ثقافة و فنونعربي بطلا حسن داوود يتلصصان عبثا على امرأة خلال كورونا by admin 15 ديسمبر، 2022 written by admin 15 ديسمبر، 2022 22 “فرصة لغرام أخير” رواية أوهام الحب في الستين اندبندنت عربية \ أنطوان أبو زيد من قال إن الأدب بعامة ليس مناسبة ثمينة لفتح أفق جديد، أو لتصور مغامرة قد تكون مستحيلة في أرض الواقع، أو يكون تحويلاً لبعض الواقع ولبعض الحقيقة، عبر كثير من السمات البشرية المعروفة؟ الروائي اللبناني حسن داوود (1950) يعاود الانخراط في مساره الإبداعي عبر رواية له جديدة بعنوان “فرصة لغرام أخير” صادرة عن دار نوفل (2022)، وكان ليمعن في اختبار شخصيته النموذجية بل شخصياته، أو ليتثبت من مدى طواعية كل منهم لجبه وحدته وعزلته، وزمنه الهارب أبداً، وهواجسه الواعية واللاواعية عبر طيف الحب. ثم ألم يقل ميشال بوتور، أحد منظري الرواية الجديدة، إن الرواية هي مختبر للسرد ومن خلالها يتحقق ما لم يكن موجوداً، أو مدرجاً في الأعمال الروائية التقليدية؟ والواقع أن هذه الرواية التاسعة عشرة في عداد أعمال الكاتب الروائية تؤشر على تحول في كتابته. عزلة كورونا الرواية الجديدة (دار نوفل) في مستهل الرواية وبالتحديد الفصل الأول منها (الرواية في خمسة فصول) يكشف لنا الكاتب عبر أصوات كل من الأشخاص الثلاثة (تامر، وعزت الطبراوي، وهي) عن أحداث هي كناية عن محاولات إغراء وإغواء وعشق يقوم بها رجلان تخطيا الستين، وقضيتهما امرأة في البناء المقابل لبنائهما، وقد ضاعفت أجواء الوباء من عزلتهما وعزلة كل الناس في جوارهما. أما الظاهر من هذه المحاولات فقد بانت، أول الأمر، على أنها تلصص متماد يقوم به رجلان ستينيان جاران، على أنثى تسكن في الطابق الرابع من البناء المقابل تطل عليهما من وراء المشربية، فيتساءلان عن عمرها وهويتها، وفي المقابل، تكشف المرأة الشابة بصوتها الراوي، أنها كانت ترسم بدقة خطواتها على الشرفة المطلة على كل من الرجلين، وأنها تدرك الأثر الذي تحدثه في الشخص المستهدف لدى كل سلوك يبدر منها، وأنها سيدة لعبتها، وتختار من الرجلين الأكثر انجذاباً لها، والأكثر استغراقاً في التلصص عليها وكان عزت الطبراوي. أصوات وزوايا نظر الروائي حسن داوود (صفحة الكاتب- فيسبوك) ولا تلبث أصوات الرواة الثلاثة تتوالى حتى الفصل الثاني، حيث يفلح التلصص الذكي في خرق الحدود وقطع المسافات بين الأنثى والرجلين، لا سيما عزت، فيلتقيها بعد الاتصال بها عبر هاتفه الذي أمكنها تدوينه من كرتونة صديقه تامر، ويعرف أن اسمها إلسا، وأنها ساكنة مع حماتها العجوز، ولا أخبار عن زوجها المسافر إلى أفريقيا منذ عشرين عاماً. ومن ثم يلتقي عزت بإلسا ويتواعدان، وسرعان ما يخوض الصديقان الجديدان أول مغامرة غرامية لهما خارج الزواج، هو الضائق من زوجته عايدة بعد عشرين عاماً أو أكثر من الزواج، وهي التواقة إلى علاقة ناجحة مع رجل، تخرجها من دوامة انتظار زوج لن يأتي. غير أن الرياح تجري على خلاف ما يشتهيه الشخصان، عزت وإلسا، إذ تكشف الفصول اللاحقة عن مصائر كانت لا تزال ناقصة