ثقافة و فنون النحاتة الفرنسية كلوديل في فنها وغرامها وجنونها بين رودان وأدجاني by admin 26 يونيو، 2023 written by admin 26 يونيو، 2023 23 كمنت مأساتها في أنها أرادت أن تكون آخر الرومنطيقيين وماتت في مصح عقلي عجوزاً منسية عام 1943 اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب لن تبدأ حكايتنا هنا من كاميل كلوديل نفسها ولكن من إمرأة أخرى ارتبطت عائلياً بالإبداع هي أديل هوغو، طالما أن القاسم المشترك بين المرأتين كان فنانة أكثر معاصرة لنا هي إيزابيل أدجاني التي برعت في دور أديل قبل أن يحقق المخرج الفرنسي برونو نويتين فيلم “كاميل كلوديل” من تمثيلها أيضاً، فهذه ومنذ النجاح الدرامي الكبير الذي حققته حين لعبت دور أديل هوغو في فيلم فرانسوا تروفو “حكاية أديل هـ”، راحت تقرأ وتسأل ساعية للعثور على دور مماثل تلعبه على الشاشة وتواصل عبره سلوك درب مجد يربطها بنساء حقيقيات عشن وأحببن وجُننّ في زمن كان الحب فيه يعادل الجنون، ومن هنا كانت سعادتها كبيرة حين فاجأها زوجها المصور برونو نويتين يومها بمشروع يحضره هو عبارة عن فيلم عن كاميل كلوديل التي ستجد أن حكايتها لا تبتعد كثيراً عن حكاية أديل، ومن هنا ولد ذلك المشروع السينمائي الذي لئن كان لا بدّ لنا من الإقرار بأنه من الصعب مقارنته بتحفة تروفو فإنه فاقه شهرة بكثير ووضع على الأقل مدماكاً جديداً في مجد أدجاني كممثلة من طراز رفيع وليس كنجمة فقط. إيزابيل أدجاني في “كاميل كلوديل” (موقع الفيلم) الحب ولهيب الفن والفيلم يحمل على أية حال عنواناً بديهياً وبسيطاً هو “كاميل كلوديل”، وإن كان يحمل موضوعاً بالغ الخطورة يمتزج فيه مرة أخرى الحب والجنون في بوتقة لهيب الفن الذي أحرق كاميل كما سبق له أن أحرق أديل، والحال أن الفرنسيين وغيرهم كانوا لا يعرفون من أسرة كلوديل قبل فيلم أدجاني – نويتين سوى الشاعر والكاتب المسرحي الكبير بول كلوديل، الذي اتسمت سيرته على الدوام بقدر كبير من الجدية والصرامة، وتصرفاته بالموضوعية، وشعره بالطابع الروحي الكاثوليكي الصرف، فالرجل كان، بعد كل شيء، سفيراً لبلاده، فرنسا، في مرحلة من مراحل حياته، ومن هنا، كان الفرنسيون يكنّون له احتراماً مشوباً بوضع مسافة دائمة بينهم وبينه، ولكن منذ اللحظة التي اكتشف فيها فيلم نويتين، صار اسم كلوديل الأكثر شهرة، اسم كاميل كلوديل، شقيقة بول، ونقيضته في كل شيء: في الشخصية، في الوله والعاطفة، في سيرة حياتها، وفي نهايتها المأسوية، فالحال أن كاميل كلوديل، التي ماتت في مصح عقلي عجوزاً منسية عام 1943، وحيدة منعزلة لا يتنبه لها، لوجودها أو لموتها أحد في وقت كانت فرنسا تعيش أحلك ساعات تاريخها خلال الحرب العالمية الثانية، كاميل كلوديل هذه عاشت حياة إبداع ووله صاخبة، ربما كانت تعكس في حدّ ذاتها مصيراً أنثوياً كاملاً خلال النصف الأول من القرن الـ20. امرأة نحاتة وعاشقة ونحن، إذا كنا نذكر كاميل كلوديل هنا، فليس، بالطبع، بسبب سيرة حياتها ونهايتها المأسوية وغرامها المدمر، بل لأنها كانت واحدة من النحاتات الفرنسيات القليلات اللواتي عرفن كيف يثبتن لأنفسهنّ مكانة في فن النحت الذي عرف على الدوام بأنه يكاد يكون وقفاً على الذكور. في ذلك الحين، عند بدايات القرن الفائت، أي في الزمن الذي حققت فيه كاميل كلوديل أفضل منحوتاتها، كان النحت فناً ذكورياً بامتياز، ولم تكن فورة النحاتات قد اندلعت بعد، بحيث صارت الساحة الفنية الفرنسية تعرف العشرات منهنّ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإذا أضفنا إلى هذا أن كاميل كلوديل كانت كلاسيكية في توجه منحوتاتها، كلاسيكية تكاد تكون حرفية بشكل لم يعهد لدى فنانات نساء من قبل، يمكننا أن ندرك بعض سمات العزلة التي عاشتها كاميل كلوديل، وجعلت مأساتها أكثر من مزدوجة، بل مأساة فجائعية حتى خارج إطار فنها، وذلك تحديداً لأن حبها توجه باكراً صوب رجل سيقول كثر أنه لا يستحق ذلك الحب: النحات أوغست رودان الذي سيسهم في تدميرها وجنونها بشكل لم يكن في إمكان الفيلم الذي أشرنا إليه أن يحمل موضوعاً سواه، بالتالي كان لافتاً أن الفيلم ركّز على ذلك الجزء من حياة الفنانة متجاهلاً أجزاء أخرى. آخر الرومنطيقيين كمنت مأساة كاميل كلوديل في أنها