إيغور سترافنسكي (1882 - 1971): ثورة موسيقية في فنجان (ويكيميديا) ثقافة و فنون “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته by admin 21 ديسمبر، 2024 written by admin 21 ديسمبر، 2024 21 عودة مباغتة إلى “الموسيقى الدينية” وغوص في التسلسلي وتمهيد لخاتمة كلاسيكية مفاجئة اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب خلال الـ12 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 1952 وفي قاعة تغص بالحضور داخل مدينة لوس أنجليس الأميركية، كان ثمة حفلة موسيقية لم يتوقع أي من المئات من محبي هذا الفن أن تشهد ثورة موسيقية، سيكون بطلها ذلك الموسيقي الروسي الأصل الباسم الملامح على رغم الحزن البادي في عينيه، والذي تزيد سنه على الـ70 عاماً. لم يكن أي من الحضور يتوقع أن يفاجئ إيغور سترافنسكي (1882-1971) قبل نحو عقدين من رحيله العالم بتقديم ذلك العمل الموسيقي الغنائي، الذي سيحمل منذ ذلك المساء عنواناً في غاية البساطة هو “كانتاتا” (مغناة) لكنه سيكون أكثر كثيراً مما يوحي به ذلك العنوان، سيكون تلك الثورة الموسيقية التي أشرنا إليها أول هذا الكلام. بل لنقل بصورة أكثر تحديداً، تلك الثورة المضادة الموسيقية على رغم أنها حملت بالتعريف لواء الموسيقى التسلسلية التي كان سترافنسكي من روادها الكبار، وأعلنت منذ اندلاعها أنها إنما تندلع كي تضع حداً للموسيقى الاثني عشرية التي كانت “تزعم” كونها الأخيرة بين ثورات القرن الـ20 في مضمار الموسيقى وعلاقة الموسيقى بالذهنيات العامة. ولا يجب أن يخفى على أحد هنا أن سترافنسكي نفسه كان من كبار مؤسسي ذلك التيار الموسيقي الذي ها هو يعلن نهايته بنفسه، ليسهم بدوره في ولادة البديل التسلسلي. وكان من علامات الزمن حينها أن يكون العام السابق 1951 هو نفسه عام رحيل شوينبرغ المؤسس الحقيقي للتيار المنهار، تيار الموسيقى الاثني عشرية. لقد بدا التوقيت غريباً وإن كان ملائماً تماماً لولادة شيء ما على أنقاض شيء ما آخر. نهوض أم تراجع؟ للوهلة الأولى إذاً بدا الأمر وكأن سترافنسكي يثور على ذاته في محاولة منه للقيام بقفزة موسيقية مندفعة إلى الأمام، غير أن ذلك الموسيقي الروسي الأصل الذي كان بارح بلاده نهائياً منفياً إلى الغرب، دون أن يفرط في إعلان ذلك كخطوة سياسية ناشراً في طريقه وفي ذلك الغرب تجديدات جاء بها من فولكلوره الروسي الأصيل، ولكن كذلك من تأثر إلى حد كبير بالموسيقى الغربية التي كان من بين أنبه متلقيها في وطنه الأصلي، الذي كانت نخبته الثقافية تتوق إلى اتباع خطى ذلك الغرب مغلفة ذلك بألف قناع وقناع بحسب تعبير أحد مؤرخي جماعة “الخمسة”، التي أحدثت ثورة قبل حفلة لوس أنجليس بقرن من الزمان من خلال زعمها العودة إلى التراث المحلي كنقيض لما ابتكره تشايكوفسكي ورفاقه من “المتغربين”. غير أن تلك التنظيرات كلها إنما أسفرت عن موسيقى رائعة من “الخمسة” وممن هم عارضوا الخمسة فتوالت التيارات ثم نسيت لتبقى الأعمال نفسها في روعة تجديداتها وحتى روعة عودتها إلى القديم المحلي أو الأممي أو حتى الشرقي الخالص. ولعل هذا الدرس هو الذي أراد سترافنسكي إعلانه في ذلك العمل الذي كانت ليلة لوس أنجليس ليلته، مكتفياً بأن يعنونه “كانتاتا” جاعلاً منه ما يشبه أن يكون “ديواناً” يختصر علامات مشعة من تاريخ الموسيقى منذ موسيقى الأسرار الدينية مروراً بموسيقى الحانات التي كانت “كارمينا بورانا” لكارل أورف ذروة لها، مروراً بأورفيو مونتيفردي التي كانت أول أوبرا بالمعنى الحديث للكلمة في تاريخ الفن العالمي، وصولاً إلى ما عده صاحب العلاقة نقيضاً للاثني عشرية لكنه لم يكن في حقيقته سوى امتداد لها حمل كما نوهنا اسم الموسيقى التسلسلية. ديوان تاريخي؟ ثورة؟ تبدلات جذرية؟ ربما كل شيء معاً، ومن هنا بدا ذلك كله كعالم موسيقي بأكمله اكتفى مؤلفه بتوزيعه على ما يصل بالكاد إلى نصف دزينة من الآلات، كانت هي نجوم تلك السهرة في لوس أنجليس ولكن إضافة إلى صوتين هما “متزو سوبرانو” و”تينور”، وكورس يكاد يكون كنسياً. أما الأوركسترا المحدودة العدد فتتألف من آلتي ناي وآلة أوبوا وبوق إنجليزي وفيولونتشيللا. مع هذا المجموع المتواضع أعلن المؤلف الروسي الأصل ثورته ليلتذاك على أية حال. أعمال سترافنسكي الموسيقية على أسطوانة (أمازون) عودة الشيخ إلى إيمانه بالنسبة إلى سترافنسكي، إذا كانت تلك الثورة خطوة على طريق تجديد موسيقي لم يتوقف مبدعو العالم عن الخوض فيه، فإن ذلك العالم نفسه رأى في ذلك كله إبداعاً فنياً قد يتسم بقدر كبير من نخبوية تقنية، لكنه في تلك السهرة استقبل بحفاوة كان من غريب أمرها أنها عابرة. فالحقيقة أن الهواة سرعان ما نحوا “كانتاتا” جانباً قبل أن ينسوا وجودها مقارنة بما يعرفونه من قبل من أعمال كبيرة لسترافنسكي نفسه، كانت ومنذ بدايات القرن الـ20 ذات حظوة لديهم، من “أعراس” إلى “تطويب الربيع” و”بتروشكا” وطبعاً “حكاية جندي”. والحقيقة أن الهواة العاديين وجدوا في ذلك العمل الجديد نوعاً قد يكون محبباً على أية حال من موسيقى ممتعة، ولكن ليس أكثر من ذلك. أما النخبويون فقد وجدوا فيها شيئاً مما كان سائداً من تراجع يتضمن تفاصيل تبرر وتوضح أهميته إن لم يكن في تاريخ الموسيقى، ففي الأقل في التاريخ الشخصي للمبدع نفسه. ووجدوا في الأمر ما يشبه عودة الفنان الذي دائماً ما عُرف بمشاكسته، إلى جذور مغرقة في القدم تشي بما يفعله المشاكسون المسنون عادة من البحث عن ضمانات إيمانية لهم وقد اقتربت آخرتهم! ولعل هذا كان في هذا المضمار من أغرب الأفكار التي تناولت ذلك العمل الذي كان مبدعه يريده أن يبدو خطراً في تاريخ الموسيقى بل نوعاً من ثورة ذاتية تقيم الدنيا ولا تقعدها. ويقيناً أن هذا الأمر في حد ذاته سيبدو لمؤرخي حياة سترافنسكي وعمله واحدة من الهزائم الكبرى التي مني بها خلال آخر سنوات حياته. غير أنه هو شخصياً لم يبال بذلك الاستنتاج كثيراً. بل إنه بدا مهتماً أكثر بالكم الكبير من الأبعاد الفكرية والإبداعية التي تضمنتها “الكانتاتا” في ما بدا بالنسبة إلى كثر نوعاً من تحيات وجهها الفنان إلى أسلاف له، معلناً سداد ما يدين به إليهم. كثر منهم هنا على رغم أن تلك المغناة لا تستغرق في عزفها زمناً طويلاً، لا شك أن كثراً من المتلقين وجدوا في الاستماع إليها وإلى فقراتها المتعاقبة، ولا سيما من تلك الفقرات القسمين المعنونين “ريتشيركاري واحد واثنين” (أي بحث 1 و2)، عدداً كبيراً من إشارات تستعيد مقطوعات موسيقية أو حتى مقاطع شعرية تعود في تاريخها إلى أزمنة مغرقة في القدم. ناهيك بسطور من حوارات مسرحية ومقاطع عابرة من أوراتوريو من هنا وآخر من هناك. وقس على ذلك، بحيث يجد المتلقي نفسه في دوامة من الشعر والغناء والمناجاة والتحاور تبدو محيرة له للوهلة الأولى، أي قبل أن يعتاد على التعامل معها بصورة يستقل بها عن ماضيها المعرفي. غير أن المشكلة كمنت هنا في أن كثراً اكتفوا حينها بالاستماع الأول، مما منع سترافنسكي من أن يحقق غايته المعرفية الأولى، وكذلك منعه من أن يظهر وبقوة نمطه الموسيقي الجديد الذي كان إطار تحركه الرئيس هنا، وبالتحديد النمط القائم على التسلسلية التي ستدين بوجودها إلى تلك الليلة التي سيفشل الفنان الكبير العابر حينها من الكهولة إلى الشيخوخة، في أن يعلنها كما يليق بها. كل ما في الأمر حينها أن الجمهور المحب للموسيقى الحقيقية راح يتعامل مع “كانتاتا”، وانطلاقاً من تركيز ما على توجيه التحية فيها إلى “أورفيو” مونتيفيردي على أنه في صدد إحياء للكلاسيكية الخالصة، فوسم تلك القطعة بأنها نيو-كلاسيكية وكفى الله المعجبين شر التبحر في حداثة… لا مكان لها! المزيد عن: إيغور سترافنسكيالموسيقى التسلسليةالفولكلور الروسيمونتيفيردي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري الحمر” next post ‘It’s in our DNA’: Charity organization names N.S. the most generous province You may also like الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري... 21 ديسمبر، 2024 “هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات:... 21 ديسمبر، 2024 جواد الأسدي يسجن شخصياته المقهورة في “سيرك” 21 ديسمبر، 2024 عندما انبهر ترومان كابوتي بالمجرم في “بدم بارد” 21 ديسمبر، 2024 كاتبات يابانيات “متغربات” يتحدين تقاليد السرد العريق 21 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن: حسن الصباح والإسماعيلية…... 20 ديسمبر، 2024 بعد عقد على رحيله… ماركيز الحاضر برواية “جديدة”... 20 ديسمبر، 2024 فيلم عن مأساة الأجيال الفلسطينية يفتتح “أيام قرطاج... 19 ديسمبر، 2024 الروائية الإيطالية المجهولة إيلينا فيرانتي تكشف آراءها للقراء 19 ديسمبر، 2024 فروسية رولان في حروب شارلمان الملحمية 19 ديسمبر، 2024