ثقافة و فنونعربي القصة القصيرة في المغرب أصبحت نوعا هامشيا by admin 11 أبريل، 2022 written by admin 11 أبريل، 2022 41 الإعلام والنقد أسهما في ظلمها بعد نهضة ريادية والإنترنت بدّد معاييرها اندبندنت عربية \ عبد الرحيم الخصار في العقود الأخيرة كانت القصة القصيرة هي ديوان المغاربة، بحكم عدد الذين انشغلوا بها، كتابةً وتنظيراً ونقداً، وعدد المهرجانات والتظاهرات الثقافية المخصصة لها، فضلاً عن الجمعيات التي جعلت من هذا الجنس الأدبي مادة للتشريح والدراسة. ويبدو أن هذا التحمس للقصة القصيرة في المغرب قد تراجع في السنوات القليلة الأخيرة، على حساب أشكال أدبية وفنية أخرى. هل تعيش القصة القصيرة انتكاسة بالفعل في لحظتنا الراهنة؟ هل يتعلق الأمر بظلم نقدي؟ ماذا عن القصة القصيرة اليوم في المغرب؟ من يكتبها؟ ومن يقرؤها؟ وهل تعرف حضوراً وتداولاً، ومن ثم تقديراً، في العالم العربي؟ نقلنا هذه الأسئلة إلى ثلاثة كتاب من المغرب معنيين بقضايا هذا النوع الأدبي، منهم اثنان من كتابها المعروفين، وهما ينتميان إلى جيلين مختلفين: أبو يوسف طه، مواليد الأربعينيات، وسعيد منتسب، مواليد السبعينيات، أما الثالث فهو محمد معتصم، أحد أبرز المتخصصين في النقد السردي. الكاتب المغربي محمد معتصم (صفحة الكاتب على فيسبوك) يرى الناقد الأدبي محمد معتصم أن ظاهرة الصالونات والبيوت والأندية كانت مجرد مرحلة انفعال تسببت فيها السرعة التي نجمت عن وسائل التواصل ووسائط الكتابة الإلكترونية، ثم خفت حدتها مع ظهور القصة الرقمية والتفاعلية والتغير في القوى السياسية، وظهور جيل جديد من مدوني المقاطع النثرية والشعرية القصيرة جداً، والتعليقات السريعة الخفيفة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة “فيسبوك”. يستطرد صاحب “القصة القصيرة المغربية في السبعينيات”، “الآن تعرف القصة القصيرة والقصيرة جداً، وكذلك القصة الرقمية التفاعلية، تطوراً مهماً بفضل كتابها المؤمنين بها – قبل موجة (كوفيد-19) – كوسيلة تعبير جمالي وفني وأدبي، وكنص سردي مكثف متنوع في أشكاله ومتعدد في محتوياته. ولا يزال تيار القصة التجريبية يبدع في الأشكال وأساليب التعبير السردي القصصي، يتحكم فيه منطق تجاوز الذات، وتجنب التكرار، مما يجعل منه حالة إبداع قصصية تفكيكية دائرية، تعتمد على عدم التراكم من حيث الأشكال الخطابية، وكذا من حيث المضامين والمحتويات”. كُتّاب القصة يتوارون تباعاً وفي سياق التحولات التي تعرفها حياتنا الراهنة، يؤكد معتصم، مؤلف “المرأة والسرد”، و”الرؤية الفجائعية في الأدب العربي”، أن كتاب القصة القصيرة جداً “لا يزالون مستمرين في تطوير مضامينها وساعين نحو ربطها بالمتغيرات التقنية بخاصة، ولكن من الواضح جداً أن عدداً منهم لجأ إلى كتابة الرواية والنص الشعري، وأن آخرين اتجهوا نحو كتابة المقالة الصحافية والترجمة تبعاً لشروط النشر التي تتطلبها المجلات الورقية في بعض البلدان العربية التي لا تزال تقاوم أمام الإغراء الذي تمارسه المجلات والجرائد الإلكترونية من أجل البقاء. كما أن تيار كتابة القصة الرقمية التفاعلية شرع في تأكيد ذاته من خلال الترجمة وتفاعل النقد مع هذه النوعية من الكتابات الجديدة، والبحوث الجامعية التي قام بعض أساتذة الجامعة المغربية بتشجيع الطلاب على خوض غمارها”. وعن سؤالنا عن تراجع وهج القصة القصيرة يرى معتصم أن هذا الجنس الأدبي فقد أخيراً عدداً من كتابه ونقاده، سواء أولئك الذين غيّبهم الموت، ومن اضطرتهم التغيرات السياسية والمهنية والعمرية إلى التواري عن الساحة الثقافية عامة، والقصة القصيرة بخاصة. الكاتب أبو يوسف طه (صفحة الكاتب على