عرب وعالمعربي انقسام الجبهة الثورية السودانية على طريق السلطة by admin 20 مايو، 2020 written by admin 20 مايو، 2020 21 توحدت الحركات بهدف إسقاط النظام السابق بالقوة المسلحة وتأسيس دولة جديدة على أنقاضه اندبندنت عربية / منى عبد الفتاح قبل أن تعود الحكومة الانتقالية إلى جوبا لمواصلة التفاوض بينها وبين تحالف الجبهة الثورية، فاجأتها الأخيرة بانشقاق منِّي أركو مناوي قائد “حركة جيش تحرير السودان” بعد دعوات لإجراء إصلاحات في التحالف، وإعلان مناوي مشاركة حركته كفصيل مستقل في المفاوضات، هذا الانشقاق خلق واقعاً جديداً هو أن حركة جيش تحرير السودان، أصبحت فصيلين، أحدهما بقيادة الهادي إدريس الذي يرأس الجبهة الثورية أيضاً منذ انتخابه في سبتمبر (أيلول) 2019، والآخر بقيادة مناوي، وبرز هذا الانشقاق مع اقتراب النقاش حول مسألة اقتسام السلطة، وهو ما حدث في السابق بعد توقيع اتفاقية أبوجا عام 2006، إذ عُيِّن مناوي مساعداً للرئيس السابق عمر البشير، وذلك قبل أن يخرج من القصر الجمهوري غاضباً ويلتحق بالحركات المسلحة في دارفور، فهل تسير الحكومة الانتقالية على خُطى الانقاذ بالتفاوض مع حركات منقسمة على نفسها، أم تشترط توحدها لتصل إلى اتفاقِ سلام شامل؟ التوحُّد والانقسام توحدت الجبهة الثورية من انقسامات الحركات المعارضة المسلحة، وكان بإمكان الحكومة السودانية السابقة التفاوض معها ككتلة واحدة، ولكنها هلَّلت لانقسامها مرات عدة كي تحصل على وسيلة ضغط وتنافس يساعدها في تقريب بعضها وإبعاد البعض الآخر بحسب ما تقدمه من تنازلات، واستمرت على تلك الحال تتفاوض مع كل حركة على حدة ما أضرّ بعملية السلام والوصول إلى اتفاق، حتى أورثت حكومة ما بعد الثورة بلداً منفصلاً جنوبه، وممزقة أطرافه. وشكِّلت الجبهة الثورية بناء على “وثيقة كاودا” التي أصدرتها الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، الفصيل الأكبر وقتها مع ثلاث حركات مسلحة أخرى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وتكونت الحركات المسلحة من “حركة العدل والمساواة” بقيادة جبريل إبراهيم، و”حركة جيش تحرير السودان” جناح منّي أركو مناوي، و”حركة جيش تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور”، و”الحركة الشعبية لتحرير السودان” (قطاع الشمال) التي شاركت في الحكم بناءً على اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا عام 2005. وتوحّدت الحركات تحت هدف إسقاط النظام السابق بالقوة العسكرية المسلحة وتأسيس دولة جديدةٍ على أنقاضه، وتناغماً مع ذلك الهدف، اختارت التصعيد العسكري ما وسَّع دائرة الصراعات وفتح جبهاتٍ جديدة، فحينما كانت هذه القوات تستعرض عتادها العسكري الذي زودتها به ليبيا وسهَّلت له تشاد، كانت القوات الحكومية تستعد لتطويق قوات الجبهة الثورية. الحكومة مع المعارضة لم يمرّ سوى عامين حتى جلست الحكومة مع المعارضة من تحالف قوى الإجماع الوطني ممثلة في أحزاب المعارضة، والحركات المسلحة ممثلة في الجبهة الثورية لتوقيع وثيقة (الفجر الجديد) بالعاصمة الأوغندية كمبالا في الخامس من يناير (كانون الثاني) 2013، ولم يفلح هذا الاتفاق مثل سابقه في التسوية التفاوضية على الصراع، ولكن تم على أساسه توزيع جديد للسلطة على الأحزاب السياسية المعارضة بغرض تفكيكها وإضعاف تواؤمها مع الحركات، فكان أن عيّنت حكومة الانقاذ أربعة مساعدين للرئيس البشير من الأحزاب السياسية المعارضة، وهم الحسن الميرغني من الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو نجل رئيس الحزب، وعبد الرحمن الصادق المهدي من حزب الأمة وهو نجل رئيس الحزب، وموسى محمد أحمد رئيس مؤتمر البجا، وإبراهيم السنوسي من حزب المؤتمر الشعبي، مع إضافة مساعدين في فترات لاحقة، وبقى هؤلاء حتى سقوط النظام. ووسَّعت الحركات المسلحة