خاص للمجلة لوحة للفنان التشكيلي السوري بطرس المعري ثقافة و فنون بطرس المعري يلوذ بالفن “كي لا ننسى” آلام الحاضر by admin 15 مايو، 2025 written by admin 15 مايو، 2025 9 سوريا وفلسطين حاضران بقوة في معرضه الأخير بعمان المجلة / ميموزا العراوي قدم الفنان بطرس المعري في معظم معارضه الفنية السابقة أعمالا تميزت بتنوع الأساليب الفنية التي طوعها كي تصبح قنوات لتظهير أفكاره ومشاعره. لم يستسغ البعض هذا التنوع الشديد، إن في المواد المستخدمة أو في طريقة التعبير، غير أن سمة التنوع هذه هي أبرز ما اتسمت به شخصية هذا الفنان الملول، وانسحبت بالتالي على أعماله الفنية. اليوم يقدم بطرس المعري معرضا لا يخرج على هذا المنطق، بعنوان “السلام عليكِ” في صالة “وادي فينان” الأردنية، ليهديه بشكل خاص إلى المرأة الفلسطينية وإلى المرأة العربية بشكل عام لا سيما تلك التي تقع أوطانها تحت خط النار. سكون “السلام عليكِ” احتضنت صالة “وادي فينان” الأردنية ما يقارب 30 عملا جديدا للمعري مشغولة بمادة الأكريليك ومواد أخرى، أما اللوحة الأم في المعرض فهي تلك التي أعطاها عنوان “السلام عليكِ”، ثم اشتغل على لوحة ثانية هي من الأجواء الروحية والفنية نفسها، ثم ثالثة ورابعة وخامسة كرست مع سابقاتها الجو المسيطر على المعرض. سألنا الفنان عن مضمون اللوحة التي حملت عنوان “السلام عليكِ”، فأجاب: “موضوع فلسطين ليس بجديد في أعمالي وقد تناولتها في أكثر من عمل. اليوم مشهد غزة خصوصا وفلسطين عموما، طغى على كل المشاهد وترك أثرا عميقا في وجداني. التفكير في الاحداث التي جرت والتدهور الفظيع والتدمير والمجازر في حق أهلنا بغزة والشعور بخيبة أمل هائلة من المجتمع الدولي، كونت في أعماقي رغبة شديدة في التعبير عما أشعر به”. الناظر إلى اللوحة سيرى كيف طغى اللون الأسود عليها دون أن يمنع ذلك من ظهور بضعة أزهار صفراء علقها الفنان في فضائها إلى جانب مفتاح يحيل حتما إلى مفتاح العودة. في اللوحة عجوز تجلس وحدها متكئة على عصاها وأمامها كوب قهوة وفنجان مقلوب لتحاول لاحقا، بعد أن يجف البن في قعره، “أن ترى فيه تشكل صور تبشر بحدوث أمر جميل كعودة ابن مفقود أو عائلة بأكملها أو وطن لا زيال حلما”، على قول الرسام. التدمير والمجازر في حق أهلنا بغزة والشعور بخيبة أمل هائلة من المجتمع الدولي، كونت في أعماقي رغبة شديدة في التعبير هذه اللوحة يقع السكون فيها عميقا ليصبح أهم ما تعبر عنه. السكون في وضعية العصا، وفي ثبات الصينية النحاس على قاعدة دقيقة وهشة، وفي ملامح الحزن البادي على وجه المرأة وشعرها الأبيض من تحت خمارها الأسود. شعر يضبط سكونه ويشدنا إليه طائر أبيض صغير يحلق، هو الآخر بسكون، فوق تعبير “السلام عليكِ”. تعبير خطه الفنان بالحرف الكوفي الذي يتميز بجماليته. يلتقي هذا الخط الأفقي مع خط عمودي خشبي اللون علق عليه الفنان مفتاح العودة. مفتاح بلون العصا وساكن/مائل مثله. كل ذلك يجعل المسنة البادية في اللوحة متحدة مع حالة الانتظار الذي أصبح جزءا من حياتها. أمهات الصعتر والزيتون حضرت أعمال بطرس المعري المتعلقة بفلسطين مسكونة بالمرأة، أما وابنة وشقيقة وطائرا. حول هذه الأعمال يقول الفنان: “الثمن الأكبر تدفعه الأمهات وعنوان المعرض تحية اليهن والى صبرهن”. في إحدى اللوحات نرى يدا تقدم وردة إلى أم