أرادت أن تكون آخر الرومنطيقيين، لذلك، ما إن تعرفت إلى النحات الكبير أوغست رودان بوصفه أستاذاً – معلماً، حتى أغرمت به وبدأت تعيش معه علاقة حب، جعلتها تمّحي أمامه تماماً. ففي أي مكان كان يجمعهما كانت كاميل تبدي أمامه كل آيات الطاعة، أولاً لأنه معلم كبير، وثانياً، لأنه حبيبها، وثالثاً لأن رودان كان يثمن ذكوريته تثميناً كبيراً زاد من صلابة تعامله مع الحجر في الفن الذي أبدعه، ومن هنا، كان من الطبيعي لكاميل كلوديل أن تعيش سنوات شبابها ممزقة بين مثلها العليا القديمة كفتاة متمردة تسعى إلى التساوي مع الرجال، وتستفيد من علاقتها بأخيها الشاعر العقلاني، إمعاناً في وعي العالم بعقل متنبه وتتواكب مع مساواة كانت النساء قد بدأن يسعين إليها عند العقود الفاصلة بين القرن الـ19 والقرن الـ20. القلب على حساب العقل هذا التمزق حسمته كاميل كلوديل لمصلحة قلبها على حساب عقلها، فكان أن جعلت حتى منحوتاتها مجرد محاكاة لمنحوتات حبيبها الكبير، وجعلت نفسها ظلاً له، تقبل بما يريده لها، وترفض ما ينكره عليها، صحيح أن رودان بادلها حباً بحب خلال فترة طويلة من الزمن، بيد أن عقلانية التعامل مع الحجر، والتوجه الكلاسيكي الذي وسم فنه وحياته ومناوأته للرومانسية، كل هذا جعله عاجزاً عن التعايش مع حبها وولهها، فكانت النتيجة أن انحدرت كاميل بالتدريج نحو الجنون، هذا الجنون تمثل أولاً في انعكاسه على منحوتاتها التي بدأت تخرج عن الأطر الكلاسيكية والموضوعية لتدخل ملكوت الفن الحقيقي، وسط معارضة رودان لذلك، ثم بدأ يتمثل في الانحدار الفعلي والجسدي الذي عاشته والذي ظل يتواصل 30 عاماً، كانت مجموع أعوام القسم الثاني من حياتها، أي القسم الذي أمضته كله في مستشفى للأمراض العقلية، لقد انتهت كاميل كلوديل إلى الجنون، فكانت بذلك إشارة إلى تلك النقلة السريعة التي حدثت في حياة امرأة القرن الـ20، وتمزقها بين رغباتها وطموحاتها، بين إمكانياتها الذاتية وما يعرض لها في الخارج، بين عواطفها المستقاة من رومانسية مغرقة في القدم، وبين حدود العاطفة كما صاغها لاحقاً القرن الـ20، قرن العقل والجنون غير الخلاق، حتى وإن كنا نعرف أن كاميل أمضت حصتها من سنوات القرن الـ20 في مأوى الأمراض العقلية وغالباً بسبب ولهها بكبير النحاتين الفرنسيين الذي سيقول لنا الفيلم الذي نتذكره هنا إنه لم يبادلها حبها بحب وربما حتى لم يبادلها كذلك إعجاباً فنياً بإعجاب فني! بين أديل وكاميل أو ذلك ما يقوله لنا على أية حال الفيلم الذي أتى همه أن يدافع عن المرأة الفنانة مصوراً علاقة رودان معها بصورة سلبية وربما كنوع من الدفاع عن حق المرأة في أن تحب وتحَب. ما يعيدنا إلى الدور الذي كان قد سبق لإيزابيل أدجاني أن لعبته في الفيلم السابق، والمشابه، “حكاية أديل هـ” لتروفو ولم يكن عملها بالتالي، في “كاميل كلوديل” سوى نوع من إعادة إنتاج للدور نفسه مع حفظ الفوارق، ففي نهاية الأمر كان فيلم تروفو يتناول تلك المرة التي كانتها أديل هوغو الإبنة الثانية للكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هوغو والتي كانت قد وقعت ضحية لغرامها الذي روته في مذكراتها لأستاذ أميركي للأدب الفرنسي وتبعته إلى الولايات المتحدة أيام حرب الإستقلال، فعانت من جراء حبها الخائب كذلك، ما سوف تعانيه نفسه شقيقة بول كلوديل بعدها بعقود من السنين وصولاً إلى الجنون الذي يمكننا هنا، وفي الحالتين معاً، أن نصفه بـ “جنون الحب” الذي كان، وفي الحالتين أيضاً، نصيب نساء سيقول لنا الفيلمان وكل على طريقته، إنه كان من نصيب المبدعة التي قد تتماشى في عواطفها مع ما يمليه قلبها، لكنها تكون سابقة زمانها من ناحية الإبداع وعلاقته بذلك القلب، وذلك كان في الحالتين أيضاً وأيضاً دوراً لا يمكن لممثلة من طينة إيزابيل أدجاني إلا أن ترى فيه… دور حياتها. المزيد عن: كاميل كلوديلأديل هوغوبرونو نويتينبول كلوديلأوغست رودانفيكتور هوغوفرانسوا تروفوإيزابيل أدجاني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post دراسة تتوقع إصابة أكثر من مليار شخص بمرض السكري بحلول عام 2050 next post ألكسندر باين الفائز بأوسكارين: العالم أصبح أكثر محافظة You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024