عملياتها العسكرية، فقد رأت في استقطاب الحكومة للأحزاب السياسية استفزازاً قادها إلى مواجهة سياسية تطورت إلى مواجهة عسكرية، ثم انسحبت على إثرها الحكومة من الاتفاق الإطاري، وكانت النتيجة أن سيطرت عدم الثقة المتجذِّرة على المرحلة اللاحقة وتميَّزت بتصفية الحسابات وتصلُّب العلاقة. النزعة الانفصالية يعود شبح الانفصال ليطل برأسه من جديد على الجبهة الثورية، فقد شارفت المفاوضات على الختام، والعنف لم ينحسر بشكلٍ كامل، ولم تنجح هذه الجهود في التخلص من النزعة الانفصالية التي تلازم الحركات المسلحة بشكلٍ عام، فغير حمل السلاح والانشقاقات هناك ما تفرضه النزعة الانفصالية الثقافية والاقتصادية. وتتمتَّع “حركة تحرير السودان” بتاريخ من الضغوط مارسته على الحكومة السابقة، أوصلت مناوي إلى القصر الجمهوري ثم تجميد نشاطه فيها ما عدَّته الحكومة إخلالاً باتفاقية أبوجا، بينما اتهمها مناوي بمحاولة حرق الجميع سياسياً بالإتيان به وإعطائه وظيفة شكلية ومكوثه في القصر من دون أي سلطات، وتستغل حركة مناوي موقف رئيسها بخروجه من القصر كموقف مبني على ما وصفه بالتمييز والتهميش، وهي اتهامات قوية تصلح لابتزاز حكومة الثورة التي جاءت بشعارات الحرية والسلام والعدالة، من أجل وصوله السريع إلى كرسي في السلطة. انتقادات سبقت الانشقاق لم يُظهر مناوي ودّاً للحكومة الانتقالية، ووجَّه لها انتقادات واتهامات عدة بافتعال الأزمة الاقتصادية، ولمَّح إلى أنّهم لا يريدون السلام لاحتكارهم السلطة وترك الهامش على ما كان عليه في العهد السابق من دون سلامٍ أو تنمية، ومنها أيضاً مطالبته عبر حسابه على “تويتر” في فبراير (شباط) الماضي الحكومة الانتقالية والحكومة السابقة بتقديم اعتذار للشعب السوداني باستخدامهما العنف في مواجهة العُزَّل أثناء الثورة، وهو هنا يلمِّح إلى تواطؤ حكومة الثورة مع الحكومة السابقة. ثم عرّج على التحالفات مع النظام السابق بأنّها سقطت أخلاقياً قبل أن تسقط سياسياً في إشارة أيضاً إلى إعادة هيكلة الأحزاب التي عارضت النظام السابق على الرغم من أنه جمعه بها عدد من التحالفات، وفسّر البعض هذه الانتقادات بأنها عملية تسريع الحصول على منصب، خصوصاً أن “حركة جيش تحرير السودان” تحت قيادة الهادي إدريس، ما يعني ضمناً أنه بمجرد الانتهاء من التفاوض حول السلطة في جوبا فإن الاقتسام المحتمل سيكون من نصيب رئيس الحركة، لذا استبق مناوي الأحداث وأصبح رئيساً للحركة المنفصلة. أما ما جاء في باب انتقاده للجبهة الثورية، فكان بتسليط الضوء على موقف فصائلها في بيان أصدرته في أبريل الماضي، أشارت فيه إلى صراعٍ داخلي، وجاء ردّ مناوي نافياً ذلك وقال إنها سعت للإيحاء بوجود صراعٍ داخلي في التنظيم، وأنها في جانب التفاوض مع الحكومة الانتقالية تعظِّم من الإيجابيات من دون النفاذ للقضايا الجوهرية ذات الصلة بالعملية السلمية لقضايا أهل الهامش، وعبَّر أيضاً في سلسلة تغريدات خلال شهر مايو الجاري بأن “إصلاح الجبهة الثورية يكمن في قيادة جماعية، أما رفضها يعني تسلطٌاً على التنظيمات المكوِّنة لها يجهل عواقبه. والحد الأدنى لأي عملٍ سياسي مشترك هو القيادة الجماعية المجمع عليها، فرفضها إما نتيجة لقلة الخبرة أو لشيء في نفس يعقوب، وكلاهما شذوذ سياسي في التحالفات”. سيناريوهات الفرصة الأخيرة إن الاتجاه العام في شأن انقسام “حركة جيش تحرير السودان” بعد أن شارفت المفاوضات على نهايتها، تضع أمامنا ثلاثة سيناريوهات، الأول، تحوُّل الحركة برئاسة الهادي إدريس إلى تنظيمٍ سياسي، وهو مشروع نُوقِش في اجتماعات القاهرة بين الجبهة الثورية وتحالف نداء السودان في سبتمبر 2019، بتشجيعٍ من الوساطة المصرية، وهذا الاختراق السريع من شأنه التأثير على تشدد مناوي، مقابل دخول إدريس في المفاوضات، من دون شروط صعبة، يدّس موافقته عليها في سياق