أو مجهولة، شأن فتور العلاقة بينهما حتى افتراقهما، في مقابل تصاعد حظوظ تامر، الكاتب عند إلسا، ووفاة الطانت “عطاف” حماة إلسا، بوباء كورونا الضارب في بنايتهما، وغيرها من الأحداث التي ندعها لعناية القارئ. شطرنج المواقع لكنّ أموراً كثيرة يجدر التوقف عندها، لظننا أنها تصنع جدة المقاربة الأسلوبية التي صاغ بها الروائي حسن داوود روايته الجديدة، وأول عناصر المقاربة الجديدة، استعاضة الروائي عن استراتيجية التحول البطيء المستند إلى الحافز النفساني والوجداني والفكري للشخصية الرئيسة، إلى استراتيجية اللعب وتبديل المواقع، على ما تكشفه صورة الغلاف لغاروسلاف بلامنسكي الدالة على حركة أساسية في لعبة الشطرنج، وهي تهديد بيدق القلعة للبيدق الملك بالموت. ولئن بدا عزت الطبراوي كثير الريبة، بل بطيء الانسجام مع إلسا، لحذره الشديد من التغيير، وعجزه عن كسر تقاليد الزواج والعلاقة مع امرأته عايدة وإن تكن في سفر لدى ابنهما في كندا، فإن تساوق الأحداث وانكشاف ردود أفعال الشخصيتين الواقعتين في عشق ظرفي، ومن خلال ما يبثه كل منهما في روايته الخاصة النابعة من وجهة نظره، يفضيان إلى التحول في موقعيهما وموقع الطرف الثالث، أعني به تامر. فهذا الأخير بعد أن كان محرضاً لجاره (عزت) على رؤية المرأة، والتعرف إليها، وقد يسّر لقاءهما لديه في منزله، لم يجد بداً من الانتقال من موقع الغريم إلى المغرم، ومن دور المحلل والمشجع إلى دور الممسك بزمام العلاقة، ولكن إلى حين. إذ تبين الوقائع أن تامر (الكاتب) عجز بدوره عن تجاوز ما سبق أن بلغه عزت مع إلسا، عندما لم يقو على مواصلة علاقته بالمرأة بعد مشوارهما اليتيم على شاطئ الروشة الوسخ، وعادت هي إلى همومها الأولى ورعبها من عودة زوجها المتواري في أفريقيا. وعاد تامر إلى حرفته الأولى في مكابدة الكتابة وتحويل عصفه الذهني وخلطات الصور في ذاكرته إلى كلمات ومشاهد. بعدان في شخصيتين وأياً يكن من شأن هذين الشخصين، او الشخصيتين (عزت الطبراوي، وتامر) ومن تنافر طبيعتيهما والمكانة الاجتماعية لكليهما، فأحسب أنهما يمثلان بعدين متكاملين، وإن متمايزين في كيان الإنسان، عنيت بهما البعد الاجتماعي وما يرتبط به من علاقات وزواج وما ينجم عنها من عادات وروتين يصعب تجاوزهما، والبعد الثقافي والفكري والإبداعي وما يتطلبه من انطواء الكاتب وزهده الطوعي بمجريات المجتمع، وحتى بالعلاقات الجنسية، طمعاً بالإبداع أو انصياعاً لمتطلباته. ولو تمادينا في التحليل لقلنا إن هذين البعدين يمكن أن يكونا في شخص واحد فرد، يتنازعان السيادة على نفسه ويتغالبان، مثلما يمكن أن يحصل وجودهما في كيانين منفصلين. انتباه إلى التفاصيل والمحكيات ولكن الرواية لدى حسن داوود تمرين مستمر بوتيرة مطردة على صيد التفاصيل، وقياس الأماكن بالأمتار، ورفع صورة عن البنايتين، مسرح الرواية المكاني، وأطوالهما وطوابقهما ومن يشغلهما، نظير ما يقوم به المهندسون أو طلاب الهندسة المعمارية، وبشغف علماء الاجتماع وحكواتيي الأحياء، إن وجدوا. يقول تامر عن عزت الطبراوي: ” لكن أكثر ما يستفيض في الحكي عنه هو تلك البناية المقابلة التي تفصلها عنا مسافة قدرها 40 متراً، بحسب قياسه للمسافات الثلاث الصغيرة الواقعة في الوسط بين بنايتنا وبينها: 15 متراً…” (ص:7). أما المحكية التي لطالما تجنبها الكاتب في أعماله السابقة، فقد صار لها وجود ودور يرقيان إلى مستوى السرد والوصف المتقنين، والعاليين اللذين تميز بهما الكاتب حسن داوود عن سائر الكتاب والروائيين اللبنانيين والعرب. وها هي تنهض على يديه عنصراً حيوياً وحاسماً في الدلالة على تحولات المتكلمين بها، النفسية والعاطفية. هي محكية بيضاء تلك التي تنطق بها هذه الشخصيات ولا لون محلياً لها، ويمكن أن تكون محكية مدينية نموذجية تجتمع فيها كل عناصر المحكيات من أجل أن تخدم هذه الشخصيات المدينية في التعبير عن ذواتهم وفردياتهم ومخاوفهم، وريبة بعضهم من بعضهم الآخر، ومدى ضجر كل منهم من عزلة فرضها عليهم وباء كورونا. وقد يحسب القارئ هذه الحوارات بالمحكية وتوابعها اللحظات السردية، سيناريوات لفيلم طويل عن عزلة سكان أحد الأحياء في المدينة، إبان وباء كورونا العتيد. وبالطبع ليست الرواية سيناريوات، ما دامت أعمق منها وأكثر حفراً في ذوات الأشخاص في حركتهم المضطربة، لتجاوز الحدود المرسومة لهم، وفي تلصصهم بعضهم على بعض، ونجاحهم النسبي في ما يزمعون القيام به، وفي دفاعهم عن بقائهم ومكانتهم ووظيفتهم. المزيد عن:روائي لبناني\رواية\كورونا\عمر الستين\امرأة\المكان\بيروت\الهجرة\إفريقيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أبرز إصدارات الكتب في ديسمبر… ماذا ستقرؤون منها؟ next post “المقبرة البحرية” دعوة إلى الحياة بين بول فاليري وجورج براسان You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024
من قال إن الأدب بعامة ليس مناسبة ثمينة لفتح أفق جديد، أو لتصور مغامرة قد تكون مستحيلة في أرض الواقع، أو يكون تحويلاً لبعض الواقع ولبعض الحقيقة، عبر كثير من السمات البشرية المعروفة؟ الروائي اللبناني حسن داوود (1950) يعاود الانخراط في مساره الإبداعي عبر رواية له جديدة بعنوان “فرصة لغرام أخير” صادرة عن دار نوفل (2022)، وكان ليمعن في اختبار شخصيته النموذجية بل شخصياته، أو ليتثبت من مدى طواعية كل منهم لجبه وحدته وعزلته، وزمنه الهارب أبداً، وهواجسه الواعية واللاواعية عبر طيف الحب. ثم ألم يقل ميشال بوتور، أحد منظري الرواية الجديدة، إن الرواية هي مختبر للسرد ومن خلالها يتحقق ما لم يكن موجوداً، أو مدرجاً في الأعمال الروائية التقليدية؟ والواقع أن هذه الرواية التاسعة عشرة في عداد أعمال الكاتب الروائية تؤشر على تحول في كتابته. عزلة كورونا الرواية الجديدة (دار نوفل) في مستهل الرواية وبالتحديد الفصل الأول منها (الرواية في خمسة فصول) يكشف لنا الكاتب عبر أصوات كل من الأشخاص الثلاثة (تامر، وعزت الطبراوي، وهي) عن أحداث هي كناية عن محاولات إغراء وإغواء وعشق يقوم بها رجلان تخطيا الستين، وقضيتهما امرأة في البناء المقابل لبنائهما، وقد ضاعفت