسيبقى طموحاً حتى النهاية كما يؤكد لنا بلزاك بين الحين والآخر. وهذا الطموح الذي قد يكون في الإمكان تبريره أخلاقيا في الأقل، لن يفوتنا أن نلتقطه لاحقاً، وغالباً مستعاراً من بلزاك في شخصيات رسمها موباسان (في “بل امي”) أو فلوبير (في “التربية العاطفية”)، وزولا نفسه مرات مرات. إنه الشباب الباريسي كما ظهر خلال منتصف القرن الـ19. شباب وصولي يمضي نهاراته في جادة السان جيرمان ومقاهيها، ولياليه في بيوت الهوى الراقية. أما بالنسبة إلى راستينياك نفسه فلا شك أن الأمر قد نجح معه، بل بأكثر مما كان يحلم وهو يعلن قسمه الشهير. فهو بعدما أقام علاقة دامت 13 سنة مع الابنة الصغرى للأب غوريو، السيدة نوسيجن، ها هو في النهاية يتزوج ابنتها أوغوستا ويصبح وزيراً في روايتين في الأقل هما “نائب دارسي” (1847) و”مهرجون دون أن يعرفوا” (1848)… وليس من قبيل الصدفة أن تنتمي هاتان الروايتان إلى مجموعة “مشاهد من الحياة السياسية” في جدارية بلزاك الكبرى “الكوميديا الإنسانية”.

المزيد عن: أورهان باموكأونوريه دي بلزاكالشخصيات الروائية

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00