المجتمع الكيني والتحديات (أ ف ب) ثقافة و فنون الكيني كين واليبور يبحث عن أبيه في “يوم سعيد” by admin 9 أكتوبر، 2024 written by admin 9 أكتوبر، 2024 54 رواية سواحيلية تدور أحداثها في سياق اجتماعي يعاني فقدان الجذور اندبندنت عربية / محمد السيد إسماعيل لا نبالغ عندما نقول إن الروائي، كما كان يصفه شكري عياد، هو نصف عالم اجتماع، وإن الرواية مرآة صادقة للتحولات السياسية والاجتماعية لمجتمعاتها. مما دفع علي الراعي إلى أن يقول إنها “ديوان العرب المعاصرين”. وهذا وصف يصدق على رواية العالم الثالث عامة، والرواية العربية، ومن ثم الرواية الأفريقية التي التزمت منذ نشأتها في ما عرف بالرواية السواحيلية، بهذه الرؤية. ففي أوائل القرن الـ20 تأثرت الرواية السواحيلية بالأوضاع السائدة تحت حكم الاستعمار. واللافت هو تأثر هذه الرواية بعد ذلك بالأدب العربي في كثير من الأعمال، والأدب الإنجليزي في أعمال أخرى، ثم تأثرت ببعض الفلسفات مثل الوجودية والواقعية النقدية والاشتراكية. وتعد رواية “يوم سعيد” للكاتب كين واليبورا وترجمة خالد بكري عن السواحيلية (المركز القومي للترجمة) من العلامات المهمة في الرواية السواحيلية عموماً والكينية خصوصاً. وهي رواية يمكن وصفها بالاجتماعية، إذ تدور أحداثها حول علاقة ابن بوالديه، وتصور الآثار السلبية للسحر في المجتمع الذي تدور أحداثها في فلكه. تذكرنا تيمة هذا العمل برواية “الطريق” لنجيب محفوظ، لجهة رحلة البحث المضنية التي قام بها شاب لمعرفة أبيه. رواية محفوظ ذات بعد ميتافيزيقي، وفق نقاد رأوا أن شخصية “سيد سيد الرحيمي” ترمز إلى الذات الإلهية، وبهذا تكون رحلة ابنه “صابر” – ولنتأمل دلالة الاسم – هي رحلة البحث عن الله. أما رواية “يوم سعيد” فهي لا تتجاوز المعنى الاجتماعي المباشر، فقد ظل “كنغويا” السواحيلي على أمل أن يجد والده في يوم من الأيام، بعد أن أخبرته والدته قبل وفاتها بوجوده، ومن هنا بدأت رحلة البحث عنه. يذهب إلى بيت خاله في مدينة أخرى لكن زوجة خاله تسبب له عديداً من صور المعاناة إلى درجة أنها فكرت في قتله، مما اضطره إلى مغادرة بيت خاله وهو في سن صغيرة، والذهاب إلى مدينة ممباسا، أملاً في أن يكون تحت رعاية خال آخر له. لكنه يتفاجأ بعدم وجود هذا الخال، ويتعرف إلى “رشيد” وتنشأ بينهما صداقة قوية حتى وفاته في حادثة سير، ثم يلتقي عجوزاً يدعى “كازي كويشا” يطلب منه أن يدفنه عندما يموت في مكان محدد. وبعد الوفاة يكتشف “كنغويا” أنه قد ترك له رسالة يبين فيها له أنه والده الذي كان يبحث عنه، وأوصى له بكل ثروته. الرواية بالترجمة العربية (مركز الترجمة) يحرص الكاتب على توضيح صفات عدة في شخصية “كنغويا”، مثل قوة التحمل حيث مارس عديد من الأعمال الشاقة ليكسب قوت يومه والصبر والشجاعة والصدق، “فحينما كان شاهداً على جريمة، وتم تهديده بالقتل من جانب زميله سليمان – لو أفشى السر – فإنه لم يتردد في الإدلاء بشهادته”. يضاف إلى ذلك اهتمامه بهواياته في الرسم والقراءة والكتابة باللغة السواحيلية وكتابة الشعر. ولا شك أن هذا الجانب الفني قد ورثه عن أمه “زينب ماكامي” التي كانت مطربة مشهورة. وعلى عادة المجتمعات القبلية وطبقاً لتقاليدها كانت كثرة الزوجات والأولاد مدعاة الفخر. فقد كانت والدة السارد آخر مولود للزوجة الأخيرة للشيخ “موينيي ماكامي” الذي تزوج 12 امرأة وأنجب 90 طفلاً، فكان يشعر وكأنه يحكم مملكة من الزوجات والأولاد والأحفاد. لكن هذه التقاليد خفتت وولى زمنها فالأحوال تتغير. ولا