السبت, مايو 31, 2025
السبت, مايو 31, 2025
Home » الوحدة… الوجه الخفي للصمت القسري أو الاختياري

الوحدة… الوجه الخفي للصمت القسري أو الاختياري

by admin

 

شعور يلامس منظومة معقدة من الأعراف والثقافات والأدوار الاجتماعية بأنواعها المعاصرة

اندبندنت عربية / هلا الخطيب كريّم صحافية لبنانية ودكتورة محاضرة في كلية الإعلام – الجامعة اللبنانية @halasc

كانت الوحدة في الحكايات القديمة تعد ترفاً وملاذاً، قوقعة يختارها الحكماء عن سابق تصور وتصميم، للخلو بكنوزهم الداخلية التي يعكرها المجتمع وضجيجه، أو هكذا كانوا يدعون في الأقل.

ملاذ الحكماء

صاحب كتاب “مئة عام من العزلة” غابرييل غارسيا ماركيز عبر عنها فكتب “الوحدة هي الثمن الذي يدفعه أولئك الذين يجرؤون على أن يكونوا مختلفين”، واعتبر ألبير كامو في كتابه “الغريب” أن العزلة هي المكان الذي يكتشف فيه الإنسان حقيقة نفسه، بينما عبر فريدريك نيتشيه عن أهمية الوحدة، قائلاً إن ما يميز الأفراد العظماء عن الصغار هو أنهم يحبون الوحدة، ورأى أن “العزلة تجعل الإنسان أكثر قوة”، أما جان جاك روسو فقال “الوحدة هي المكان الذي نجد فيه حريتنا الحقيقية”.

وقال الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور “كلما زاد وعي الإنسان ازداد شعوره بالوحدة”، أما مواطنه الفيلسوف إريك فروم فاعتبر أن الوحدة هي العمق الأخير للشرط الإنساني، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يشعر بالوحدة والذي يبحث عن الآخر، وهذه الباقة من الآراء تكرس النظر إلى الوحدة بطريقة مبجلة، مسبغة عليها صفات القوة والإبداع والحرية والجرأة والوعي والعظمة.

لكن قد تكون هناك مبالغة في تقدير الوحدة هذه، أو قد تكون هذه الأقوال لأدباء وفلاسفة عالميين نابعة من جرح ما في حياتهم، فإذا كانت الوحدة بهذه العظمة، لماذا نقضي عمرنا في البحث عن شريك وصديق ومجتمع ورفيق؟ ولماذا لا نكف عن نسج العلاقات الإنسانية من خيوط كثيرة من الانتماء والتشابه والفكر مدعمة بدبابيس الـ”إيغو” والمعتقدات ورواسب الأجيال في حمضنا النووي؟

وحيد على رغم الزحام

يقول جبران خليل جبران في كتابه “الأرواح المتمردة” إن أسوأ أنواع الوحدة، تلك التي تجتاحك وأنت بين أهلك وأصحابك، وقد تكون هذه حالنا اليوم، فعلى رغم الازدحام الحياتي الحقيقي والسوبر ازدحام افتراضي، تحكم الوحدة المجتمعات وتتقطع أوصال اللقاء، ليصبح كل كائن وحيداً على رغم وجود الناس حوله، فماذا حدث؟ تشبه الوحدة الآن بثاً حياً لا يسمعه سواك، إذ يمنحك العالم تواصلاً بارد المعالم وتفاعلات بلا ملامح.

تواصل بارد

ضمن دراسات أجرتها شركة التأمين الصحي “سينيا” (Cigna) استخدمت مقياس الوحدة الشهير الذي طوره باحثون في جامعة “يو سي أل أي” (UCLA) في كاليفورنيا، والمعروف باسم (UCLA Loneliness Scale)، لقياس مستويات الوحدة بين المشاركين،​ أفاد التقرير لعام 2020 بأن 61 في المئة من البالغين الأميركيين يشعرون بالوحدة، مقارنة بـ54 في المئة عام 2018، وأظهر أن هذه المشاعر كانت أكثر شيوعاً بين الأجيال الشابة، في ازدياد حاد في الفئات العمرية الشابة على رغم كثافة وجودهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فأفاد 79 في المئة من أفراد “الجيل زد” أي الذين تراوح أعمارهم ما بين 18 و22 سنة، و71 في المئة من جيل الألفية الذين تراوح أعمارهم ما بين 23 و37 سنة بأنهم يشعرون بالوحدة، مقارنة بـ50 في المئة من جيل ما يسمى “الطفرة السكانية”، أي الذين تراوح أعمارهم ما بين 52 و71 سنة.

