الأربعاء, مارس 19, 2025
الأربعاء, مارس 19, 2025
Home » القرداحة… مهد الأسد وضحيته

القرداحة… مهد الأسد وضحيته

by admin

 

دفعت الثمن مرتين: واحدة بانتمائه إليها وأخرى بإذلاله لأهلها وجعلها أفقر مدن الساحل

اندبندنت عربية / طارق علي صحفي سوري

“كثيراً ما عملت الطائفة العلوية كمرابعين (لقاء أجور يومهم) لدى الإقطاعيين، إلى أن جاء حزب البعث وأمم المصانع والشركات والأراضي فاعتقدنا أن حقبة العبودية انتهت، لكننا وجدنا أنفسنا من جديد مرابعين لدى آل الأسد”. يقول ناصر بركات أحد سكان القرداحة.

يروي الرجل السبعيني رحلة التحول نحو الأسوأ بعد آمال عريضة بنوها على الحزب القائد بقوله “كيف لم نكن لنستشعر أملاً عظيماً والحزب حزبنا كفلاحين وفقراء كما قيل لنا؟ وقائد الحزب من مدينتنا القرداحة، فأي رخاء قادم سنعيشه، لكن سرعان ما اكتشفنا أن تجربة الأسد في تحويل سوريا إلى مزرعة بدأت من مدينته الصغرى وقتذاك، المدينة التي حكمها إخوته وأولاد عمومته وأقرباؤهم بالسياط والقوة والترهيب والجريمة”.

الاختبار الأول للحكم

يكمل الرجل العجوز “فعلياً كانت القرداحة النموذج الأولي لاختبار سوريا اللاحقة، فالجميع يعرف أن البلد غرق بالسلاح والمخدرات في الحرب، أما القرداحة فقد غرقت بهما مع التهريب منذ سبعينيات القرن الماضي، حافظ تمكن منا وأفقرنا، وحول مسقط رأسه إلى شريحتين سكانيتين، ملوك وعبيد، ملوك ينتمون للنسب الصافي من الأسرة الحاكمة، وعبيد هم عامة عائلات المدينة، وهو ما كرسه بشار خلال حكمه غير المتزن”.

في سياق حديثه يحاول ناصر التأكيد غير مرة أن أسرة الأسد لا تنتمي تاريخياً إلى القرداحة أو الساحل السوري أساساً، ويؤكد أن سكان موطنه يدركون ذلك جيداً غير متمكنين من الحديث عنه مرة واحدة بسبب بطش النظام وإمعانه في سردية انتمائه الجغرافي وخصوصيتها في سياق حكمه الذي يشحذ الهمم على أساس طائفي – مناطقي.

من المتعارف عليه أن مسقط رأس عائلة الأسد هو مدينة القرداحة التي تقع على بعد 30 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من محافظة اللاذقية الساحلية، وإلى الشرق بنحو 20 كيلومتراً من مدينة جبلة وقاعدة “حميميم” العسكرية الروسية.

اجتماع رجال دين وأفراد من الأقلية العلوية في القرداحة بهدف إرساء حوار مع سلطات دمشق (أ ف ب)

 

تقع القرداحة على هضاب المنطقة الساحلية بارتفاع 400 متر عن سطح البحر، وتتصل عبر شبكة طرق دولية بمحافظات الساحل من طرطوس إلى بانياس فجبلة واللاذقية، وباتجاه حماة وإدلب وسهل الغاب نحو الشرق. وقد عانت المدينة أسوة بغيرها من المدن والأرياف من حال تهميش وبطالة وازدراء وتعويم قيادات محلية إجرامية على حساب طبقة معظمها من المسحوقين اجتماعياً، في حين برزت بها عائلات كبرى كآل إسماعيل الذين لم يصلوا لقوة شخوص آل الأسد، ولكنهم تمكنوا من انتزاع بعض الامتيازات والتعيينات العسكرية، عدا عن العلاقات التجارية وعلاقات المصاهرة العائلية لاحقاً، لتلتحم العائلتان جزئياً في تشكيل قوة ضاربة هيمنت على المنطقة والجوار لعقود طويلة.

يتبع للقرداحة إدارياً عدد من القرى والمزارع من بينها عين العروس مسقط رأس وزير الداخلية السابق غازي كنعان الذي قضى منتحراً في مكتبه قبل نحو عقدين، وقبلها كان قائداً للقوات السورية في لبنان وصاحب اليد الطولى في كل الأحداث هناك. كذلك قرية جوبة برغال التي ينتمي إليها سلمان المرشد زعيم الطائفة المرشدية في سوريا. وأيضاً قرية بستان الباشا التي ينحدر منها رامي مخلوف إمبراطور الاقتصاد السوري وابن خال بشار الأسد، وقرى أخرى من بينها كلماخو ورويسة البساتنة وبشلاما وبكراما والقبو والسفرقية.

وكلمة القرداحة تعني في اللغة مكان صنع السلاح، أو مكان الحديد، لما أبدته هذه المنطقة من مقاومة للعثمانيين والفرنسيين، وفي اللغة الآرامية تعني “القرية الأولى” وهو ما يستدل به بعض الباحثين للدلالة على قدمها التاريخي.

شكوك في النسب

يشكك كثير من السوريين بنسب آل الأسد، وإن كانوا ينتمون فعلاً إلى الطائفة العلوية ومدينة القرداحة أساساً، وهو سؤال كان لا بد من توجيهه لأهالي المدينة أنفسهم.

عامر إسماعيل أحد السكان يخبر “اندبندنت عربية” نقلاً عن أحاديث سمعها في صغره من جده أن “جد حافظ الأسد وفد إلى منطقتهم قبل زمن بعيد، وليسوا متحدرين من المنطقية الجبلية، وأن ذاك الجد بالكاد كان يتقن اللغة العربية، مرجحاً أن يكون قدومهم من مناطق إيرانية أو جبلية في شمال العراق، من دون أن يتمكن أحد من حسم هذه المسألة”.

يتفق مع هذا الرأي كثير من أهالي المنطقة، إذا يقول الطبيب سليمان بركة “لعبة الاستخبارات الغربية جعلت عائلة الأسد جزءاً من المكون الساحلي، لكن لنر على مدار نصف قرن هل كان حافظ وبشار علويين؟ قطعاً لا، هما كانا أسديين وخلقا طائفة أسدية ورطت معها الطائفة العلوية، مستغلين بصورة ممنهجة فقر الناس المدروس وحاجتهم فتركوهم أمام ثلاثة خيارات لا رابع لها، وظيفة حكومية تقوم على الفساد والحصول عليها صعب، استمرارهم كمرابعين، أو التطوع في الجيش قسراً”.

مما لا شك فيه أنه لا أحد تمكن من إثبات نسب آل الأسد الحقيقي حتى الآن، لكن في الأقل ثمة وثائق تحمل توقيع جد بشار تطالب بالتقسيم والحماية الفرنسية، وهي وثيقة استخدمتها المعارضة في غير مناسبة خلال الحرب السورية للتشكيك بوطنية العائلة بأكملها.

“هناك مثل شعبي شهير في سوريا يقول (بماذا أذكرك يا سفرجل وبكل عضة غصة) وهذا حالنا مع حكم الأسد منذ عهد آبائنا وحتى إسقاط بشار”. هكذا يلخص مراد أحمد ابن مدينة القرداحة حالهم مع حكم الأسد الذي توسموا فيه خيراً كثيراً، “ابن طائفتنا ومدينتنا، لكننا لم نكن ندرك أننا لا نعنيه في شيء”.

يتابع مراد “مهما رويت عن القرداحة في عقودها الماضية قد يبدو أن الأمر لا يصدق، في سوريا كان هناك رئيس واحد، حافظ ثم بشار، أما في القرداحة فكان هناك رفعت وحافظ الآخر ومنذر وجميل وطلال وأنور وهارون وهلال ووسيم وسليمان وبديع وبقية العائلة التي جعلت لقب (شيكاغو) يطلق على المدينة”.

ويستطرد، “كانوا يسيرون بمواكبهم وسلاحهم ومرافقتهم، ويمشون فوق أحلامنا وآمالنا وفقرنا، كانوا يمتلكون قصوراً بديعة يمنع علينا نحن أبناء المدينة الاقتراب منها على الإطلاق أو تصويرها أو اللجوء إليها، وداخلها كانت تعقد كبرى صفقات الأموال”.

ويكمل ابن المدينة، “ربما خلال أعوام حكم حافظ كانت الأمور أكثر هدوءاً، رغم أن انتشار صفة الشبيحة انطلقت من القرداحة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي نتيجة لتوجه آل الأسد لركوب تلك السيارات التي تسمى (شبح) وهي (مرسيدس 500 – إصدار قديم) وفيها كان يتم الخطف والتشليح وتهريب العملة والآثار والسلاح والمخدرات، أما على عهد بشار وظهور جيل جديد من آل الأسد فقد استوحشت العائلة أكثر بكثير”.

يشعر كثيرون من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بالارتياح لانتهاء حكمه الصارم (أ ف ب)

 

عن ذلك التوحش يشرح مراد، “مثلاً سليمان ابن هلال الأسد ابن عم بشار قتل ضابطاً عقيداً على رأس عمله لأنه تجاوزه في إشارة المرور قبل بضعة أعوام، ثم دخل السجن وخرج بصورة طبيعية، كان سليمان العشريني مصدر رعب في اللاذقية كلها، كان يأمر الدبابات لتتحرك في المدينة بقصد التجوال معه. وهناك بشار ابن طلال الأسد الذي كان يقتل خصومه عبر دفنهم بالأسمنت الطري، ووسيم الأسد الذي يعرف الجميع جرائمه، وحافظ ابن منذر الذي يسيطر على سوق مزاد السيارات الفخمة، ولكل واحد من آل الأسد هؤلاء قطاعه وتخصصه وتفننه في إجرامه، عدا عن السيطرة على سوق المراهنات الإلكترونية، والتوسع في أعمال المخدرات وسواها، وكل ذلك كان يتم تحت أنظار بشار الذي لم يقرب العائلة منه على مستوى الخط المباشر واللقاءات المستمرة، ولكنه ترك الباب مفتوحاً لهم للسيطرة على الشمال الغربي من البلاد، وكان كل ذلك يتماشى مع ازدياد فقر الناس وحاجتهم وعجزهم عن شراء ربطة الخبز”.

الثمن المضاعف

أحد ساكني المنطقة، فضل عدم الكشف عن اسمه، بيَّن أن قصور أولئك الأمراء باتت اليوم خاوية على عروشها بعدما هربوا جميعاً، معتقداً أن غالبيتهم بات خارج البلد، ومؤكداً في الوقت نفسه وجود أشخاص من آل الأسد كانوا خيرين مع الناس.

يروي الشاهد صدمة الناس حين اشترى حافظ منذر الأسد سيارة “تيسلا” قبل بضعة أشهر بـ200 ألف دولار بينما كانت العائلات في جواره تبيت بلا عشاء.

قد تكون القرداحة دفعت ثمناً مضاعفاً إبان انتصار الثورة وسقوط نظام بشار، على اعتبار أنها مسقط رأس الأخير، وأن في الجيش نسبة كبيرة من الضباط والجنود من المنطقة وإن كانوا لا يشغلون مناصب مهمة في غالبيتهم، إذ طالما ساد اعتقاد لدى كثيرين أن البلد تحكم من هناك، وهو ما أثبتت الأيام عدم صحته، وأوضحه انتصار الثورة جلياً.

أحد مقاتلي غرفة “ردع العدوان” التي حررت سوريا قال لـ”اندبندنت عربية”، إنهم توقعوا مقاومة شرسة وغير مسبوقة في القرداحة، لكنهم فوجئوا بأناس مدنيين طيبين ومنهكين من الفقر والجوع والحاجة والعوز لأبسط مقومات الحياة.

ويضيف، “لم تكن كما توقعناها. بيوت فقيرة وبسيطة وخالية من مقومات الحياة، يقابلها بضعة قصور لمجرمي عائلة الأسد، حتى إن بعض الثوار حين دخلوا مرقد حافظ الأسد لم يعترض الناس في المنطقة رغم ما طاوله من تخريب، شعرنا بأن الناس ناقمة مثلنا على هذه العائلة، إحدى الأمهات أخبرتني أنهم اعتقلوا ولديها من دون أن تعرف تهمتهما أو مصيرهما رغم مضي السنين، وأن الأسد كان يجبر الناس على القتال”.

وفي الإطار لم يسلم أهل مدينته من بطشه فعلاً، فلا يزال السوريون يتأسفون على اعتقال المعارض البارز عبدالعزيز الخير وتغييبه قسراً رغم مضي أكثر من 10 أعوام على اختطافه من دون معرفة مصيره، في حين رجحت مصادر خاصة لـ”اندبندنت عربية”، أن المهام الخاصة في الاستخبارات الجوية هي من قامت باعتقاله وتصفيته لدوره الخطر على الأسد، كان ذلك عام 2012 خلال عودته من مطار دمشق الدولي إلى الداخل السوري.

ليال حمراء وجوعى

منيرة (اسم مستعار لسيدة ستينية من القرداحة) تروي لـ”اندبندنت عربية” كيف اُقتيد ابنها عام 2014 للخدمة العسكرية الإجبارية عند أحد الحواجز، ولاحقاً تم إرساله للقتال في دير الزور شرق سوريا.

تمكنت السيدة بعد توسل وتضرع لأحد أفراد عائلة الأسد من إقناعه بـ”تفييش” ابنها على أن يعمل لديه في القصر، وبالفعل “حن قلبه عليها” كما تقول، واستقدمه من الخدمة على الجبهة ليكمل جنديته كخادم في منزل الأمير الجديد.

تقول المرأة، إنه كان على ابنها تحمل نزق ذلك الأسدي وحالات سكره ومجونه وعربدته وتنفيذ طلباته الغريبة، لكن ذلك كان أفضل من إرسال معيلها الوحيد إلى الجبهة حيث يموت ليحيا الأسد.

السيدة روت على لسان ابنها ما كان يحصل من سهرات وليال حمراء يومية يتم فيها استقدام فتيات مختلفات وعليهن يجري رمي كثير من الأموال باليورو والدولار خلال رقصهن، حتى إن ما يصرف في سهرة واحدة من تلك كفيل بإطعام القرية لأيام.

المرأة رفضت تسمية الشخص الذي خدم ولدها عنده خشية الانتقام، قائلة “ربما لهذا الشخص فلول لا يزالون بيننا”. مضيفة “بأموالهم اشتروا طاعة الناس، الحاشية الدموية المحيطة بهم في الأقل، نحن نعرف أنهم غير محبوبين كأشخاص، لكن حاجة الناس إلى المال والعيش جعلتهم محاطين بالدروع البشرية والعناصر المسلحة، وكان ابني كحال غيره من الخدم، لا يحتسب على الحاشية ذات الولاء، بل كان دوره مجرداً بالمهام المنوطة به من استقبال وتوزيع الضيافة، لذا لم يكن شريكاً في المشبوهات ولا ممن يغدق عليهم المال، كان السيد يرى أنه أحاط عائلتنا بفضله ومنه وكرمه بأن خلص ولدي من الجيش، لذلك يجب أن يكون ابني مديناً طوال العمر، وأن يحفظ أسرار ما يدور في منزل سيده، هكذا فعل بنا بشار، جعلنا سادة وخدماً”.

وتتابع، “لم يمر يوم من دون أن أرى نظرات القهر في عيني ولدي، وتنامي حقده على ابن العائلة الحاكمة، حقد يرجع للأسباب التي جوعت مدينة بأكملها ليعيش بعض أفرادها ملوكاً. يقول لي ابني إن أشهى المأكولات كانت ترصف على الموائد الكبيرة، اللحوم والدجاج والذبائح والحلويات والمكسرات وكل ما يشتهيه السوريون، بل ما يشتهيه أقرب جيرانهم إليهم”.

وتختتم حديثها بالقول، “كان قانون قيصر يطبق علينا فنموت جوعاً، أما موائدهم وسياراتهم وقواربهم البحرية وأرصدتهم المالية وسيجارهم الأجنبي، كل ذلك كان متاحاً وهم يعبرون الطرقات ذات الحفر ويرون أرتال الناس تصطف للحصول على معونة أو خبز من دون أن يرف لهم جفن. الناس في مسقط رأس الأسد تكرهه، الناس في كل البلاد باتوا مع الوقت يكرهونه، وكما نقول في الساحل (من ليس فيه خير لأهله ليس فيه خير لأحد). أو لسنا نحن أهله؟ أم إننا خاصته في الحروب والموت وحين توزيع الغنائم نصبح غرباء نبحث عن نقطة طبية تداوينا، وعن وسائل نقل تقلنا وعن وظائف لا امتهان لكراماتنا فيها، هل أتحدث كيف كانوا يعتدون على الحرمات أيضاً؟ لا شيء غير مباح لهم، حتى القانون في صفهم ظالمين أم مظلومين”.