وابنتها، ولعل أكثر ما يلفت أن الزهرة هي من الورد الأحمر. غير أن ما يبدو على ملامح المرأتين هو أنهما تستنشقان بعيون مغمضة عطرا آخر هو لبضع أزهار من ياسمين ناصعة تنهمر على وجهيهما. جانب من المعرض لوحة أخرى تظهر فيها فتاة تحمل بيدها غصن زيتون. يخبرنا الفنان أنه استخدم الخط العربي والكوفي المصحفي بشكل خاص لأنه يرى فيه جماليات كبيرة: “جعلته في خلفية اللوحات ومن داخل نسيجها اللوني ومن ضمن ما كتبت به “باقون ما بقي الزعتر والزيتون”. كما حرص الفنان على أن يقدم في هذه المعرض لوحة أطلق عليها عنوان “تحية إلى الفنان سليمان منصور” وهو فنان فلسطيني من الرواد لا يزال ناشطا. يظهر في أسفل لوحة المعري اقتباس من إحدى لوحات الفنان المحتفى به: امرأة فلسطينية تعزف على الناي. المشرقي بامتياز هناك لوحة لم يتمكن الفنان من تقديمها في المعرض لأنها كانت قيد الانجاز لكن كانت لنا فرصة زيارتها افتراضيا في مرسمه الخاص. لوحة من ضمن مجموعة اللوحات المتعلقة بفلسطين. يعتبرها من أهم أعماله، إذ تستكمل ما سرده في اللوحات المذكورة آنفاَ، وإن كانت لكلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش “باقون ما بقي الزعتر والزيتون” نصيب مهم في إحدى لوحات المعرض، فإن ما قاله الشاعر في القصيدة نفسها وجد حضوره البصري الباهر في اللوحة غير المعروضة. “إنا باقون، ما بقي الزعتر والزيتون/ ما بقيت آيات الإسراء وما بقي اللوح المكنون/ قد بت أخشى أن تذهبوا.. وترحلوا.. ويذهب الزيتون”. تحتشد في هذه اللوحة الرموز وتعبق السماء بترانيم يحضر فيها الروحاني والدنيوي على السواء. نرى بائع برتقال جوال، فالبرتقال رمز من رموز فلسطين، وفاكهة شرق أوسطية محبوبة. في اللوحة أيضا تحلق حمامة سلام مع غصن زيتون يانع، كما نرى منازل تقليدية وكنيسة وجامعا. لسنا في صدد تعداد العناصر البصرية كلها، ولكن ما يستوقفنا على نحو خاص طائر البراق الذي جمع فيه الفنان المعنى الديني المستحضر لأجواء الكون الملونة ولمعراج النبي محمد مع شخصية الدرويش الذي عرف به الفنان وسكن العديد من لوحاته التي تحدثت معظمها عن مشاهد الحياة الدمشقية، التقليدية منها والحالية. يحيلنا البراق إلى الحوادث الكونية المذهلة والخارقة بجمالها على الرغم من الضيق الشديد الذي يعيشه القابعون على الأرض عن هذا العنصر البصري يقول المعري: “في هذه اللوحة تظهر مدينة القدس. أشعر أن حضور البراق ملائم جدا في سمائها ويعنيني حضوره كإنسان وفنان مشرقي”. والحقيقة تقال أن جمالية طائر البراق المحلق في الفضاء بمعزل عن مرجعيته الدينية البحتة، تجعل لسماء القدس عمقا مفتوحا للعبور الروحي ذهابا وإيايا، وبالتالي تعني خلاصا وتحررا بالمعنى المطلق، لأن الطائر يحيلنا إلى الحوادث الكونية المذهلة والخارقة بجمالها على الرغم من الضيق الشديد الذي يعيشه القابعون على الأرض تحت الظلم. غير أن الفرح في هذه اللوحة ليس مكتملا إذ يشعر المرء حين التمعن فيها بأنها لوحة عن حقيقة مشتهاة مركبة كأحجية على شفير هاوية، أكثر منها واقعا مكرسا أو محلوما لا بد أن يتحقق. وأكثر ما يحيلنا إلى هذه القناعة، أن المشهد برمته يبدو ممسرحا. مشهد متداخل من ضمن غرفة جدرانها وردية اللون ويضيئها نور كهربائي معلق في أعلى الغرفة/اللوحة. في العودة إلى صالة العرض، يلتقي الزائر لوحة هي أشبه