المؤرخ والباحث الأميركي إريك إتش كلاين (صفحة الكاتب - فيسبوك) ثقافة و فنون المؤرخ الأميركي كلاين يبحث في كيفية بقاء الحضارات بعد انهيارها by admin 25 سبتمبر، 2024 written by admin 25 سبتمبر، 2024 38 كتاب أحدث ضجة لتناوله المسار الحضاري القديم والتحديات التي واجهها بين سقوط ونهوض اندبندنت عربية/ مارلين كنعان أستاذة الفلسفة والحضارات، كاتبة وباحثة @MARLKANAAN في عام 2014 نشر المؤرخ والأكاديمي وعالم الآثار الأميركي إريك إتش كلاين كتاباً لقي استحساناً كبيراً بعنوان “1177 قبل الميلاد عام انهيار الحضارة” من منشورات جامعة برينستون، وصدرت ترجمته العربية عام 2020 عن “مؤسسة هنداوي”، تناول فيه أحداثاً وقعت قبل 3 آلاف عام تقريباً في مصر الفرعونية وشرق البحر الأبيض المتوسط، أي في نهاية العصر البرونزي. في هذا التاريخ تعرضت مصر لغزوات “شعوب البحر” التي كان المؤرخون السابقون ومنهم الفرنسي غاستون ماسبيرو ينسبون إليها كل دمار وقع في هذه الفترة، وتمكنت من دحرهم لكنها بعد ذلك دخلت في مرحلة من التدهور والانحطاط وهوت بصورة متزامنة، مثلها مثل سائر الحضارات القديمة كحضارة المينويين والميسينيين والكريتيين والحيثيين والبابليين والأشوريين، وكل مدن بلاد ما بين النهرين وفينيقيا الساحلية التي استغرقت قروناً لتتطور، فاندثرت نظمها ومآثرها خلال فترة قصيرة نسبياً، ويبدو أن هذه الحضارات والمدن كانت متشابكة ومعتمدة بعضها على بعضاً إلى درجة أن سقوط واحدة منها أدى في النهاية إلى سقوطها كلها. الكتاب بالترجمة الفرنسية (دار لا ديكوفرت) في هذا الكتاب تساءل المؤرخ عن السبب الحقيقي وراء هذا الانهيار الذي غير إلى الأبد مسار العالم القديم ومستقبله، ساعياً إلى فهم كيفية حدوثه، وسارداً الأسباب المختلفة التي أدت إليه من غزو وتمرد وزلازل وجفاف وقطع طرق التجارة وهجرات سكانية هائلة هرباً من هذه الكوارث، وغيرها من التغيرات والتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مع انهيار شبكة العلاقات التجارية والثقافية الكثيفة التي ميزت تلك “العولمة” الباكرة، وقد صدر الكتاب في فترة تحدث فيها بعض المفكرين المعاصرين عن قرب انهيار وفوضى عارمة تتهدد عالمنا الحاضر، قائلاً إن التاريخ مليء بقصص الانهيارات وإن الشعوب القديمة التي عاشت في منطقة البحر الأبيض المتوسط منذ ما يقارب 3 آلاف عام قد اختبرت فعلياً كوارث مماثلة. العودة المفاجئة اليوم يعود لنا كلاين بكتاب جديد عنوانه “بقاء الحضارات بعد 1177 قبل الميلاد”، نقله إلى الفرنسية مارك سان أوبيري وصدر أخيراً في باريس عن دار نشر “لا ديكوفرت” (2024)، وفي هذا الكتاب “التتمة” يواصل المؤرخ تحقيقه في الفضاء الجغرافي نفسه محاولاً فهم “اليوم الذي تلا” هذا الانهيار، آخذاً قراءه في رحلة تقودهم نحو بقاء بعض هذه الشعوب التي عاشت في سياق اتسم بالجفاف والمجاعات والزلازل والحروب، ومجيباً عن الأسئلة الآتية: ما هي المجتمعات التي استطاعت التكيف مع المتغيرات الجغرافية والمناخية والاقتصادية فنجحت في البقاء، بينما اختفت بعض المجتمعات الأخرى اختفاء تاماً؟ وكيف نهضت بعد انهيار حضاراتها؟ وكم من الوقت استغرق نهوضها؟ وكيف أعيد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد؟ وهل يمكن لمآسي وصراعات هذه الحضارات أن تساعدنا في فهم التهديدات التي تواجه مجتمعاتنا المعاصرة؟ الكتاب الأميركي (أمازون) ليست الإجابة عن هذه الأسئلة من وجهة نظر علمية بالأمر الهين، ذلك أن “العصر الحديدي” قد شهد غياباً شبه كامل للنصوص المكتوبة، ولذا كان على المؤرخ استنطاق المواقع والحفريات الأثرية والنقوش ودرس الفرضيات التاريخية المختلفة والمقارنة بينها لفهم مجرى الأحداث، ومحاولة تأويلها بغية الوصول إلى خلاصات علمية لمرحلة مظلمة امتدت فترة تجاوزت الـ 500 عام قبل قيام “المعجزة اليونانية”. في كتابه الجديد يشدد كلاين على أن الدراسات الأثرية الجديدة قد غيرت وجهة نظرنا في ما يتعلق بتطور هذه المجتمعات وبقائها، علماً أن الإجابات والتفسيرات التي يقدمها تعكس ما يميل هو نفسه إلى تصديقه بعد مراجعة الأدلة المتاحة، وهذا هو رهان “بقاء الحضارات بعد 1177 قبل الميلاد”، والذي يقدم للقارئ مشهداً بانورامياً شاملاً للمعرفة المتراكمة حول هذه الفترة من التاريخ القديم الممتد من نهاية القرن الـ 12 إلى بداية القرن الثامن قبل الميلاد. ويستكشف الكتاب مصير هذه الشعوب والعلاقات المتبادلة بين المصريين والفينيقيين والقبارصة القدماء والفلسطينيين والحيثيين الجدد والآشوريين والبابليين والإغريق، دارساً إعادة تنظيم بناءاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سهلت انتقالهم من حال إلى حال، ومتوقفاً أمام دور الاختراعات الجديدة مثل الأبجدية التي سهلت عملية القراءة والكتابة التي كانت مستحيلة حتى ذلك الوقت مع الرموز الهيروغليفية والمسمارية، والحديد الذي أصبح مادة جديدة، ولو كان أقل نبلاً من البرونز لكنه كان فعالاً في صنع الأدوات والأسلحة، مما أسهم في بقاء هذه الحضارات، ملخصاً بمهارة آراء وتوقعات أبرز الأثريين والمؤرخين المتخصصين في هذه الحقبة، ليقدم لنا في الختام تأملاً واسع النطاق يجيب بمعنى ما عن التساؤلات التي تثيرها التحديات البيئية والحضارية الراهنة من خلال منهج التاريخ التطبيقي أو التاريخ المقارن. تاريخ بعيد يغوص الكتاب إذاً في تاريخ أكثر من 1000 عام قبل الميلاد، مخصصاً 112 صفحة من إجمال 361 للملاحظات والمراجع العلمية الرصينة، وعلى رغم وجود كم هائل من الأسماء التاريخية الصعبة مثل آشور ناصربال وشلمنصر وتغلت فلاصر ومردوخ والشيكليش والشاردانا والدانونا والويشيش وكركميش وأورارتو، لكننا نقرأه بمتعة كما لو أننا نقرأ رواية تاريخية في أربعة فصول تتناول قصة كارثة حلت قديماً بجميع المجتمعات المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط حتى انهيارها وتحولها من العصر البرونزي إلى العصور المظلمة، والتي يفضل كلاين تسميتها بـ “العصور الحديدية”، وهي حقبة تاريخية بعيدة وأقدم بكثير من الإمبراطورية الرومانية والعصر الكلاسيكي في اليونان القديمة (500 عام قبل الميلاد)، والتي يعرفها القارئ بفضل أعلامها وكثير من النصوص الأدبية والسياسية والدينية والفلسفية التي وصلت إلينا، معيداً إحياء تلك المجتمعات التي كانت تتحدث لغة مشتركة وتتبادل كثيراً من السلع مثل الحبوب والذهب والقصدير والنحاس، في وقت كان فيه الفنانون يتنقلون بين المدن المختلفة وكانت الزيجات مختلطة بين الممالك على ما بينت السجلات المكتشفة. وعلى تتالي صفحات الكتاب يقوم المؤرخ بتحليل منهجي لحال كل مدينة أو حضارة بعد الاضطرابات التي تعرضت لها مثل مصر وآشور وبابل وصور وجبيل وغيرها من المدن، ويؤكد إريك إتش كلاين أن الشعوب التي نجحت في النهوض من كبوتها