أجواء الوباء من عزلتهما وعزلة كل الناس في جوارهما. أما الظاهر من هذه المحاولات فقد بانت، أول الأمر، على أنها تلصص متماد يقوم به رجلان ستينيان جاران، على أنثى تسكن في الطابق الرابع من البناء المقابل تطل عليهما من وراء المشربية، فيتساءلان عن عمرها وهويتها، وفي المقابل، تكشف المرأة الشابة بصوتها الراوي، أنها كانت ترسم بدقة خطواتها على الشرفة المطلة على كل من الرجلين، وأنها تدرك الأثر الذي تحدثه في الشخص المستهدف لدى كل سلوك يبدر منها، وأنها سيدة لعبتها، وتختار من الرجلين الأكثر انجذاباً لها، والأكثر استغراقاً في التلصص عليها وكان عزت الطبراوي. أصوات وزوايا نظر الروائي حسن داوود (صفحة الكاتب- فيسبوك) ولا تلبث أصوات الرواة الثلاثة تتوالى حتى الفصل الثاني، حيث يفلح التلصص الذكي في خرق الحدود وقطع المسافات بين الأنثى والرجلين، لا سيما عزت، فيلتقيها بعد الاتصال بها عبر هاتفه الذي أمكنها تدوينه من كرتونة صديقه تامر، ويعرف أن اسمها إلسا، وأنها ساكنة مع حماتها العجوز، ولا أخبار عن زوجها المسافر إلى أفريقيا منذ عشرين عاماً. ومن ثم يلتقي عزت بإلسا ويتواعدان، وسرعان ما يخوض الصديقان الجديدان أول مغامرة غرامية لهما خارج الزواج، هو الضائق من زوجته عايدة بعد عشرين عاماً أو أكثر من الزواج، وهي التواقة إلى علاقة ناجحة مع رجل، تخرجها من دوامة انتظار زوج لن يأتي. غير أن الرياح تجري على خلاف ما يشتهيه الشخصان، عزت وإلسا، إذ تكشف الفصول اللاحقة عن مصائر كانت لا تزال ناقصة أو مجهولة، شأن فتور العلاقة بينهما حتى افتراقهما، في مقابل تصاعد حظوظ تامر، الكاتب عند إلسا، ووفاة الطانت “عطاف” حماة إلسا، بوباء كورونا الضارب في بنايتهما، وغيرها من الأحداث التي ندعها لعناية القارئ. شطرنج المواقع لكنّ أموراً كثيرة يجدر التوقف عندها، لظننا أنها تصنع جدة المقاربة الأسلوبية التي صاغ بها الروائي حسن داوود روايته الجديدة، وأول عناصر المقاربة الجديدة، استعاضة الروائي عن استراتيجية التحول البطيء المستند إلى الحافز النفساني والوجداني والفكري للشخصية الرئيسة، إلى استراتيجية اللعب وتبديل المواقع، على ما تكشفه صورة الغلاف لغاروسلاف بلامنسكي الدالة على حركة أساسية في لعبة الشطرنج، وهي تهديد بيدق القلعة للبيدق الملك بالموت. ولئن بدا عزت الطبراوي كثير الريبة، بل بطيء الانسجام مع إلسا، لحذره الشديد من التغيير، وعجزه عن كسر تقاليد الزواج والعلاقة مع امرأته عايدة وإن تكن في سفر لدى ابنهما في كندا، فإن تساوق الأحداث وانكشاف ردود أفعال الشخصيتين الواقعتين في عشق ظرفي، ومن خلال ما يبثه كل منهما في روايته الخاصة النابعة من وجهة نظره، يفضيان إلى التحول في موقعيهما وموقع الطرف الثالث، أعني به تامر. فهذا الأخير بعد أن كان محرضاً لجاره (عزت) على رؤية المرأة، والتعرف إليها، وقد يسّر لقاءهما لديه في منزله، لم يجد بداً من الانتقال من موقع الغريم إلى المغرم، ومن دور المحلل والمشجع إلى دور الممسك بزمام العلاقة، ولكن إلى حين. إذ تبين الوقائع أن تامر (الكاتب) عجز بدوره عن تجاوز ما سبق أن بلغه عزت مع إلسا، عندما لم يقو على مواصلة علاقته بالمرأة بعد مشوارهما اليتيم على شاطئ الروشة الوسخ، وعادت هي إلى همومها الأولى ورعبها من عودة زوجها المتواري في أفريقيا. وعاد تامر إلى حرفته الأولى في مكابدة الكتابة وتحويل عصفه الذهني وخلطات الصور في ذاكرته إلى كلمات ومشاهد. بعدان في شخصيتين وأياً يكن من شأن هذين الشخصين، او الشخصيتين (عزت الطبراوي، وتامر) ومن تنافر طبيعتيهما والمكانة الاجتماعية لكليهما، فأحسب أنهما يمثلان بعدين متكاملين، وإن متمايزين في كيان الإنسان، عنيت بهما البعد الاجتماعي وما يرتبط به من علاقات وزواج وما ينجم عنها من عادات وروتين يصعب تجاوزهما، والبعد الثقافي والفكري والإبداعي وما يتطلبه من انطواء الكاتب وزهده الطوعي بمجريات المجتمع، وحتى بالعلاقات الجنسية، طمعاً بالإبداع أو انصياعاً لمتطلباته. ولو تمادينا في التحليل لقلنا إن هذين البعدين يمكن أن يكونا في شخص واحد فرد، يتنازعان السيادة على نفسه ويتغالبان، مثلما يمكن أن يحصل وجودهما في كيانين منفصلين. انتباه إلى التفاصيل والمحكيات ولكن الرواية لدى حسن داوود تمرين مستمر بوتيرة مطردة على صيد التفاصيل، وقياس الأماكن بالأمتار، ورفع صورة عن البنايتين، مسرح الرواية المكاني، وأطوالهما وطوابقهما ومن يشغلهما، نظير ما يقوم به المهندسون أو طلاب الهندسة المعمارية، وبشغف علماء الاجتماع وحكواتيي الأحياء، إن وجدوا. يقول تامر عن عزت الطبراوي: ” لكن أكثر ما يستفيض في الحكي عنه هو تلك البناية المقابلة التي تفصلها عنا مسافة قدرها 40 متراً، بحسب قياسه للمسافات الثلاث الصغيرة الواقعة في الوسط بين بنايتنا وبينها: 15 متراً…” (ص:7). أما المحكية التي لطالما تجنبها الكاتب في أعماله السابقة، فقد صار لها وجود ودور يرقيان إلى مستوى السرد والوصف المتقنين، والعاليين اللذين تميز بهما الكاتب حسن داوود عن سائر الكتاب والروائيين اللبنانيين والعرب. وها هي تنهض على يديه عنصراً حيوياً وحاسماً في الدلالة على تحولات المتكلمين بها، النفسية والعاطفية. هي محكية بيضاء تلك التي تنطق بها هذه الشخصيات ولا لون محلياً لها، ويمكن أن تكون محكية مدينية نموذجية تجتمع فيها كل عناصر المحكيات من أجل أن تخدم هذه الشخصيات المدينية في التعبير عن ذواتهم وفردياتهم ومخاوفهم، وريبة بعضهم من بعضهم الآخر، ومدى ضجر كل منهم من عزلة فرضها عليهم وباء كورونا. وقد يحسب القارئ هذه الحوارات بالمحكية وتوابعها اللحظات السردية، سيناريوات لفيلم طويل عن عزلة سكان أحد الأحياء في المدينة، إبان وباء كورونا العتيد. وبالطبع ليست الرواية سيناريوات، ما دامت أعمق منها وأكثر حفراً في ذوات الأشخاص في حركتهم المضطربة، لتجاوز الحدود المرسومة لهم، وفي تلصصهم بعضهم على بعض، ونجاحهم النسبي في ما يزمعون القيام به، وفي دفاعهم عن بقائهم ومكانتهم ووظيفتهم. المزيد عن:روائي لبناني\رواية\كورونا\عمر الستين\امرأة\المكان\بيروت\الهجرة\إفريقيا