بعرس ملون. لوحة نابضة بالحياة حتى حدود العنف، ويشتعل في فضائها أكثر من إشارة على الأمل والفرح الدفين في قدر غيبي لم يتحقق بعد، أو لم تتشكل كامل ملامحه، ربما لذلك احتشد فيها اللون الأحمر الذي يحيلنا إلى لحظات ما قبل الولادة وخلالها. وليس من الغريب أن يقول عنها الفنان إنها جاءت وكأنه لم يكن هو من رسمها، لوحة فيها ألوان كأنها ارهاصات لعيد ما قادم. كي لا ننسى سألنا الفنان كيف يتلقى هذا الكم من الحوادث المؤلمة التي تتعاقب بسرعة كبيرة فأجاب: “فلسطين وسوريا ولبنان والعراق وسيل الحوادث المؤلمة، لا تترك مجالا للتنفس. وأعتقد أنني في خضم هذا العبث القاتم أعلن، وسبق أن أعلنت، من خلال أعمالي، انحيازي التام إلى الأفراد العاديين والمهمشين وإلى الشعوب التي تتعرض للقهر أو للخيانة أو للتدمير أو حتى تتعرض إلى الثلاثة مجتمعm”. تظهيرا لكلامه ذا، تحضر شخوص الدراويش في أعماله السابقة والحالية محاطة رؤوسها بالهالات تأكيدا لتأثره بفن الأيقونة من ناحية وميله إلى تعظيم الأشخاص العاديين والناصعة قلوبهم من ناحية أخرى. لوحة للفنان التشكيلي السوري بطرس المعري ما يقوله الفنان اليوم لا يختلف عن منطق عمله منذ أن غادر الانطباعية الفنية التي تأثر بها في بداية سيرته الفنية لينحاز لاحقا إلى خصوصية الفولكولور الشعبي وجمالية الحياة وبساطتها، وإلى ذكرياته في مدينته دمشق، وإلى المدن العربية المجاورة بإنشغالاتها اليومية. هذا إذا لم نذكر الحس النقدي الفكاهي الذي اتسمت به أعمال الفنان تلك، غمزا من قناة بعض المظاهر الاجتماعية ليبقى نصه نديا ولطيفا وقريبا من قلب المتلقي وعقله. أعلن من خلال أعمالي، انحيازي التام إلى الأفراد العاديين والمهمشين وإلى الشعوب التي تتعرض للقهر أو للخيانة أو للتدمير أو حتى تتعرض إلى الثلاثة مجتمعة يتابع الفنان: “إذا أردت اختيار عنوان للمعرض غير عنوانه الحالي فسأختار حتما ‘كي لا ننسى’. كل ما يحدث من عنف يفوق التصور. أما المحو المبرمج وغير المقصود على السواء لمعالم بلادنا وهويتنا فقد بلغ حدا مخيفا. معنى الانسانية في ذاته أصبح في صلب المساءلة وإعادة التعريف. أراض تسلب وشعوب تقهر وأخرى تباد وتحرق أمام أعين العالم وما من رد فعل جدي يضع حدا لهول ما يحصل. القضايا التي تهمني هي قضايا انسانية في الدرجة الأولى ويعنيني التأثير في عين المشاهد العادي والضليع بشؤون الفن على السواء، وأحب أن تكون أعمالي نوعا من التحفيز البصري وبالتالي العاطفي والذهني لترسيخ ما يحدث في ذاكرتنا الجماعية، خاصة أنني أدرك أن كل فرد منا مأخوذ بمصائب بلده وبالكاد يستطيع أن يتلقف الكوارث التي تحدث في بلدان مجاورة حتى وإن كان متعاطفا مع الآمها”. الورق والكرتون والتصميم بطرس المعري فنان اختار منذ عشرات السنين “أيقنة الفرد العادي” من المجتمع وتناول تفاصيل الحياة اليومية التي دلت ببساطتها الظاهرية على نمط في التفكير والعيش بشكل عام. هو اليوم يسرتسل فنيا، إلى جانب ما قدمه من لوحات منجزة بألوان الأكريليك على القماش والتي تعلو فيها النبرة الشاعرية/الغنائية، في تنفيذ أعمال جاء معظمها بأحجام صغيرة ومتوسطة اشتغلها على الورق والخشب. أعمال تحضر فيها الخواطر التي تعكس ما يحدث على أرض الواقع ويلتقط فيها الفنان اللحظات الهاربة والمشاعر الوامضة. حول تلك الأعمال يخبرنا