كورزيو مالابارتي (1898 – 1957) (موسوعة الأدب الإيطالي) ثقافة و فنون الفاشي مالابارتي أول من تنبأ بأن النازيين سيخسرون أمام روسيا by admin 4 سبتمبر، 2024 written by admin 4 سبتمبر، 2024 82 صاحب “الجلد” و”كابوت” يوجه تحياته الصادقة إلى أعدائه الحمر والرقابة في المرصاد لتنظيف رسائله اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب كان الكاتب الإيطالي كورزيو مالابارتي (1898 – 1957) واحداً من أوائل الشبان الإيطاليين الذين انتموا إلى الفاشية وباتوا يحلفون بحياة موسوليني ولكن أكثر منه بحياة هتلر. بل كان ذات عام من أعوام البدايات، الكاتب المعروف الأول في دفاعه عن كل ما يفعله الفاشيون وحلفاؤهم النازيون مهما كانت قسوته. ولعل قراءتنا لروايتيه الرئيسيتين “الجلد” و”كابوت” كافية لتوضيح ذلك كله وتوضيح أسبابه، ومتابعتنا سيرة ذلك الكاتب المبدع كافية لجعلنا نغوص من دون كبير لوم له في ذلك الاختيار الذي كان بالنسبة إليه بديهياً. ومع ذلك سوف يدهشنا كيف أن مالابارتي ومنذ عام 1942 ومن دون أن يغير توجهه السياسي، كان من أوائل الذين حسموا الأمور و”قرروا” أن ألمانيا سوف تخسر الحرب بدءاً مما سيحل بها من هزائم تحديداً في حربها ضد “البروليتاريا” الروسية. وفي ذلك الحين كانت القوات النازية تندفع عابرة العديد من بلدان أوروبا الشرقية ربطاً لقواتها بتلك التي كانت قبل ذلك قد اجتاحت الاتحاد السوفياتي. الكاتب يحسم الأمر باكراً في تلك السنوات المبكرة كان الجميع على يقين من أن الانتصارات التي تحققها القوات النازية راسخة ونهائية. لكن مالابارتي “حسم” الأمر. وهو حسمه من منطلقين أولهما منطلق يقينه من أنه لن يكون في مقدور الجحافل الألمانية أن تواصل تقدمها على رغم أنه كان يبدو أمراً سهلاً؛ وثانيهما منطلق ما رصده بنفسه من “دفاع البروليتاريا السوفياتية عن الوطن دفاعاً شرساً ينبئ بأنه سيكون من المستحيل أن ينتصر النازيون عليها”. ولكن بأية صفة كان مالابارتي يتكلم و”يقرر” و”يحسم”؟ بصفته صحافياً يرافق القوات الألمانية ولكن كذلك الرومانية والإيطالية والفنلندية المتحالفة معها على طول نهر الفولغا ملتفة في نهاية الأمر من حول مدينة لينينغراد المحاصرة. والحال أن مالابارتي راح يروي ذلك كله في تلك المقالات التي كان يبعث بها إلى الصحيفة التي انتدبته للقيام بتلك المهمة: صحيفة “كورييري ديلا سيرا” التي كانت تتوقع بالضبط من مراسلها الحربي أن يبعث مطولات مطمئنة تتابع سيرورة الحرب وتؤكد أن الروس خاسرون لا محالة. وهو فعل ذلك على أية حال، ولكن أول الأمر فقط كما يشهد كتاب صدر له بعد سنوات طويلة من نهاية الحرب العالمية الثانية بعنوان “الفولغا ينبع في أوروبا”. ولكنه بعد ذلك بدأ يتجه بمقالاته وجهة مغايرة تماماً. وجهة كان من شأنها أن تشي بأن الكاتب بدل من سياسته أيديولوجياً وفكرياً. لكنه في الواقع لم يبدل. حصار لينينغراد كما عايشه مالابارتي (غيتي) رغم الفاشية كل ما في الأمر أنه كان ثاقب النظر على رغم فاشيته وعرف كيف ينظر إلى ما يدور من حوله بموضوعية ربما تكون مغرقة في برودتها. ومن هنا، عدا عن القيمة الكبيرة من الناحية الأدبية لكتابات الحرب المالابارتية تلك لن يفوت كثراً من النقاد الذين علقوا على الكتاب أن يقولوا أن “الفولغا ينبع في أوروبا” كان سيبدو منتمياً إلى أسلوب فكتور هوغو في كتاب هذا الأخير “أمور شوهدت” حيث يصر الكاتب على تصوير الحقيقة حتى وإن كانت تخالف كل فكره ومعتقداته. ومع ذلك قد يكون من الإنصاف أن نقول إن العدد الأكبر من نصوص الكتاب كان من شأنها أن تبدو بروليتارية الهوى “حمراء الهوية” بل “مغرضة أيديولوجياً في نظرتها إلى أعداء القضية النازية – الفاشية” لولا بعض تعبير يحاوله مالابارتي في إبداء حسرته على ذلك الواقع الذي بات يساند توقعاته ويخالف جوهر معتقداته. ففي نهاية الأمر، حتى جماعة “كورييري ديلا سيرا” في ميلانو لفتوا نظر مراسلهم إلى “صعوبة ما تشي به رسائله من الجبهة” لكنهم لم يفعلوا أكثر من ذلك. فهم يعرفون مراسلهم جيداً ولا يمكنهم دمغه بالخيانة، ويعرفون عن نزاهته ما يحول بينهم والاعتقاد أنه يكذب في رسائله. ثم أن القراء كانوا يتابعون تلك الرسائل بشغف. قطع أدبية مميزة وذلك لأن مالابارتي عرف هنا على رغم النار والدماء والدمار وتساقط القتلى من الأطراف كافة، من حوله، عرف كيف يجعل رسائله قطعاً أدبية من طراز رفيع. ولا سيما حين كان ينصرف في زحمة كتاباته الإخبارية، إلى التحول إلى ذلك الحكواتي من مستوى رفيع وإلى متحدث مدهش عن الطبيعة وطوبوغرافية الأمكنة من حوله وتفاعل الجنود، المهاجمين ولكن المدافعين أيضاً، مع تلك الطبيعة وتلك الأماكن. ولا سيما مع روائح الأمكنة والطبيعة التي راح يبدع في وصفها بدءاً من مزارع التوابل وحوانيت النباتات في الأرياف الرومانية، وصولاً إلى ضفاف نهر الفولغا والغابات المتجمدة في محاذاة بحيرة لادوغا. كان من الواضح أن ذلك كله فتن مالابارتي جاعلاً إياه يتساءل عما يفعله الجنود المدججون بالسلاح هنا؟. ومثل هذا السؤال تمكن من أن يحول الحكواتي الذي تقمصه مالابارتي في وصفه للأمكنة ولعبور الجنود بها، إلى مفكر يطرح على نفسه وعلى نصوصه أسئلة أكثر عمقاً وتشعباً. مفكر “لم يعد يكفيه أن يكتب تقاريره واصفاً فيها ما يحدث من حوله” بل يريد الآن أن يفسر تلك الأحداث. وفي هذا الإطار كانوا على حق رؤساؤه في ميلانو الذين بدأوا على ضوء ذلك كله يقولون إن كاتبهم الفاشي الكبير بات يبدو وكأن الشيوعية قد سحرته. الرقابة تتدخل أخيرا ولقد زاد يقينهم هذا حين راح يبدو في رسائله وكأنه بات متيقناً من أن الألمان وحلفاءهم سوف يخسرون الحرب لا محالة في مواجهة الاتحاد السوفياتي. لماذا؟ كما سيقول لاحقاً من دون أن تبدو عليه أية ردود فعل عاطفية خاصة، لأنه رأى البروليتاريا السوفياتية عن قرب. وبات يرى أن الإنصاف يقتضي منه الآن، أي بدءاً من مقالاته في عام 1942 يوم كان اليقين مستتباً من أن تضحيات تلك البروليتاريا لن تجدي نفعاً في مواجهة جبروت النازيين والفاشيين، أن يقول ما كان يراه بأم عينيه. ولعل ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن رؤساء مالابارتي في “كورييرا ديلا سيرا” وبعد تردد طويل وإذ راح مراسلهم الحربي “يبالغ” في حديثه عن بطولات تلك البروليتاريا، رأوا أنفسهم مجبرين على فرض رقابة صارمة تتشدد أكثر وأكثر على رسائله حتى وإن لم يصلوا، كما أسلفنا، إلى اعتباره عدواً أحمر. فكورزيو مالابارتي هو كورزيو مالابارتي ولا يمكنه أبداً أن يكون موضع شك ومتهماً بالخيانة حتى وإن كان يكتب فقرات تستحق الحذف الرقابي كما في النص التالي الذي يمكن اليوم قراءته إلى جانب مئات الفقرات الأخرى التي كان مديرو الصحيفة يحذفونها وعلى الأقل خوفاً من تدخل الرقابة السياسية التي كانت دائماً بالمرصاد: “… إن الكتلة الأكبر من قوات المشاة التي كانت تهاجمنا تتألف من وحدات الجيش الأحمر النظامية، لكن هذا لا يمنع من أن لب القوات المهاجمة كان يتألف من العمال وبحارة الفولغا العاديين”. الخسارة الحقيقية ويتابع مالابارتي في هذه الفقرة نفسها: “من هنا بدا الأمر وكأن ما يحدث مذبحة ضحاياها من العمال البروليتاريين كما من التقنيين الذين يوصفون عادة بأنهم زهرة المهارة السوفياتية. وهنا إذا أدركنا الجهود التي تبذل، والكفاءات التي تنمى والتضحيات التي تتراكم وسنوات العمل التقني التي تنفق في سبيل تحويل الفلاح الروسي البسيط والعامل العادي أو المساعد العادي إلى تقني بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي بالمعنى الحديث للكلمة، سيدركنا الرعب الحقيقي أمام مشهد المقبرة الجماعية التي شهدناها بأن أعيننا تضم ألوف العمال الرائعين وقد تحولوا جثثاً ضائعة (…) ويقيناً أن ما تشهده لينينغراد أكثر من أية بقعة أخرى من بقاع الأرض الروسية الفسيحة بلا حدود، ونشهده نحن معها بأم أعيننا إنما هو ألوف العمال الذين يحاربون مكافحين ويموتون أبطالاً في سبيل الدفاع عن ثورتهم”. ترى أمام مثل هذا الكلام كيف كان في وسع أحد أن يصدق أن كاتبه كان حقاً فاشياً ومن أوائل الإيطاليين المعتنقين النازية الهتلرية… وأنه ظل هكذا حتى أيامه الأخيرة من دون أن يفوته وهو يسعى لجمع رسائله الحربية أن يبذل جهوداً خارقة كي يعيد إليها تلك الفقرات المحذوفة من قبل الرقابة والتي يمكن للفقرة الواردة قبل سطور أن تكون نموذجاً عليه؟… المزيد عن: الكاتب الإيطالي كورزيو مالابارتيالفاشيةالنازيةالجيش الأحمرالحرب العالمية الثانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الروائيات يسطيرن على المشهد السردي باللغة الألمانية next post سيلفيا بلاث بين الأسطورة والحقيقة المؤلمة You may also like كيف تستعيد الجزائر علماءها المهاجرين؟ 12 نوفمبر، 2024 مثقفان فرنسيان يتناقشان حول اللاسامية في “المواجهة” 12 نوفمبر، 2024 مكتبة لورين غروف تتحدى حظر الكتب في أرض... 12 نوفمبر، 2024 800 صفحة تتسلل إلى مجاهل العقل النازي 12 نوفمبر، 2024 أنطونيو سالييري… بين العبقرية المظلومة والغيرة القاتلة 12 نوفمبر، 2024 رسائل تنشر للمرة الأولى… حب مستحيل لأراغون 8 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: في “معا في الجنون”... 8 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: بعلبك… آن لروح الشعراء... 8 نوفمبر، 2024 من “المراهق العزيز” الذي صاغ نصوص دا فنشي... 8 نوفمبر، 2024 “آخر المعجزات” يعيد سجال السينما المصرية وعيون الرقيب 8 نوفمبر، 2024