ثقافة و فنونعربي الكاتب الروسي غيورغي ديميدوف في جليد الغولاغ by admin 21 يونيو، 2021 written by admin 21 يونيو، 2021 305 مجموعته القصصية “دوبار” تروي كابوس معسكرات الموت في عهد ستالين اندبندنت عربية \ انطوان جوكي حين نستحضر الكتّاب الروس الذين تناولوا في أعمالهم ما حصل من فظائع في معسكرات الغولاغ، يحضر فوراً إلى ذهننا اسمين: ألكسندر سولجنيتسين وفارلام شالاموف. إلا أن كتّاباً آخرين قاربوا أيضاً هذا الموضوع، أحياناً بشكل حصري، من دون أن ينالوا اعترافاً بما أنجزوه لا داخل وطنهم ولا خارجه، على الرغم من قيمة نصوصهم، كما هي الحال مع الكاتب الكبير غيورغي ديميدوف (1908 ــ 1987) الذي بات بإمكاننا أخيراً قراءة مجموعته القصصية “دوبار وسرديات أخرى من الغولاغ” إثر صدور ترجمتها الفرنسية حديثاً عن دار “سيرت” السويسرية. قيمة هذه المجموعة لا تكمن فقط في المهارات الكتابية التي يبديها ديميدوف فيها، بل خصوصاً في تشكيلها شهادة رهيبة على الأعوام الـ14 التي أمضاها سجيناً في معسكرات الاعتقال في مقاطعة كوليما السيبيرية، التي تُعتبر الأكثر رعباً من بين معسكرات ستالين “التأديبية”، نظراً إلى شراسة القمع الذي كان ممارساً على “نزلائها”. وأيضاً لأن الشتاء في هذه المنطقة يدوم 12 شهراً في العام ونادراً ما ترتفع درجة الحرارة فيها فوق الخمسين تحت الصفر. منطقة “حتى الغربان لا يعمّرون فيها طويلاً”، على حد وصف ضحايا هذه المعسكرات لها. تهمة التروتسكية في الأساس، كان ديميدوف عالم فيزياء يعمل في معهد “خاركوف” حين أوقفته عناصر من الشرطة السياسية (NKVD) عام 1938 بتهمة “إرهابي تروتسكي”، فحُكم عليه بثمانية أعوام من الأشغال الشاقة وأرسِل إلى كوليما للعمل في مناجم الذهب ضمن ظروف لا تصدّق. عام 1946، وبعدما قضى عقوبته، حُكم مجدداً بعشرة أعوام لمجرد رفضه ارتداء الملابس القديمة التي كانت الحكومة الأميركية ترسلها آنذاك إلى سجناء المعسكرات. وعلى الرغم من إخلاء سبيله عام 1951، كان عليه انتظار عام 1958 كي يُعاد تأهيله، ما سمح له أخيراً بلقاء ابنته الوحيدة التي لم تكُن أكملت عامها الأول حين اعتُقل قبل عشرين عاماً. المجموعة القصصية بالترجمة الفرنسية (دار سيرت ) عقدان من حياته إذاً فقدهما ديميدوف في سيبيريا، لكنه تمكّن من البقاء على قيد الحياة، الأمر الذي يعتبر معجزة في زمن ستالين. وما ساعده على ذلك قراره باكراً الشهادة يوماً على كابوس الحياة في معسكرات كوليما. وهذا ما فعله فور تحريره، فبدأ بالكتابة لـ”الجارور” أو الدرج أولاً وبعض الأصدقاء، قبل أن يلجأ في السبعينيات إلى “النظام السرّي لتداول كتابات المنشقين” (samizdat) من أجل توزيع نصوصه. ولا عجب في ذلك، إذ كان متعذراً آنذاك صدورها في اتحاد سوفياتي لم يتخلص المسؤولون السياسيون فيه من النظام الستاليني سوى بشكل سطحي، واعتمدوا سياسة التعتيم على ضحايا قمعه. ولأنه كان خاضعاً للمراقبة، أقدمت الاستخبارات السوفياتية عام 1980 على مصادرة جميع مخطوطاته التي لم تتمكّن ابنته من استردادها إلا عام 1988، أي بعد عامين على وفاة والدها. مخطوطات لم ترَ النور في روسيا إلا بعد الـ”بيريسترويكا”. في الغولاغ، تصادق ديميدوف مع شالاموف، صاحب “سرديات من كوليما” الشهيرة التي روى فيها تجربة اعتقاله في سيبيريا بعدمية مطلقة يصعب احتمالها. وعن صديقه، صرّح شالاموف بأنه الإنسان الأكثر نبلاً وذكاء من بين معارفه، قبل أن يستوحي من معاناة هذا الصديق في المعتقل اثنتين من “سرديات كوليما”: “إيفان فيودوروفيتش” و”حياة المهندس كيبرييف”، ونصّه المسرحي “آنا إيفانوفنا”. معسكرات رهيبة وبسطوة خطابها وقوة وقعها على قارئها، تمكّنت مقارنة مجموعة “دوبار” القصصية بسرديات شالاموف، مع فارق جوهري يكمن في جانبها الإنسانوي، أو بسرديات على الرغم من انتفاء أي منحى غنوصي فيها. وداخلها، يتقاسم القارئ حياة المعتقلين في معسكرات كوليما الرهيبة، حيث كان ذوو الصحة الضعيفة يموتون بالعشرات يومياً، ومجرمو الحق العام يُعامَلون على يد الحراس بوصفهم “مقرّبين اجتماعياً”. أما السجناء السياسيون، فمصيرهم كان المنازعة حتى ملاقاة حتفهم. وفي هذا السياق، يبيّن ديميدوف في كل واحدة من قصصه أن غاية النظام السوفياتي من هذه المعسكرات كانت إبادة ملايين الروس المشكوك بأمرهم، بطريقة عشوائية لكن من دون ضجة. إبادة بطيئة عن طريق ظروف حياة وعمل لا تطاق، أو سريعة عبر تلفيق ذرائع عبثية لها، كاتهام الضحية بمحاولتها الفرار من المعسكر، أو بالتعدّي على