المعري: “بدأت برسم مخططات بالأسود والأبيض ورسومات صغيرة كنت أنجزها خلال بضعة أيام هي صدى مباشر وسريع لما يعانيه الناس في سوريا وفلسطين. فأنا دائما أنحاز إلى الشعب الآمن الذي يتعرض لشتى أنواع التنكيل والتهجير والقتل. الوتيرة المتصاعدة لهذه الحوادث المؤلمة بصورها العامة وتفاصيلها الدقيقة اللتي لا تحصى فرضت علي السرعة في التعبير”. لوحة للفنان التشكيلي السوري بطرس المعري اضافة إلى استخدام الورق والخشب، استخدم المعري الكرتون الذي لم يصنع أصلا للاستخدام الفني. يقول عن هذا العنصر: “أقصد بالكرتون هذا الذي يجيء بأشكال متعددة من ضمنها الصناديق التي يوضع فيها مختلف الأشياء والأجهزة الإلكترونية والكهربائية. بعض الكرتون يجيء أرق وبشكل مغلفات وطرود بريدية تتميز بلونها البني الفاتح وملمسها المتعرج المغري للإستخدام الفني. أجمل هذه القطع الكرتونية هي تلك التي سقطت عليها نقطة ماء أو حبر أو قهوة سهوا، أو تلك التي تعرضت للتمزيق في مواضع منها. شيئا فشيئا بدأت تكبر مجموعة الرسومات هذه فاخترت بعضها لأجل المعرض”. الوتيرة المتصاعدة لهذه الحوادث المؤلمة بصورها العامة وتفاصيلها الدقيقة اللتي لا تحصى فرضت علي السرعة في التعبير إضافة إلى هذه الأعمال الفنية المقتضبة التي تتوجه سريعا بمعناها إلى مشاهدها، وضع الفنان في المعرض مجموعة صغيرة من قطع أثاث تحمل بصمته الفنية. هل تتعارض هذه الأعمال مع سائر ما عرضه في الصالة؟ يجيب بأنها أعمال تصميمية منبثقة من عالمه الفني ويحب أن يراها تدخل المنازل وتكون جزءا حميميا منها. وتأتي هذه الأعمال لتؤكد من جديد حب الفنان للتنوع والتغيير دون الخروج عن المنطق الذي يحمل طابعه الفني الخاص. يذكر أن بطرس المعري فنان تشكيلي سوري من مواليد مدينة دمشق. وهو مدرس جامعي، يكتب في الشأن الثقافي وله أعمال كاريكاتورية لاذعة، كما أنه مؤلف ومصور كتب للأطفال صدرت كلها عن دور نشر فرنسية. مثل “لارماتان” و”جاسمان”، منها قصص من الأدب الشعبي أعاد صياغتها لتناسب الأطفال. حاصل على شهادة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا الاجتماعية من باريس، تناولت ما حصل في سوريا على المستويين الاجتماعي والنفسي. وله العديد من المعارض الفردية والجماعية في دمشق والعالم. المزيد عن: معارض معرض فني فن تشكيلي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبد الرزاق قرنح في الحب والخيانة والهجران next post “استوديو غيبلي”… براعة الذكاء الاصطناعي تقلق الإبداع البشري You may also like عبد الرزاق قرنح في الحب والخيانة والهجران 15 مايو، 2025 “حربنا” فيلم وثائقي سجالي يطلق شعلة مهرجان كانّ 15 مايو، 2025 فلاسفة العصور القديمة عاشوا وفق ما تقتضيه أفكارهم 15 مايو، 2025 عشرات النسخ من حكاية فاوست أفضلها بطل غوته... 15 مايو، 2025 “كلو مسموح” عرض غنائي اميركي في صيغة لبنانية 15 مايو، 2025 رحيل كافون صوت الشباب المهمش في تونس 14 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: شاهدان جنائزيان من البحرين... 13 مايو، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: تريستان وإيزولد يرسمان للعشق... 13 مايو، 2025 هل من المسلمات أن الإيطالي روسيني تفوق على... 13 مايو، 2025 “حي بن يقظان” ما زال يعاصرنا بعد 850... 13 مايو، 2025