الثلاثاء, يناير 7, 2025
الثلاثاء, يناير 7, 2025
Home » النزوح في ليبيا… جرح مفتوح يغذي أزمة الثقة بين أطراف المجتمع

النزوح في ليبيا… جرح مفتوح يغذي أزمة الثقة بين أطراف المجتمع

by admin

 

يفرض تحديات كبيرة على الهوية الوطنية

المجلة / أكرم نجار

تُعد أزمة النزوح الداخلي في ليبيا من أخطر التحديات التي تواجه البلاد منذ اندلاع الثورة عام 2011، ولا تقتصر أبعادها على خسارة الأفراد لمنازلهم، بل تمتد إلى تعقيدات اجتماعية ونفسية واقتصادية تمزق النسيج الوطني. فالنزوح الداخلي ليس مجرد انتقال جغرافي، بل هو تحول قسري يعيد تشكيل مفهوم الهوية والانتماء، ومع تصاعد الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية، وتفاقم التوترات العرقية والمناطقية، أصبحت مشكلة النزوح محورا رئيسيا لأي محاولة لتحقيق الاستقرار في البلاد.

وفق المنظمة الدولية للهجرة، بلغ عدد النازحين داخليا 199,949 شخصا في سبتمبر/ أيلول 2021، ثم انخفض العدد إلى 179,046 نازحا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، واستمر في الانخفاض ليصل إلى 168,011 نازحا في يناير/ كانون الثاني 2022، وعلى الرغم من هذا التحسن النسبي يبقى النزوح الداخلي جرحا مفتوحا في المجتمع الليبي، يغذي أزمات الثقة بين المجتمعات ويعمق الانقسامات الاجتماعية والسياسية، فهو لا يعبر فقط عن معاناة النازحين، بل يعكس أيضا أزمة هوية وطنية لم يتمكن الليبيون حتى الآن من تجاوزها.

تحول النزوح إلى هجرة

في المجتمعات القبلية مثل ليبيا، تتجاوز العلاقة بين الأفراد وأماكنهم الأصلية الارتباط المكاني العادي. هذا الارتباط ليس مجرد مسألة عاطفية، بل هو جزء لا يتجزأ من هوية الأفراد وانتمائهم الاجتماعي. النزوح في هذه الحالة لا يعني فقط مغادرة المنزل، بل يمثل اقتلاعا قسريا للروابط الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل أساس الحياة اليومية.

مدينة تاورغاء تقدم مثلا صارخا لهذا الواقع، بعد عام 2011، إذ أُجبر سكان المدينة الذين يزيد عددهم على 40 ألف نسمة، على مغادرة منازلهم بسبب الصراع السياسي والمسلح، واضطر كثير منهم للفرار سيرا، حاملين معهم فقط ما استطاعوا حمله. وبالنسبة إلى هؤلاء كان النزوح بمثابة اقتلاع من جذورهم، إذ فقدوا مع منازلهم شبكات الدعم الاجتماعي التي كانوا يعتمدون عليها.

النزوح هو جزء من صراع أوسع يعكس الانقسامات العرقية والسياسية العميقة في البلاد، التي تحوّل النزوح إلى أداة سياسية

تاورغاء ليست الحالة الوحيدة، ففي مدينة مرزق الواقعة في الجنوب الليبي، كان النزوح نتيجة للصراعات العرقية بين التبو والعرب، هذا النزوح هو جزء من صراع أوسع يعكس الانقسامات العرقية والسياسية العميقة في البلاد، تلك التي تحوّل النزوح إلى أداة سياسية تُستخدم لإعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية للمناطق، مما يعقد العودة ويطيل أمد الأزمة.

بالإضافة إلى المعاناة الاجتماعية، فإن فقدان الممتلكات المادية، مثل المنازل والأراضي، يُعد أحد أكثر الجوانب المؤلمة للنزوح. فجل النازحين خاصة في المناطق الريفية كانوا يعتمدون على الزراعة أو تربية الماشية كمصدر دخل رئيس، وقد أدى النزوح القسري إلى قطع هذه المصادر الحيوية، وترك العائلات دون وسائل كافية لكسب العيش.

MAHMUD TURKIA – AFP / نساء نازحات من بلدة تاورغاء الليبية

في المدن المضيفة، يعاني النازحون من التمييز ويجدون صعوبة في الاندماج في أسواق العمل المحلية، مما يزيد اعتمادهم على المساعدات الإنسانية. وهذا الواقع يخرج النزوح من سياقات المؤقت والطارئ ليجعله بمثابة اقتلاع عنيف يقربه من مفهوم الهجرة والغربة والخروج من الوطن.

النزوح على أساس أيديولوجي

إلى جانب النزوح القائم على الصراعات المناطقية والعرقية، برز نوع آخر من النزوح نتيجة مباشرة للانقسامات السياسية الحادة بين الشرق والغرب الليبيين. فمنذ انطلاق العملية العسكرية التي قادها الجنرال خليفة حفتر، شهدت مناطق الشرق الليبي موجة نزوح واسعة للمدنيين الذين عارضوا مشروعه السياسي والعسكري.