وتبدو هذه المفارقة وكأنها تعيد طرح سؤال ما إذا كانت الوحدة هي نتاج غياب الآخرين؟ أم نتاج غياب ذواتنا وسط ضجيجهم؟

ففي زمن يقاس بثواني الـ”ستوري” والـ”لايك”، لم تعد الوحدة مرادفاً للصمت والهدوء، إنما انعكاس لحال ضجيج كثيف لكنه يبدو فارغاً، فهناك عشرات الإشعارات ومئات الوجوه وآلاف القصص، لكن الوحدة سيدة الموقف، وعلى رغم الزحام فإن التأثير بات واهياً.

وفي دراسة من جامعة “هارفارد” عن السعادة تحت عنوان (Harvard Study of Adult Development)، وهي واحدة من أشهر الدراسات الطويلة في العالم حول تطور الإنسان، بدأت عام 1938 ولا تزال مستمرة حتى اليوم، تبين ضمن أحد أبرز استنتاجاتها أن جودة العلاقات الشخصية وليس كميتها هي العامل الأهم في تحديد مستوى السعادة والصحة النفسية والجسدية، وحتى في طول العمر.

خريطة عمر عن الوحدة

متى تبدأ الوحدة؟ وكيف تتبدل مع الزمن؟ وكيف تقوم الحياة الافتراضية بدور الكاتم والمضخم لها في آن واحد؟

قد لا يستطيع الطفل نطق كلمة “وحدة”، أو معرفة معناها، لكن سلوكه يصرخ بها، فيبدأ بالانسحاب من اللعب مع نظرات طويلة إلى الأرض، وربما يتعلق على نحو مفرط بالأجهزة الإلكترونية واللوحية، وترتبط الوحدة في الطفولة بمشكلات يشعر بها الطفل وسط العائلة، مكان أمانه الأول، وقد نشرت دراسة في (Child Development Journal) عام 2020 وجدت أن الأطفال الذين يعانون نقصاً في التفاعل الوجداني مع الأهل يطورون حساً مبكراً بالانعزال، مما قد يؤثر لاحقاً في قدرتهم على تكوين علاقات مستقرة في سن البلوغ.

هذا هو الخط الأول في رسم خريطة الوحدة الذي ينذر ببدء المشكلة إن لم يعالج، ليلقي بثقله لاحقاً على كامل سنوات العمر.

وتأتي بعد ذلك المراهقة المرهقة بكل تفاصيلها، فيشكل الفرد هويته، متنقلاً بين المثال والشبه والنسخ في رحلة بحث مضنية، لكن المفارقة أن المراهقين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة هم الأكثر عرضة للشعور بالوحدة، وأبرزت دراسة أعدتها (American Journal of Preventive Medicine) عام 2017 على 1700 شاب أن الذين يقضون أكثر من ساعتين يومياً على المنصات الرقمية يعانون شعوراً بالوحدة بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بمن يستخدمونها على نحو أقل.

قد تكون الوحدة خيار الأقوياء أو خيبة ترتدي لباس القوة (بيكسلز)

 

وإذا ما راقبنا من حولنا من المراهقين، فنجد معظمهم ينشرون تفاصيل مشاعرهم في حال يائسة، بحثاً عن اهتمام ما، ولكن الإشباع العاطفي لا يتحقق هنا لأن كل ما يمكن أن يحصلوا عليه تفاعلات سطحية عبارة عن “لايك” أو “قلب”، فتزداد هوة الوحدة وغالباً ما يصاب المراهقون بالاكتئاب بسبب فرط الاستخدام وخيبة الأمل في التوقعات.

وما إن ينشغل الأفراد في سن الرشد بحياتهم العملية والعائلية والمسؤوليات، حتى تقبع الوحدة في إحدى زوايا العقل الهادئة، ولكن مساحتها تزداد أيضاً مع كل خيبة مهما كانت بسيطة، للوصول إلى شعور بأن العالم يمضي من دونك، فإما أن تعتاد أو تقع في فخ الوحدة والاكتئاب، أو تغير من سلوكك لتجد دائرتك التي تشعرك بالأمان والوجود والأهمية.

