مجموعة من المهاجرين بينهم مصريين في مخيم بالمكسيك بانتظار مواصلة رحلتهم نحو الحدود (اندبندنت عربية) عرب وعالم المكسيك بوابة جحيم المصريين نحو الحلم الأميركي by admin 29 ديسمبر، 2024 written by admin 29 ديسمبر، 2024 13 حكايات آلاف الأشخاص سلكوا الطرق الوعرة عبر أدغال أميركا الوسطى وكارتلات المكسيك بحثاً عن حياة أفضل… شبكات التهريب تمتد من مصر عبر دول عربية وصولاً إلى الجانب الآخر من الأطلسي والكلفة تصل إلى 15 ألف دولار أميركي اندبندنتا عربية / إنجي مجدي صحافية @engy_magdy10 https://canadavoice.info/wp-content/uploads/2024/12/المكسيك-بوابة-جحيم-المصريين-نحو-الحلم-الاميركي-اندبندنت-عربية.mp4 كان سعد صلاح الذي بلغ العقد الخامس من عمره وعائلته يعدون حقائبهم ممنين أنفسهم بالحلم الأميركي الذي سبقهم له غيرهم من أبناء قرية أبو قرقاص في محافظة المنيا، ولم يعبأ الأب بالكلفة المادية لسفر أسرة مكونة من ستة أفراد في رحلة تمر عبر سبع أو ثماني دول، فالآمال والطموحات نحو غد أفضل لأبنائه وزوجته تستحق بذل كل غال. ولم تفكر الزوجة نعمة نبيل والأبناء كثيراً في متاعب تلك الرحلة الشاقة، فثمة مستقبل أكثر أماناً وفرص واعدة في انتظارهم. تلك الرحلة التي كان يفترض أن تكون جسراً نحو حياة جديدة تحولت إلى مأساة مروعة بينما كانت الأسرة على شفا تحقيق الحلم، فما أن حطت أقدام العائلة داخل المكسيك باغتتهم طلقات نارية حطت في صدري الأختين سيلفيا وإيريني اللتين طالما حلمتا ببيئة أفضل، لتودعا عالمهما وتلفظتا أنفاسهما الأخيرة بينما لقطات حلمهما السعيد تمر أمام عينيهما مختلطة بنزف الدماء، واخترقت رصاصتان رأس شقيقهما الأصغر يسطس ليرقد في غيبوبة لم يستيقظ منها حتى كتابة هذه السطور. الأب والأم المكلومان بفقدان ابنتيهما وانتظار مصير ابنهما الأصغر يقفان الآن في مواجهة واقع مرير، بفقدان أحباء تحت وطأة العنف والبقاء عالقين في منتصف الطريق بين تحقيقات تزيدهم ألماً وخوف من العودة إلى الوطن، بينما تلاشت أحلامهم خلال لحظة مروعة. كان أفراد العائلة يأملون في إيجاد الأمان ويرسمون مستقبلاً مضيئاً لهم في أرض جديدة، مثلما أوهمهم سماسرة الهجرة في قريتهم بالمنيا، لكن قسوة الطريق والظروف التي أحاطت بهم كشفت عن الوجه الآخر للهجرة غير الشرعية، إذ تتداخل أحلام الأفراد مع قسوة الواقع الذي لا يرحم. هذه المأساة الإنسانية تفتح الباب للتساؤل حول الأسباب والدوافع وراء سيل من المواطنين المصريين باتوا يتدافعون عبر طرق الهجرة غير الشرعية، وكيف يوهم سماسرة الهجرة في محافظتي المنيا والشرقية ضحاياهم بسهولة الطريق مقابل الحصول على آلاف الدولارات. في تحقيق استقصائي لـ”اندبندنت عربية” قمنا بإنشاء قاعدة بيانات حول أعداد المصريين المهاجرين إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية عبر طرق أميركا الوسطى، وأعداد المتوفين وفق قواعد البيانات للحكومة الأميركية والمنظمات الدولية خلال الفترة بين عامي 2014 و2024، وأحصينا عدد حالات القتل لمهاجرين غير شرعيين في نفس المنطقة التي أطلقت فيها قوات الأمن المكسيكية النار على عائلة سعد صلاح ومهاجرين آخرين، حيث تعرف هذه المنطقة بأنها ضمن المناطق الأكثر خطراً داخل المكسيك لانتشار العنف وعصابات التهريب فيها. وانطلاقاً من محافظة المنيا بصعيد مصر حيث اتخذ المئات من الشباب والأطفال والنساء والرجال مسارات هجرة خطرة في أدغال دول أميركا الوسطى، استمعنا لشهادات خمسة أشخاص اختلفت مسارات رحلاتهم الأولي، لكنها اتفقت جميعاً في المرور عبر الطرق الوعرة في دول أميركا الوسطى، وتحدثنا إلى شخصين من محافظة الشرقية. وأدلى خمسة ممن تحدثوا إلينا بنفس أسماء المهربين الذين التقوهم في تلك البلدان، فيما لم يذكر آخرون أسماء من التقوهم، واتفقت الشهادات في وصف طرق السفر والطرق الوعرة التي مروا بها وأسماء الأشخاص الذين ساعدوهم في المطارات بالخارج. لذا تم حصر للمعلومات وتنقيحها تجنباً للتكرار، وبناء على طلب المتحدثين عدم ذكر أسمائهم أو الأحرف الأولى منها، فسنشير إليهم بأحرف وهمية “ج، ص، ب، د، ي”. وعلى الصعيد الدولي، أمدتنا “وكالة الجمارك وحماية الحدود الأميركية” ببيانات تفصيلية حول عدد المصريين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة عبر الحدود الجنوبية مع الولايات المتحدة خلال الأعوام من 2014 إلى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. واستند تحقيق “اندبندنت عربية” أيضاً إلى قواعد البيانات الخاصة بمنظمة الهجرة الدولية ومجموعات “فيسبوك” وتقارير الصليب الأحمر وموقع “إنسايت كرايم” InSight Crime التابع للجامعة الأميركية في واشنطن. تحدثنا أيضاً مع بعض الأشخاص من حلقات التهريب، أحدهم في محافظة المنيا والذي نفي في البداية أنه ساعد أي أحد على اتخاذ هذا الطريق، ثم قال “الدنيا واقفة حالياً، الموضوع خطر حالياً ومش سهل… أنا توقفت عن ذلك النشاط منذ أكثر من عام”، وشدد على أنه لم يعد ينصح أحداً باتخاذ ذلك الطريق للسفر إلى الولايات المتحدة لأنه شديد الخطورة. وتواصلنا مع سيدة من غواتيمالا تستضيف المهاجرين وتساعدهم على تجاوز الحدود إلى المكسيك. وبينما حاولنا التواصل مع الحكومة المكسيكية، لم نحصل على رد. الرحلة يرويها الناجون وفق بيانات مكتب إنفاذ قوانين الهجرة والعمليات القانونية التابع لوزارة الأمن الداخلي الأميركي، فإن مواطني مصر بين قائمة تضم 100 بلد ممن يُقبض على مواطنيها من قبل دوريات الحدود الأميركية خلال محاولة التسلل عبر الحدود البرية الجنوبية الغربية مع المكسيك. وتظهر البيانات زيادة واضحة خلال عامي 2023 و2024مع زيادة لافتة في عام 2023 بلغت أكثر من 3 آلاف شخص ونحو 2000 شخص العام الحالي. وتظهر قاعدة بيانات مشروع المهاجرين المفقودين التابع لمنظمة الهجرة الدولية، أن هناك ثمانية مسارات للهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، لكن أكثرها شيوعاً كان عبور الحدود الجنوبية مع المكسيك وهو الطريق الذي يتخذه المهاجرون المصريون. ووفق شهادات المهاجرين غير الشرعيين الذين استطاعوا دخول الولايات المتحدة والذين أجرينا معهم مقابلات عبر الهاتف، فثمة طرق عدة يبدأ منها أولئك المهاجرون من مصر، تبدأ من إحدى الدول التي يسهل الحصول على تأشيرتها للمصريين ومن بينها سلطنة عمان والمغرب والسنغال وماليزيا والأردن وموريتانيا، ومنها يأخذون تذكرة طيرانهم إلى دولة بنما التي لا تشترط تأشيرة مسبقة للمصريين، ثم نيكاراغوا والتي تبدأ منها رحلتهم براً عبر دول أميركا الوسطى وصولاً إلى المكسيك ثم الولايات المتحدة، وخلال هذا الجزء من الرحلة عبر أميركا الوسطى الذي يستغرق بين أسبوع وأسبوعين، تتولى عصابات تهريب البشر الأمر. عادة ووفق ما تردد في شهادات المصريين الذين تحدثوا إلينا، فإن الرحلة تنطلق من أحد المطارات المصرية إلى سلطنة عمان أو ماليزيا أو المغرب، ومن إحداها تبدأ رحلتهم إلى نيكاراغوا في أميركا الوسطى. الطريق الأكثر استخداماً بالنسبة إلى المصريين يبدأ من سلطنة عمان وهو الطريق الذي اتخذه (ص. 26 سنة) وآخرون مطلع أغسطس (آب) 2023، ومنها كان لديه حجز طيران إلى نيكاراغوا على الخطوط التركية. ووفق الشاب وآخرين ممن تحدثوا إلينا، يوجد شخص يعمل داخل مطار مسقط يتخذ اسماً حركياً “أبو نواف” يساعدهم على تجاوز الإجراءات الأمنية وتسهيل وصولهم إلى طائرة الخطوط التركية سريعاً، دون الخضوع لأية أسئلة حول أسباب سفرهم إلى بنما. ومن بين أولئك الشاب (ج. 26 سنة) الذي ذهب أولاً إلى ماليزيا على تأشيرة سياحة، وبينما كان يستعد لمغادرة البلاد نحو رحلته إلى نيكاراغوا خلال السابع من يونيو (حزيران) 2023، منعت سلطات ماليزيا صعوده وآخرين إلى الطائرة رافضة قبول حجتهم بأنهم ذاهبون بغرض السياحة، مما اضطره إلى الذهاب إلى سلطنة عمان بناء على نصيحة الوسيط الذي ساعده على رسم الطريق. وخسر “ج” 5200 دولار ثمن تذكرة الطيران من ماليزيا إلى نيكاراغوا، وفي سلطنة عمان اضطر لدفع 9 آلاف دولار لذلك الوسيط الذي يعمل لحساب مكتب سياحة وسفر معروف لحجز تذاكر الطيران، والذي اشترى له تذكرة طيران على درجة رجال الأعمال لنيكاراغوا. وفي مطار سلطنة عمان التقى “ج” بالمصري المعروف باسم “أبو نواف” ودفع له 650 دولاراً أخرى لتجاوز الإجراءات الأمنية. ويقول “(أبو نواف) دخل على الكونتر وأتي لي ببطاقة صعود الطائرة وأنهى إجراءات تسجيل كل شيء بنفسه”. وفي رحلة تستمر نحو يومين ونصف اليوم يقضونها في سلطنة عمان، يهبط المسافرون أولاً في مطار إسطنبول لينتظروا استئناف رحلتهم إلى مطار “توكومين” في بنما، ثم عبر الخطوط الكوبية يستأنفون رحلتهم جواً من بنما إلى مطار أوغستو ساندينو الدولي داخل مدينة مانغوا في دولة نيكاراغوا. ويروي “ص” أنه عندما غادر سلطنة عمان إلى إسطنبول كان بصحبته ثلاثة أشخاص آخرون، وخلال رحلته التقى كثراً ممن هم في طريقهم نحو الحدود الأميركية، ويقول “هذه الرحلات كانت تقلع بصورة يومية… الطائرة التي أقلعت إلى بنما كان عليها أكثر من 50 مصرياً جميعهم كانوا ذاهبين لاتخاذ ذلك الطريق نحو الحدود الجنوبية للولايات المتحدة وتقديم طلبات لجوء”، لكن لا يبدو أن جميعهم محظوظون فيضيف “بينما هبطنا في بنما بانتظار مواصلة رحلتنا إلى نيكاراغوا، رفض أمن المطار صعود 32 شخصاً إلى الطائرة”. “هل تريد تجاوز الحدود؟” بعد الوصول إلى نيكاراغوا يشتري المسافرون تأشيرة لدخول البلد، وأمام المطار ينتظرهم “ه” رجل أربعيني بملامح لاتينية ويمثل أحد أعضاء حلقة التهريب داخل بلدان أميركا الوسطى، حاملاً رسالة على هاتفه مترجمة من الإسبانية إلى العربية “هل تريد تجاوز الحدود؟”، وفي سيارات أجرة تسع كل منها أربعة أفراد ينقل “ه” المهاجرين إلى حدود دولة هندوراس، حيث يكمل مهرب آخر الرحلة معهم لتجاوز الحدود إلى داخل هندوراس. وفي هندوراس يقوم المهاجرون بتسجيل بياناتهم لدى السلطات ويحصلون على تصريح بالبقاء ليوم واحد. ويقول (ي. 18 سنة)، “هناك التقينا مجموعات كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين. وكان عدد المصريين خلال ذلك الوقت كبيراً وكانت هناك جنسيات أخرى أفريقية وعربية ومن دول أميركا الجنوبية”. وفي هندوراس يستأنف المهاجرون رحلتهم عبر حافلة تقلهم إلى غواتيمالا تستغرق نحو ثماني ساعات. ويقول (د. 19 سنة)، “انتقلنا في حافلة أخذناها من محطة كبيرة تحتوي حافلات كثيرة تشبه محطة السوبرجيت في مصر… وبمجرد أن ركبنا الحافلة من هناك تواصلنا مع سيدة من غواتيمالا تدعى (م)”. وحصل الشاب على رقم السيدة (م) من سمسار في قريته يدعى ماهر، وهو الذي قام بحجز تذاكر الطيران له. ويقول “تواصلت معها بمجرد وصولي إلى هندوراس وكنت أرسل إليها مكاني باستمرار… قبل أن نصل إلى حدود غواتيمالا كان أحد الأشخاص ينتظرنا وعند نقطة معينة أبلغتنا السيدة بأن نغادر المركبة… هبطنا على طريق سريع وأكملنا الطريق إلى داخل غواتيمالا سيراً على الأقدام لمدة أكثر من ساعتين وسط غابات ومزارع لوجود نقاط تفتيش أمنية على الطريق السريع”. كارتل “تابتشولا” حيث قُتل المصريون يكمل المسافرون غير الشرعيين طريقهم وسط تلك الغابات داخل سيارة نصف نقل في صندوقها المغلق دون تهوية وصولاً إلى مبنى بسيط يسمونه “الفندق” على أطراف غواتيمالا، بعد الاستراحة قليلاً حتى اكتمال وصول المجموعات القادمة من دول عدة. وثمة بحيرة مثل مصافي الأمطار، بحسب أحد الشباب الذين تحدثوا إلينا، كان ينبغي عليهم تجاوزها عبر جسر خشبي متهالك لتفادي أية نقاط أمنية على الطريق. وفي منتصف الليل، تحركوا عبر حافلة صفراء اللون تشبه حافلات المدارس والتي تقلهم إلى حدود المكسيك وتحديداً إلى منطقة تابتشولا وهي النقطة الحدودية الأولى التي يصل إليها المهاجرون غير الشرعيين إلى المكسيك، وتقع هذه المدينة في أقصى الجنوب الشرقي من ولاية تشياباس المكسيكية وهي الولاية التي تعرضت فيها أسرة سعد صلاح لإطلاق النار، من جانب قوات الأمن في المكسيك. وتعد مدينة تابتشولا مركزاً لعمل عصابات الاتجار في المخدرات، فوفقاً لموقع “إنسايت كرايم” التابع لمركز دراسات أميركا اللاتينية واللاتينوس بالجامعة الأميركية في واشنطن، فإن عصابات الاتجار بالمخدرات وجدت فرصة عمل جيدة وسط العدد المتزايد من المهاجرين الذين يمرون عبر المكسيك، أملاً في الوصول إلى الولايات المتحدة. ووفق تقرير صدر الصيف الماضي، فإن الهجرة أصبحت مصدر دخل مهم لجماعات الاتجار بالمخدرات في المكسيك داخل هذه المدينة الحدودية الجنوبية، وبخاصة جماعتي كارتل سينالوا وكارتل خاليسكو الجيل الجديد واختصاره “سي جيه أن جي”. ووفق اثنين من المهربين الذين ساعدوا في نقل المهاجرين على مدار أكثر من عقد وتحدثوا لـ”إنسايت كرايم”، فإنهم أجبروا على دفع نحو نصف أرباحهم لعصابات المخدرات والجريمة، وتحديداً كارتل سينالوا وكارتل “سي جيه أن جي”. وقال أحد مهربي البشر إنه يتقاضي بين 9 آلاف و11 ألف دولار أميركي من مجموعة المهاجرين، ويسدد منها نحو 6 آلاف دولار لعصابات المخدرات. عدم دفع “الإتاوة” المطلوبة من قبل عصابات مثل كارتل سينالوا وكارتل الجيل الجديد يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، بما في ذلك الاختطاف والتعذيب وربما الموت. فخلال مايو (أيار) 2023، اختطف 49 مهاجراً بينهم 11 طفلاً من الحافلة الخاصة التي استقلوها من تابتشولا في طريقهم إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. وبعد نحو أسبوع عثرت السلطات على المهاجرين أحياء في وسط المكسيك. وقال بعضهم إنهم اختطفوا من قبل جماعة تهريب مخدرات طالبت بفدية، وفي حين يذكر تقرير المنظمة الأميركية أنه ليس من الواضح عما إذا كان المهاجرون دفعوا أموالاً لتلك العصابات، لكن وفق شهادات المصريين الذين التقتهم “اندبندنت عربية” فإنهم يدفعون ما لديهم من أموال لكل من يلتقيهم على طول الطريق. وقال أحد المهربين “الآن أدرك تجار المخدرات مدى ضخامة العمل. الجميع يريد حصته. وكلما كانت الحصة أكبر كان ذلك أفضل”. بؤرة للعنف المصريون الثلاثة الذين قُتلوا خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقعت حادثتهم في منطقة هويكستلا وهي منطقة قريبة من تابتشولا وكلتاهما في ولاية تشياباس. وعلى نحو أوسع، يقول “إنسايت كرايم” إن ولاية تشياباس منذ فترة طويلة أصبحت بمثابة بؤرة للعنف الإجرامي، بين الجماعات المتنافسة للسيطرة على الأراضي الواقعة داخل الحدود الجنوبية للمكسيك، وهي مركز رئيسي لتهريب المخدرات والمهاجرين. ووفقاً لتقارير داخلية للجيش المكسيكي، اتخذ العنف في الولاية وبخاصة داخل الحدود الجنوبية، حيث ينتقل المهاجرون المصريون وغيرهم من غواتيمالا إلى المكسيك، مساراً تصاعدياً حاداً منذ عام 2021، تزامناً مع توغل كارتل خاليسكو الجيل الجديد في البلديات الحدودية التي كانت ذات يوم معاقل لكارتل سينالوا المنافس. ويقول رئيس اتحاد المصريين في الخارج رأفت صليب من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة، الذي تابع حادثة إطلاق النار على أسرة سعد صلاح وأسهم في تقديم الدعم للأسرة المنكوبة بالتنسيق مع وزارتي الخارجية المصرية والمكسيكية، إن الحافلة التي كانت بداخلها العائلة المصرية كان يوجد بها أفراد من مهربي المخدرات، لذا بمجرد عبورهم إلى داخل المكسيك أطلقت قوات الأمن المكسيكية النيران باتجاهها، مما أسفر عن مقتل البنتين وشاب آخر يدعى بديع مكرم في الـ17 من عمره، بينما يرقد الأخ الأصغر في الرعاية المركزة داخل المكسيك، حيث حصل الأب الذي أصيب في قدمه برصاصتين على تصريح إقامة لمدة عام للبقاء مع ابنه حتى يتماثل للشفاء. وذكر تقرير حقوقي نشره موقع “إنسايت كرايم” خلال أغسطس الماضي أن العنف في ولاية تشياباس المكسيكية دفع بزيادة عدد النازحين والمفقودين إلى مستويات جديدة، مع استهداف العصابات وجماعات الجريمة المنظمة للمدنيين بصورة متزايدة. ووفقاً لبيانات احتواها التقرير، فإن عدد ضحايا النزوح القسري داخل تشياباس بلغ 12 ألفاً و771 شخصاً خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، وهو ارتفاع حاد مقارنة بعام 2023 الذي سجل 4 آلاف و562 شخصاً. نقل غير آمن وإتاوات ووفق شهادات المصريين الذين تحدثوا إلينا، ففي تابتشولا تسلم (ت) وهو أحد أعضاء حلقة التهريب الذي تلقى ألفي دولار من كل مهاجر، نظير تنقلاتهم داخل المكسيك على مدار 14 يوماً. وفق (ج) وآخرين فإن (ت) كان ينقل مجموعات المهاجرين في شاحنات مكتظة “كان يضع 60 شخصاً داخل سيارة تسع 10 أشخاص فقط”. ويقول (ص)، “قام هذا الشخص بنقلنا داخل سيارة تشبه سيارات نقل المواشي لكنها كانت بصندوق مغلق تماماً، كان يحشرنا داخلها بغض النظر عن السعة وحدثت بالفعل اختناقات وبعض الأشخاص فقدوا الوعي، لكننا تصرفنا وفتحنا النافذة العلوية وساعدناهم… لم نر سوي المزارع والغابات التي كنا نهبط فيها للمبيت، هو كان يقوم بنقلنا في شاحنات مغلقة”. ووفقاً لأحد الأشخاص فإنهم أقاموا في البداية داخل مبيت يدعى “فندق ميشيل”، وعلى مدار أسبوعين كان المهرب المكسيكي ينقل المجموعات من مزرعة إلى أخرى، ويقول (ى. م)، “المزرعة بها خيمة كبيرة كنا ننام داخلها… في المكسيك وصلنا إلى نحو 200 مصري إضافة إلى جنسيات أخرى… قبل أن نصل إلى ميكسيكو سيتي قام بفصل الجنسيات وقسمنا لمجموعات”. تستغرق الشاحنة التي تقل المهاجرين من المكسيك إلى الحدود الأميركية 13 ساعة، وبينما تقدر سعتها بنحو 60 فرداً كان يتم وضع 120 مهاجراً داخلها. وفق (ص) فإنه خلال المرة الأولى التي خرجوا فيها متجهين لبدء رحلتهم نحو الحدود أوقفتهم قوات الأمن المكسيكية، وما كان من السائق والمرافق له إلا أنهما غادرا الحافلة وهربا وسط المزارع… واحتجزتنا السلطات المكسيكية ليلة واحدة وبعدها أطلقوا سراحنا ومنحونا إذناً بالبقاء لأسبوع فحسب… هاتفنا (ت. المهرب) وأرسل شخصاً لنقلنا إلى إحدى المزارع وبقينا هناك يوماً ثم بدأنا رحلتنا من جديد حتى حدود مكسيكو سيتي… وأبلغنا (ت) أنه دفع رشى هذه المرة حتى نستطيع تجاوز الطريق”. خلال التنقل داخل المكسيك يقول المصريون الذين تحدثوا إلى “اندبندنت عربية” إنهم كانوا يضطرون إلى دفع رشى لمن وصفوهم بعناصر الأمن الموجودة على الطرق حتى يتركوهم. ويقول أحدهم “في الطريق، السواق كان يحاول الابتعاد من مكامن الأمن. عندما كان يوقفنا أحدهم ويرون جوازات سفرنا كانوا يطلبون نقوداً، ودفعنا لهم بين 50 و200 بيزو عن كل شخص في السيارة.. سعر كل مكمن يختلف عن الآخر، والشخص الذي لم يكن لديه نقود كافية كان يتعرض للتفتيش وحقائبه”. ووفقاً للشهادات، فإنهم كانوا يأخذون أي شيء ذي قيمة معه مثل هاتف محمول أو “باور بانك”. لا يعرف الشباب إذا ما كانت تلك المكامن المنتشرة على الطرق هي لعصابات أم لعناصر الأمن. ووفق أحد الشباب فإن الأشخاص في نقاط التفتيش كانوا ملثمين، ومع ذلك يستبعد أن يكونوا عصابات قائلاً “هي نقاط تفتيش رسمية لا أعتقد أنهم عصابات. عندما نفدت نقودنا فتشوا حقائبنا وأخذوا بعض الأشياء، هذا كان هدفهم وليس هدفهم القبض علينا”. في ميكسيكو سيتي بدأت مهمة (س)، عضو آخر من حلقة التهريب مغربي الأصل وتلقى 1100 دولار من كل مهاجر، وكان مسؤولاً عن نقل مجموعات المهاجرين داخل المدينة حيث أقاموا في فندق تابع له أربعة أيام، وقام في هذه الأثناء بوضع “ختم” على جوازات سفرهم. وتحركت المجموعات مجدداً نحو الحدود ووقتها كانوا يرسلون مواقعهم لـ(س) عبر “واتساب”، ووفق أحدهم “هو كان يعرف أماكن نقاط التفتيش الأمني لذا كان يتابع معنا، لأن بعض النقاط بها رتب عليا يصعب تسهيل الأمور معهم بالفلوس… إحدى المجموعات اضطرت إلى التوقف في وسط الطريق والبقاء في فندق تبع (س) لأن نقطة التفتيش كان يوجد فيها ضباط كبار”. بعد تجاوز نقاط التفتيش يستأنف المهاجرون رحلتهم نحو الحدود الأميركية، وتستغرق الحافلة 24 ساعة في الطريق وصولاً إلى ولاية أريزونا. ويهبط المهاجرون قبالة الحدود الأميركية مباشرة، ويذهبون سيراً على الأقدام. ويقول (أ. م)، “البوابات كانت مفتوحة. سرنا إلى جانب السور نحو ساعة حتى وصلنا لمكان تقف فيه قوات الجيش الأميركي، عندما وصلنا التقينا المصريين الذين خرجوا قبلنا وجماعات كثيرة من المهاجرين. ثم نقلتنا السلطات الأميركية لمسافة استغرقت قرابة ساعتين إلى مكان به مخيمات كبيرة، ثم نقلونا في الصباح الباكر وأخذوا منا كل ما لدينا وتعرضنا للتفتيش الذاتي… نقلونا لسلطات الهجرة وأخذوا جوازات السفر الخاصة بنا وأخذوا بصماتنا وصورونا، ثم أقمنا في معسكر تابع لهم يوماً كاملاً ثم معسكر للمهاجرين وبقيت هناك لمدة شهر”. تكلفة باهظة الثمن وديون تراوح كلفة السفر عبر هذا الطريق ما بين تسعة آلاف و15 ألف دولار (أي ما يعادل نصف مليون جنيه وتتجاوز مليون جنيه مصري في بعض الأحيان). ويقول (ص) إن السمسار المصري (م) المسؤول عن حجز تذاكر الطيران لأبناء القرية في المنيا ورسم طريق السفر لهم، حصل منه على 240 ألف جنيه مصري (4800 دولار تقريباً) وكان برفقته في ذلك الوقت سبعة أشخاص آخرين دفعوا المبلغ نفسه مقابل تذاكر السفر، وشرح طريقة الوصول والتنقل في المطارات. بينما سافر (ج) من طريق مكتب سفر يتخذ اسم (م. ال. ن) باعتباره مكتباً لحجز تذاكر الطيران، والذي حصل على 9 آلاف دولار لحجز مقعد في الدرجة الأولى. ليس كل من يدفع هذه الأموال ثرياً، فبعض من تحدثوا إلينا أوضحوا أن عائلاتهم اضطرت إلى استدانة هذه الأموال بفائدة باهظة تصل إلى أكثر من 30 في المئة، مع التوقيع على إيصالات أمانة. ويقول (ع) ويعمل داخل إحدى محطات البنزين “اتفقت مع أبي أن أرسل إليه كل شهر مبلغاً لسداد المديونية لجارنا. فارق سعر الصرف يساعدني أحياناً على توفير بعض الأموال لكن الحياة صعبة للغاية، لأنني ما زالت في البداية وأجرتي قليلة”. على رغم الكلفة الباهظة تختلف دوافع الهجرة بين المصريين إلى الولايات المتحدة، لكن يجمعهم الحلم الأميركي في حياة أفضل. وبينما تواصلنا مع رضا الابن الأكبر للعائلة المصرية التي تعرضت لحادثة إطلاق النار خلال أكتوبر الماضي، وهو متزوج ولم يسافر مع أسرته، للتعرف على دوافع الأب في السفر، رفض الحديث معنا وقال إنه يمر بحالة نفسية سيئة. ويقول (ص) الذي لديه طفلة عمرها (سنتان) تنتظر في مصر مع أمها، إن “الوضع في مصر تعبان، وقررنا نمشي بأية تكلفة. الطريق كان صعب وفي أحيان كثيرة لم أكن أنام بسبب القلق من ناحية وكذلك الأماكن لم تكن مهيأة، لكن عندما يحل علينا التعب كنت أسقط في النوم. الفترة التي قضيناها في المكسيك كانت الأصعب لأن الجو كان بارداً وماطراً ولم يكن لدينا غطاء”. بينما (ي) وهو شاب صغير ولديه أصدقاء من قريته سافروا مما شجعه على المخاطرة، قال “لدي أصدقاء ومعارف سافروا قبل أكثر من ثلاثة أعوام من طريق كولومبيا ومروا بنحو 10 دول. وجدتهم مبسوطين هناك ويرسلون فلوس لمساعدة أهاليهم. تواصلت معهم وساعدوني بالمعلومات”. وبصورة مقتضبة يقول (ج) إن حالته المادية في مصر كانت ميسورة لكنه كان يواجه ضغوطاً من نوع آخر، قائلاً “لو الدنيا حلوة لم أكن لأسافر”، ملمحاً دون الإسهاب في الحديث إلى أنه كان يتعرض لمضايقات في قريته من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة. آخرون تحدثوا عن أقارب وأفراد من عائلاتهم يعيشون داخل الولايات المتحدة منذ أعوام طويلة مما شجعهم على السفر، وقال أحدهم “ابن عمي يعيش هناك ولديه الجنسية الأميركية. حاولت الحصول على تأشيرة سياحة لكن تم رفضي من السفارة في القاهرة ثلاث مرات ولم أجد وسيلة للوصول سوى هذه”. وأشار شخص آخر سافر برفقة زوجته وطفله إلى أنه على رغم أن فارق سعر صرف الجنيه مقابل الدولار كبده “تحويشة العمر وبعض الديون”، لكن بالنسبة إليه هذا الفارق سيكون في صالحه “إذا أردت العودة لمصر مجدداً”، ويأمل في تعليم وحياة أفضل لابنه “لم يكن بإمكانه توفيرهما له لو ظل في مصر”. ليس كل من يرافقه الحظ بالوصول إلى الولايات المتحدة يمكنه البقاء داخل الأراضي الأميركية، فعند الوصول إلى سلطات الهجرة يتم التحقيق مع كل شخص على حده والتعرف على أسباب سعيه إلى اللجوء، وفي أحيان كثيرة لا يقتنع ضابط الهجرة بالقصة التي عادة ما تكون ملفقة. ووفق الشباب الذين تحدثوا إلينا فإن العشرات من المهاجرين الذين رافقوهم خلال تلك الرحلة الخطرة والمرهقة رُحلوا من قبل السلطات الأميركية. ووفق (ج)، فإنه عند وصوله إلى الولايات المتحدة كانت مجموعة المهاجرين تضم 300 مصري، فيما لم تسمح السلطات الأميركية بقبول 50 منهم ورُحلوا. ويقول رئيس المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين أحمد بدوي إن الوضع الاقتصادي وغياب فرص العمل يلعبان بالطبع الدور الرئيس في دفع كثر إلى المجازفة والسفر عبر طرق خطرة إلى الخارج، ومع ذلك هناك أسباب اجتماعية أخرى تتعلق بوجود أقارب أو أحد أفراد العائلة في الخارج، إضافة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً سيئاً في هذا الصدد، من خلال الترويج لرسائل وهمية حول الحياة في الخارج ووهم الثراء السريع، فضلاً عن دور السماسرة الذين يوهمون ضحاياهم بسهولة الطريق. ويشدد بدوي على الحاجة إلى ضرورة توعية الناس بالواقع، سواء واقع الطريق أو واقع الحياة بالخارج، وأن الأمور ليست بهذه البساطة التي يروج لها كثر. وقال “الدول حالياً مشغولة بقضاياها ومشكلاتها الداخلية، فكرة الوهم إن أول ما توصل الحياة ستصبح سهلة فكرة خاطئة. والوضع العام في العالم ليس الأفضل”. وأشار إلى ضرورة معالجة الثقافة المجتمعية التي تقتل الفرص، لافتاً إلى أن عديداً من الناس يستغلون القروض التي توفرها الحكومة للشباب لإقامة مشروعات صغيرة في الدفع لسماسرة الهجرة غير الشرعية، قائلاً “هذه ثقافة هادمة للفرص، عندك فرصة آمنة في بلدك ربما تستغرق وقتاً. لكنهم يتخلون عنها ويتخذون طرقاً خطرة”. ومنذ مارس (آذار) 2022 تصارعت وتيرة تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، مما أدى إلى موجات تضخمية متتالية أسفرت عن مزيد من الأعباء المادية للأسر المصرية، إذ توقع البنك الدولي في أبريل (نيسان) الماضي، ارتفاع معدل الفقر الوطني بصورة كبيرة. وتشير الإحصاءات غير الرسمية إلى تجاوز معدلات الفقر في مصر 30 في المئة، بينما آخر إحصائية رسمية معلنة صدرت في 2020 تشير إلى أن معدلات الفقر بلغت 29.7 في المئة. ووفق تسلسل زمني لمؤشرات الفقر في مصر أعدته مستشارة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هبة يسري، قبل عام، فإن التنبؤات أشارت إلى وصول معدلات الفقر في يوليو (تموز) 2023 إلى 35.7 في المئة. ووفقاً لليثي كان من الممكن أن تصل المعدلات إلى أكثر من 38 في المئة لولا المبادرات الاجتماعية والتكافلية التي أطلقتها الحكومة مثل “تكافل وكرامة” و”حياة كريمة”. أسباب اللجوء تختلف القصص والروايات التي يقدمها طالبو اللجوء لسلطات الهجرة الأميركية، فمنها ما هو حقيقي ومنها ما ألَّفوه بإحكام. وطلب من تحدثوا عدم ذكر تفاصيل رواياتهم أمام سلطات الهجرة الأميركية، لكن بعضهم يقيم بناء على لجوء ديني أو سياسي. وبالبحث تبين أن عديداً من النساء يقدمون طلباً للجوء لحمايتهن من إجبارهن على “الختان” في بلدانهم. فعديد من مجموعات “فيسبوك” تقدم استشارات ونصائح في هذا الصدد، وروت إحدى المستخدمات التي لديها ابنتان إنها تعيش داخل الولايات المتحدة بناء على طلب لجوء لحماية طفلتيها من الختان. ويقول رئيس اتحاد المصريين في الخارج إن هناك حججاً عدة للجوء يستخدمها المهاجرون المصريون، والتي يلقنهم بها السمسار في مصر الذي يرسم لهم الطريق، ومن بينها اللجوء الاقتصادي وهو سبب غير مقنع ويُرفض من قبل مسؤولي الهجرة الأميركية. وأضاف صليب أن السيدات عادة ما يطلبون اللجوء لحمايتهن من الختان وهو سبب قوي يؤخذ به بعد خضوعهن للكشف الطبي من قبل المنظمات الحقوقية. وأشار إلى أن إحدى المجموعات القادمة طلب أفرادها اللجوء السياسي لكنه رُفضوا لعدم وجود أساس لقصصهم، فيما يسعى آخرون إلى اللجوء الديني. وأشار بدوي إلى أنه لاحظ خلال الأعوام القليلة الماضية ادعاء بعض المثلية الجنسية، وأنهم مضطهدون داخل بلدانهم لهذا السبب حتى يحصلوا على اللجوء. وقال إن هناك آخرين من أولئك المهاجرين غير الشرعيين يقدمون محاضر شرطة وأحكاماً قضائية مزورة للحكومات في الخارج. مصرع أكثر من 9 آلاف شخص ثمة أخطار عدة يواجهها من يتخذ ذلك الطريق الوعر بين أدخال أميركا الوسطى والمكسيك، فإضافة إلى التعرض لإطلاق النار سواء من عصابات التهريب التي ترتكب في أحيان كثيرة جرائم بحق المهاجرين، أو من قبل قوات الأمن المكسيكية التي تطارد حافلات المهاجرين ظناً أنها تابعة لمهربي المخدرات أو غيرها، مثلما وقع في حادثة الأسرة المصرية، فإن العشرات يسقطون صرعى نتيجة ظروف الطريق الوعرة، وآخرين يتعرضون لحوادث بسبب وعورة الطرق التي يسلكها المهاجرون أو تهالك السيارات التي ينتقلون عبرها. ويقول (ج) إنه كاد يفقد حياته بعدما وجه له أحد المهربين سلاحه الناري إثر خلاف بسيط بينهما “اصطدمنا وتوتر الحديث بيننا، فكان منه أن رفع سلاحه وكاد يطلق الرصاص عليَّ، لكن سيدة إسبانية كانت معه سارعت ومنعته من إطلاق النار”. ووفقاً لقاعدة بيانات مشروع المهاجرين المفقودين التابع لمنظمة الهجرة الدولية بين عامي 2014 و2024، لقي نحو 9991 شخصاً مصرعهم أثناء محاولتهم عبور الحدود الأميركية بطريقة غير شرعية. وتشير الإحصاءات إلى أن الأعوام الأربعة الأخيرة شهدت الحصة الأكبر من هذه الوفيات. وتظهر البيانات أن أكثر من 3500 شخص غرقوا، غالباً أثناء رحلات القوارب من دول الكاريبي أو خلال محاولتهم الوصول إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة عبر المكسيك. إضافة إلى ذلك، توفي أكثر من 3 آلاف شخص لأسباب غير معلومة أو مختلطة وفق تصنيف المنظمة الدولية. أما حوادث السيارات والطرق فقد أسفرت عن وفاة 1272 شخصاً خلال العقد الماضي، مما يجعلها السبب الثالث لوفيات المهاجرين، تليها الظروف المناخية القاسية ونقص الطعام والمأوى الآمن التي تسببت في وفاة 1162 شخصاً، بينما تحتل حوادث إطلاق النار المرتبة الرابعة سواء بسبب العصابات أو السلطات الحكومية، إذ أدت إلى وفاة 523 شخصاً بينهم ثلاثة مصريين فقدوا حياتهم قبل شهرين. كما أن الإعياء الناتج من ظروف الطريق الصعبة ونقص الرعاية الصحية أسهم في وفاة 216 شخصاً. إضافة إلى ذلك، سجلت المنظمة 236 حالة وفاة نتيجة حوادث عرضية. وتذكر منظمة الهجرة الدولية أن المهاجرين الذين يمرون عبر أميركا الوسطى والمكسيك يواجهون تجارب مشتركة من التهميش والضعف أثناء السفر عبر قنوات غير نظامية. ودفعت زيادة فرض قوانين الهجرة والمراقبة في جميع أنحاء المكسيك الناس نحو طرق أكثر سرية ونائية، ابتُكرت في محاولات للتهرب من نقاط التفتيش الحكومية المنتشرة في جميع أنحاء المناطق الداخلية من البلاد. وغالباً ما تعني هذه الطرق استخدام وسائل نقل غير آمنة للغاية والسير عبر مساحات طويلة من التضاريس القاحلة، حيث يواجه المهاجرون غالباً إساءة معاملة منهجية وإصابات وابتزازاً. وتشير السجلات التي جمعها مشروع المهاجرين المفقودين إلى أن عديداً من الأشخاص يموتون بسبب صعوبات الرحلة نفسها. والسبب الرئيس المسجل للوفاة على طرق الهجرة عبر أميركا الوسطى هو حوادث المركبات، التي ترتبط في الغالب بقطارات الشحن التي يستخدمها المهاجرون كوسيلة نقل. ويمثل العنف على طول الطريق الذي يراوح ما بين القتل والإيذاء الجسدي والعنف الجنسي ثاني أكثر أسباب الوفاة شيوعاً في المنطقة، بنسبة أكثر من 10 في المئة من الوفيات والاختفاءات المسجلة منذ عام 2014. عنف جنسي وكشف صليب عن أن بعض الحالات القادمة من مصر تعرضت بالفعل للعنف الجنسي. ويقول أعرف أن هناك خمس سيدات مصريات تعرضن للاغتصاب على يد العصابات داخل دول أميركا الوسطى والمكسيك. ويضيف “أتواصل بصورة مستمرة مع وزارة الخارجية للحد من هجرة المصريين عبر هذا الطريق الخطر، وأشعر بالأسف لأبناء بلدي ولما يتعرضون له من أخطار. لكن أعتقد أن الموضوع سيقف مع سياسة ترمب”. وحذر رئيس اتحاد المصريين في أميركا الشباب والعائلات المصرية من اتخاذ ذلك الطريق المحفوف بالأخطار، لافتاً أنه بالنسبة إلى الشباب تحت السن القانونية الذين لم يكملوا الـ18 سنة، يُحتجزون من قبل الحكومة الأميركية داخل مراكز رعاية حتى يبلغوا السن. وأوضح أن هناك مئات من أولئك الصغار ترسلهم عائلاتهم بمفردهم، وبخاصة أولئك القادمين من محافظة المنيا الذين يتوجهون عادة إلى ولاية تينيسي الأميركية. ويتخذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الذي سيتولى منصبه رسمياً خلال الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025 سياسة متشددة نحو المهاجرين، وتعهد مراراً وتكراراً بمكافحة الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. وبعد أسابيع قليلة من انتخابه خلال نوفمبر (تشرين الماضي) الماضي أعلن عن اتفاقه مع رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم على وقف الهجرة غير النظامية. وفي منشور على منصته للتواصل الاجتماعي قال ترمب نهاية الشهر الماضي “أجريت محادثة رائعة مع رئيسة المكسيك الجديدة كلاوديا شينباوم. وافقت على وقف الهجرة إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك، مما يعني إحكام إغلاق حدودنا الجنوبية”. وأضاف أن “المكسيك ستمنع الأشخاص من التوجه إلى حدودنا الجنوبية بدءاً من الآن”. وخلال حديثه في مؤتمر “نقطة تحول في الولايات المتحدة” الذي عقد داخل ولاية أريزونا الأسبوع الماضي، قال ترمب إنه سيوقع خلال أول يوم له في المكتب البيضاوي حزمة تاريخية من الأوامر التنفيذية لإغلاق الحدود الأميركية أمام المهاجرين غير الشرعيين، مؤكداً عزمه البدء في أكبر عملية ترحيل عبر تاريخ الولايات المتحدة. طريق بديل لأوروبا عادة ما كان المصريون يخاطرون بحياتهم عبر البحر المتوسط للعبور إلى الدول الأوروبية، لكن خلال الأعوام الأخيرة تراجع هذا الطريق بسبب عوامل عديدة أهمها، وفق رئيس المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين أحمد بدوي، الاتفاقات التي وقعها الاتحاد الأوروبي خلال الأعوام الأخيرة الماضية مع مصر وغيرها من دول شمال أفريقيا، للحد من الهجرة غير الشرعية. ويقول “بالنسبة للمصريين وغير المصريين أصبحوا يتجهون إلى دول أميركا الوسطى التي يسهل الحصول على تأشيرتها، ومنها يتسللون إلى الولايات المتحدة”. وخلال عام 2018، دشنت مصر “خطة العمل الوطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير المشروعة”، وسبق ذلك جهود لأعوام استهدفت وقف مراكب الهجرة غير الشرعية، التي كان يتخذها الشباب وسيلة نحو السواحل الأوروبية. ويقول بدوي إن مصر بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي وفرت برامج خاصة لدعم وتمكين الشباب المصري مثل مبادرات تمويل المشروعات الصغيرة وغيرها، وبخاصة في القرى المصدرة للهجرة مثل قرى محافظة الشرقية. وهناك عدد من المحافظات في مصر هي الأكثر تصديراً للهجرة غير الشرعية مثل بعض مناطق محافظات الجيزة والفيوم والشرقية والمنيا وكفر الشيخ، ومدن الساحل مثل البرلس ورشيد. وفي حديثه إلى “اندبندنت عربية” أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير تميم خلاف أن الحكومة المصرية تقوم بمجهود واسع لمكافحة الهجرة غير الشرعية، قائلاً إن مصر من الدول الاستباقية التي تنبهت إلى خطورة تهريب المهاجرين والهجرة غير الشرعية، وتبنت مقاربة شاملة في مواجهتها لا ترتكز فقط على المواجهة الأمنية، بل تسعى إلى مواجهة الظاهرة من خلال التركيز على البعد التنموي لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة ودوافعها الاقتصادية والاجتماعية. وأشار إلى أن الجهود الحكومية شملت صياغة أول قانون في منطقة الشرق الأوسط لمكافحة تهريب المهاجرين عام 2016، وشُددت العقوبات في قانون معدل عام 2022. وأضاف أنه أُنشئت “اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر” وتضم الجهات الوطنية المعنية كافة والتي تبلغ 30 جهة. وتبنت مصر استراتيجية وطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية طويلة المدى 2016-2026 وخطط عمل منبثقة عنها، آخرها خطة عمل 2023-2026 التي أطلقت خلال أكتوبر الماضي. وبالنسبة إلى المهاجرين غير الشرعيين الذين اعتقلوا سواء من السلطات المصرية أو دول العبور ورُحلوا، فأُنشئ صندوق لحماية المهاجرين لتوفير الخدمات النفسية والقانونية لهم. ويقول خلاف إن هناك تركيزاً على التوعية بأخطار الهجرة غير الشرعية والفرص البديلة، من خلال زيارات ميدانية للمحافظات الأكثر تصديراً للهجرة غير الشرعية. وتقوم سفاراتنا في الخارج بمتابعة حالات المواطنين المصريين ممن يواجهون الأخطار والاستغلال أثناء رحلات الهجرة غير الشرعية، وتقدم جميع أوجه الرعاية القنصلية لهم بالتعاون مع السلطات المحلية، وتساعدهم في العودة إلى مصر وتقديم كل صور الدعم اللازم لهم. وخلال عام 2016، أصدرت مصر قانوناً للحد من الهجرة غير الشرعية ينص على أنه يعاقب بـ”السجن المشدد وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه (الدولار الأميركي يساوي 48.57 جنيه في البنوك المصرية)، أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع، أيهما أكبر، كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسط في ذلك”. كما تكون العقوبة “السجن المشدد مدة لا تقل عن 5 سنوات، وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، أو غرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع، أيهما أكبر، إذا كان المهاجر المهرب امرأة أو طفلاً أو من عديمي الأهلية أو من ذوي الإعاقة”. ويرى بدوي أنه لا ينبغي الاكتفاء بالصورة الرسمية في معالجة الأزمة، ويجب التركيز على قطاع معين وتحديداً الشباب الذي يمثل الحلقة الأهم في فكرة الهجرة غير الشرعية. ويقول “الأمر لا يتعلق بدور الدولة فقط، لكن لا بد أن يلعب المجتمع المدني دوراً كبيراً لأنه يتفهم جيداً قضايا هؤلاء الشباب والمجتمعات والمناطق الجغرافية التي تسودها ثقافة الهجرة غير الشرعية. كما أن الإعلام لا بد أن يكون له دور مساند وقوي في التوعية بخطورة الهجرة غير الشرعية، وكشف زيف تلك الصورة التي تُصدر من خلال ’تيك توك‘ ومواقع التواصل الاجتماعي”. وبينما أثنى بدوي على قانون 64 لعام 2010 أكد الحاجة لوضع آليات للردع سواء للمهاجر غير الشرعي أو السمسار. المزيد عن: مصرالمكسيكالهجرةالهجرة غير الشرعيةالولايات المتحدةأميركاأمريكاهندوراسغواتيمالاالمصريينالمنياالشرقيةالحدود الأميركيةدونالد ترمبسعر الدولارالدولار الأميركيبنما 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مشروع “سري”… المصريون يدخنون مما يزرعون next post كاميليا انتخابي فرد تكتب عن: ما يرد في أذهان الإيرانيين: ماذا سيجلب عام 2025 للنظام الإيراني؟ You may also like سيناريوهات الانسحاب الإسرائيلي من جنوب سوريا 30 ديسمبر، 2024 (2024) عام الاغتيالات وتصفية الحسابات لـ”رد اعتبار” إسرائيل... 30 ديسمبر، 2024 “حزب الله” يودع أسوأ أعوامه بالاختراق والاغتيال 30 ديسمبر، 2024 السودانيون يشتكون من فوضى استبدال العملة 30 ديسمبر، 2024 من صاحب القرار الفعلي داخل “حماس”؟ 30 ديسمبر، 2024 وثائق سرية لنظام الأسد تكشف محاكمة أطفال –... 30 ديسمبر، 2024 سوريا “الجديدة”.. جدل بشأن منح رتب عسكرية لأجانب 30 ديسمبر، 2024 القضاء اللبناني يستجوب نجل يوسف القرضاوي ويبقيه موقوفاً 30 ديسمبر، 2024 «اجتياح» إسرائيل الهدنة يرفع منسوب الخوف اللبناني 30 ديسمبر، 2024 السيسي يشدد على مواصلة جهود تجديد الخطاب الديني... 30 ديسمبر، 2024