وتُظهر التقديرات أن أكثر من 100 ألف مواطن نزحوا من الشرق إلى الغرب خوفا من الاضطهاد أو الانتقام بسبب مواقفهم السياسية. وعلى الجانب الآخر، شهد الغرب الليبي نزوح عائلات إلى الشرق نتيجة دعمها لمشروع حفتر. هذه الحركات القسرية ليست فقط نتاج الانقسام السياسي، ولكنها أيضا تعكس أزمة الثقة العميقة بين الأطراف المتنازعة.

MAHMUD TURKIA – AFP / قوات موالية لرئيس وزراء ليبيا في طرابلس عبد الحميد الدبيبة

هذا النوع من النزوح يعزز الاستقطاب السياسي والاجتماعي مع تزايد النزوح الأيديولوجي، بحيث أصبحت المناطق الآمنة نسبيا ملاذات حصرية لجماعات معينة، وهو ما يساهم في خلق مجتمعات مغلقة، تحيط بها الحواجز النفسية والجغرافية، مما يزيد صعوبة تحقيق المصالحة الوطنية.

أصبحت المناطق الآمنة نسبيا ملاذات حصرية لجماعات معينة، وهو ما يساهم في خلق مجتمعات مغلقة، تحيط بها الحواجز النفسية والجغرافية

النازحون الأيديولوجيون يواجهون أيضا تحديات اقتصادية واجتماعية. ففي المدن التي نزحوا إليها، غالبا ما يُستبعدون من سوق العمل بسبب التحيزات السياسية أو الاجتماعية، وهذا بدوره يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية للنازحين، ويعمق شعورهم بالعزلة والاغتراب.

غياب الدراسات

رغم مرور أكثر من عقد على بداية أزمة النزوح في ليبيا، لا تزال الدراسات العلمية التي تعنى بتحليل آثار النزوح نادرة، وهو ما يشكل عائقا كبيرا أمام وضع سياسات فعالة لمعالجة الأزمة، فالسياسات المبنية على التخمين أو الملاحظات السطحية غالبا ما تكون قصيرة الأمد وغير مستدامة.

وأحد أبرز الآثار التي تتطلب دراسة معمقة هي التأثيرات النفسية على الأطفال النازحين في معسكرات الإيواء، مثل تلك التي أقيمت لسكان تاورغاء، حيث نشأ جيل كامل في بيئات تفتقر إلى الحد الأدنى من الاستقرار. هؤلاء الأطفال يعانون من مشكلات نفسية حادة، بما في ذلك القلق والاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة. وهم يكبرون في ظل شعور دائم بالحرمان، مما يجعلهم عرضة لتطوير مشاعر عدائية تجاه المجتمع والدولة.

MAHMUD TURKIA – AFP / أطفال ليبيون نازحون يلعبون أمام مبنى غير مكتمل في طرابلس

علاوة على ذلك، لا تزال الآثار الاقتصادية للنزوح غير مدروسة بشكل كاف. النزوح يلقي بظلاله على الاقتصاد المحلي للمناطق المضيفة، إذ يؤدي إلى زيادة الضغط على الموارد والخدمات العامة مثل التعليم والصحة. ودون بيانات دقيقة، يصعب تصميم برامج تدعم النازحين والمجتمعات المضيفة بشكل فعال.

تظهر تجارب دول أخرى أن إجراء دراسات شاملة حول النزوح يمكن أن يساعد في تصميم برامج إعادة التأهيل والإدماج بشكل أفضل. وفي ليبيا، من شأن مثل هذه الدراسات المساهمة في فهم الديناميكيات الداخلية للأزمة، مما يتيح وضع سياسات مستدامة تستند إلى بيانات دقيقة.

التعامل الدولي والإقليمي

يتسم تعامل المجتمع الدولي مع أزمة النزوح في ليبيا بالتفاوت. على الرغم من الجهود التي تبذلها منظمات مثل المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تظل الاستجابة للأزمة محدودة، مقارنة بحجمها. هذه المنظمات لعبت دورا مهما في تقديم المساعدات الإنسانية، بما في ذلك توفير المأوى والرعاية الصحية والتعليم. كما ساعدت في تسهيل العودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم الأصلية. وفقا للتقارير، شهدت ليبيا زيادة في عدد العائدين، حيث بلغ عددهم 661,892 شخصا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وارتفع إلى 673,554 عائدا في يناير/كانون الثاني 2022.

دون بيانات دقيقة، يصعب تصميم برامج تدعم النازحين والمجتمعات المضيفة بشكل فعال

إقليميا، لعبت بعض الدول المجاورة دورا في دعم النازحين أو تسهيل الوساطات بين القبائل المتنازعة، ومع ذلك، فإن هذا الدعم لم يكن دائما محايدا. في بعض الأحيان، كانت تدخلات الدول الإقليمية مدفوعة بأجندات سياسية وأمنية، مما أدى إلى تأجيج الصراعات بدلا من حلها.

