كان من المفترض عرض فيلم "الملحد" في مصر يوم 14 أغسطس الجاري (من التريلر الرسمي للفيلم) ثقافة و فنون “الملحد”… “مجرم فني” لم يشاهده أحد by admin 17 أغسطس، 2024 written by admin 17 أغسطس، 2024 85 حرب ضروس على “السوشيال ميديا” ضد الفيلم المصري ومحام وحيد يطالب وزير الثقافة بالتدخل لعرضه اندبندنت عربية / أمينة خيري لا تذكر كلمة “إلحاد” أو أي من تصريفاتها من “ألحد” و”ملحد” و”يلحد”، إلا وتتبع بعبارة “والعياذ بالله”، مع كثير من علامات الفزع وأمارات الاشمئزاز على الوجه والصوت، تكتسب الكلمة أهمية ذات مذاق يختلف عن “الشرك”، وعمق لا يتسم به “الكفر”. وعلى رغم آلاف الخطب والكتب والدراسات والأطروحات المخصصة للتعريف بالفرق بين الإلحاد والكفر والشرك، وأحياناً الزج بالفسق والزندقة ضمن قوائم المقارنة، وتحديد الفروق وشرح أوجه الشبه، يبقى “الإلحاد” كلمة تقشعر لها أبدان، وترتعد لها أوصال، واتهام يقضي بضربة الوصم القاتلة على المتهم، سواء خضع لمحاكمة في أروقة القضاء أم أصدرت محكمة السوشيال ميديا حكمها عليه، أم وضع في قفص الهمز الشعبي واللمز الثقافي المحافظ. الملحد يحرك المياه يحافظ الكاتب والإعلامي المصري إبراهيم عيسى على نصيبه المعتاد من الجدل والإثارة وتحريك المياه المتجمدة والمتحجرة في المجتمع وذلك عبر رأي يدلي به، أو قضية يطرحها للنقاش، أو عمل يطلقه. هذه المرة، يجيء التحريك عبر فيلم “الملحد“. قصة فيلم “الملحد”، والعياذ بالله، كما يسميه قطاع عريض من المصريين، التي كتبها عيسى، تدور على مقربة من بيوت مصرية ربما تكون كثيرة أو قليلة، فأعدادها غير معروفة، لكن يمر أحد أفرادها بمرحلة الشك في المعتقد، التي قد تنتهي به إلى الإلحاد. شاب ينشأ في بيئة دينية شديدة “الالتزام” (وكلمة التزام باتت تستخدم إما للتعبير عن التشدد أو المفاخرة بالتدين)، لكن يجد نفسه منجذباً لأفكار مغايرة تقوده نحو الشك ويعلن لوالدته، “أنا كفرت”. قصة فيلم “الملحد” تدور على مقربة من بيوت مصرية ربما تكون كثيرة أو قليلة (من التريلر الرسمي للفيلم) الفيلم بطولة محمود حميدة وصابرين وأحمد حاتم وشيرين رضا وحسين فهمي وغيرهم، وتدور القصة شأنها شأن أية قصة، لكن الفارق الكبير هو أنه منذ استيقظ المصريون وفوجئوا بلوحات إعلانية ضخمة أعلى العمارات وأسفل الجسور تحمل اسم “الملحد”، وفي الأفيش طاقم الممثلين، وبينهم ممثل ملتح يشبه كثيرين ممن أطلقوا لحاهم للدلالة على التدين، وممثلة ترتدي عباءة وطرحة سوداوين كتلك التي بات ملايين المصريات يرتدينها من باب التدين أيضاً، وكتابات الغضب وتدوينات الهلع وتعليقات السخط ومطالبات الوقف والحجب والمنع وتوقيع أقصى العقوبة على كل من ضلع في هذه المصيبة وذلك الابتذال. المعرفة لا تهم هل عرف الغاضبون قصة الفيلم؟ معظمهم لا يهمه معرفة القصة. هل اطلع الساخطون على الغرض من التعرض لمسالة الإلحاد؟ الغالبية تعتبر التطرق للإلحاد إلحاداً. هل تكبد القضاة ممن أصدروا أحكام الحجب والمنع عناء معرفة مزيد عن الفيلم؟ أكثرهم لم يفعل، ولن يفعل، وإلا لأصبح آثماً ومشاركاً في جرم الإلحاد. ما سبق خلاصة جزء غير قليل من نقاشات متأججة تدور رحاها على أثير السوشيال ميديا منذ أطل أفيش الفيلم على المصريين، فما بالك لو أطل عليهم الفيلم نفسه؟ اللافت أن تأجج النقاشات تحول إلى نيران مشتعلة حين ظهر اسم إبراهيم عيسى باعتباره مؤلف قصة الفيلم. معظم من هاجموا “الملحد” لا يعرفون قصته إلى الآن (من التريلر الرسمي للفيلم) وزعت الجموع نفسها فيالق تطالب بمنع الفيلم قبل عرضه، وسرايا تهدد بمقاضاة العمل والقائمين عليه، وفصائل تتهم الفيلم بأنه مخطط صهيوني لنشر الفوضى ومؤامرة كونية لنثر الفتنة، وجحافل تشتم هذا وتسب ذاك إعلاء للدين ونصرة للمتدينين. فريق الهادئين وعلى الجانب الآخر وقف فريق أقل عدداً وأخفت صوتاً وأهدأ روعاً يتحدث أعضاؤه بالمنطق وينادون بالتعقل ويطالبون بالتفكر، بينهم من يعتبر مناقشة الإلحاد إثارة لا داعي لها، أو لا يمانع في طرحها، ولكن في الوقت والظروف المناسبة، أو يرفض الفكرة برمتها لكن يرفض كذلك ما يسميه بـ”غوغائية الاختلاف”، ويظل هناك ضمن هذا الفريق الآخر من يؤمن بأهمية مناقشة كل القضايا من دون حدود وطرح جميع الأفكار من دون قيود. وكأن الفيلم بعنوانه لم يكن كافياً لإثارة الجدل، فجاءت التصريحات الإعلامية حوله متناقضة متضاربة متنافرة، صحف وقنوات عديدة تنقل عن القائمين على الفيلم أنه عرض على شيوخ من الأزهر الشريف واعتبروه مناسباً ولا غبار عليه، ثم بعد أيام وأحياناً ساعات تؤكد على لسان الأشخاص أنفسهم أن الفيلم لم يعرض على الأزهر. ومن الأزهر إلى موعد العرض حيث تأكيد أن الفيلم سيعرض في الموعد المحدد في قاعات السينما، ثم توقعات بأن يتم التأجيل، وأخرى بأن الفيلم قد يوقفه، ورابعة ترجح خضوع الفيلم لرقابة شديدة لإزالة مشاهد وتخفيف أخرى. وتمضي عجلة التصريحات والأخبار المتناقضة والمتخبطة لتطاول موعد العرض الخاص، وتأكيد أنه ماض قدماً، ثم تأكيد أنه ألغي لأجل غير مسمى، كان من المقرر عرضه يوم الـ14 من أغسطس (آب) الجاري، لكن هذا لم يحدث. وزاد التخبط زاد التخبط والتنافر من حجم الإثارة والجدل، ويبدو أن مخرج الفيلم محمد جمال العدل فاض به كيل انتظار العرض الخاص، ثم تأجيله وأخيراً إلغاؤه، مع غموض مصير عرض الفيلم في الدور السينمائية، فكتب على صفحته على “فيسبوك” اعتذاراً لأصدقائه الذين دعاهم إلى حضور العرض الخاص للفيلم. وقال العرض الخاص لم يعقد في موعده، والفيلم لن يعرض في موعده، والحقيقة لا أعرف السبب. الإجابة عند السيد الرقيب على المصنفات الفنية. وكانت الرقابة على المصنفات الفنية صرحت بعرض الفيلم بعد أشهر من التدقيق والمشاهدات، بل واضطر طاقم العمل بعد انتهاء الفيلم إلى تصوير مشهد إضافي بدل ما حذف بناء على طلب الرقابة. وأشار العدل إلى أن “الفيلم لا يشوه الدين الإسلامي، بل يكشف النقاب عن بعض ممن يفسرونه على أهوائهم، مؤكداً أن الفكرة من الفيلم ستصل إن آجلاً أو عاجلاً”. ووسط تأكيد المؤكدين من دائرة القائمين على الفيلم بأنه سيعرض بعد ساعات أو أيام أو أسابيع، ثم تأكيد أن موعد العرض في علم الغيب، وربما لا يعرض في مصر من الأصل، وخروج المنتج أحمد السبكي ليؤكد أن الفيلم لم يمنع عرضه، فقط بقي استكمال بعض أعمال