ثقافة و فنونعربي الناقد التونسي رضا الأبيض يلاحق الروائح في روايات عربية by admin 6 يوليو، 2021 written by admin 6 يوليو، 2021 28 حاسة الشم لها قيمة مميزة ودائمة لارتباطها في الذاكرة مع أحداث ومواقف اندبندنت عربية \ محمد الغزي يتأمل الباحث التونسي رضا الأبيض في دراسته “كتابة الرائحة في نماذج من الرواية العربية” (دار زينب، تونس) حضور الروائح في الرواية العربية، بعد أن تغاضى عنها النقد العربي، فلم يكتب تاريخها، ولم ينتبه إلى إنشائيتها، ولم يقرأ رموزها. وعلى قدر إهمال النقد العربي لتاريخ الشم في الثقافة العربية، اهتم النقاد الغربيون بحضور الروائح في تاريخهم وثقافتهم وفي نصوص أدبهم، فتبسطوا في الحديث عنها، مبرزين علاقتها بمختلف الفنون. وبسبب من هذا، عاد الباحث إلى المراجع الفرنسية والإنجليزية يستأنس بها، سواء تلك التي اهتمت بتاريخ الروائح أنثروبولوجياً وفلسفياً، أو تلك التي تدبرت نماذج من الأدب تتقصى حضور الرائحة فيها وتبحث في رمزيتها. أشار الباحث منذ البداية إلى أن الحواس الخمس ظلت، في الثقافة الإنسانية، محتقرة، مهمشة، مقارنة بالعقل والروح والنفس، ولم تلتفت إليها هذه الثقافة إلا في العصور الحديثة. فمنذ القرن السادس عشر اعتبرالمفكر الفرنسي مونتاني الحواس “بداية المعرفة ونهايتها، إنها سيداتنا، من خلالها تنتقل معارفنا”، لكن على الرغم من إعادة الاعتبار للحواس، ظلت حاسة الشم محتقرة، بل عدت أدنى الحواس وأكثرها حيوانية. حتى فرويد ذهب إلى أن الشم حاسة ترتبط بالسلوك الغريزي عند الحيوان، ولذلك فهي حاضرة بقوة في المراحل الأولى من طفولة الإنسان، قبل أن يقمعها شرطاً لانخراطه في مرحلة المدنية والحضارة. فالتسامي بالغرائز، حسب فرويد، مقدمة إلى بناء الحضارة وسبيل إلى تحقيق السعادة. وهذا التسامي يكون بالإشباع الرمزي من قبيل ممارسة الفن والاشتغال بالعلم. قوة الحواس وهذا الرأي يذكرنا بافتراضه القائل: إن الإنسان حين اتخذ هيئة عمودية، وابتعد عن سطح الأرض، انحسرت علاقته بالرائحة، ففقد الشم الكثير من قيمته، والروائح الكثير من جاذبيتها. لكن الذي نريد أن نشير إليه قبل الخوض في علاقة الرواية بحاسة الشم اهتمام علم النفس الحديث بالروائح في علاقتها بالذاكرة. فالرائحة، كما أوضح علماء النفس، مثير غير لفظي للذاكرة، يحفزها على التذكر ويعكس مدى قدرتها على التخزين والاسترجاع. وأهمية الرائحة في علاقتها بالذاكرة، في نظر الكاتب، كونها لا تخزن في “المخزن الحسي”، بل يمكن أن تنتقل منه إلى “المخزن القصير الأجل”، ثم إلى “المخزن الطويل الأجل”، حينئذٍ يصعب نسيانها. على هذا النحو تصبح للروائح قيمة مميزة ودائمة، ومأتى ديمومتها ارتباطها في الذاكرة مع أحداث ومواقف. والمتأمل في الرواية العربية يلاحظ، كما أشار الباحث، إلى أن الرائحة حاضرة فيها حضوراً غامراً، وقد اعتمد، للتدليل على ذلك، مدونة روائية متنوعة الاتجاهات والأساليب والمضامين. الكتاب النقدي التونسي (دار زينب) عاد الكاتب إلى عدد من الأعمال الروائية التفتت إلى الرائحة، وأولتها كبير عنايتها. هذه الأعمال تضمنت، بدءاً من عناوينها، لفظ ” الرائحة”، باستثناء عمل واحد يوحي بمعنى الرائحة دون أن يصرح بها. وهي: “تلك الرائحة” لصنع الله إبراهيم، و”رائحة الصابون” لإلياس خوري، و”رائحة الأنثى” لأمين الزاوي، و”فخاخ الرائحة” ليوسف المحيميد، و”رائحة القرفة” لسمر يزبك، و”روائح ماري كلير” الحبيب السالمي، و”روائح المدينة” لحسين الواد، و”زرايب العبيد” لنجوى بن شتوان، و”رائحة الكافور” لميسلون فاخر. كل هذه الأعمال أولت الروائح مكانة كبرى في نسيج السرد، روائح تعبق من الأماكن ومن الأطعمة والأشربة والنباتات والأجساد، روائح مختلفة بعضها عطر، وبعضها كريه، لكنها على تنوعها تسهم كلها في بنية الرواية، وتمنحها النظام والمعنى. انطلق الباحث من العتبات يستنطقها ويحللها صرفياً ونحوياً ومعجمياً غايته من وراء ذلك الإحاطة بدلالاتها وأبعادها السيميولوجية. والعنوان “مجموعة علامات لغوية من قبيل الكلمات والجمل يمكن أن تدرج على رأس نص لتشير إليه وتحدده وتدل على محتواه العام، ولتغري جمهور القراء المقصود”. أما متون هذه الروايات ففصولها، تسترفد المعجم الشمي وتوظف ما يتيحه من أفعال وأسماء في صياغة جملته