لوحة للرسام فضل زيادة تعود إلى السبعينيات (خدمة المعرض) ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: “الفنانون العشرة” استعادوا التراث وطرحوا أسئلة الحداثة by admin 19 سبتمبر، 2024 written by admin 19 سبتمبر، 2024 159 معرض جماعي في متحف نابو يرسخ الهوية الفنية المنفتحة على الوجود اندبندنت عربية / مهى سلطان في عودة مجموعة “الفنانون العشرة” للماضي، ثمة حنين إلى مرحلة التبدلات التاريخية والفكرية والتحولات المجتمعية التي تبنت الحداثة في العاصمة الثانية للبنان. إنها طرابلس الشاهدة على الحضارات، بموقعها الجغرافي كمدينة متوسطية منفتحة على آفاق التغيير ومجريات الحياة الثقافية. في هذا السياق كتب الفنان والباحث إلياس ديب في كتابه الصادر عام 2016 عن المجموعة يقول: “عاشت ’مجموعة العشرة‘ في مدينة طرابلس حالة المتعة هذه، وتجلى ذلك باندفاعها واجتماعها منذ بداية السبعينيات، فأنتج أعضاؤها مشروعاً طموحاً وفناً راقياً في مجتمع منفتح له تاريخ عريق”. المنعطف الحداثي مجموعة “الفنانون العشرة” في الثمانينيات (خدمة المعرض) كانوا 10 فنانين: بينهم فنانتان (سلمى معصراني ونهاد اسطمبولي)، حين انطلقت أحلامهم من أحضان عاصمة الشمال طرابلس، تعانق نفحات الجمال الذي يعبق به تراث مدينتهم. كان معظمهم تتملذ على رواد الحداثة الكبار من معلمي الفن في معهد الفنون الجميلة (شفيق عبود وعارف الريس وبول غيراغوسيان ورفيق شرف وحليم جرداق..). عاشوا سنوات الغليان الثقافي والفكري والثورة على التقاليد التي قادها الشعراء والفنانون الحداثيون في بيروت عاصمة الشرق والغرب في ذلك الحين، وانخرطوا في الاتجاهات والمدارس الفنية المتصلة بإشكالات العلاقة بين الواقع والتجريد وخاضوا في مسائل التغريب والعودة للأصالة والتراث. وكان من أبرز ظواهر الحداثة وقتئذ هو قيام التجمعات الفنية، لذا وجد فنانو مجموعة الـ10 الحاجة إلى التجمع بما يسهل اختراقهم أسوار المشهد الفني البيروتي المتألق بالأسماء الكبيرة في عالم الفن على مستوى صالات العرض المزدحمة بالأحداث والمواعيد مع الزمن الآتي. لم يصدرأعضاء هذه المجموعة بياناً أو “مانيفيست” بالمعنى الفني، على غرار التجمعات الفنية المعروفة (في الغرب عموماً وفي مصر والعراق خصوصاً)، بل كان هدفهم منذ مرحلة التاسيس عام 1974، العمل على مرتكزات فنية في عاصمة الشمال التي بدأت تنهض على المستويات الاجتماعية والفكرية كافة، مع تفعيل دور صالات العرض في المراكز الثقافية. أحرز فنانو “مجموعة العشرة” نجاحاً كبيراً ولكنه كان قصير المدى زمنياً، بسبب اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وشكلت سنوات الحرب منعطفاً كبيراً لدى فناني المجموعة، الذين لم يتوقف نشاطهم، بل كان حضورهم مؤثراً في معارضهم المحلية والعربية والدولية، إلى حد بلغ بأحد الصحافيين (نبيل أصفهاني) أن عنون مقالته عن معرض مجموعة العشرة “يا فناني بيروت اتحدوا”. لوحة للرسام فيصل سلطان من فترة السبعينيات (خدمة المعرض) شكلت مجموعة العشرة التي ضمت بشكل رسمي كلاً من: محمد الحفار، عبد الرحيم غالب، محمد غالب، فضل زيادة، فيصل سلطان، عدنان خوجة، محمد عزيزة، عبداللطيف بارودي، بسام الديك، منجزاً حداثياً ثانياً لا يمكن تجاوزه في غمرة التحولات والأحداث التي رسمت نهايات زمن الحداثة العربية. إذ ما بين نجاحات واخفاقات وشك ويقين، ظلت الحداثة لبعضهم مشروعاً ملتبساً وعصياً على النقد، وللبعض الآخر زمن اليقظة وإثبات الهوية، قبل مجيء التصدعات التي خلقتها مرحلة ما بعد الحداثة وحالات الريبة في زمن العولمة. لقاءات ومعارض ونقاشات حول هوية الفن بين الشرق والغرب، ومسارات صنعت تاريخ مجموعة العشرة طوال فترة الحرب، وأعطتها ميزاتها كأول مجموعة فنية تتكون خارج مركزية العاصمة بيروت. مسارات اعتبرها الناقد سمير الصايغ “من ثوابت الحداثة العربية المتمثلة في إرادة المعرفة وإرادة التغيير”، وهي تمثل مرحلة لتحولات فنية تكمل ما طرحه في عام 1964 “التجمع الشرقي” في بيروت الذي ضم كلاً من: منير نجم وعادل الصغير وستليو سكامنغا، الذي تبنى تجارب التجريد الحديث وعلاقته بالتراث الشرقي. بارولييف نحاس للرسام محمد غالب (خدمة المعرض) المعرض يلقي الضوء على مختارات من منجزات مجموعة العشرة (بينهم فنانون راحلون)، عبر مجموعة كبيرة من اللوحات والمنحوتات والوثائق التي تعكس الخط التصاعدي لتجاربهم بتحولاتها وتوجهاتها، وهي تغطي قرابة نصف قرن من الزمن، أقدمها يعود لسبعينيات القرن الـ20، بينما تكشف غالبية الأعمال المعروضة عن تجارب تعبر عن انتصارات للأساليب الفردية المواكبة لزمن ما بعد الحداثة وصولاً إلى المعاصرة. ما بين الماضي وتداعيات الحرب تحضر المرأة كركيزة في منحوتات محمد الحفار (1929- 1993)، إذ كان يؤمن أن المرأة هي شجرة الحياة الخالدة، إذ تتفتح مكامن العاطفة كحركة لأشكال تلتف كي تتوحد مع الوجود، وهي حالات منبثقة من إيماءات جسدها واقفة أو جالسة أو راقصة أو منتصبة في وجه الريح. وفي المعرض مختارات من منحوتاته الخشبية التي تمجد جمال عري المرأة. هذا الفنان الذي سعى طوال مسيرته إلى التحرر من قيود النحت ليصل إلى بلاغة الصفاء الشعري للشكل مما يفسر جلياً أسلوبه التجريدي الذي يومئ بالواقع. يعتبر عبدالرحيم غالب، أكثر الفنانين في مجموعة العشرة توغلاً في فلسفة جماليات الفنون الإسلامية، فهو من الأساتذة الكبار الذين غاصوا في تأويلات الحركة التجريدية الكامنة في الأشكال الهندسية والنباتية. يكشف معرض نابو عن لوحة جدارية بعنوان “اقرأ” تعتبر من أجمل اجتهاداته الحروفية المتصلة بالفن البصري المعاصر، وهي مؤلفة من 225 قطعة أردواز مربعة بالتساوي باللونين الأسود والأبيض، حفر عليها عبارة “البسملة” بالخط الكوفي، تشكل مسطحاً اردوازياً كبيراً وهي مرصوفة إلى جانب بعضها بعضاً، إذ تتكرر كأشكال ساكنة توهم بالحركة، نقرأ من خلالها وعن بعد كلمة “اقرأ”. عمل جداري للفنان عبد الرحيم غالب (خدمة المعرض) أما محمد غالب (1935- 2020) فهو من الفنانين المجددين للوحة التراثية، وهو من أوائل الفنانين الذين ارتبطت أعمالهم بذاكرة فنون مدينة طرابلس (الخط والزخرفة) وحكاياتها الشعبية. عالج في لوحات الغواش والمائيات مواضيع تراثية متنوعة، تمحورت حول المرأة وحكايات عنترة وقصص ألف ليلة وليلة بأسلوب يدمج بين مناخات المنمنمات والحروفية الارابسكية. قيمة أعماله لم تنحصر فقط في مظاهر الإتقان والدقة المتناهية في التخطيط والتلوين، بل في التعبير عن الموروث الشعبي كمنجز إبداعي من خلال الحفر على صفائح النحاس بطريقة النقش الناتئ المعالج باليد Bas relief)). في معرض متحف نابو لوحة جدارية رسمها فضل زيادة بالألوان الزيتية في عام 1971 بعنوان “محطة القطار” في طرابلس، تعبر عن مظاهر الحياة الخاوية وهجرات السفر في مشهد معلق بالفراغ. في تجاربه المتعاقبة أرسى زيادة أسلوباً خاصاً لتيمة الفضاء وعلاقته بالزمن، من خلال التجريد الهندسي، مستخدماً المربعات والمستطيلات والمكعبات أحياناً كأشكال موهومة للوجود وهي تعوم في مناظر متخيلة. تلك المناظر التي كانت سائدة في لوحاته عن كثبان الصحراء وشاطئ والبحر وسراب الأمكنة. بحث عن نقاء اللون وعن نقاء البناء المفتوح لمنظور الشكل الهندسي الموهوم في اللحظة الزائلة، مما أوصله إلى مرحلة “أيقونة الفضاء” التي تدمج بين نظامية الشكل الهندسي وارتجالية التلطيخ اللوني. منحوتة خشبية للنحات محمد الحفار (خدمة المعرض) “أنا لا أؤمن بالسياسة أؤمن بالثقافة” هو شعار لوحة جدارية لفيصل سلطان، جمعت في سرديتها شتات الذاكرة التي تعود لأوائل السبعينيات، التي عاشها الفنان كما لو أنها قصة حب، تمثل بريق بداياته مع عالم الفن قبيل الحرب الأهلية، ومن ثم على امتداد سنوات العمر حتى عام 2010. يبنى هذا العمل المفاهيمي على بطاقات الدعوات إلى معارض الفنانين، التي تتشابك وتنتظم لتشكل خريطة بيروت الثقافية، بدلاً من الخريطة السياسية للمدينة، بما يحمله هذا الإبدال من مواقف مضادة للحياة السياسية التي أدت إلى حروب متتالية يشهد عليها تمثال الشهداء بصمت. مع توقيعات زمن العولمة انمحت تلك البطاقات من التداول كي تصبح الدعوات إلى المعارض الفنية تتم عبر البريد الإلكتروني، مما حول بطاقة المعرض إلى أثر مفقود. لعل من أكثر فناني جماعة العشرة شغفاً باللون هو محمد عزيزة، إذ ذاعت شهرته منذ السبعينيات كرسام بورتريه. امتازت أعماله بتجسيد معالم الحياة المدينية في طرابلس التي واظب على رسم أسواقها وشرفاتها وعماراتها التراثية المفتوحة على فضاءات من حدائق الخيال وصواعق اللون وانفجارات الضوء. في معرض نابو مختارات من الأعمال التي جسد فيها إحساسه بالديمومة “السيزيفية” في معايشة صدمات الحروب وكوارث الهجرات بأسلوب تعبيري خيالي، مدن هاربة وعائمة في الفضاء ورغبة وجودية في سحبها وإعادتها. في كل لوحة يبرز تشكيل التلطيخ اللوني مرهوناً بالحركة الانفعالية للارتجال. فنان وشاعر هو عدنان خوجة، جمع في قصائده كما في لوحاته بين تيمات الحرب والموت والهجرة. ذلك ما يفسر سر انشغاله في الجمع بين المتخيل الشعري والتركيب – البصري في مجال اللوحة النافرة و”الكولاج” والنحت. فهو في لوحات الكولاج لا يكتفي بملاحقة فرضيات إعادة تركيب الحدث الراهن وإنما يواجهه بحرية في التأليف سعياً إلى اقتناص تناقضات الأحداث وأبعادها في لحظاتها الخاطفة، فالتقطيع لصور الحرب المقتطفة من الصحافة العربية والأجنبية يأتي بمثابة تفكيك مقصود من شأنه أن يمنح مشهدية تعكس جماليات عبورها من الزمني إلى اللازمني – المتحول. 50 عاماً مرت على المجموعة التي تناقص عدد فنانينها، فمنهم من رحل ومنهم من انكفأ وهاجر ومنهم من يزاول مساره الفني. بين الماضي والحاضر، شيء لم ينقطع ألا وهو حبل الصداقات بين الفنانين، الذي يرواح بين استمرار وانقطاع وحضور وغياب ونرجسية وهواجس وذكريات. المزيد عن: رسامون لبنانيونفن تشكيليالهوية الفنيةمجموعة تشكيليةمعرض جماعيمتحف نابوفن لبنانيطرابلس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post نحو ترسيخ العلاقة بين اللغة العربية والأجيال الجديدة next post لبنان: المتفجرات زرعت في أجهزة الـ”بيجر” قبل وصولها إلى البلاد You may also like “الذراري الحمر” يحصد جائزة “أيام قرطاج” وضجة حول... 23 ديسمبر، 2024 أوديب: الأسطورة المتجددة عبر العصور 23 ديسمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: مشير عون يكشف ركائزه... 23 ديسمبر، 2024 سينما “متروبوليس”… صرح ثقافي يعيد الحياة لبيروت 23 ديسمبر، 2024 محمد علي اليوسفي: كل ثورة تأتي بوعود وخيبات 22 ديسمبر، 2024 سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان 22 ديسمبر، 2024 حين انطلق “القانون في الطب” غازيا مستشفيات العالم... 22 ديسمبر، 2024 “انقلاب موسيقي” من إيغور سترافنسكي في أواخر حياته 21 ديسمبر، 2024 الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في “الذراري... 21 ديسمبر، 2024 “هند أو أجمل امرأة في العالم” لهدى بركات:... 21 ديسمبر، 2024