المونتاج والمكساج، كتب النافد الفني طارق الشناوي إن الفيلم “أجل عرضه”، لا بسبب الرقابة التي أصدرت موافقتها بعد عامين من الجدل، بل بسبب “السوشيال ميديا” التي وصفها بأنها “رقابة على الرقابة”. متحفظة ومتحفزة كلمات الشناوي جاءت بمثابة اعتراف بقوة السوشيال ميديا من جهة، وإقرار بنوع الفكر ودرجة الثقافة ومفهوم الدين السائد بشكل واضح في المجتمع. كتب “لدينا رقابة على الرقابة، السوشيال ميديا الآن بيدها كل شيء، وهي بطبعها متحفظة جداً، ومتحفزة جداً جداً، ومنفلتة جداً جداً جداً. الوسائط الاجتماعية ليست الرأي العام، إنها فقط الجزء الغاضب والساخط والمنفلت أيضاً من الرأي العام، لا يعنيه إلا (الترند)، ولهذا يسرف في استخدام الألفاظ “الأبيحة” (القبيحة) حتى تتسع الدائرة”. مخرج الفيلم أكد أنه لا يشوه الدين الإسلامي بل يكشف بعضاً ممن يفسرونه على أهوائهم (من التريلر الرسمي للفيلم) ونبه الناقد الفني في مقالة عنوانها “الملحد قصقصوا ريشه”، إلى أن كل من يعلم كيف تدار الأمور داخل الرقابة على المصنفات الفنية يدرك أنه لا يمكن أن تسمح بفيلم يدافع عن الإلحاد أو حتى يقف على الحياد، مضيفاً “آخر ما يمكن لها التصريح به هو تقديم شخصية وأفكار الملحد، ومن خلال عصف فكري بينه وبين طرف آخر يعلن هزيمة أفكاره”. كثير من التعليقات على أخبار إسراع محامين برفع قضايا تطالب بمنع الفيلم من العرض، أو معاقبة طاقمه، أو كليهما تتراوح بين “امنعوا الملحدين” و”أوقفوا الكفار” و”قاوموا الإلحاد” و”سنقف أمام كل من يروج للإلحاد والعياذ بالله”. عدد القضايا المرفوعة وصل إلى ثمان، ومرشحة للزيادة من باب نصرة الدين وحماية المتدينين من الملحدين. جسم الجريمة غائب الناقد الفني طارق الشناوي يرجع إسراع عدد من المحامين إلى التقدم ببلاغات للنائب العام لمنع الفيلم يعود للهجوم وانسياق كثيرين وراءه، وأن هؤلاء المحامين تجاهلوا القاعدة الأولى في القانون الجنائي، وهي العثور أولاً على جسم الجريمة وهو الشريط السينمائي، ويضيف “لا يوجد أساساً فيلم شاهده أحد حتى يقيم دعوى قضائية، إنه الانسياق معصوب العينين تجاه توجه غاضب وعنيف يحتل السوشيال ميديا”. وعلى رغم اعتياد المصريين هذه الفقرة في الحلقات المسلسلة المكررة منذ شيوع نسخة تدين سبعينيات القرن الماضي، إلا أن الفقرة هذه المرة فيها عدد من عوامل التفرد، إذ جرى العرف على مدار نصف القرن الماضي أن يطرح أحدهم قضية أو يتفوه برأي لا يتطابق والآراء المتفق عليها، أو يخرج عملاً درامياً أو أدبياً يتطرق إلى الدين (الإسلامي) بالنقاش لا التسليم، حتى لو انتهى النقاش بالتسليم، فيؤدي ذلك إلى هجمة شرسة عليه، سواء من مؤسسات رسمية ترعى الدين أم مجموعات شعبوية ترعى الدين أيضاً، ثم ينبري عدد من المحامين ممن يقومون بمهمة الرعاية نفسها، فيرفعون القضايا لوقف هذه الأعمال والأفكار والمناقشات حتى لا ينهار الدين وينقرض المتدينون. خفافيش الظلام والجمهورية الجديدة هذه المرة تتسع فقرة المحامين والقضايا القادمين من الجبهة الأخرى، إنها الجبهة متناهية الصغر، الآخذة في التقلص لدرجة تعرضها للاندثار والانقراض والمطالبة بفتح