وخلال دراسة نشرتها الباحثة جوليان هولت لونستاد وزملاؤها في “جامعة بريغهام يونغ” عام 2015، أجرت تحليلاً شمل 70 دراسة سابقة، ضمت أكثر من 3.4 مليون مشارك، لقياس تأثير العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة في خطر الوفاة المبكرة، لتجد أن تأثير الشعور بالوحدة في الصحة يعادل تأثير تدخين 15 سيجارة يومياً، ويزيد من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 26 في المئة، أما العيش وحيداً فيرتبط بزيادة خطر الوفاة بنسبة 32 في المئة.

ونأتي إلى سن الشيخوخة المرحلة الأكثر عمقاً في التعبير عن الوحدة، من فقدان الأصدقاء أو الشريك وتراجع الحركة وانطلاق الأبناء في حياتهم، فكلها عناصر تخلق عزلة لا يخففها اتصال هاتفي أسبوعي أو صورة حفيد على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، ومما لا شك فيه أن الهجرة في بلد مثل لبنان تركت فراغاً مرعباً لدى كبار السن في عيش غربة مزدوجة نفسية وجغرافية في آن واحد.

من أكثر وحدة النساء أم الرجال؟

قد يبدو السؤال بسيطاً، لكنه في العمق يلامس منظومة معقدة من الأعراف والثقافات والأدوار الاجتماعية، وعلى رغم الصورة النمطية التي تلصق الوحدة بالنساء أو بكبار السن، فإن الواقع أكثر تناقضاً، وقد يكون الشعور بالوحدة هو ذاته لدى النساء والرجال، ولكن أبحاثاً متعددة تشير إلى أن النساء غالباً ما يشعرن بالوحدة على نحو مختلف عن الرجال، إذ تعبر النساء عنها على نحو أكثر انفتاحاً، بينما يعمل الرجال على كبتها.

وضمن استطلاع نشرته صحيفة “واشنطن بوست” عام 2025، تبين أن 25 في المئة من الرجال الأميركيين بين عمر 15 و34 سنة شعروا بالوحدة في اليوم السابق للاستطلاع، مقارنة بـ18 في المئة من النساء في الفئة العمرية ذاتها، وعلى رغم أن الفارق قد يبدو ضئيلاً، لكنه عميق في دلالاته.

أما “مركز بيو للأبحاث” (Pew Research Center)، فتكشف أرقامه عن تقارب بين الجنسين (16 في المئة للرجال مقابل 15 في المئة للنساء)، إلا أن الطريقة التي يعيش بها كل جنس شعور الوحدة تختلف تماماً، فالنساء عادة يتحدثن ويطلبن الدعم، أما الرجال، فيرجح أن يكبتوا وينعزلوا أو يحاولوا تجاوز الإحساس من دون الاعتراف به بسبب ضغوط التقاليد الاجتماعية، وتظهر دراسة نرويجية طويلة الأمد نشرت عام 2024 أن النساء فوق سن الـ40 أكثر عرضة للشعور بالوحدة من الرجال، بخاصة بعد فقدان الشريك أو تدهور الحال الصحية.

ربما نستطيع القول إن الوحدة لدى الرجال صامتة ولدى النساء حزينة، فالوحدة ليست حكراً على جنس أو عمر، هي نتيجة لخراب داخلي بطيء يبدأ حين نغيب عن أنفسنا حتى لو كنا محاطين بالناس.

 متى تبدأ الوحدة؟

مدربة الحياة والأهل رفيدة الصالح التي ساعدت أكثر من 200 شخص للتحرر من صدماتهم كانت الوحدة إحداها تقول لـ”اندبندنت عربية” إن الوحدة لا تعني بالضرورة الابتعاد الجسدي من الآخرين، إذ قد تكون انفصالاً عاطفياً داخلياً، حتى في وجودنا وسط التجمعات، و”قد يكون الشخص محاطاً بكثير من الناس، لكنه في الحقيقة منفصل عنهم عاطفياً”، وترى أن الوحدة تستخدم كسلوك دفاعي لدى من تعرضوا في طفولتهم للنقد واللوم المستمر، أو لأولئك الذين طلب منهم أن يكونوا مثاليين على الدوام، فهؤلاء الأشخاص، بحسب الصالح، يفضلون عدم الكشف عن حقيقتهم، خوفاً من الرفض أو الأذى، فيلجأون إلى الوحدة على رغم وجودهم الظاهري مع الآخرين.

وعن تجربتها الشخصية تقول الصالح “كنت طفلة خجولة، تميل إلى الانسحاب، كنت أعتزل الآخرين وأقضي وقتي على ’التختة‘، كنت أبحث عن السلام بطريقتي الخاصة”، وتضيف أنه “خلال الطفولة، غالباً ما تظهر الوحدة على صورة انسحاب أو خجل، فيختار الطفل أن يبتعد ليحمي نفسه وليحافظ على أمانه الداخلي”.