شك أن السارد يعني الفقر الذي أصبح عائقاً أمام هذا التعدد. فمعظم شخصيات الرواية تعيش تحت خط الفقر، وهو ما أدى إلى انتشار السرقة وغيرها من الأمراض الاجتماعية، على نحو ما يبدو من قول السارد: “بينما كنت أنزل من الحافلة سمعت أصواتاً عالية تحذر: لص، لص، لص. فوجئت بحشد من الناس يتجه نحوي وهو يطارد أحد الشباب”. على أن أكثر هذه الأمراض فداحة هو بيع المتعة، فحين يسأل السارد “أمينة” التي صادفها في الحافلة واستضافته بسبب سرقة نقوده، عن وظيفة جاراتها تقول إنهن يمارسن “تجارة خاصة تقول: أعطني فأعطيك، أعط لتأخذ في هذه الدنيا، ليس ضرورياً أن تكون التجارة مشروعة أو غير مشروعة، المهم هو التراضي بين البائع والمشتري، فالرجال شهوانيون ونحن نحتاج إلى النقود”. غياب الجذور وفي موضع آخر يفسر السارد ما يحدث في المجتمع فيرى أن الدنيا ترفض “رفضاً قاطعاً أن تقدر عامة الناس من الطبقات الدنيا”. هذا الاختلال في العدل يؤدي إلى الاختلال العقلي وشيوع النماذج الشاذة ومن ذلك تلك المرأة المختلة عقلياً التي تسير في الشارع عارية تماماً. ولا تخلو الرواية من تصوير علاقات الحب المحبطة، مثل علاقة “زوادي” بـ”رشيد”. والغريب أن ترجع هذا الإحباط إلى ما قام به الوالدان من أعمال السحر لإفشال عقد القران. يظل غياب الأب أو عدم معرفته إحدى مشكلات السارد الرئيسة، وهذا ما كان يعانيه صديقه “رشيد” أيضاً، فقد كانت خلفيته الاجتماعية مجهولة بالنسبة إليه تماماً: “كان يشعر أنه لا أصل له أو فصل. لم تتمكن والدته من تفسير أي شيء عن جذوره الاجتماعية. لم يعرف ما إن كانت والدته جاءت من أوغندا أم من كينيا أم من تنزانيا”. غير أن السارد كان محظوظاً إذ أخبرته والدته أن أصول أبيه ترجع إلى مدينة كيتالي غرب كينيا، ونصحته بالذهاب إليه. والحقيقة أن هذه الرواية تغلب عليها كثرة الشخصيات والأحداث، وربما يعود ذلك إلى أنها تتخذ شكل الرحلة. ويغلب عليها الأسلوب المباشر وتقديم التيمة الموضوعية أكثر من الاهتمام بجماليات تقديمها. ومع ذلك تظل هناك استثناءات في مواضع متفرقة، فنجد تشبيهات موحية في قول السارد مثلاً: “تحطم أملها – يقصد زوادي – في عقد القران، انتهى كما يطفأ المصباح الذي يلقى في الماء فجأة”. أو قوله في مناجاة شاعرية: “أريد ما تفكرين فيه، ولكن هذا مثل شجرة الموز لا تنبت في أرض قاحلة”، بل إنه يضمن قصائد كاملة في مواضع كثيرة باعتباره شاعراً مثل “شعرت بالحزن على محبتي لك/ أخبريني، ماذا تريدين؟/ أذكرك فلماذا نسيتني/ ليس من المحبة أن تظلي صامتة/ لا توجد امرأة لا تعرف الحب/ لكنك لا تعرفين الحب”. وأحياناً يغلب التأمل والتفكير في طبيعة الحياة ومصيرها على بعض المقاطع الشعرية، فعندما رأى السارد جثة والدته على السرير تذكر أحد أبيات الأغنية التي كانت تحب أن تغنيها، وتقول كلماتها: “الحياة الدائمة مستحيلة تماماً/ الذي يدوم لم نره بعد/ وهم هي الحياة/ ليكن ذلك واضحاً لك”. وهكذا نجد أنفسنا أمام مجموعة من الأساليب، منها المباشر الذي يهتم في الأساس بتصوير الحياة الاجتماعية، والتأملي والشاعري الذي ساعد استخدام ضمير المتكلم على وضوحه وثرائه. المزيد عن: روائي كينيرواية أفريقيةاللغة السواحيليةالمجتمعالجذورالهويةإقتلاع 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “فنان العرب” ملحمة فنية تروى في وثائقي جديد next post حبة دواء تحاكي الفوائد الصحية للجري لمسافة 10 كيلومترات You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024