لوحة للرسام منصور الهبر (صفحة الرسام - فيسبوك) ثقافة و فنون اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب by admin 22 نوفمبر، 2024 written by admin 22 نوفمبر، 2024 23 تصور رواية “كل العشاق في الليل” المجتمع هادئاً وبطيئاً ومغرقاً في الوحدة والعزلة والفراغ اندبندنت عربية / كاتيا الطويل @katiatawil من يقرأ رواية مييكو كاواكامي “كل العشاق في الليل” يجد أنها تتميز بأسلوبها البطيء والسلس والخالي من التطورات والمجريات والأحداث. في سرد هادئ وعميق تصف مييكو كاواكامي حياة شخصيتها الرئيسة شبه المعدومة، فتقول الراوية التي تتحدث بصيغة ضمير المتكلم “أنا”: “لكنني انتبهت الآن كم أنا وحيدة. وعلى رغم هذا الزحام من البشر، وهذه الأماكن كلها، والإمدادات غير المحدودة من الأصوات والألوان المحصورة في مكان واحد، لم يكن هناك شيء يمكنني الذهاب إليه ولمسه”. (ص: 220). في 13 فصلاً ونحو 294 صفحة تظهر شخصية واحدة تروي دواخلها وخواطرها ووحدتها وعزلتها، كما يظهر المجتمع الياباني بعاداته وأصوله وقيمه وتعلقه بالقوانين الباردة في التعامل مع الآخر. في رواية دخلت بترجمتها الإنجليزية (All the lovers in the night) القائمة القصيرة لجائزة National Book Critics Circle Award عن فئة الروايات، يظهر الهدوء الياباني والبطء في السرد والإنسان الوحيد المنعزل الذي لا يجد مكانه في هذا العالم بل يترك العالم يجد له مكانه فيه، فتقول الراوية: “خطر لي أنني في المكان الذي أنا فيه لأنني لم أختر أي شيء”. (ص: 243). سرد الغياب الرواية بالترجمة العربية (دار الآداب) يلاحظ القارئ غياب الأحداث وغياب تعدد الحبكات والشخصيات والمجتمعات، فيركز السرد على شخصية واحدة بدواخلها ومشاعرها وتحولها الوجداني البطيء والقليل وهي مزية نجدها في أعمال كثيرة تنتمي إلى الأدب الياباني. ومن يقرأ كاواكامي يقرأ إلى جانب غياب الأحداث، الوحدة الطاغية والعلاقة شبه المعدومة بالآخر وبالذات وبالجسد وبالعالم وبالمجتمع وبالرغبات الجامعة والنزوات الصاعقة. غياب كامل للعلاقات على اختلافها وتنوعها. تقدم رواية “كل العشاق في الليل” أولاً غياباً للعشق والشغف، وكأن العنوان يرغب في إرباك القارئ ومنعه عن توقع ما في النص. وعلى أن العنوان يرد في السرد يبقى بعيداً شديد البعد منه وعن فحواه، فالبطلة التي تمسك بزمام السرد هي مدققة لغوية وحيدة منعزلة عن العالم وعن زملائها وعن العشق وعن كل شيء، فتقول عن نفسها: “لم أستطع التفكير في شيء واحد عني قد يستحق المشاركة. اسمي فويوكو آيري، مدققة حرة، عمري 34 سنة. سأتم الـ35 في الشتاء. أعيش وحدي. عشت في الشقة نفسها منذ قديم الأزل. ولدت في ناغانو. في الريف. في أحد الوديان. أحب الخروج لأمشي مرة في السنة، في عيد ميلادي، ليلة عيد الميلاد، في منتصف الليل، لكنني لست واثقة من أن أحداً غيري قد يرى هذا الأمر ممتعاً، كما أنني لم أحكه لأحد من قبل. ليس لدي أصدقاء أتحدث معهم بصورة منتظمة. هذا هو كل شيء، كل ما يمكنني أن أحكيه لها عن نفسي”. (ص: 50). تبدو العلاقات على أنواعها غائبة في حياة الراوية فويوكو. يغيب مثلاً الحديث بصورة عامة وتام عن الأواصر التي تربط الراوية بعائلتها، فلا ذكريات ولا عودات إلى الوراء ولا معلومات عن الطفولة أو أفراد العائلة أو عددهم حتى. لا يعرف القارئ شيئاً عن والدة الراوية ولا عن والدها ولا عن البيت الذي نشأت فيه، أكانت عائلة ودودة؟ فقيرة؟ مفككة؟ صمت مدقع يغطي على علاقة الراوية بعائلتها. الروائية ميا كاواكامي (دار الآداب) يضاف إلى غياب الحب وغياب العلاقة بالعائلة، غياب العلاقة بالجسد. على رغم أن عنوان الرواية يحمل كلمتي “العشاق” و”الليل” اللتين تشيران برمزيتهما إلى علاقات حب وشغف وجنس، تتعفف الراوية عن العلاقات الغرامية فهي لا تملك علاقات غرامية ولا قصص إعجاب. شاب واحد فقط يدور السرد حول العلاقة به وهو ميتسوتسوكا إنما تبقى العلاقة به سطحية وبريئة وشبه غائبة يسودها الصمت والارتباك والتردد. تتعرف فويوكو إلى ميتسوتسوكا صدفة لكن الأمور بينهما تبقى معلقة بطريقة تربك القارئ وتجعله يتساءل عن حقيقة هذه البرودة في التعامل مع قصص الحب، أهي برودة خاصة بالشخصية أم هي برودة موجودة في المجتمع ككل؟ غياب رابع يصعق القارئ وهو غياب أي علاقة للراوية بزملاء أو بأصدقاء. تعيش فويوكو وحيدة منعزلة، فتكتب عن نفسها قائلة: “منذ أن كنت صغيرة وأنا غير قادرة على إجبار نفسي على الانخراط في محادثة، مثل أي شخص طبيعي، ناهيك بالتواصل مع الناس أو الخروج معهم”. (ص: 11). على رغم أن الراوية عملت في مكان يغص بزملاء كثر، ظلت ترفض الخروج معهم والاحتكاك بهم والتقرب منهم أو مجرد الدخول في أحاديث معهم. ليس الأمر أنها ترفض إنما بالأحرى تعجز عن إقامة أي رابط مع المحيطين بها، مما يؤدي بزملائها إلى الابتعاد عنها وتجاهلها والسخرية منها، مما يزيد من عزلتها ووحدتها. صداقات قليلة تظهر في السرد وهي ثلاث مع ثلاث نساء، يبدون ثلاثتهن مسيطرات على الصداقة من خلال أخبارهن التي لا تنتهي وأحاديثهن الطويلة، وتركيز العلاقة على ما يجري في حياتهن هن وليس ما يجري في حياة الراوية. من اللافت أيضاً عجز الراوية في معظم الأحيان عن التحدث عن نفسها، مما يدفعها للجوء إلى شرب الكحول لتتمكن من التحرر قليلاً من صمتها ووحدتها. تلجأ الراوية إلى شرب الساكيه والبيرة في محاولة يائسة منها لدخول شبكة العلاقات الاجتماعية والتحرر من صمتها. أما الغياب الذي يكلل الغيابات كلها فهو غياب العلاقة بالضوء. على رغم مجهود صديقها والشاب التي هي معجبة به، ميتسوتسوكا، تعجز الراوية عن فهم الضوء وعلاقته بالأشياء، وكأن الضوء يمثل العالم والمجتمع والآخر، تعجز فويوكو عن إقامة علاقة ألفة مع الضوء أي بكلمات أخرى مع الحياة وحرارة المشاعر والناس والحب. سرد البحث عن الأخطاء العلاقة الوحيدة المسيطرة على السرد هي علاقة الراوية بعملها كمدققة لغوية، فتبدأ الراوية سردها قائلة عن نفسها: “كنت مدققة، أقضي كل لحظة في يومي، من الصباح إلى المساء، أصطاد الأخطاء”. (ص: 11). يبدو أن عمل الراوية تحول إلى هويتها وكيانها ورفيقها وحبيبها وزميلها وهوسها. المكان الوحيد الذي تكون فيه على سجيتها هو التدقيق اللغوي، فهو كما تصفه لا يحتاج إلى الحركة ولا إلى الخروج ولا إلى التحدث إلى الآخرين، هو عمل يحتاج إلى قدرة عالية على العزلة والوحدة والصمت والتركيز على إيجاد الأخطاء. حتى القراءة نفسها لا تعود متعة بل تتحول إلى عمل ميكانيكي أوتوماتيكي صرف. تلجأ الراوية إلى هوسها بتصحيح الأخطاء لتعيش، من دون أن يخفى عليها أنه تغرق نفسها في وحدة أكبر بعد، فتقول: “تدقيق النصوص عمل يصيب بالوحدة. صناعة تمتلئ بالناس الوحيدين”. (ص: 36). “كل العشاق في الليل” رواية الوحدة وغياب العلاقة بالعالم وبالآخر وبالذات، هي رواية فيها عمق فلسفي وجودي بشري تشي به الرغبة في الصمت والغرق في العتمة وفي الإحباط، ليتحول الليل إلى عدو وليس إلى وشاح يحالف العشاق ويخفيهم عن العيون، ليتحول الليل إلى مصدر عتمة ووحدة وسوداوية، فتقول الراوية عن نفسها: “عور يتشبث بظهري ويسحبني إلى الأسفل. مع كل خطوة أخطوها، ينسدل حجاب من الظلمة على كل ما أراه”. (ص: 30). يفهم القارئ في نهاية الرواية أن الليل والعشق الموجودين في العنوان لا يحملان المعاني الإيجابية الرومانسية نفسها التي يحملانها في العموم، فالعشق يتحول إلى سلاح يؤلم ويحطم بينما الليل عدو للضوء، يصبح وحشاً قاتلاً يلتهم أهله. المزيد عن: روائية يابانيةترجمةالحبأزمة وجدانيةالوحدةالعزلةالفراغالثنائيالرجلالمرأةرواية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الفنون في الجزائر… حضور شكلي وغياب تعليمي next post لماذا أصدرت “الجنائية الدولية” مذكرة توقيف ضد نتنياهو وهل سيعتقل؟ You may also like المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024 من هي إيزابيلا بيتون أشهر مؤثرات العصر الفيكتوري؟ 21 نوفمبر، 2024