ثقافة و فنونعربي “بدوي السينما” رحل مع برغمان في يوم واحد بعدما قدّم أقسى أفلام القلق الوجودي by admin 18 أبريل، 2023 written by admin 18 أبريل، 2023 100 كان أنطونيوني يحسب في معظم الأحيان ضمن تيار محدد هو الواقعية الجديدة اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب لطالما ذكر اسماهما في وقت واحد وليس فقط لدى نقاد السينما وغلاة المهتمين بها، ولكن حتى لدى عموم المثقفين النخبويين أو أقل نخبوية، بوصفهما معاً القطبين الكبيرين في حداثة سينما عرفا كيف عملا على ضخ أفلامهما، وكل على طريقته، بالقدر الأكبر من الأفكار الفلسفية والسيكولوجية محولاً كل واحد منهما سينماه إلى سينما تعبير شديد الخصوصية لكيلا نقول شديد الذاتية، ومن هنا كانت المفاجأة كبيرة وتقرب من عالم الصدفة حين ماتا في يوم واحد بفارق ساعات أولهما في السويد والثاني في إيطاليا، وكأن الأقدار لعبت لعبتها منهية حياة السويدي إنغمار برغمان والإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني معاً، ومهما يكن من أمر لا بدّ من القول هنا إن موت برغمان يومها، غطى، وإلى حد كبير، على موت أنطونيوني، وليس هذا لأن مخرج السويد الكبير وصاحب “الختم السابع” و”الفريز البري”، بين روائع سينمائية أخرى، كان مبدع سينما شعبية، فيما كان صاحب “المغامرة” و”بلو – آب” صاحب سينما نخبوية، فالاثنان كانا، وكل على طريقته أيضاً، نخبويين في معظم ما حققه كل منهما من أفلام، خلال ما يربو على نصف قرن شغلت العقود الخمسة الأخيرة من القرن الـ 20 على الأقل، لكن شهرة برغمان كانت أوسع، وربما لأنه كان الاسم الوحيد الذي أطل من السويد، من دون أن ينتمي إلى تيارات أو مدارس، ولأن الإعلام أكثر دائماً من الحديث عنه أو من ضرب المثل به على نخبوية السينما وبعدها الفكري والثقافي. من فيلم “الصحراء الحمراء” من بطولة مونيكا فيتي (موقع الفيلم) بين الحاضر والغائب في المقابل، كان أنطونيوني يحسب في معظم الأحيان ضمن تيار محدد، هو تيار الواقعية الجديدة، ما ربط اسمه دائماً بأسماء أخرى، من دون أن يعطيه فرادة تعزز شعبيته، وهنا لا بدّ من أن نبادر إلى القول منذ الآن، إن ربط اسم أنطونيوني بالتيار الذي ربط به، كان تعسفياً، ما إن أنجز فيلماً أو فيلمين أولين كان يمكن حقاً اعتبارهما منتميين إلى “الواقعية الجديدة”، وهو التعسف نفسه الذي طاول معه سينمائيين إيطاليين آخرين من الصعب علينا إن استعرضنا الجزء الأكبر من فيلموغرافيا كل منهما أن نصرّ على اعتبارهما “واقعيين جديدين”، وهما طبعاً فيديريكو فيلليني ولوكينو فيسكونتي، والحقيقة أن الفرصة التي تتاح بين الحين والآخر، لمشاهدة أي فيلم من أفلام أنطونيوني، التي باتت عروضها نادرة مقابل العروض التي تطاول أفلام برغمان الحاضرة دائماً بشكل أفضل، مثل هذه الفرصة ترينا بالملموس كيف أن سينما أنطونيوني تبقى عصية على التصنيف حتى منذ كانت الواقعية الجديدة الإيطالية لا تزال حاضرة وفاعلة من طريق روبرتو روسليني ودي سيكا وغيرهما، من الذين ينطبق وصف “الواقعية الجديدة” الإيطالية على أعمالهم في شكل جدي. رجل عكس التيارات فإذا نحينا واحداً من أول أفلام أنطونيوني، وهو “مدونات حب” (1950)، الذي يحمل حتى هو، تناقضاته بين تصوير المناخ الاجتماعي، وبين الحبكة “الغرامية” التي يدور من حولها، سنجد كل سينما أنطونيوني، من “المهزومين” (1952) إلى “ما وراء الغيوم” (1995)، ومن “سيدة دون كاميليا” (1953)، إلى “زابرسكي بوينت” و”المهنة: مخبر” و “تعريف امرأة” (1982)، أفلاماً شديدة الخصوصية، حتى من الناحية الاجتماعية. بل إن ثمة في سينما أنطونيوني (مثلاً “المغامرة” و “الصرخة” و”الصحراء الحمراء”، كلها حققت بين 1957 و1964 في أوج توجه فن السينما يساراً، في أنحاء عدة من العالم) ما ينسب هذه السينما إلى نوع خاص من الرواية الوجودية، حتى وإن كانت هذه الأفلام كلها تنتمي إلى المجتمع الإيطالي، الذي كان مثقفوه الأكثر راديكالية، على تناقض تام مع أية نزعة وجودية. الحب، الملل، الموت، العائلة، فقدان التواصل، الآفاق المسدودة، ولكن خصوصاً لدى الأفراد، وفي شكل أكثر وأكثر خصوصية لدى البورجوازية الصغيرة والمتوسطة كما لدى شرائح من الأنتلجنسيا، تلك هي المواضيع الأساسية التي دارت من حولها الأفلام الروائية الطويلة التي حققها أنطونيوني في إيطاليا، قبل أن يخرج من ثوبه الإيطالي هذا، بدءاً من أواسط ستينيات القرن الـ 20، وبالتحديد منذ حقق “بلو – آب” عام 1966، في لندن، انطلاقاً من قصة قصيرة للأرجنتيني خوليو كورتاثر. مواضيع العالم الخارجي والمدهش أن أنطونيوني الذي كان عام 1964 قد حقق “الصحراء الحمراء” (أول أفلامه الملونة)، فيلماً إيطالياً خالصاً، عرف كيف يحمل مواصفات هذا الفيلم نفسها ليحط بها في لندن الستينيات. ولسوف يكون ذلك بداية تجوال سينمائي حقيقي لديه، حتى وإن كان عدد الأفلام المحققة خلال آخر ثلث قرن من حياته، أي منذ “بلو – آب” حتى “ما وراء الغيوم” (1995)، قليلاً جداً لا يتجاوز ستة أفلام روائية، كان يقطعها بين الحين والآخر بأعمال وثائقية لعل أروعها “تشونغ كيو” الذي جال فيه، مع كاميرا ذكية وحادة أرجاء عدة من الصين، أما الأفلام الروائية الأخيرة، فكانت تباعاً، بعد “بلو – آب”، “زابرسكي بوينت” (في الولايات المتحدة (1969)، “المهنة: مخبر” (بين أفريقيا وإسبانيا عام 1974)، “سر أوبروالد” (الذي عاد فيه عام 1980 ليصور في إيطاليا، ومن بطولة فاتنة بعض أفلامه الأولى مونيكا فيتي) و “التعريف بامرأة”، الذي جعل السينما موضوعاً له، قبل أن يحقق عام 1995، وهو على كرسي نقال غير قادر على الكلام أو الاصغاء، فيلمه الأخير “ما وراء الغيوم”، الذي كان في الأصل أشبه بأنطولوجيا لأفلام لم يتمكن أنطونيوني من تحقيقها طوال حياته، وموضوعها الأساس الحب، وهو كان قبل ذلك قد جمعها في كتاب. منافي المبدع وخلال الجزء الثاني من حياته، لم يكن أنطونيوني، إذاً، إيطالياً، بالمعنى الذي كان يمكننا أن نقول معه إن فيسكونتي وفيلليني إيطاليان، أو أن إنغمار برغمان سويدي، ولعل هذا ما جعل أنطونيوني يعتبر “البدوي الأكبر” في فن السينما خلال الثلث الأخير من القرن الـ 20، ومن المؤكد أن مراجعة سينما أنطونيوني، لا تضعنا فقط أمام هذه الحقيقة، بل إنها تطرح علينا سؤالاً آخر أساسياً بدوره: هل كان أنطونيوني، أصلاً، إيطالياً حتى في أفلام مرحلته الأولى؟ إن مراجعة لاستقبالنا النقدي لفيلم “المهنة: مخبر” حين أواسط السبعينيات تدفعنا إلى صوغ جواب مبدئي، قد لا يكتمل، إلا بمشاهدة أفلام أنطونيوني في متنها المتكامل، وهو أمر من المؤكد أن ثمة صعوبات كثيرة تحول في هذه الأيام دونه إذ حتى هناك نقص في إنتاج الأسطوانات المدمجة التي تحوي أفلامه. مهما يكن، فإن المنطق يفيدنا بأن ثمة نوعاً من غياب حقيقي لسينما أنطونيوني لا يمكن تفاديه فتبقى الكتابة عنه وعن سينماه الأمر الوحيد المتوافر في انتظار مناسبات يعرض فيها هذا الفيلم من أفلامه أو ذاك، ومهما يكن، فإننا هنا نتحدث، ومن دون أدنى ريب، من حول سينما عرفت كيف تتجاوز في مضمونها وفي أسئلتها من حول الإنسان ومن حول إنسانها في شكل خاص، الإطار المحلي إلى أسئلة كونية، حتى وإن كان لن يفوتنا أن نرصد إيطاليا بكل زخمها، في تحف مثل “المغامرة” و”الصديقات”، ولا سيما “الليل”، و”الكسوف”، الفيلمان المتكاملان اللذان حققهما أنطونيوني تباعاً عامي 1960 و1962، ليأتيا أشبه بمدخل يمهّد، من ناحية إلى “وجودية” “الصحراء الحمراء”، ومن ناحية ثانية، إلى “بداوة” أفلام أنطونيوني التالية، تلك البداوة التي لم يكن في إمكان أحد أن يتوقعها، حين أطل مايكل أنجلو أنطونيوني (1912 – 2007) على عالم السينما للمرة الأولى في عام 1947، وحقق، ما يمكننا الآن أن نقول إنه فيلمه الوحيد الذي ينتمي إلى “الواقعية الجديدة”، بل كان من مؤسسيها عام 1947: “أهل البو”، وهو فيلم وثائقي اجتماعي، كان الأول في سلسلة أعمال حققها أنطونيوني خلال أربعينيات القرن الـ 20 لتوحي أن هذا المبدع الشاب الآتي من الصحافة والنقد، سيسهم في خلق مدرسة إيطالية تماثل “المدرسة الوثائقية البريطانية”، لكنه بدلاً من ذلك انعطف ليحقق للسينما، ما كان ألبير كامو وجان بول سارتر يحققانه للفلسفة والأدب والمسرح. المزيد عن: بدوي السينم\اإنغمار برغمان\مايكل أنجلو أنطونيوني\فيديريكو فيلليني\لوكينو فيسكونتي\سيدة دون كاميلي\ازابرسكي بوينت\مونيكا فيتي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post فيدريكو غارثيا لوركا قيثارة غرناطة المكسورة next post أفلام حظرت في دور السينما العالمية… من “300” إلى “شريك 2” You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024