رفيدة الصالح تعتبر أن الأسرة قد تكون الجذر الأول لمشاعر الوحدة (اندبندنت عربية)

 

أما أثناء المراهقة، فتأخذ الوحدة صورة مختلفة وتظهر عبر الاختلاف مع الآخرين أو التمرد على القواعد التي كان المراهق مجبراً على اتباعها خلال طفولته، وفي هذه المرحلة يبدأ الصراع بين الرغبة في التفرد والخوف من الانفصال الكامل، وفي سن الرشد، بحسب الصالح، تتجذر الوحدة نتيجة شعور مزمن بعدم الأمان، غالباً بسبب صدمات متراكمة في العلاقات السابقة.

مؤشرات الوحدة

أما مؤشرات الوحدة كما ترصدها رفيدة الصالح، فهي “الشعور بعدم الانتماء وهو انعكاس مباشر للشعور بعدم الأمان، وبناء علاقات سطحية خوفاً من إفشاء الأسرار بسبب تجارب سابقة في خيانة الثقة أو استغلال نقاط الضعف، والتعلق المرضي عند الإحساس بالأمان، إذ يحمّل الشخص الآخر مسؤولية كبيرة في تعويض نقصه الداخلي، مما يؤدي إلى حساسية زائدة وخيبة أمل متكررة، إضافة إلى صعوبة طلب المساعدة نتيجة الاعتماد المفرط على الذات، وفي حال وجد من يمد يد العون، تكون لديه توقعات عالية قد تنتهي بإحباط جديد”.

جرح أو بوابة نحو الذات؟

وعما إذا كانت تعتبر أن الوحدة سلبية بالمطلق، تقول “’ومن كل شيء خلقنا زوجين‘، فكما أن لكل شيء في الحياة وجهين، فإن الوحدة أيضاً لها جانب مزدوج، أحدهما مؤلم والآخر مشرق، والوجه الأول هو ’الوحدة الجارحة‘ التي تنشأ نتيجة الصدمات، بخاصة في العلاقات الإنسانية، حين يخذل الإنسان أو يجرح مراراً، فيتخذ من العزلة ملاذاً، لا حباً بها، بل حماية لنفسه من الألم المتكرر، فيختار الانفصال عن الآخرين كآلية دفاعية تمنحه شعوراً زائفاً بالأمان، أما الوجه الآخر، فهو ’الوحدة الواعية‘، تلك التي يختارها الإنسان بإرادته لا بهروبه، فيها يعود لذاته ويصغي إلى صوته الداخلي ويتقرب من خالقه بعيداً من ضجيج العالم، إنها العزلة التي قادت كثيراً من الأنبياء والعظماء نحو النور.

فالنبي محمد يختار غار حراء ليختلي بنفسه، والنبي موسى يمضي 40 ليلة في خلوة إلهية، فالوحدة، إذا ما كانت خياراً نابعاً من الوعي، فقد تكون الباب الأوسع لاكتشاف الذات والاتصال الأعمق بالخالق”.

وسائل التواصل ومرايا الوحدة

في ظاهرها تقرب وسائل التواصل الاجتماعي المسافات بين الناس، لكن في جوهرها، قد تضعنا وسط غرفة مليئة بالمرايا نرى فيها الجميع، لكن لا نلمس أحداً، هي لا تصنع الوحدة، لكنها قد تكشف عنها وتضخمها، أو تزخرفها حتى يصعب الكشف عنها.

وتشير الصالح إلى أن التواصل الحقيقي لا يصنعه الإنترنت، بل الأمان العاطفي، والعزلة تبدأ حين يمنع الطفل من أن يكون على طبيعته، وفي زمن تحكمه المنصات التي يفترض أن تكون منصات “تواصل اجتماعي”، تؤكد أننا نفتقر في العمق إلى العلاقات الحقيقية، مضيفة أنه “على رغم معرفتي بكثير من الأشخاص على وسائل التواصل، فإنني في لحظات الحاجة لا أجد بديلاً عن التواصل الواقعي، تلك المنصات لا تعوض التواصل العاطفي”.

تزيد وسائل التواصل من وحدة الأفراد وتهبهم شعوراً زائفاً بالتواصل (بيكسلز)

 

وتوضح أن الوحدة قد تبدو ملاذاً آمناً لمن يخشون الانكشاف، بخاصة أولئك الذين يعانون الخجل أو الخوف من إظهار حقيقتهم، فيلجأون إلى العلاقات الافتراضية التي وإن منحتهم ممراً موقتاً، إلا أنها لا تغنيهم عن العمق الحقيقي، وقد تزيد من شعورهم بالعزلة ودفعهم إلى العيش في الخيال.