لا امتيازات للعامة

يحاول الشيخ ثائر ديوب وهو ابن مدينة القرداحة نفي التهم التي كانت توجه لمدينته، بل وتوضيح الصورة الحقيقية للحال التي كانت يعيشون فيها، مبيناً أن أهل المدينة كانوا يعملون في الزراعة والأعمال اليدوية والجيش والبعض عند آل الأسد.

ويشير إلى أن المدينة التي كانت مغيبة عن الإعلام طويلاً لم تكن تحظى بأي امتياز إضافي عن سواها، بل إن مدناً أخرى فاقتها بسنين كثيرة في التطور والعمران والخدمات، ويستذكر على سبيل المثال مدينة دير عطية في ريف دمشق التي ينحدر منها مدير المكتب التاريخي لحافظ وبشار قبل وفاته منذ بضعة سنين أبو سليم دعبول، حيث جعل من الحاضرة التي ينتمي إليها (دير عطية) قبلة في البناء والمال والأعمال والصروح الحضارية. وكذلك مدينة مشتى الحلو في ريف طرطوس بفضل جهود مغتربيها وأبنائها، وقمحانة في ريف حماة، وغيرها، وللمفارقة فإن دير عطية في ريف دمشق كانت تسمى قرداحة القلمون، وقمحانة تسمى قرداحة حماة.

مما لا شك فيه أنه لا أحد تمكن من إثبات نسب آل الأسد الحقيقي حتى الآن (أ ف ب)

 

ويضيف، “لا أدري من أين جاءت تلك التسميات المجحفة مقارنة بمدينة ينهشها الفقر وسوء الخدمات والعيش خارج سياق القانون وخضوعها للأعراف المرهونة بمتنفذي آل الأسد الذين هم خارج قوانين المحاسبة القضائية والجنائية. هل من المبالغ به أن أقول إن شعب القرداحة من أفقر سكان المنطقة، هذا ما أراده الأسدان لإقناع الناس بارتباط مصيرهم بهما، وبأنه لا حياة لهم من دونهما، لذا لم يعترض أحد على تخريب قبري حافظ وابنه باسل، هذه العائلة ركبت المنطقة والطائفة وقتلتهما من الجوع والحاجة، لا اتصالات، لا نقل كما يجب، لا أساسيات، فقر طاغ”.

أهال من القرداحة والمنطقة لم يستبعدوا خلال حديثهم مع “اندبندنت عربية” وجود فلول للنظام في المنطقة، مبينين أنهم “أقلية لا وزن لها، لكنهم كذلك مجرمو حرب، يهربون بين الجبال والأحراش ويجرون المنطقة لنزاعات هرباً من تطبيق العدالة بحقهم”، ومؤكدين في الوقت ذاته أنهم مندمجون تماماً مع الإدارة الجديدة، لكن شرط أن تتوقف الانتهاكات وتعاد للناس كرامتهم ويفهم الحكام الجدد أن السكان هنا بسطاء لا يريدون حرباً، فغريمهم وعائلته ومناصروه هربوا ولم يبق إلا من يبحث عن قوت يومه. داعين أن تصل تلك الرسالة للدولة الجديدة قبل غيرها، وأن يفهم العقلاء ويفهموا الناس أن القرداحة جزء من الساحل وليست المسؤولة عن الطائفة العلوية من قرى الجولان إلى دمشق فحمص وحماة والساحل وصولاً إلى لواء إسكندرون.

صيت بلا صدى

يرى المهندس محمد زهرة ابن قرية عين العروس التابعة إدارياً للقرداحة، أن الأخيرة “صيت بلا صدى”، ويتساءل “أليس غريباً أن يجمع كل الناس على رأي واحد؟ الجميع في مناطقنا يؤكد حال الفقر العامة، والأسوأ أننا نرزح تحت تشبيح جماعات آل الأسد، أقصد قبل سقوط النظام. اللواء غازي كنعان من قريتنا فماذا استفدنا منه، هل أصبحت بلدتنا يجوبها الغنى وصارت قبلة سياحية؟ كذلك القرداحة”.

ويتابع، “لقد حملنا النظام فوق طاقتنا، ذاك النظام لم يكن يعرف علوياً وسنياً، كان يعرف موالياً أعمى ومعارضاً خطراً، وخلال الحرب شحن الناس والطائفة وأفهم الجميع أن بقاءه يعني حياتهم، ورحيله يعني موتهم، وتركهم أمام خيارات ضيقة للقتال بعدما عوم البطالة ولم يترك لهم سبلاً للعيش الكريم، لم يقاتل الجميع عن قناعة بل عن حاجة، لذا نرى مئات الآلاف من الخريجين الجامعيين بلا عمل، بينما الكلية الحربية تقبل الجميع وتمنحهم رواتب مباشرة، رواتب مقرونة بسقف الحلم الذي صار يتمثل بالخط العسكري على دور الفرن ومحطة الوقود، اسأل جميع أهل القرداحة ليخبروك أي جحيم دفعوا ثمنه لقاء انحدار قائد من مدينتهم التي لا يزورها ولا يفكر في لجم ثيرانها الهائجين على الناس حتى، ذلك جزء من فرض السيطرة، جزء مدروس ربما”.

يرفعون علامة النصر بينما يسيرون في أحد شوارع القرداحة بعد رحيل الأسد (أ ف ب)​​​​​​​

 

أما الباحث في التاريخ الحديث فجر الحكيم، فيوضح لـ”اندبندنت عربية” أنه يمكن حصر الأشخاص الذين تسلموا رتباً ومناصب رفيعة من القرداحة قياساً بمناطق كثيرة أخرى، وأن الأسد الأب ومن خلفه الابن اعتمدا بصورة مباشرة على ولاءات سنية مكنت لهم أسباب الحكم واستتبابه، على رأسهم العماد أول وزير الدفاع لعقود مصطفى طلاس، ورئيس الأركان حكمت الشهابي، وعبدالحليم خدام، ومرافق حافظ الشخصي خالد الحسين وأبوسليم دعبول مدير مكتبه، ورؤساء حكوماته التاريخيين عبدالرؤوف الكسم ومحمود الزعبي. كذلك الاعتماد على محمد حربا لإدارة وزارة الداخلية لأعوام، إضافة إلى مناصب سليمان قداح، وفاروق الشرع، وفيصل المقداد، ووليد المعلم، وبالطبع زوجة بشار الأسد أسماء الأخرس، مع قريبها طريف الأخرس، وما لحقهم في عهد الابن من الاعتماد على مصطفى ميرو، وناجي العطري، وعماد خميس، ورياض حجاب، ووائل الحلقي، وحسين عرنوس في رئاسة الحكومات، ومن بين أبرز رموز الأمن علي مملوك رئيس جهاز الأمن القومي، وهشام اختيار الذي سبق مملوك في المنصب، ومحمد الشعار في وزارة الداخلية، وديب زيتون في إدارة أمن الدولة، والأسماء لا تنتهي، وكلها تنتمي للأكثرية”.

هذا لا يعني أن الأسدين لم يعتمدا على العلويين، وفق الحكيم، ولكنهما اعتمدا على السنة كثيراً أيضاً، كان الولاء هو المعيار، لذلك لقيت كلمة وزير الخارجية أسعد الشيباني أخيراً خلال مؤتمر المانحين في بروكسل كل تلك الضجة في الشارع السوري، حين قال إن حكم الأقليات لسوريا أفضى لتهجير 15 مليون سوري وقتل مليوناً آخرين، ليعترض الناس على توصيف كهذا يخرج من وزير خارجية محنك يعلم أن الذي حكم البلد هم الطغمة الأكثر ولاء من كل الطوائف، الذين شربوا من الدم السوري بصرف النظر عن مرجعيتهم الطائفية والعرقية.

ويضيف الباحث، “ما قاله الوزير هو سقطة في حق سوريا وشعبها وقصر في النظر السياسي والاستراتيجي، سوريا لم تحكم يوماً من قبل أقلية، وإلا لماذا استشرى الفقر بين الجميع فيما كان يتسيد عليهم أمراء حرب من كل الطوائف، لم يعرف الامتياز يوماً فرقاً في التوزيع بين شخص وآخر بصرف النظر عن طائفته لقاء ما يقدر أن يقدمه من خدمات للنظام البائد، ففي حين كان الشعب السوري يموت جوعاً كان حمشو وقاطرجي والفوز وغيرهم ومعهم علويون بالتأكيد، يتنعمون بخيرات البلد”.

المزيد عن: الحرب في سورياسوريا 100 يومسقوط الأسدالقرادحةالعلويونمصطفى طلاسعبد الحليم خداماللاذقية

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili