بداية مسيرة استثنائية: قفزت رواية "أسنان بيضاء" بـزادي سميث إلى آفاق غير مسبوقة (آي ستوك/ غيتي/ بينغوين) ثقافة و فنون بعد 25 عاما من “أسنان بيضاء”… زادي سميث بين المجد والنسيان by admin 14 مارس، 2025 written by admin 14 مارس، 2025 9 لم تكن سميث سوى طالبة في جامعة كامبريدج تبلغ من العمر 24 سنة عندما أصدرت باكورة أعمالها الأدبية المبهرة. تهافت النقاد والكتاب بحماسة بالغة، معتبرين إياها صوت مستقبل الأدب الروائي. واليوم، بعد ربع قرن، تتحدث عن الكتاب الذي غير مجرى حياتها اندبندنت عربية / في مطلع عام 2000، أبصرت الرواية التي بدأت زادي سميث كتابتها أثناء دراستها في جامعة كامبريدج النور. حمل العمل اسم “أسنان بيضاء” White Teeth، وقد ولد من “رحم القلق الذي كانت تعيشه تجاه امتحاناتها، فكانت الكتابة طريقتها في احتواء التوتر”. جاءت عملية الكتابة بحمى إبداعية لم تهدأ، وعلى رغم الضغوط الكثيرة للحياة الجامعية، لم يكن يدور في ذهنها شيء سوى هذه الرواية. تتذكر سميث الآن، بعد 25 عاماً من صدور الرواية وبيع ملايين النسخ منها: “كنت مهووسة تماماً، أكتب كل يوم، طوال اليوم … كنت أبدأ صباحي بفطور ضخم في مقهى ’كافيه روج‘ – وهو ترف جنوني، لكنه كان يغنيني عن الغداء الذي قد يقطع استرسال الكتابة. ثم أقضي اليوم كله بين الكتابة والتدخين حتى يحين موعد العشاء”. حينها، كانت سميث في الـ 24 من عمرها، ابنة لأب أبيض وأم جامايكية، نشأت في شمال غربي لندن. قارئة نهمة، قررت في سن الـ 14 أن تستبدل اسمها من “سادي” إلى “زادي”، تأثراً بالكاتبة زورا نيل هيرستون التي كانت من أكثر الكاتبات قرباً إلى قلبها. أما طريقها إلى النشر، فقد كان أشبه بحلم لا يتحقق إلا لقلة من الكتاب، إذ حصلت على سلفة مذهلة بلغت 250 ألف جنيه استرليني مقابل نموذج من الرواية طوله 80 صفحة فقط. وعندما وصلت “أسنان بيضاء” إلى أيدي القراء، كانت مصحوبة بهالة من الحماسة الإعلامية المستمرة، مما ضمن لها شهرة مدوية ومبيعات ضخمة. لا شك في أن ناشريها تنفسوا الصعداء، فالمراهنة بمبلغ كهذا على كاتبة غير معروفة كانت مغامرة محفوفة بالأخطار. يقول سايمون بروسر، محرر دار “هيميش هاملتون” الذي عمل مع سميث طوال 25 عاماً: “من المستحيل دائماً الجزم بأي شيء … لكن منذ البداية، كانت ردود فعل كل من قرأ الرواية توحي بأنها قد تكون نجاحاً نادراً، وربما استثنائياً حتى. كانت الشخصيات واللغة تقفز من الصفحات، والقدرة السردية مذهلة، والصوت الروائي متفرد”. لكن ماذا عن رد فعل سميث نفسها؟ تقول: “لم أشك يوماً في أنني كاتبة حقاً … كان ذلك ليبدو كما لو أنني أشك في امتلاكي ذراعين أو ساقين”. إعادة قراءة “أسنان بيضاء” اليوم لمناسبة مرور 25 عاماً على صدورها، تذكرنا تماماً بسبب كل تلك الضجة التي أحاطت بها عند وصولها إلى القراء. إنها رواية جريئة وتمتلك طاقة متفجرة لا تهدأ، تنساب بقوة ذاتية لا تقاوم. ظاهرها دراما عائلية متعددة الأجيال تضم طيفاً واسعاً من الشخصيات، لكنها في الوقت ذاته كوميديا ساخرة وتأمل في قضايا العرق والعنصرية والدين وحكاية نضوج وصورة معاصرة لوجه بريطانيا الحديثة التي تتغير باستمرار. ليس غريباً إذاً أن تمتد أحداثها على أكثر من 500 صفحة. لكن وعلى رغم انسيابها في مسارات متعددة وتشعبها، فإن إحكام السيطرة على كل هذا الكم الهائل من السرد يبدو معجزة حقيقية لكاتبة في عملها الأول. نعم، هناك توق واضح لإبهار القارئ وإمتاعه – مما يمكن اعتباره اليوم سذاجة مبتدئ – لكن سميث بلا شك طورت قدرة أكبر على التحكم في أعمالها اللاحقة. ومع ذلك، تبقى “أسنان بيضاء” عملاً ممتعاً إلى أقصى حد، أشبه بحضور مأدبة عشاء صاخبة يجتمع فيها حنيف قريشي وهيلاري مانتل مع سلمان رشدي ومارتن أميس، وكل واحد منهم يحاول أن يكون صوته هو الأعلى في الجلسة، بعدما أفرغوا كل زجاجات النبيذ أمامهم. حققت الرواية نجاحاً مدوياً، فبيع منها أكثر من ستة ملايين نسخة وحظيت بوابل من المراجعات المادحة. وصفها سلمان رشدي نفسه بأنها “واثقة بصورة مذهلة”، بينما كتبت مجلة “آي دي” أن “زادي سميث حققت نجاحاً ساحقاً بأسلوب رائع”. أما صحيفة “ديلي تلغراف”، فلقبتها بـ “جورج إليوت التعددية الثقافية”. على غرار ما فعلته رواية “مراقبة القطارات” Trainspotting الصادرة عام 1996 لــ إفرين ويلش، شكلت “أسنان بيضاء” لحظة فارقة في الثقافة وإيذاناً بتغير “الحرس القديم” في عالم الأدب. فبإخراجها الرواية الأدبية من صالوناتها الفاخرة في منطقة هامستيد الثرية في لندن وإلقائها في قلب عالم أكثر شباباً وتعدداً ثقافياً، فتحت سميث الأبواب على مصراعيها أمام الأدب ليصبح أكثر حيوية وأكثر صلة بواقع اليوم. وتبعها في هذا المسار كثير من الكتاب، من بينهم كاليب أزوماه نيلسون وكانديس كارتي ويليامز ونتاشا براون. عقل نشط: كانت زادي سميث تبلغ من العمر 24 سنة وقت ظهور روايتها الأولى الجريئة والمذهلة (أ ف ب) وكما هو متوقع، لم يخلُ الأمر من بعض الانتقادات التي طاولت “أسنان بيضاء”. فتمحورت الشكاوى القليلة المتعلقة بها حول حبكتها المعقدة والمتشعبة. لكن الحبكة ليست هي الجوهر، كما تؤكد الكاتبة ليزا أبينيانسي التي كانت من أوائل الداعمين لـسميث وأسهمت في تعريفها إلى وكيلها الأدبي. تقول أبينيانسي: “كان هناك ذكاء تخيّلي مذهل، كنت منبهرة تماماً. كانت طاقتها استثنائية”. حصدت “أسنان بيضاء” خمساً من أبرز الجوائز الأدبية، لكنها مع ذلك لم تُدرج ضمن قائمة المرشحين لجائزة “أورانج” المرموقة، إذ تردد أن أحد الحكام علق على احتمال فوز زادي سميث بالقول: “على جثتي”. لكن هذا ليس غريباً، فالنجاح غالباً ما يستفز مشاعر الغيرة والضغينة. تعترف سميث اليوم قائلة: “وجدت نفسي فجأة هدفاً لكثير من الحسد… وهو انقلاب جذري بزاوية 180 درجة عن واقعي السابق، فكنت أنا من أشعر بالحسد تجاه الآخرين. كان الأمر بعيداً تماماً من تصوري لذاتي، حتى إنني لم أستوعبه أو آخذه على محمل الجد. من المؤكد أن كونك الشخص الذي يُحسد يشعرك بالوحدة إلى حد ما – فأنا أفضل أن أكون جزءاً من الجماعة… لكن ذلك لم يكن مصيبة كبرى”. قد يظن بعضهم أن كل هذه الضجة كانت ستشكل عبئاً يقيد خطوات سميث التالية، لكنها على العكس، عززت مكانتها الأدبية أكثر. فمنذ ذلك الحين، أصدرت خمس روايات أخرى، وهي: “رجل الأوتوغراف” The Autograph Man عام 2002 و”عن الجمال” On Beauty عام 2005 و”شمال غرب” NW عام 2012 و”وقت التأرجح” Swing Time عام 2016 وأخيراً “المحتال” The Fraud عام 2023. على كل حال، لم يحدث أي من أعمالها اللاحقة الضجة التي تسبب بها ذلك الظهور الأول الصاخب، إذ كيف يمكن لتلك الأعمال أن تفعل ذلك؟ إلا أن سميث استمرت في حصولها على التقدير الأدبي، فرشحت لجائزة “بوكر” ثلاث مرات. وهناك أدلة قوية على أن روايتها “شمال غرب” التي تسرد حكاية أربعة أصدقاء في لندن عبر أعوام طويلة، تعد واحدة من أكثر الروايات إرضاء وإشباعاً أدبياً في القرن الـ21. أما “المحتال”، فكانت أول عمل لها يغوص بالكامل في التاريخ، إذ تستلهم أحداثها من قضية “تيتشبورن” الشهيرة، وهي قضية قانونية مثيرة للجدل شغلت الرأي العام في إنجلترا الفيكتورية خلال ستينيات القرن الـ19 [تتعلق بادعاء رجل يدعى آرثر أورتن أنه السير روجر تيتشبورن، وهو وريث لعائلة نبيلة يعتقد بأنه غرق في البحر. القضية جذبت اهتماماً واسعاً حينها وكانت من أكثر المحاكمات المثيرة في ذلك الوقت، فانقسم الرأي العام بين داعم للمدعي ومشكك في هويته]. تقول لي سميث: “كل كتاب كتبته، وضعته لأنني شعرت بحاجة ملحة لكتابته. لم يجبرني أحد، ولم يطلبه مني أحد. لم يكن أي منها مدفوعاً بالمال أو بأي دافع آخر سوى رغبتي الخالصة في الكتابة”. كنت أفكر في إعادة قراءة “أسنان بيضاء” لهذه المناسبة، لكنني لم أتمكن من تجاوز الصفحة الأولى كثيراً ما بدا أن زادي سميث تتعامل مع شهرتها بأسلوب متزن، ربما لأنها بقيت على مسافة آمنة منها. لم تدخل يوماً في وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما توقفت عن إجراء المقابلات. حتى مقابلتنا هذه، لم توافق على إجرائها إلا عبر البريد الإلكتروني – وهو كابوس لأي صحافي – لكن إجاباتها التي جاءت في فقرات طويلة، حملت نبرتها البليغة المألوفة. عام 2004، غادرت سميث مع زوجها، الشاعر نيك ليرد (الذي أنجبت منه طفلين)، ما وصفته سابقاً بـ”عالم لندن الأدبي الخانق، أو بالأحرى الدور الذي فرض عليّ داخله: الأعجوبة متعددة الثقافات (التي بدأت تشيخ)”. انتقلا إلى روما ثم إلى بوسطن، ليستقرا في نهاية المطاف في نيويورك، حيث انغمست سميث في عالم مانهاتن الأدبي الذي لم يكن أقل ضيقاً. هناك، درّست الكتابة الإبداعية في جامعة نيويورك وأقامت سهرات عشاء عامرة بالـمارتيني لأصدقائها الجدد، ومن بينهم لينا دنام. تقول: “حظيتُ أيضاً بفرصة غناء الجاز في حانة فندق ’ذا كارلايل‘ وهو حلم راودني منذ الطفولة… لم يكن ليحدث لولا ’أسنان بيضاء‘”. اليوم، عادت سميث للعيش في لندن مع أسرتها، حيث أصبحت مفكرة أدبية جادة، ومثقفة عامة يلجأ إليها محررو الصحف لسماع آرائها حول القضايا العالمية، مثل حركة “حياة السود مهمة” والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. مقالاتها النقدية التي جمعت لاحقاً في مؤلفات عدة، غالباً ما تثير الجدل أو تجذبه، ببساطة لأنها لا تتبنى موقفاً يرضي الجميع. لكن، من يفعل ذلك؟ على سبيل المثال، بعدما نشرت سميث مقالة في مجلة “ذا نيو يوركر” عام 2024 حول الهجوم الإسرائيلي على غزة، وكتبت فيه أن “آرائي الشخصية لا تزن أكثر من كوز ذرة” [أي أنها لا تعتبر رأيها مؤثراً أو ذا أهمية خاصة]، ردّت المعلقة البريطانية نادين أسبيلي قائلة إن “سمعة سميث الأدبية تتيح لها تجاهل المسائل الأخلاقية الواضحة وكأن قضايا الصواب والخطأ يمكن اعتبارها ’تفاهات’ أو أموراً غير ذات أهمية”، قبل أن تختتم تعليقها بالقول: “فشلت أيقوناتي الأدبية في الاختبار الأخلاقي حول غزة”. أما سميث نفسها، فتظل متماسكة حيال النقد، إذ ترى أنه نتيجة حتمية لامتلاكها صوتاً عاماً. وتقول: “أنا أكتب دائماً بحرية، فلا يمكنني الكتابة ما لم أشعر بالتحرر. أعلم أن هناك غرباء يقرأون كتاباتي، وأنه يجري بذلك إخضاعي للحكم أو التحليل النفسي أو تقييم مواقفي السياسية والجمالية، أو أيّاً كان. لكن هذا هو الوضع الطبيعي”. وتضيف: “لو كنت حاضرة بقوة في العالم الرقمي ومضطرة إلى الدخول في حوار مباشر مع الجميع، أظن أن ذلك كان سيحد من حريتي. لكن كما هي الحال، فإن علاقتي مع قرائي تشبه تماماً علاقة الكتاب بجمهورهم على مدى مئات السنين، حتى عام 2003 تقريباً. أنا أكتب، وهم يقرأون، وأحياناً تصلني رسالة من أحدهم”. الآن، وهي تقترب من سن الـ50، تقول سميث إنها ليست منشغلة كثيراً بالذكرى الـ25 لروايتها “أسنان بيضاء”، في الأقل ليس بقدر انشغال ناشريها الذين أصدروا طبعة فاخرة جديدة من الرواية بغلاف مقوى. فبدلاً من ذلك، تفضل سميث مواصلة التطلع إلى الأمام. وتعترف قائلة: “كنت أفكر في [قراءتها مجدداً] لهذه المناسبة، لكنني لم أتمكن من تجاوز الصفحة الأولى… ثم إنني، في العادة، لا أفكر في أي من رواياتي بعد مرور عام على كتابتها. لديّ دائماً هذه الحاجة إلى المضي قدماً”. الإصدار الجديد لرواية “أسنان بيضاء” لمناسبة مرور 25 عاماً على وصولها إلى القراء متوافر الآن من دار بينغوين للنشر. © The Independent المزيد عن: زادي سميثأسنان بيضاءالرواية البريطانيةالأدب الحديثالنجاح الأدبيالجوائز الأدبيةالنقد الأدبي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الطائفة الدرزية… محنة الجزيرة المنعزلة next post لبنان يُفاجأ بخطة إسرائيلية «واسعة وشاملة» تقايض الانسحاب بالتطبيع You may also like روائية استرالية تحاكم فيرجينيا وولف في لعبة تخييلية 14 مارس، 2025 توماس مان يتلمس صعود الفاشية بين زعيم مخادع... 14 مارس، 2025 الرسامة رباب نمر رحلت في غيوم الأبيض والأسود 14 مارس، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: ثلاث قطع نحتية من... 12 مارس، 2025 الجزار فقأ عين كبير مستشاريه حاييم اليهودي خوفا... 12 مارس، 2025 مخرج “ميلانكوليا” الدنماركي “انتحر” سياسيا وعاش إبداعيا 12 مارس، 2025 الإنجليزي ستيفنسون في “أدغال فرنسا”: مغامرات العمر 12 مارس، 2025 كوميديا رمضان… ضحك طازج وآخر منتهي الصلاحية 12 مارس، 2025 أركون و«الحفر الأركيولوجي» في الأعماق 11 مارس، 2025 ريتشارد باورز في جحيم عالم الذكاء الاصطناعي 10 مارس، 2025