كانت تلك التي استطاعت أن تتجدد وتتكيف مع المتغيرات المناخية والجغرافية والسياسية التي تعرضت لها، فبلاد الآشوريين مثلاً تقع بعيداً من السواحل التي أصبحت آنذاك خطرة بسبب غزوات “شعوب البحر”، فاستطاعت عبور القرون مع الحفاظ على البنى والمعايير الاجتماعية شبه الثابتة على رغم التقلبات المناخية الكبيرة والهجمات الخارجية. أما قبرص فقد تمكنت من تجاوز انهيارها بسرعة أكبر بين العصرين البرونزي والحديدي، بينما أخذ الفينيقيون ينهضون تدريجاً بفضل قدرتهم على التجديد وتركيزهم على التجارة بدلاً من السياسة، وهذه المجتمعات، بالنسبة إلى كلاين، كانت مضادة للهشاشة مقارنة بالحثيين الذين اختفت حضارتهم في الجنوب وتفتت مدنهم في الشمال، فضلاً عن ظهور كيانات سياسية جديدة تطلب نشوؤها فترات زمنية طويلة استغرقت مئات الأعوام. للكتاب هدفان أحدهما بحثي تاريخي يعنى بالمقام الأول بدرس فترة تاريخية محددة مع تطلع لإيصال المعلومات التي توصل إليها المؤرخ للقارئ المتخصص وغير المتخصص، أما الثاني فهو الدروس والعبر التي يمكن للتاريخ أن يقدمها لقرائه المعاصرين، ولذا يقيم كلاين مقارنات بين التغيرات المناخية التي حدثت في العصور القديمة مثل الجفاف الذي تسبب بالمجاعات والحروب والهجرات والأمراض والتي تشبه إلى حد بعيد ما نواجهه اليوم من تغير مناخي ومعاناة بعض أجزاء العالم من الجفاف أو الفيضانات والمجاعات والأوبئة، إضافة إلى الهجرة الكثيفة. ولعل الكتاب يدق ناقوس الخطر حينما يذكرنا أن كل الحضارات في تاريخ البشرية انهارت أو تغيرت لدرجة أنها أصبحت مختلفة تماماً، وهذا كان حال الإمبراطورية الرومانية، على سبيل المثال لا الحصر، التي انهارت ولكنها استمرت في الشرق تحت شكل الإمبراطورية البيزنطية لمئات الأعوام، ولذا، بالنسبة إلى الكاتب، ليس السؤال ما إذا كانت مجتمعاتنا المعاصرة ستنهار بل متى وما الذي سنفعله لمواجهة هذا الخطر المحدق بنا؟ ولعل كلاين ينبهنا أيضاً إلى أنه في بعض الأحيان الأشياء التي تساعد مجتمعاً ما على أن يصبح مزدهراً هي نفسها التي يمكن أن تسرع انهياره. كتاب إريك إتش كلاين “بقاء الحضارات بعد 1177 قبل الميلاد” شيق ونتطلع إلى ترجمته إلى اللغة العربية لما فيه من معلومات تاريخية قيمة، ولإثارته تساؤلات تعكس القلق المعاصر المرتبط بالتحديات البيئية والحضارية والاقتصادية والسياسية الراهنة. المزيد عن: الحضارات القديمةالتاريخالتحديات الحضاريةالزوالالنهوضباحث أميركيالآثارالثقافات 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “جوليا” فيلم لمخرج منسي عن نص لكاتبة أميركية متوارية next post “سهام الشمال” تجر المنطقة إلى حرب شاملة وفريق إسرائيلي لرسم خريطة طريق لإنهائها You may also like محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024 كوليت مرشليان تكتب عن: الصحافي والكاتب جاد الحاج... 26 ديسمبر، 2024 إسماعيل فقيه يكتب عن: “دعوني أخرج”!… قالها الشّاعر... 26 ديسمبر، 2024 عقل العويط يكتب عن: سوف يصفّق في الظلام... 26 ديسمبر، 2024 روؤف قبيسي يكتب عن جاد الحاج … صفحات... 26 ديسمبر، 2024 بول شاوول يكتب عن: أمير القصة العربية يوسف... 25 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن.. جولان حاجي: الكتابة... 25 ديسمبر، 2024 (20 رواية) تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 25 ديسمبر، 2024