فيسبوك) ويخلص الناقد الأدبي إلى أن القصة القصيرة “تتعرض لما يتعرض له الأدب اليوم، ويعرفه مفهوم الثقافة والمثقف من تراجع وتريث، في انتظار ما ستتمخض عنه الأيام في المستقبل بعد الوضع الوبائي، وتغير الفاعلين الثقافيين واختلاف الغايات والأهداف ووظائف الأدب في عصر الصورة والوسائط الإلكترونية والرقمية والاستثمار الثقافي”. توجهنا بالأسئلة ذاتها إلى أبو يوسف طه، صاحب “سلة العنب” و”عش الطائر المتوحد”، وغيرهما، فعاد بنا إلى بدايات القصة القصيرة في المغرب، مشيراً إلى أن ظهور هذا الجنس الأدبي “ارتبط بحكم حجمها بالصحافة، إذ كان ميسوراً إدراجها ثم قراءتها في وقت وجيز، وفنياً يتاح للكاتب أن يحيط بشريحة من الحياة أو حالة نفسية في حيز لغوي مقتضب على خلاف الأجناس الأخرى كالرواية والمسرحية مثلاً، وهما جنسان مفتوحان على الأجناس الأخرى، هذا الإسهام بالسهولة أغرى كثيرين لكتابة القصة القصيرة مع اختلاف في الجودة على مستوى المحكي والخطاب. ومجمل الكتاب أدركوا أهمية هذا الجنس في إيصال رؤاهم في ما ينور به المجتمع والفرد من تحولات، وتعددت روافد الاستلهام تحت تأثير المقابلة من الآداب العالمية، وعلى سبيل المجاز يمكن اعتبارها (ديواناً)، أسوةً بالشعر”. يضيف أبو يوسف: “يجب أن أشير خلافاً لما رسخ في الأذهان من أن هناك صراعاً بين الأجناس الأدبية أو داخل الجنس الواحد، بأن القضية لا تتعلق بصراع ـ هذا إسقاط سياسي/ أيديولوجي، ويتعلق الأمر على العكس بدينامية التطور في الأدب والثقافة المرتبطين بالتوالد المترادف للحساسية”. تخلّي الناشرين وتقصير النقد وبخصوص الوضع الراهن للقصة القصيرة في المغرب، يقول أبو يوسف: “لا أعتبر أن هناك تراجعاً للقصة القصيرة، بل ما زال الإنتاج مستمراً، محققاً طفرة نوعية، لكن ما يوحي ظاهرياً بالتراجع هو ميل الناشرين لغير هذا النوع، وقد مكّن التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي من كسر الترتيب التقليدي بطقوس الترسيخ ، إذ إن كثيراً من المواقع اختصت في نشر قصص لكتاب قُدامى أو مُحدثين، غير أن النقد يبدو مقصراً في تناول الإنتاج القصصي تناولاً عميقاً يستجلي قيمه المُضافة، وحينما أتحدث عن النقد لا أقصد المديح والمُوالاة والمُغالاة في الإطراء انطلاقاً من دوافع غير أدبية، بل أقصد النقد المُرتكز على أصول النقد ومناهجه”. وحين سألنا أبو يوسف عمَّن يكتب القصة اليوم ومن يقرؤها، فكان رده على النحو التالي: “حالياً، لدينا كتاب مغاربة من مختلف الأصناف الاجتماعية على عكس ما كان عليه الحال في ما مضى بتركز الكتاب في رجال التعليم، كما بتنا نقرأ أدباً قطاعياً يسترفد مواضيعه من بيئات اجتماعية ومهنية متعددة، كما لا يمكن تحديد من يقرأ القصة، فالأمر يوجب دراسة ميدانية، فللقصة حضور، سواء من حيث الإنتاج أو القراءة، والحقيقة تقول إن استهلاك الخيرات الرمزية لا يُقاس بغيره لأن المقارنة ليست سليمة”. الكاتب سعيد منتسب (صفحة الكاتب على فيسبوك) ويرى الكاتب والإعلامي سعيد منتسب أن هناك عدداً من كتاب القصة المجددين والكبار “يرفضون، في نوع من العقاب غير المفهوم، الخروج من بيت القصة، بدعوى الانتصار لهذا الجنس الأدبي المظلوم والمهمش والمسلوب و(المحتقر)، بل إنهم باتوا يشكلون كتيبة حربية تتمرتس خلف أرتال عسكرية هائلة من أجل اختراق أسوار جمهورية الأدب المكرس. والحال أن ما ميّز القصة، في السنوات الأخيرة، هو قُدرتها على احتضان تداخل الأنواع والأجناس الأدبية، على نحو يتقاطع فيه الشعري بالنثري والسردي بالدرامي والتشكيلي والشفاهي والسينمائي… إلى غير ذلك من التعبيرات”. ويبدو لصاحب “قبر إدغار ألن بو” أن “كثرة الملتقيات ليست دليلاً على السطوع، بل هي كثرة مضللة تخدع المطمئن إلى الثرثرة المصاحبة لها. وهنا أذكر ما قاله أحمد بوزفور: (مع تكاثر هذه اللقاءات والإلقاءات يتسرب الميكروب إلى شرايين القصة، وتصبح أكثر احتفالاً بالشعبوية والأيديولوجيا، أو بالصراخ والإثارة، أو بالفكاهة وطرافة الاسكتشات، ويصبح إلقاؤها أكثر ميلاً إلى الاستعراض والمسرحية وطلب النجومية، ويتراجع في الكاتب الصمت والتواضع والعُزلة، ويتراجع في الكتاب الفكر والتأمل والعمق!). وتأسيساً على ذلك، فإن الأهم في الحكم على هذا الجنس الأدبي هو (المشغل القصصي)، أو ما يسميه مياس (المطبخ القصصي) بدلاً من الارتكان إلى (التضخم القصصي) الذي يحتاج إلى خطط سردية بديلة للقضاء عليه. فالقصة كانت، ولا تزال، ماكرة/ مخادعة/ سديمية، ولا يمكن حشدها في قالب جاهز، ولا في بناء سردي مسبق”. انتعاش القصة في مدن الهامش يزعم منتسب، مؤلف “قبلة التنين”، أن الظلم النقدي ليس وقفاً على القصة، بل “يمتد أيضاً إلى الأشكال الأدبية والفنية الأخرى (شعراً وروايةً ومسرحاً وتشكيلاً وسينما…). إنه إذا شئنا كسل “أنطولوجي” أصبح بوسع كاتب القصة الانسلال منه بتشغيل آلية التجريب، ذلك أن النصوص الفارقة في المشهد القصصي المغربي تنحاز إلى اللانسقية، وتؤمن بأن حاضر القصة القصيرة يصحح ماضيها على الدوام، ما دامت تكتب بلغة حكائية جديدة، لا تدعي البتّة هدم النحو، لكنها تصر على تدمير الأسلوب القديم بأدوات معيارية تجريبية لا تطمئن إلى أي شيء، بل إن القصة، في بعض نماذجها المتحققة، انشغلت بالاشتباك مع شكلها وموضوعها وصيغها وقارئها، من أجل كسر النموذج القصصي العام”. ويعود بنا صاحب “جزيرة زرقاء” إلى الكاتب الإسباني خوان خوسي مياس الذي سُئل عن القصة القصيرة، فقال: “أعتقد أننا في عصر الرواية منذ بداية القرن 20، وربما لذلك لم يحظَ بورخيس وكورتاثار بما يستحقان من احتفاء”. وامتداداً لما صرح به مياس يقول الكاتب المغربي: “صحيح أن الاهتمام بالقصة كان يقظاً بوضوح في السنوات الأخيرة، لكنها يقظة تمّت، في رأيي، في الهامش بدلاً من المركز. قد يقول قائل إن الهامش هو الأصل في الكتابة، وفي الفن عموماً، هذا صحيح إلى حد ما، لكن القصة القصيرة دخلت في اشتباك خادع مع التعبيرات الأدبية والفنية الأخرى، كأنها كانت تخوض معركة حامية لقياس القدرة على البقاء، ولم تستطع الخروج منه إلى حد الآن، ظناً منها أن وجودها الحقيقي نابع من الصراع مع هذه التعبيرات والأشكال”. ما تحتاج إليه القصة القصيرة في المغرب اليوم هو احتضان الجامعة والإعلام والنقد والنشر لها، وانفتاحها هي أيضاً على الحياة الثقافية، عبر عودة زمن المُلتقيات والأوراق النقدية والتكتلات النشطة. تحتاج القصة القصيرة أيضاً إلى أن تُجدّد روحها وجسدها في زمن تتغيّر معطياته باطّراد. المزيد عن: القصة القصيرة\قاص \ قصة مغربية \ فن قصصي \ الهامش \ الرواية\ الشعر الحديث 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا حذر أسطورة ليفربول محمد صلاح من مصير فرناندو توريس؟ next post “حكاية حب غريبة”… عن ولع جوهان برامز الذي لم ينطفئ طوال 43 عاماً You may also like أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024 المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري 16 نوفمبر، 2024 الحقيقة المزعجة حول العمل الفائز بجائزة “بوكر” لهذا... 16 نوفمبر، 2024 فرويد الذي لم يحب السينما كان لافتا في... 16 نوفمبر، 2024 يونس البستي لـ”المجلة”: شكري فتح السرد العربي على... 15 نوفمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 15 نوفمبر، 2024