ورغم هذه الجهود، يبقى التحدي الأكبر هو التسييس الدولي للأزمة الليبية. فبعض الدول التي دعمت أطرافا معينة في النزاع، ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تفاقم النزوح. لذلك، تحتاج ليبيا إلى دعم دولي يتسم بالحياد والشفافية، يركز على تعزيز الاستقرار والمصالحة بدلا من تعميق الانقسامات.

تحديات اقتصادية

من الناحية الاقتصادية، يعتبر النزوح في ليبيا تحديا كبيرا على مستويين: النازحون أنفسهم والمجتمعات المضيفة. النازحون، الذين كانوا يعتمدون في السابق على الزراعة أو التجارة المحلية في مجتمعاتهم الأصلية، يجدون أنفسهم محرومين من مصادر دخلهم التقليدية، ويصعب عليهم الحصول على فرص عمل في المدن المضيفة، إما بسبب قلة الفرص أو نتيجة للتمييز.

MAHMUD TURKIA – AFP / طفل ليبي نازح أمام مدخل مبنى غير مكتمل في طرابلس

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي النزوح إلى زيادة الاعتماد على المساعدات الإنسانية، مما يثقل كاهل المنظمات الإغاثية ويضعف قدرتها على تلبية احتياجات النازحين بشكل مستدام. فالعديد من العائلات النازحة تعيش في ظروف قاسية، مع عدم كفاية الموارد لتلبية الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء والمأوى.

على الجانب الآخر، تواجه المجتمعات المضيفة ضغطا اقتصاديا متزايدا. فارتفاع الطلب على الموارد والخدمات يؤدي إلى زيادة الأسعار وتفاقم التحديات الاقتصادية التي تواجه السكان المحليين. هذا الوضع يساهم في خلق بيئة من التوتر الاقتصادي، حيث يشعر السكان المحليون بأنهم مضطرون للتنافس مع النازحين على الموارد الشحيحة.

العودة الطوعية: تحديات وفرص

رغم الجهود المبذولة لتسهيل عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، تبقى عملية العودة الطوعية مليئة بالتحديات. وتشير الأرقام الأخيرة إلى تحسن ملحوظ، حيث عاد أكثر من 673,554 نازحا في يناير/كانون الثاني 2022. لكن العودة ليست مسألة قرار فردي فحسب، بل تتطلب بيئة آمنة ومستقرة، بالإضافة إلى إعادة بناء البنية التحتية في المناطق المتضررة.

بعض المجتمعات المحلية شهد محاولات ناجحة نسبيا للعودة بعد وساطات طويلة، ومع ذلك فإن استدامة هذه العودة تعتمد على استمرار دعم الدولة والمجتمع الدولي

من أكبر التحديات التي تواجه العائدين، إعادة بناء منازلهم المدمرة واستعادة ممتلكاتهم. في كثير من الحالات، يجد النازحون صعوبة في الوصول إلى ممتلكاتهم بسبب النزاعات المحلية أو غياب الوثائق الرسمية التي تثبت ملكيتهم.

إضافة إلى ذلك، تتطلب العودة الناجحة جهود مصالحة مجتمعية، حيث يجب تجاوز الجراح القديمة وضمان عدم تكرار النزاعات التي أدت إلى النزوح في المقام الأول. بعض المجتمعات المحلية، مثل تاورغاء، شهد محاولات ناجحة نسبيا للعودة بعد وساطات طويلة. مع ذلك، فإن استدامة هذه العودة تعتمد على استمرار دعم الدولة والمجتمع الدولي.

أهمية الحلول المستدامة

لحل أزمة النزوح الداخلي في ليبيا بشكل مستدام، هناك حاجة ماسة إلى نهج شامل يتضمن محاور عدة. أولا، يجب تحقيق الاستقرار السياسي من خلال تعزيز الحوار الوطني والمصالحة بين الأطراف المتنازعة. فالنزوح في جوهره، هو انعكاس للصراعات السياسية والمناطقية، وبالتالي فإن حله يرتبط ارتباطا وثيقا بإنهاء هذه الصراعات.

ثانيا، ينبغي تعزيز البنية التحتية في المناطق المتضررة، لضمان أن تكون صالحة لاستقبال النازحين العائدين. وهذا يشمل إعادة بناء المنازل، وترميم المدارس، وتوفير الرعاية الصحية.

ثالثا، يتطلب الأمر استثمارا أكبر في الصحة النفسية والاجتماعية للنازحين، حيث إن تقديم الدعم النفسي يساعدهم في تجاوز الصدمات والاندماج بشكل أفضل في مجتمعاتهم الجديدة أو الأصلية.

أخيرا، يجب تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية لضمان توفير الموارد المالية والتقنية اللازمة لدعم النازحين، سواء أثناء فترة نزوحهم أو عند عودتهم.

المزيد عن:  مخيمات النازحين مخيمات اللجوء نزوح ليبيا

 

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00