القرار السياسي، ويخدم من جهة أخرى حرص الحكومة الانتقالية على الوصول إلى صيغة اتفاق سلام شامل كإنجاز قبل نهاية فترتها. والسيناريو الثاني، يشجّع الانقسام الذي اعترى “حركة جيش تحرير السودان” وأنكره مناوي في ما قبل، وايضاً فصائل الجبهة الثورية الأخرى على التمسك بأولوية فك الارتباط بين الحركتين المنقسمتين من جهة، وبين الانقسام الناشئ داخل حركة مناوي نفسها من جهة أخرى، وأصدر مناوي قراراً في السادس من مايو (أيار) الحالي أعفى بموجبه الريح محمود من موقعه التنظيمي كنائب رئيس الحركة، بزعم مخالفته أهداف ومبادئ الحركة، ومن شأن هذا الانقسام المزدوج أن يُعلي من قيمة التفاوض مع فصائل الجبهة الثورية الأخرى الموحدة. والسيناريو الثالث، يتمثّل بتأثير هذا الانقسام على تكوين الجبهة الثورية المعادية للنظام السابق، والمتشككة في الحكومة الانتقالية، والذي يأتي في إطار الترتيبات الأساسية للتفاوض، وبما أن حركة مناوي جزء من تحالف الجبهة الثورية، فإن الوضع الجديد ربما يكون في اتجاه يؤدي إلى كسب الحكومة الانتقالية لمعركتها التفاوضية مع أطراف من دون أخرى، ومن دون أن تصل إلى سلامٍ حتى نهاية فترتها، ما يعرقل عملية التحول الديمقراطي وإجراء الانتخابات من دون حسم متطلباتها ووضعية الأقاليم محل الخلاف. وتلقي هذه التطورات الأخيرة بظلال جديدة من الشك على حجم جدية حركة مناوي ومواصلة التفاوض معها، فعلى الرغم من أن هذا هو ديدن الفرقاء في الحركات المسلحة حين يقترب ما يعدّونه جني ثمار المفاوضات، إلا أن هذا الانقسام سيلعب دوراً في حدوث انهيار وشيك للمفاوضات، أو قيامها بلا نتيجة إيجابية، وإن كان الصراع بين حكومة البشير والحركة الثورية من قبل قام على التهميش والعنصرية والتعامل باستعلائية نابعة مما سُمي بالمشروع الحضاري، فإن الصراع الحالي بين الحركات نفسها والحكومة الانتقالية هو صراع على معايير تضعها الحركة وفقاً لرؤيتها للصراع الأزلي بين المركز والهامش، ولم تستطع شعارات الثورة إزالة ما علق بأذهان رؤساء الحركات المسلحة من دعاوى التهميش، حتى والبلاد واقفة على أعتاب الديمقراطية، فلا أحد يستطيع أن يجزم ما إذا كانت هذه الاستراتيجية الانشقاقية قد تتحول إلى واقعٍ ملموس، ولكن ما يبدو مؤكداً هو أنَّ حركة مناوي هي الأوفر حظاً من بين الحركات المسلحة في انتهاز الفرص والكسب بسرعة من خلال ثورة المهمشين السياسيين، وأن الابتزاز السياسي يبدو أكثر فاعلية وتأثيراً من فوهات المدافع، إلا أنه يفقد ما كسبه بالسرعة نفسها. المزيد عن: حركة جيش تحرير السودان/منِّي أركو مناوي/حركة العدل والمساواة/الحركة الشعبية لتحرير السودان/عمر البشير/وثيقة كاودا/دارفور 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post كتّاب مصريون في الحجر: كأننا على مركب يغرق وفيسبوك نافذتنا next post خفض قيمة عملة لبنان يهدد بـ “ثورة جياع” You may also like هيئة البث الإسرائيلية: الاتفاق مع لبنان تم إنجازه 24 نوفمبر، 2024 تفاصيل خطة إسرائيل لتسليم إدارة غزة إلى شركات... 24 نوفمبر، 2024 حزب الله وإسرائيل يتبادلان الضربات في استعراض الكلمة... 24 نوفمبر، 2024 صواريخ حزب الله تصل الضفة الغربية وتصيب طولكرم 24 نوفمبر، 2024 أكسيوس: هوكستين يهدد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل... 24 نوفمبر، 2024 ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟ 24 نوفمبر، 2024 علي لاريجاني: إيران تجهز الرد على إسرائيل 24 نوفمبر، 2024 جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم... 24 نوفمبر، 2024 هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً... 24 نوفمبر، 2024 ابتعاد النظام السوري من “محور الممانعة”… استراتيجي أم... 24 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.