ساحات الفكر والبعد من المنع والحجب وإتاحة الفرصة لقدر من التنوير. وعلى رغم أنه محام واحد، ولم يعلن اسمه ربما حفاظاً على سلامته، إلا أنه كسر القاعدة. طلب المحامي إلزام وزير الثقافة بصفته بإصدار قرار بإحالة كل من تعدى على اختصاصات الرقابة على المصنفات الفنية التابعة للمجلس الأعلى للثقافة ممن سماهم “خفافيش الظلام وفلول التيارات التكفيرية الرجعية إلى النيابة العامة لما يروجونه من أفكار هي أقرب ما تكون إلى جرائم الإرهاب والتطرف الفكري، ومحاولة هدم الدولة المدنية الحداثية لمصر الجمهورية الجديدة”. محامي مصري تصدى للهجوم على الفيلم ممن سماهم “خفافيش الظلام” (من التريلر الرسمي للفيلم) بعضهم يلوم على “الجمهورية الجديدة”، والمقصود بها سنوات ما بعد أحداث يونيو (حزيران) 2013 التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين رفضاً للحكم الديني أو هكذا بدا قلة الاهتمام بقضايا التنوير، أو تقلص الجهود لنفض غبار سنوات من التدين المظهري الشعبوي، أو ترك الشارع لتيارات وأفكار وأفراد يعملون من خلف الستار ومن تحت المنابر ويجرون الجموع جراً إلى خانة الانغلاق والتشدد، أو تعمد إفساح ساحة الإفتاء في الطب والسياسة والهندسة والتجارة والدواء والآثار والدراما والأدب والدولار لرجال دين لا لأهل الاختصاص، هذا الفريق يرى أن هيمنة تيار التدين الشعبوي الزاعق تكشف عن وجهها بين الحين والآخر، تارة بمنع عمل فني، وأخرى بنهش سمعة فنانات، وثالثة بالسكوت على اعتبار كل من طرح سؤالاً أو فتح نقاشاً أو قال رأياً مغايراً للسائد عرضة لعقوبة “ازدراء الأديان” القانونية، أو تهمة الترويج للكفر ونشر الإلحاد الشعبية، وذلك في غياب جهات ومؤسسات يفترض أنها تدافع عن حرية التعبير والفن والإبداع والإنسان. “موتور” الجهل الناقد طارق الشناوي يرى ضمن مقالته “الملحد قصقصوا ريشه” أنه كان يفترض أن يسمع احتجاج من نقابة السينمائيين وغرفة صناعة السينما ضد القرار بتأجيل عرض فيلم “الملحد”، وذلك بعد أن كان الموعد النهائي تحدد. ويضيف “هذا القرار يضرب الصناعة السينمائية في مقتل، فهو يشير إلى أن هناك قوة أخرى خارج الرقابة هي التي تدير المنظومة”. ويلقي الشناوي قدراً من الضوء على جزء ممن يديرون المنظومة، فيقول “عدد من قضايانا صارت البوصلة فيها تتجه إلى السوشيال ميديا، كثيراً ما نجد أنفسنا ننتظر ما الذي سيسفر عنه هذا الصوت المنفلت معصوب العينين الذي يتحرك عادة باستخدام “موتور” الجهل، كما أن شعور قطاع كبير من الناس بالإحباط بسبب الأزمات المعيشية التي تلاحقهم، جعلهم متحفزين لا شعورياً لتفريغ شحنة الغضب في أي حدث عابر. عبقري ومثقف الملياردير المصري نجيب ساويرس لا يعاني إحباطاً بسبب الأزمات المعيشية، لذلك جاء ضلوعه في نقاش “الملحد” المتأجج خالياً من الإحباط، فاستجاب لأحد متابعيه على “إكس” الذي طالبه بمشاركة رأيه في الإعلامي إبراهيم عيسى، فكتب “عبقري ومثقف من الدرجة الأولى، وقارئ لكل التاريخ الإسلامي ومن دعاة التنوير والحرية، عظيم”. رجل الأعمال نجيب ساويرس وصف مؤلف الفيلم بـ”العبقري” (من التريلر الرسمي للملحد) عظمة إبراهيم عيسى التي وصفه بها ساويرس أدخلت رجل الأعمال المصري المعروف بضلوعه في مناقشات مثيرة عديدة سياسية واقتصادية وفنية وثقافية في دائرة الإثارة المحتدمة والغضبة الشعبوية المحتقنة، نال ساويرس بعضاً مما يناله عيسى والفيلم والقائمون عليه والمدافعون عنه، بمن فيهم الرافضون لفكرة الإلحاد أو توقيت عرضها وفي الوقت نفسه طريقة الهجوم وأسلوبه. الإسراء والمعراج أيضاً وعلى ذكر طريقة الهجوم، سارع بعض الرافضين للفيلم بإعادة نشر تدوينة كتبها الممثل الراحل مصطفى درويش الذي كان على وشك بداية المشاركة في تصوير الفيلم قبل عامين. بعد حلقة تلفزيونية أثارت كثيراً من الجدل حول الإسراء والمعراج، وقال إنه استند فيها على تفسيرات من كتب التاريخ والسيرة، كتب درويش “قررت مقاطعة أي برنامج لإبراهيم عيسى والاعتذار عن فيلم الملحد الذي صورت فيه أربعة أيام، لأن المؤلف هو إبراهيم عيسى. واضح أن الحرب (على الدين) ممنهجة، وأنا لا أقبل أبداً أن أكون أداة للحرب ضد ديني مهما كان الثمن”. وكتب درويش ملحوظة، “فيلم الملحد قصة ليس فيه أي تشجيع على الإلحاد”. تدوينة الممثل الراحل يجري تشاركها والتعليق عليها بعبارات الترحم والاستحسان مع ذكر المؤلف والفيلم و”الملحد”، “والعياذ بالله” مصحوبة بكل كلمات الشجب والتنديد والمطالبة بالإيقاف والمعاقبة. منتجات مكافحة الإلحاد الطريف أن ضمن التعليقات، يحرص بعضهم على التسويق لمنتجاته الموائمة للحدث وسط الجمهور المناسب في الأجواء المواتية، القائمون على أحد مراكز “التدريب” يعلق برابط للتسجيل في دورات مكافحة الإلحاد، وذلك عبر دراسات مكثفة لنقد الإلحاد، وطرق مؤكدة تساعد في اكتشاف وجود ملحد، وسبل ممنهجة لإدراك حقيقة الأفكار التي تتخذ ذريعة في الدول العربية للترويج للإلحاد مثل الليبرالية والعياذ بالله. واجه فيلم الملحد كثيراً من كلمات الشجب والتنديد والمطالبة بالإيقاف والمعاقبة (من التريلر الرسمي للفيلم). مركز “بحثي” آخر يعلن عبر التعليقات مادة “مقاومة الإلحاد” وضمان السرية للدارسين، ودورة “مقدمات في نقد الإلحاد للمبتدئين” وأخرى للمستويات الأعلى، إضافة إلى كورسات متطورة لإتقان الرد على الملحدين وفهم كل جديد في عالم الإلحاد، وغيرها من المنتجات. دورة حياة الحدث الجلل وكعادة دورات الحدث الجلل، و”هبدات السوشايل ميديا” المصاحبة، وصخب الرد وجلبة الرد المضاد، ورفع الأمر للنائب العام ومنه إلى القضاء، وحبذا لو انتهى الأمر بسجن صاحب الرأي الذي لا يعجب الغالبية، ثم الهدوء والسكينة وانتظار حدث جلل جديد، لا يخلو الأمر من قدر من الدعابة والسخرية الحادة، وهي سلاح المستضعفين في العدد والبعيدين من شعبوية الذود عن الدين أو الوطن أو الأمة أو الكوكب. كتب أحدهم، “سنستميت من أجل منع عرض فيلم الملحد، لكن سنقدم لك برامج وفتاوى على كل القنوات ستدفعك دفعاً نحو الإلحاد، فما حاجتك إلى مشاهدة الفيلم؟”. التهمة إلحاد يشار إلى أن ملفات المحاكم فيها عدد من القضايا المرفوعة على أشخاص بتهمة ازدراء الدين، إذ لا يوجد تهمة واضحة اسمها الإلحاد. وبين هؤلاء من تقدم للإبلاغ عنه الأهل أنفسهم، إما هلعاً من إلحاد الابن، أو اتقاء لوصمة تلاحقه عبر عيون الجيران والأهل. وبينما خبثاء يتساءلون بين وقت وآخر عن مدى نجاح عقوبة السجن في رد السجين من غياهب الإلحاد وظلماته إلى جنة العقيدة ونورها، كان بعض منهم في مجلس النواب (البرلمان) المصري يناقش قبل أعوام فكرة تبدو غريبة لبعضهم، ومستحسنة ومطلوبة لبعضهم الآخر، إذ تقدم برلماني بمشروع قانون لتجريم الإلحاد في مصر، ومعاقبة الملحدين بالحسب والغرامة المالية. واعتبر صاحب مشروع القانون مقترحه الحل الأنسب لـ”مواجهة الإلحاد المنتشر بين الشباب ظناً منهم أنه حرية اعتقاد”. وجاء ضمن مشروع القانون أن “الإلحاد يضر الأمن القومي المصري ويهدد الأمن العام، ويشكل خطراً على الأديان السماوية”. وأكد مشروع القانون ألا تعارض بين تجريم الإلحاد وحرية الاعتقاد. تعداد الملحدين وبعيداً من صعوبة تعريف الإلحاد، لا سيما أن بعضاً منهم يعتبر النقاش في الدين أو قبول أديان أخرى أو العمل في الفن أو المطالبة بالعلمانية أو التحول من دين سماوي لآخر وغيرها مظاهر إلحاد، وبعيداً أيضاً من أن المشكلة بهذا المفهوم الشعبي يمكن أن تختفي تماماً حين يحتفظ الملحد بإلحاده لنفسه، خرج أستاذ الفقه المقارن أحمد كريمة صاحب الظهور التلفزيوني المكثف في شهر أبريل (نيسان) الماضي ليعلن أن تعداد الملحدين في مصر تجاوز 3 ملايين ملحد، وذلك بناء على دراسات وإحصاءات لم يعلن اسمها أو جهة إجرائها أو توقيتها. لا تزال أعداد الملحدين في مصر غير معروفة على نحو دقيق (من التريلر الرسمي للفيلم) الطريف أن كتابات وتعليقات وإشارات إعلامية عدة تعتمد على أرقام شديدة التباين تتراوح بين 866 و3 ملايين و10 ملايين ملحد، وذلك بناء على دراسات وإحصاءات يصعب الوصول إليها، باستثناء أرقام وردت على موقع مؤسسة “غالوب إنترناشيونال” بناء على استطلاعات أجريت في أعوام 2008 و2009 و2015 وضعت مصر في المكانة الـ12 على قائمة أكثر شعوب العالم تديناً. يشار إلى أن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية دشن في عام 2018 وحدة “بيان” بهدف “مواجهة الإلحاد والفكر اللاديني”، وقوبلت فكرة الوحدة بكثير من الترحيب والثناء، وعلى رغم أن فيلم “الملحد”، الذي لم يشاهده أحد بعد، ربما يسهم في مواجهة الإلحاد أو ربما التطرق له بطريقة منهجية من دون وعظ وإرشاد يمقتهما الشباب، أو تهديد ووعيد يروعهم ويرعبهم، إلا أن اسم الفيلم “والعياذ بالله” واسم المؤلف الذي يطرح قضايا وأسئلة شائكة تخدش العقل حيناً وتجرح القوالب الثابتة أحياناً قلبت “السوشيال ميديا” قاضي العصر وجلاده رأساً على عقب. المزيد عن: مصرفيلم الملحدإبراهيم عيسىالدينازدراء الأديانالرقابةالسوشيال ميدياالأزهردار الإفتاءالقانون المصري 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post توتر علاقات مصر و”حماس”… لماذا الآن؟ next post “شهر في سيينا” رحلة إيطالية بين متعة الفن والتأمل You may also like “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024 بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية... 15 نوفمبر، 2024 أهم إصدارات الكتب في بريطانيا لنوفمبر 2024 15 نوفمبر، 2024