السردية وصوره الاستعارية. ويمكن أن نقتصر على روايات أربع للتدليل على حضور الروائح ومشتقاتها. ففي “تلك الرائحة” يتبسط السارد في الحديث عن خروجه من السجن، ثم عودته إليه. وفي هذا السياق، يصف الروائح المنبعثة من الأجساد والجدران والأماكن المغلقة، صورة للحياة توقفت فجأة، فأدركها الفساد، فتعفنت. الرواية، كل الرواية، تشخص حالة اغتراب بطل يعاني العطب الجسدي والروحي والعجز عن الحب والكتابة. أما رواية “رائحة الصابون” فهي رواية التيه والحرب يجسدهما عادل ابن الواقع اللبناني الذي مزقته الحروب. العالم هنا عالمان: عالم له رائحة، وآخر لا رائحة له. عالم يضج بالحياة، وآخر يسوده الصمت والموت. وفي “رائحة الأنثى” تتعدد الروائح بعضها شذيّ، وبعضها عفن، بعضها واقعي وبعضها أسطوري، حتى ابن بطوطة الذي يعد من شخصيات الرواية يضوع بروائح شتى، فرائحته، كما جاء في الرواية، هي رائحة بهارات الهند والسند وزنجبار. في “فخاخ الرائحة” تنتشر روائح الشحم المشوي والإبل والعطر النسائي والقهوة، بل ربما كانت الرائحة هي منطلق الرواية وخاتمتها. الجملة الشمية يعمد الناقد بعد ذلك إلى الانعطاف على الجملة الشمية بالنظر والتأمل، فالنص ليس مجموعة من الكلمات، وإنما هو متوالية من الجمل يأخذ بعضها برقاب بعض، ولهذا يتأنى الكاتب في تحليل هذه الجملة، وفي إبراز خصائصها. وفي صفحات من النقد الرفيع يحدثنا الكاتب عن علاقة الرائحة بالغياب والفقدان وعن الرائحة بوصفها مرآةً وفخاً. الذكريات كثيراً ما تتوارى وتغيب بفعل الزمن متحصنة بالغياب، فلا يبقى منها غير صور باهتة وأشباح خيالات تتلامح من بعيد، ولكن بفعل الروائح غالباً ما تستيقظ لتطفو على السطح من جديد واصلة بين الحاضر والماضي، بين “الهنا” و”الهناك” على حد تعبير الكاتب. والشم، كما يؤكد علماء النفس، أكثر الحواس قدرة على التحفيز وعلى وصل ما انقطع. ومن الاستعارات المتواترة في هذه الروايات استعارة المرآة للرائحة، وذلك للعلاقة القوية القائمة بين الرائحة والذكريات. وربما ذكرتنا هذه العلاقة بالمقطع السردي الذي تذوّق فيه راوي “البحث عن الزمن الضائع” لمارسال بروست طعم كعكة المادلين المغموسة في الشاي، فحملته تلك الرائحة إلى طفولته. وإذا عدنا إلى الروايات العربية وجدنا أن الرائحة تؤدي دوماً إلى استرجاع الماضي، واستدعاء جملة من الصور طواها النسيان. أو كما قال الكاتب: “إن الشم قد ارتبط دائماً بإحياء إحساسات عاطفية ووجدانية، في علاقة بالذات والآخر والمكان، قديمة محتجبة، غالباً تعاود الظهور بصفة قسرية لا إرادية”. لكن الأمر الذي ما فتئ ينبه إليه الباحث أن كتابة الرائحة في الرواية العربية ما زالت تشكو من صعوبات البداية، في الوقت الذي يكون قد مر على ظهور التأليف الروائي العربي أكثر من قرن. ومما زاد الأمر صعوبة، في نظره، التأخر العلمي والمعرفي في كتابة تاريخ الروائح، وفي مراكمة بحوث ودراسات تهتم بالشم في المجال العلمي والطبي والفلسفي، فمثل هذه الدراسات من شأنها أن تمثل مساعداً هاماً على قضايا الرائحة وعلى الوعي بها جمالياً وسردياً. المزيد عن: نقد\ناقد روائي\روايات\حاسة الشم\صنع الله ابراهيمي\وسف المحيميد\امين الزاوي\سمر يزبك 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post شادي لويس يرصد يوما عاصفا في حياة أسرة قبطية next post “من الأعماق” حمل تجربة أوسكار وايلد الموحشة في السجن You may also like الكاتب آفي شتاينبرغ: الجنسية الإسرائيلية أداة للإبادة الجماعية... 6 يناير، 2025 “بيتلز 64″… عندما وصل الهوس بالفرقة البريطانية إلى... 5 يناير، 2025 لوحتان للنمسوي كليمت أشعلتا معركة قاسية بين الفن... 5 يناير، 2025 فيلم “إميليا بيريز” يجس نبض هوليوود في “غولدن... 5 يناير، 2025 مهى سلطان تكتب عن: جوزف طراب اليهودي الأخير... 5 يناير، 2025 الساروت مغني الثورة السورية صار “جسرا” إلى النصر 5 يناير، 2025 باسكال لينيه فكك الهوية الإنسانية من خلال التباين... 4 يناير، 2025 أفلام هوليوودية شهيرة انطوت على إساءات 4 يناير، 2025 التركي ياشار كمال عوضته إسطنبول عن “نوبل” العصية 4 يناير، 2025 الباتيك في إندونيسيا.. فن تقليدي يعكس روح جاوا... 4 يناير، 2025 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.