صوت الطفولة المكتوم

وترى الصالح أن الأسرة هي الجذر الأول لشعور الطفل بالأمان أو العكس تماماً، فحين يربى في بيئة ناقدة، يلام فيها على أدق التفاصيل، يتكون داخله شعور بعدم الأمان، مما يدفعه إلى الانسحاب واعتزال العالم، “خلال عملي كمديرة لحضانة، تعاملت مع أطفال اختاروا الصمت وليس فقط الوحدة، كوسيلة لحماية أنفسهم من الانتقاد، وبدأنا العمل مع الأهالي على إعادة شعور الأمان لأطفالهم، والسماح لهم بأن يخطئوا ويصححوا أخطاءهم، وخلال ثلاثة أشهر خرج الأطفال من صمتهم وتحدثوا لأنهم شعروا بالأمان،” ولا يغيب عن المدرسة دورها الكبير في تشكيل هذا الشعور، إذ توضح أن الطفل نفسه قد يكون صامتاً في حصة معلمة، ومشاركاً نشيطاً خلال حصة معلمة أخرى، “كنت أعتقد بأن الطفل يتقن مادة دون الأخرى، إلى أن اكتشفت أن الخجل أو الوحدة يتلاشيان حين يشعر التلميذ بالأمان مع المعلمة التي تسمح له بالخطأ والتعلم”.

المساحة الآمنة

وعن عملها كمدربة حياة، تشير الصالح إلى أنها تعتمد مقاربة متكاملة تقوم على أربع مستويات “ذهنياً، عبر تصحيح الصوت الداخلي، من صوت ناقد إلى صوت داعم، ومساعدة العقل في تقبل احتمالات جديدة لعلاقات صحية وداعمة، وعاطفياً، من خلال الجلسات العلاجية التي نكرر فيها الأفكار التي يخاف منها الشخص، ونلتقط المشاعر المرتبطة بها ونقوم بتحريرها، ثم نتابع الحالة في الحياة اليومية لنرصد ما إذا أصبح الشخص أكثر توازناً أمام الرفض أو النقد، عملياً ومادياً، عبر تمارين التنفس الواعي، وخطوات خاصة بحسب حالة كل فرد، مثل تعلم وضع حدود صحية في بيئة العمل، أما روحياً، فنعيد ربط الشخص بخالقه، ’وهو معكم أينما كنتم‘ وبفطرته الإنسانية”.

وتؤكد أن تصحيح الصورة الداخلية عن العلاقات لا يتحقق إلا بعد مرور الشخص بعلاقات جديدة صحية تعيد بناء ثقته، فالعلاقات السامة ليست قدراً، بل يمكن استبدالها حين نغير علاقتنا بأنفسنا أولاً.

وتحذر الصالح من أن غياب المساحة الآمنة في المنزل قد يدفع المراهق إلى البحث عن تلك المساحة في الخارج، وغالباً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيقع ربما فريسة لمن يمنحه شعوراً بالحرية من خلال التمرد، “بعض الأشخاص يستغلون هشاشة المراهق الانطوائي ويعرفون نقطة ضعفه ويقودونه إلى مسارات خطرة يصعب التراجع عنها، وحين أجد في بيتي طفلاً لا يجادل ولا يعبر عن رأيه ويسعد الأهل بطاعته العمياء، فهنا يجب دق ناقوس الخطر لأننا نهيئ مراهقاً سهل الانقياد لأي شخص يمنحه شعوراً بالأهمية”.

وخلال جلساتها الاستشارية، تدرب الصالح المراهقين على فرض حدود صحية، وتغذية صوتهم الداخلي ليعلو على الأصوات الخارجية، وعالجت كثيراً من حالات المراهقين الانطوائيين، مؤكدة أن العلاج الحقيقي بدأ غالباً مع الأهل، وليس فقط مع الأبناء، فالمشكلة ليست في الطفل، بل في بيئة لم تمنحه الأمان العاطفي منذ البداية، وتشير إلى أن كثيراً من الأشخاص يفضلون الوحدة هرباً من الانتقاد.

المزيد عن: غابرييل غارسيا ماركيزآرثر شوبنهاورإريك فرومالوحدةلبنانفريدريك نيتشيهجبران خليل جبران

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili