الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Home »  المفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي يمتدح أدب الشذرات

 المفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي يمتدح أدب الشذرات

by admin

“الكتابة بالقفز والوثب” كتاب متعدد يدعو إلى إنزال الفلسفة إلى أرض الواقع

اندبندنت عربية / عبد الرحيم الخصار 

ينطلق المفكّر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي من محاضرة للكاتب المعروف عبدالفتاح كيليطو، استلهم منها عنوان كتابه الجديد “الكتابة بالقفز والوثب” الصادر حديثاً عن دار المتوسط. وهو عنوان أخذه كيليطو نفسه عن المفكر الفرنسي ميشيل دي مونتين، في إشارة إلى تأليف الكتب عبر استطرادات وتنويعات، بدل تخصيصها لموضوع واحد وفق منهج تدرجي. ويتساءل بنعبد العالي عن السبب الذي يجعل الكاتب يؤلف كتاباً بتقنية “القفز والوثب” منتقلاً من موضوع إلى آخر، محاولاً إرجاع ذلك إلى الخوف من الوقوع في الملل، ملل الكاتب نفسه قبل ملل القارئ، بل إنه سيخلص إلى وجود شعور ثالث، هو ما سيسميه “ملل الكتابة”، أو ملل المنهج، مقدمة، تحليل فغاية.

يمتد الكاتب المغربي بتأملاته إلى رولان بارت الذي وجد خيطاً رابطاً بين الكتابة المتقطعة من جهة، والموسيقى والكاتش من جهة أخرى. ثمة ما يشبه الرغبة في التخلص السريع هي ما يجمع هذه المتباعدات. يثني الباحث المغربي على الكتابة المتقطعة باعتبارها توفر إمكانات التواصل المفتوح، أو ما يسميه أهل البلاغة الاستطراد. إن الشذرة بالنسبة إليه، كما ذهب إلى ذلك رولان بارت، هي استفزاز للفكر لا تلخيص له، وعليه تصير الكتابة المتقطعة كتابة غير منتهية، تدعو القارئ إلى مواصلتها عبر الإسهام والمشاركة في التأمل والتأويل.

وإن كان كثيرون يرون في الكتابة الشذرية خلاصة خطاب يرى بنعبد العالي في المقابل أنها “حاضر متحرك، تومئ إلى وجهة من غير أن تدل على طريق”. لذلك يعود إلى هايدغر الذي غير المفهوم المتداول للمؤلف، إذ لم يعد بالنسبة إليه الكائن الذي يمتلك المعرفة، ويحمل رسالة ومكلفاً بمهمة، بل هو ذلك الذي يشير ويومئ ويكون “وراء نمو وزيادة توغل في طرق التفكير”.

فلاسفة جدد بأقنعة

انطلاقاً مما سبق، يتساءل الكاتب المغربي عن وظيفة الفلسفة اليوم، فينتقد الصورة التي يروجها البعض للفلسفة باعتبارها طريقاً نحو السعادة، أو جسراً لتجاوز المشكلات والوصول لهدوء أو طمأنينة ما. هذه مهمة تبشيرية بحسب بنعبد العالي بعيدة عن أرض الفلسفة. فهي على العكس من ذلك مجال الأسئلة ومجرى القلق، فضاء مفتوح للاختلاف والجدال، وطريق طويل تحفه التجربة.

كتاب عبد السلام بنعبد العالي (دار المتوسط).

ويبدو بنعبد العالي متفائلاً بخصوص الفسلفة في العالم العربي، لا سيما بعد ما عرفته من إقصاء وإهمال مع نهايات القرن الماضي، مشيداً بالانتعاشة التي عرفها حقل ترجمة الفلسفة، فضلاً عن تداولها في الصحافة العربية ومؤسسات التعليم. والحقيقة أن العالم اليوم أحوج إلى إعمال العقل أكثر من أي زمن مضى، خصوصاً مع هذا التنامي الطحلبي للأشكال التواصلية الجديدة التي صارت تعلي من شأن التفاهة، فتدفع إلى الواجهة بكائنات فارغة أُوكلت إليها، على ما يبدو، مهمة النيابة عن الجميع.

في الكتاب الجديد لعبدالسلام بنعبد العالي نجد أنفسنا مدفوعين إلى التعاطف معه، وتقاسم فكرته بخصوص مسألة تبدو في غاية الأهمية، وهي أن أبرز مفكري العصر الحديث لم يقدموا أنفسهم كفلاسفة، بل كانوا يمارسون الفلسفة من وراء أقنعة أخرى مثل اللسانيات والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والنقد الأدبي وعلم الإناسة والنقد الفني في التشكيل والمسرح والسينما والموسيقى. ويستدل على ذلك بنخبة من الأسماء التي كان لها دور بارز في إنعاش النقاش الفسلفي خلال العقود الأخيرة، وإن كان تركيزه على المجتمع الثقافي الفرنسي في الغالب: ميشيل فوكو، رولان بارت، كلود ليفي ستراوش، بيار بورديو، موريس بلانشو، أمبرتو إيكو، جورج باطاي، أنطونين أرطو وجون لوك غودار، وغيرهم.

إن صاحب “الكتابة بيدين” يريد منّا أن نتخلص من تلك الصورة الثابتة عن مفهوم الفيلسوف، فهو لدى أغلبنا مفكر ميّت ينتمي إلى العصور الأولى، والحقيقة أن أسماء عدة من مختلف جهات العالم تنمتي إلى عصرنا الراهن أثْرت النقاش الفكري، وضخت فيه كثيراً من الحيوية قياساً إلى أسماء اعتدنا أن نسبغ عليها صفة الفيلسوف فقط، لأنها تنتمي إلى عصور سابقة نعتقد نحن أنها، هي فحسب، عصور الفلسفة.

يدعو بنعبد العالي إلى الإسهام في إنعاش الفلسفة بالعالم العربي، لكنه لا يتوجه إلى المشتغلين في حقلها وحسب، بل يتوسم مشاركة منتجة من لدن أساتذة اللغة والدراسات الأدبية والأبحاث التاريخية والعلوم الاجتماعية، مذكراً بعهد طه حسين وسلامة موسى ومحمد عبده، حين تم إحداث ثورات فكرية من خلال النقد الأدبي.

يدعو الكاتب المغربي أيضاً، في مشروعه الفكري، وعلى مدى سنين، إلى إنزال الفلسفة والنقد من سماء التجريد إلى أرض الواقع، إذ يريد منهما أن يناقشا بالأساس الحياة اليومية للناس، ما يشغلهم، ما هو قريب منهم، لا ما يبدو بعيداً ومجرداً. ألم يفرد رولان بارت، منظّر البنيوية، كتاباً عن الموضة وكتاباً آخر عن فن التصوير وكتاباً ثالثاً عن فن العيش المشترك؟ أليس كتابه “أسطوريات” بحثاً في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع الفرنسي؟ إذ غدت هذه الأحداث اليومية هي الأساطير الراهنة في حياة الناس.

هذا ما سيفعله أيضاً بنعبد العالي في كتابه اللافت “الفلسفة فناً للعيش”، إ ناقش فلسفياً كثيراً من المواضيع التي تشغل الناس، وتشكل مدار حياتهم اليومية، مثل كرة القدم والـ “فيسبوك” والطعام والهجرة.

الفلسفة في مواجهة البلاهة

في سياق مواز، تغيّر مفهوم النقد الفلسفي بدخول وسائط جديدة، أبرزها الإعلام. لم تعد الفلسفة في مواجهة مباشرة مع الأيديولوجيا لفضح أشكال الاستلاب الفكري والاجتماعي، بل صار لها دور جديد وهو مواجهة البلاهة. يقول بنعبد العالي في فصل (الفلسفة ليست وصفات طبية)، “خصمُ الفلسفة اليوم هو البلاهات والترهات التي يصنعها مجتمع الفرجة”، ويلجأ المفكر المغربي إلى حقل الأدب ليستعير تعريفاً للبلاهة من الروائي ميلان كونديرا: “إنها لا تعني الجهل، وإنما اللافكر الذي تنطوي عليه الأفكار الجاهزة”. غير أنه يستطرد مستعيناً بجان كوكتو، “إن مأساة عصرنا هي كون البلاهة تفكر”.

وكعادته في التقاطع مع الأحداث الراهنة التي تشغل الناس، يفتح صاحب “الفلسفة فناً للعيش” نقاشاً حول جائحة كورونا، ويتوقف عند ما أحدثته من تغيير في المفاهيم: الفرد، الدولة، الحداثة، العلم، اليقين. فالدول “القوية” لم تعد قوية أمام استفحال الوباء. كما يعود إلى “السخرية” التي تعامل بها الناس، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية، مع كورونا في بداية ظهورها، مؤكداً ما ذهب إليه الروائي الفرنسي رومان غاري في اعتبار السخرية “نوعاً من التفوق الوهمي للإنسان على ما يحدث له”. يعيد بنعبد العالي صياغة غاري فيرى أن السخرية “تحكّم وهمي في مجريات الأمور، وعلامة على إحساس عميق بهول الفاجعة”.

لا يفوت بنعبد العالي أن يجدد سؤاله عن وظيفة المثقف في عصرنا الراهن. إنه لم يعد صاحب مهمة إقناعية، فقد تراجع عهد الوثوقيات، ولم تعد المعرفة واحدة ومسلّماً بها، فالمثقف بحسب صاحب “الكتابة بالقفز والوثب” لم يعد مجبراً على إقناع الناس بحقيقة اهتدى إليها، ولا مكلفاً بمهمة نشر الوعي، بل تحولت وظيفته إلى “تغيير نظام الحقيقة الذي يعيشون في حضنه”. لم تعد وظيفة المثقف هي “إزعاج السلطة” وحسب، كما شاع في عهد سارتر. بل صارت وظيفته، على ما يبدو، هي إزعاج الجميع تقريباً، والعمل على إخراجهم من حال الطمأنينة المتوهمة إزاء أفكارهم وأوضاعهم.

ولأن الكتاب جاء تحت لافتة “الكتابة المتقطعة”، فإن صاحبه جعله عبارة عن تنويعات قد تبدو لكثيرين متباعدة، فنجد الكاتب ينتقل من مقالات تسائل المفاهيم إلى قراءة في أعمال عبدالله العروي وعبدالفتاح كيليطو إلى مقالين يمدحان الترجمة، بل إنه اختار أن يقدم في الكتابة ترجمته للدرس الافتتاحي للصينية آن تشينغ، أستاذة التاريخ الثقافي للصين بكوليج دو فرانس. كما ضمن كتابه نصوصاً ذات طابع تأملي، جاءت عناوينها على شكل أسئلة، “هل فقد القمر سحره؟”، “هل مازال بإمكاننا أن نخلد إلى الوحدة؟”، “هل فقدنا القدرة على التمييز؟”. وعليه يبدو أن عبدالسلام بنعبد العالي مارس القفز والوثب بين المواضيع والأشكال في كتابه الجديد، لكن برشاقة بالغة.

المزيد عن: أدب مغربي/خواطر/شذرات/فن الكتابة/الفلسفة/فكر/رولان بارت/ميشال فوكو

 

 

You may also like

26 comments

aabbx.store 16 يناير، 2022 - 11:32 ص Reply
waolffg 20 يناير، 2022 - 8:20 م Reply
zpyzzzw 20 يناير، 2022 - 9:03 م Reply
kqlgudw 21 يناير، 2022 - 1:15 ص Reply
lbsfdsj 21 يناير، 2022 - 5:28 ص Reply
zmkswxe 21 يناير، 2022 - 10:22 ص Reply
lfibphq 21 يناير، 2022 - 5:23 م Reply
qwlixxj 21 يناير، 2022 - 7:28 م Reply
vqawfwf 21 يناير، 2022 - 8:53 م Reply
wyxocdx 21 يناير، 2022 - 10:17 م Reply
vauewkn 22 يناير، 2022 - 7:25 ص Reply
fnwfumx 22 يناير، 2022 - 9:31 ص Reply
tcbhdbb 22 يناير، 2022 - 10:55 ص Reply
zgqnuef 22 يناير، 2022 - 11:37 ص Reply
xfbtmgw 22 يناير، 2022 - 1:43 م Reply
xoobgzz 22 يناير، 2022 - 3:07 م Reply
kwomlro 22 يناير، 2022 - 7:20 م Reply
vowpmje 23 يناير، 2022 - 3:03 ص Reply
vcnoebs 23 يناير، 2022 - 3:44 ص Reply
vollwwr 23 يناير، 2022 - 5:50 ص

фильм крик крик фильм 2022

Reply
wijvzfp 15 فبراير، 2022 - 7:36 م Reply
fzykjfm 18 فبراير، 2022 - 10:07 ص Reply
ayhvzcb 21 فبراير، 2022 - 11:40 ص

Папы 2022 смотреть онлайн Папы 2022

Reply
payatwl 24 فبراير، 2022 - 12:52 م

Ukraine-Russia Latest Ukraine news today Kievnews

Reply
yqztvzo 26 فبراير، 2022 - 2:51 م

news today from Ukraine Ukraine Kiev news

Reply
Abrtmig 13 مارس، 2022 - 1:30 ص Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00