أحد الحراس، أو بتدبير مكيدة. الكاتب الروسي غيورغي ديميدوف (دار سيرت) المجموعة تتألف من سرديات خمس طويلة نسبياً، تصلح كل واحدة لأن تكون رواية قصيرة. ومن قراءتها، يتجلّى صاحبها كموثّق للحياة اليومية في معسكرات الموت، وأيضاً كقاصّ يعرف كيف يمسك بشخصياته في لحظة استثنائية معبّرة من حياتها، متوقفاً غالباً عند تفصيل واحد صغير يعكس كابوس معيشها. سرديات ترتسم فيها حفنة وجوه تعكس بمحنتها مدى ضراوة تلك الآلة الجهنمية الطاحنة للبشر التي شكّلها الغولاغ. في القصة التي منحت المجموعة عنوانها، نرى سجيناً لم يعُد يحلم سوى بساعة أو ساعتين إضافيتين من النوم، ويجهد للعثور على طريقة يطيل بها حالة الخدر التي تلي نومه عند الصباح، مثله مثل سائر المعتقلين، قبل أن يمدّه بالرقة والأمل وجه رضيع وُلد ميتاً داخل المعسكر وأوكلت إليه مهمة دفنه. وفي “الرسام باسيي وتحفته الفنية”، نتعرّف إلى رسام شاب اعتُقل قاصراً ولم يختبر إذاً من الحياة سوى ما عاشه في المعسكر، ولذلك نراه يهجس بهذا المعيش إلى حد عدم تمثيله في رسومه سوى مشاهد قاتمة منه، قبل أن يقرر إنجاز تحفة فنية تستهلكه كلياً، لكنها تسمح له بالانتصار على الموت من خلالها. وفي “على صوت المعدن الحار”، ينتظرنا مغنٍّ سابق كانت جميع أغانيه تدور حول الأمل والمستقبل، قبل أي يُعتقل ويرسل إلى واحد من معسكرات “التأديب”، فيتسلّط الموت كلياً على أغانيه الجديدة. وفي “مدّعين عامين”، مدّعٍ عام شاب كان لا يزال يصدّق بالعدالة، قبل أن يفقد حماسته وسذاجته حين يعي من خلال عمله حقيقة ما ينتظر السجناء السياسيين في كوليما. وفي “آموك”، حارس لا يلبث أن يختبر، مثل سجنائه، ضراوة عزلة معسكر الاعتقال الذي يعمل فيه، لكن بدلاً من محاولة تلطيفها، مثلهم، يقرر تصفيتهم… باختصار، قصص عن أشخاص حقيقيين وقعوا ضحية الجنون الستاليني القاتل، وعرف ديميدوف كيف يحوّلها إلى شهادات دامغة ومؤثّرة فيه بفضل مهاراته السردية ونجاحه في تصوير ذلك التوتر الرهيب بين مكافحة ضحايا هذا الجنون للبقاء على قيد الحياة ومحاولاتهم اليائسة للحفاظ على إنسانيتهم داخله. المزيد عن: أدب روسي\ستالين\الغولاغ\معسكرات إعتقال\قصص\الراوي\سولجنتسين 5 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “رحلة الكتابة والخط” على صهوة الحروف العربية next post هل انشق “كبير الجواسيس” في الصين ولجأ إلى أميركا؟ You may also like المستشرق بروفنسال يسبر كوامن الحضارة الإسلامية في إسبانيا 19 أبريل، 2025 الفلسفة والسينما: ابتكار المفاهيم وإنتاج الصور 19 أبريل، 2025 “درب الريش” تكشف عبثية الصراع بين الشمال والجنوب 19 أبريل، 2025 “شكاوى تاسو” الإيطالي بريشة الفرنسي ديلاكروا 17 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: بارغاس يوسا تخطى “الواقعية السحرية”... 17 أبريل، 2025 معرض باريس يكرم الأدب المغربي الفرنكوفوني ويتجاهل العربي 17 أبريل، 2025 غاودي شيد مبنى سكنيا تنبأوا له بالانهيار 17 أبريل، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: الأفعى والجمل قطعتان أثريتان... 17 أبريل، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: التروبادور ينتصرون للحب المستحيل... 17 أبريل، 2025 ( 10 ) أفلام لبنانية غاصت في هاوية... 15 أبريل، 2025 5 comments badge for police 13 أغسطس، 2024 - 8:48 م This is one of the best explanations I’ve come across. Thanks! Reply pgslot168 7 مارس، 2025 - 4:19 ص 185852 832618this is extremely intriguing. thanks for that. we need far more websites like this. i commend you on your excellent content and excellent topic choices. 771437 Reply empresa serviços informática lisboa 8 مارس، 2025 - 8:01 م 651064 24824really nice post, i certainly enjoy this fabulous website, persist with it 482663 Reply ufabet777 8 مارس، 2025 - 9:32 م 91545 981597Thank you, Ive recently been searching for information about this topic for ages and yours could be the greatest Ive identified out so far. But, what in regards to the bottom line? Are you positive concerning the supply? 39716 Reply Plinko 26 مارس، 2025 - 7:39 ص 718203 346864I appreciate you taking the time to create this post. It has been really valuable to me undoubtedly. Value it. 769198 Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.