الفاتيكان أصغر دولة في العالم ومن بين الأكثر تأثيرا (غيتي) عرب وعالم الفاتيكان… دولة الكاثوليك الروحية by admin 21 أبريل، 2025 written by admin 21 أبريل، 2025 22 كيف تحولت الكنيسة إلى دولة ومن منح رأسها لقب “بابا” ومن أين يستمد قوته الظاهرة والخفية؟ “اندبندنت عربية “ “أعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فما ربطته على الأرض يكون مربوطاً في السموات، وما حللته على الأرض يكون محلولاً في السموات”. إنجيل متى : 19- 18 من البابا الروماني الكاثوليكي؟ ومن أين يستمد الرجل سلطته الروحية ونفوذه السياسي، الأمر الذي يجعل من البابوات، حقاً، “أسياداً على السماء والأرض”؟ لا يرى كثيرون في البابا سوى الرجل ذي الرداء الأبيض، غير أن البابوية قصة طويلة جداً، ونحن هنا، مرة أخرى، لسنا في مقام التأريخ لها، فذاك أمر يحتاج إلى موسوعات قائمة بذاتها، بل هي فقط محاولة متواضعة لضبط المعاني وإعادة بسط المباني لغير المتخصصين في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. يمكن القول، في تبسيط غير مخل بحسب المفهوم المسيحي الكاثوليكي، إن البابا هو الرئيس الروحي الأعلى للكنيسة الكاثوليكية، ويتمتع بصفات عدة، فهو خليفة القديس بطرس، ونائب المسيح على الأرض، وأسقف روما، وبطريرك الغرب، ورأس الكنيسة المنظور، ويلقب كذلك بالحبر الأعظم والأب الأقدس، وصاحب القداسة، ويحمل أيضاً لقب “سيد أو ملك الفاتيكان”. ترجع كلمة بابا في الأصل إلى اللغة اليونانية، وتعني الأب، ولم يوصف رئيس الكنيسة الكاثوليكية بهذا الوصف إلا بداية من عام 385م، في عهد البابا “سيريقيوس” الذي استمرت حبريته، أي رئاسته الروحية للكنيسة الكاثوليكية من (384م) إلى (399م)، الذي أشار إلى نفسه باسم “البابا”. وهو، بوصفه خليفة بطرس، راعي خراف المسيح الأول على الأرض بحسب التقليد الكاثوليكي، متحداً بذلك مع سائر الأساقفة والكهنة، واستناداً إلى ما ورد في إنجيل القديس متى، فكل ما يحله على الأرض يكون محلولاً في السماء، وكل ما يربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء. وتعد قرارات البابا المتصلة بالشؤون الإيمانية وكذا العقائدية، معصومة من الخطأ وغير قابلة للنقض، وهي قرارات عادة ما يطلق عليها “قرارات مجمعية”، أي أنها تصدر عن تجمع الأساقفة الكاثوليك من حول العالم، والتئام شملهم برئاسة البابا للوصول إلى رؤية إيمانية جديدة ومعمقة حول قضية لاهوتية بعينها، ومن أهم المجامع الكنسية التي بلورت رؤية عصرانية للكنيسة، ومواكبة للأزمنة الحالية، المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. أما في ما يخص القضايا الزمنية اليومية فهو قابل للخطأ، وغالباً ما يمارس سر الاعتراف والتوبة على يد كاهن من الرهبنة اليسوعية، ولكونه أسقف مدينة روما فهو يمارس صلاحيات الأسقف على المدينة المقدسة، ويشكل الكرادلة والأساقفة ما يعرف باسم “الرؤية المقدسة” (Sancta sedes). مجمع الكرادلة “كونكلاف” الذي ينتخب بابا الفاتيكان (الموسوعة البريطانية) من بطرس إلى فرنسيس الأرجنتيني يبلغ عدد البابوات الرومان الكاثوليك، حتى يومنا هذا، نحو 265 بابا، أولهم القديس بطرس كبير الحواريين، وهامة الرسل، الذي استشهد على جبال روما، وتلالها السبع، وآخرهم هو البابا “فرنسيس”. والقصر الذي يعيش فيه البابا حالياً، ويستقبل فيه كبار زواره من رؤساء العالم، بدأ تشييده البابا “سيماكوس” (498 – 514) في عام 505م، وتولى خلفاؤه من بعده توسيعه على مر السنين. يتم انتخاب البابا عن طريق ما يعرف بـ”المجمع المغلق” أو “الخلوة الكنسية” Conclave، ومن لحظة وضعه خاتم بطرس الصياد في يده وارتدائه الثوب الأبيض، يتمتع بصلاحيات واسعة، غير محدودة في “دولة الفاتيكان”، بيد أن هذه الصلاحيات نظرية، وتتركز الصلاحيات التشريعية في ما يخص الكنيسة بالمجامع المقدسة، أما الأمور التنفيذية فتشكلها مجامع الفاتيكان، أو وزاراتها بعد استشارة البابا وموافقته، ويطلق على الحكومة داخل حاضرة الفاتيكان الـ”كوريا الرومانية”. يغير الأسقف المنتخب بابا للكنيسة عادة اسمه، ويختار اسم أحد القديسين لحبريته، غير أنه من الملاحظ أن أحداً لم يختر اسم بطرس إجلالاً وتقديراً للرسول الذي بشر بالمسيحية في روما القائمة تحت نير الإمبراطور الروماني نيرون، وهناك استشهد مصلوباً منكس الرأس، وجرى تاريخياً انتخاب أسقف يحمل اسم بطرس للبابوية في القرن التاسع الميلادي، غير أنه لم يحمل معه الاسم إلى السدة البابوية، واختار اسم البابا “سيرجيوس الثاني”، كان ذلك عام 844م. يبلغ عدد الباباوات الذين جرى إشهارهم قديسين نحو 79 بابا، وأطول مدة الحبريات البابوية هي للبابا “بيوس التاسع”، ومدتها نحو 32 عاماً، من عام 1846 إلى 1878، وأقصرها للبابا إسطفانوس الثاني ومدتها يوم واحد في عام 852، ودامت حبرية تسعة باباوات أقل من شهر، و39 بابا أقل من عام. ويمكن النزوع إلى أن التأسيس الأول للبابوية كان من خلال تسليم السيد المسيح الرئاسة للقديس بطرس، “أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”. هذا التسليم يمثل ببساطة القاعدة الباباوية من حيث هي ظاهرة وحقيقة عبر التاريخ، ومن هذا التسليم يستمد البابا حضوره الروحي، أي ما هو فوق التاريخي، فعلى رغم أن نواب يسوع المسيح الذين يشكلون قاعدة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تاريخيون لكونهم من البشر الفانين الذين نقلت إليهم الوكالة، فإنهم منصبون مباشرة من الله (بالمفهوم اللاهوتي)، أي إنهم متجاوزون في الوقت ذاته عامل الزمن واضطراباته ومتاهاته. الكرسي الرسولي في الفاتيكان (الموسوعة البريطانية) البابوية ومواجهة عواصف الزمن والشاهد أنه إذا كان هناك ثمة رسالة توصلها إلينا كل أعمال البناء واللوحات البابوية على مدار القرون، فإنه يمكن لها أن تكون على هذا النحو: “البابوية يمكن للأحداث التاريخية بأمواجها العالية أن تهزها وتدفعها تائهة، غير أنها تبقى على رغم كل الصخب قوة في هذا العالم، ثابتة وغير محطمة، لأنها تستطيع دوماً في الحالات الحرجة أن تستدعي لدعمها قوى السماء”. هذا الموقع السماوي هو فوق العالم، فوق الكنيسة، وفوق حكام المسيحية الأرضيين، وهو يحذر الحبر الأعظم في حالات الضعف الأخلاقي، وفي حالة عدم القيام بالواجب على نحو كاف. هذا الموقع السماوي يعاقب وفي الحالات القصوى يعزل أيضاً، وهذا ما وسم تاريخ الباباوية الأوروبية بطرق شتى. لم يكن غريباً أو مثيراً أن تشهد البابوية قديسين وخطأ، فقد ظلت منذ ألفي عام سلسلة متصلة من البابوات من دون انفصام، إذ شملت أكثر من بابا مبجل، مثل بطرس ويوحنا بولس الثاني، وآخرين ساء صيتهم بفعل خطاياهم. كان القديس غريغوريس الأكبر هو أول راهب يتقلد منصب البابا، ووحد الأراضي البابوية، وساعد في إحداث نقلة في اهتمامات الكنيسة من الإمبراطورية الرومانية المتلاشية إلى أوروبا الغربية، مما مهد لانتشار المسيحية في أراضي الجزر البريطانية. أحد الأسئلة المثيرة للباحث في شأن البابا والبابوية، هل كانت روما ومنذ ألفي عام هي المقر الوحيد الثابت للبابا؟ الشاهد أنه في خضم الاضطرابات السياسية في إيطاليا عمد البابا كليمنت الخامس إلى نقل مقر البابوية إلى أفينيون، إيذاناً ببدء فترة من النفوذ الفرنسي، وعمل على توجيه اهتمام المحاربين من الدول الأوروبية المتناحرة إلى حملات الفرنجة كما سماها العرب، أو حملات الصليبيين كما أطلق عليها الأوروبيون. منذ القرن الأول الميلادي وجد حكام روما في التأثير المتنامي للكنيسة إبان قرونها الأولى تهديداً لهم، وتعرض أتباع الكنيسة للسجن أو القتل، إذ كانوا يرفضون المشاركة في تقديم القرابين للآلهة الوثنيين وغيرها من طقوس الدولة. غير أنه مع اعتناق الإمبراطور قسطنطين المسيحية عام 312 ميلادية، أضحت روما مركز العالم المسيحي الجديد، والمقر الأول والأخير للبابوية. الصورة الشهيرة للبابا بيوس الثاني بعد قصف روما عام 1043 (موسوعة الحرب العالمية الثانية) علاقة البابوية بالعاصمة الإيطالية روما كانت علاقة البابا الروماني الكاثوليكي بروما خصوصاً وإيطاليا عموماً هي علاقة عضوية، وهذا ما يبينه الكاتب الألماني هانز يواكيم فيشر في كتابه “بين روما ومكة البابوات والإسلام”، ذلك أن أحداً لم ينس لا في روما ولا في إيطاليا على الإطلاق، ما حدث يوم الإثنين الـ19 من يوليو (تموز) من عام 1943، ففي ذلك اليوم الصيفي الحار، شنت 500 طائرة حربية للحلفاء هجوماً جوياً على روما عاصمة مملكة إيطاليا بأمر من الديكتاتور الفاشي موسوليني، وكان هدف قنابلها تدمير محطة قطارات “تيبورتينا”، التي كانت تشكل مركزاً مهماً لنقل القوات الإيطالية والألمانية الحليفة لها. لكن القنابل أصابت قبل كل شيء، المباني السكنية المجاورة، وكنيسة سان لورينزو فوري ليمورا. عندما شاهد البابا بيوس الـ12 الدمار الذي كاد يقضي على المدينة الخالدة، روما العظيمة، رفع يديه عالياً إلى السماء بينما كان يحيط به جمع من المؤمنين، وعلى الفور التقطت صورة تذكارية للمشهد فأصبحت تاريخية. كان تأثير الصورة عظيماً في أوروبا عموماً وفي إيطاليا خصوصاً، فبعد أقل من أسبوع أحبط بموسوليني، لأن الإيطاليين لم يرغبوا في ترك مدينتهم الجميلة الخالدة تتعرض للدمار. أدى تحول مملكة إيطاليا إلى الاصطفاف إلى جانب الحلفاء إلى إنقاذ الأحياء الداخلية للمدن الإيطالية التاريخية من الخراب الهائل، على عكس ما لحق بالمدن الألمانية، وهكذا ظهر البابا أسقفاً لروما، ولقبه الخامس رئيس أساقفة إيطاليا بوصفه حامي حمى المدينة والبلد في أعين الإيطاليين. هذا كان الحال منذ قرون طويلة، بعد أن تحول البابا من رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية فحسب، كما كان الحال في العصور الوسطى، إلى سيد تلال المدينة السبعة وسيد البلد، أي سيد دولة الكنيسة في إيطاليا الوسطى بوصفه وريثاً للقديس بطرس. إنه كان يشعر بمسؤوليته عن إيطاليا لكونه رئيساً روحياً لإيطاليا، بل لكونه بطريرك العالم الغربي، ورئيس الكنيسة اللاتينية في الغرب، بموازاة الكنائس الشرقية، وقياصرة الشرق البيزنطيين في القسطنطينية حتى عام 1453م. غير أن البابا بندكتوس الـ16، أوقف في عام 2006 استخدام لقب الشرف: “بطريرك العالم الغربي” وصفاً لأسقف روما، معبراً عن الاحترام لبطاركة الشرق الأربعة: القسطنطينية، وأنطاكية، والإسكندرية، والقدس. منذ أواخر القرن الـ19 تقريباً فقدت البابوية أملاكها الشاسعة وسلطتها المدنية، وإن بقيت لها بلا شك السلطة الروحية، مما دعا كثيرين إلى أن يتساءلوا هل البابا بالفعل شخصية اعتبارية مهمة جداً على النحو الذي نراه ويراه العالم، على رغم فقدانه لتلك السلطات الزمنية السياسية في إيطاليا وعموم أوروبا؟ عناصر ورموز كثيرة تعزز سلطة البابوي الروحية (متحف التاريخ البابوي) البابوية قوة إقناع ونفوذ معنوية أحد أفضل الذين تصدوا لهذا السؤال كان “جورج ويغل” عالم اللاهوت الكاثوليكي الأميركي، وكاتب سير البابوات، وعنده أن نفوذ البابوية الحديثة وسحرها من المفاجآت التاريخية، ذلك أنه عندما انتخب البابا ليون الـ13 عام 1878، وكان أول بابا منذ 1100 عام لا يسيطر على أراضي واسعة ذات سيادة معترف بها دولياً، ظن كثيرون أن البابوية باتت مفارقة تاريخية بلا حول ولا قوة، غير أن “ليون” أرسى قواعد البابوية الجديدة، باعتبارها مركزاً يتمتع بسلطة إقناع معنوي. يتذكر المرء في هذا السياق ما ذكره المؤرخ الأميركي الكبير “ول ديورانت” صاحب موسوعة قصة الحضارة من أن المؤسسة الرومانية الكاثوليكية هي أهم مؤسسة بشرية عرفها التاريخ لتراتبيتها، وتسليمها الذي لم ينقطع على رغم أوقات الضعف التي كانت تليها دوماً فترات ازدهار روحي وأدبي، وأخلاقي وإنساني. ولعل الذين يشاهدون بابا روما من غير أهل الاختصاص التاريخي أو اللاهوتي، لا يدركون المعاني التي تحملها الشارات البابوية كالملابس والحلي، وهي جزء من إجراءات طقسية، ترمز ليس فقط إلى أهمية حامل الوظيفة وهيبته، وإنما إلى سلطة المؤسسة البابوية وقوتها، وعلى هذا الأساس تبقى تلك الشارات علامات سيطرة ونفوذ أيضاً. وفي المقدمة منها عصا الراعي وخاتم الصياد والوشاح المعروف في اللغة العربية بـ”الباليوم”، عطفاً على غطاء الرأس المخروطي الأبيض. أما عصا الراعي وتسمى أيضاً “فيرولا”، فهي معروفة منذ القرن السابع، وتتميز عند الأساقفة باعوجاج نهايتها، بينما هي عند البابا مستقيمة، وتنتهي في الأعلى بالصليب وتسلم له بصفته أسقف روما بعد استلامه ملكية قصر لاتيران، وبعد أن يكون أصبح بابا. تسلم العصا إلى الأساقفة بعد أن يكونوا رسموا في وظيفتهم الرعوية الكهنوتية، مع الخاتم، ولكن خاتم البابا خاتم مميز، إنه خاتم صياد السمك، دلالة أو كناية عن بطرس الرسول، المستعمل منذ منتصف القرن الـ15، حتى الساعة. وعلى هذا الخاتم يحفر اسم البابا وصورة الرسول بطرس، وهو يجر شبكة مليئة بالأسماك إلى القارب، ويسلم إليه فور انتخابه، وعند وفاته يكسر هذا الخاتم (الخاص به وحده). أما الوشاح أو “الباليوم” فيحيط بالرقبة والكتف، وعرضه نحو 4 – 6 سم، وهو وشاح تكريم أبيض اللون، مزين بستة صلبان سوداء، كانت تصنع في الماضي من الحرير الأحمر. ويجب أن يأتي الصوف المصنوع منه الوشاح من خروفين أبيضين يباركان في يوم الـ21 من يناير (كانون الثاني)، وهو عيد الشهيدة القديسة “أغنيس” – Agnes، ويكون ذلك في الكنيسة التي تحمل اسمها. يرمز الوشاح إلى وظيفة الراعي، وعليه أن يذكر بالراعي المسيح الذي حمل الخروف على كتفيه. في البدء كان “حمل الوشاح” محصوراً بالبابوات فقط، ولكنه لاحقاً أضحى يمنح لكبار الأساقفة أيضاً، الذين يجب عليهم خلال ثلاثة أشهر من سيامتهم في مناصبهم، أن يتقدموا من البابا بطلب رجاء منحهم الوشاح. أما القلنسوة المخروطية الشكل البيضاء التي تشبه الخوذة، فلم تعد مستعملة الآن، وهي معروفة منذ القرن السابع، وتعود جذورها لقلنسوة مخروطية كان يستعملها في العهد القديم الكهان والملوك والمحاربون وسميت “كاملاوكوم”. كان يحيط بها، منذ القرن التاسع حتى القرن الـ11، تاج دائري كالسوار، ولاحقاً أضاف البابا “بونيفاس الثامن”، سواراً آخر، وفي وقت لاحق أضيف من جديد سوار آخر، وأصبحت هذه القلنسوة، ذات التاج ثلاثي الدوائر، رمزاً لسلطة الباباوات الأرضية. الكرادلة جزء من حضور الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان وعلى امتداد العالم (رويترز) تاج البابا يباع من أجل الفقراء لهذا السبب خلع البابا بولس السادس عام 1964 هذه القلنسوة، وبذلك أراد أن يؤكد الجانب الروحي من وظيفته، وترك “تاج البابا” يباع في مزاد علني لصالح الفقراء. وثمة ضمن الشارات الفاتيكانية التي تغمض على ملايين حول العالم ما يعرف بـ”بوتيستاس كلافيس” Potestas Clavis، التي تعني “سلطة المفتاح” إشارة إلى سلطان الحل والربط الممنوح من السيد المسيح للقديس بطرس، وتظهر هذه المفاتيح متصالبة في شعار دولة الفاتيكان مقر سكن البابا. وتحت تفويض “سلطة المفتاح” تقع وظيفة التعليم الكنسية، وهي تعني تفويضاً باتخاذ قرارات متعلقة بأمور العقيدة والتعليم، بدائرة التطويب، وبسلطة المباركة للبابا التي من خلالها يسمى الأساقفة، وحكومة الكنيسة المرتبط بها إصدار القوانين والإدارة والقضاء. هناك كذلك “البركة البابوية”، وقام البابا “بونيفاس الثامن” بإعطائها للمرة الأولى في عام 1300م، بمناسبة عام اليوبيل، وحتى هذا اليوم لا تزال هذه البركة البابوية، أو البركة الرسولية يمنحها الباباوات في الأعياد الكبرى، مثل عيد الفصح أو الميلاد، ويطلق عليها “Urbi et orbi”، إلى مدينة روما وكل العالم. منذ عام 1939 سمح الكرسي الرسولي، باستقبال هذه البركة عن طريق الإذاعة، واعترف بها كذلك في حال البث التلفازي منذ عام 1985. إحدى القضايا الجوهرية التي تشكل التباساً لمن هم غير كاثوليك سواء من المسيحيين أم من سواهم، قضية العصمة التي أشرنا إليها سريعاً في السطور السابقة، غير أنها في حاجة إلى مزيد من التأصيل. كان ذلك في عام 1870، بعد أن سيطرت الجمهورية الإيطالية على مقدرات دولة الفاتيكان، ولهذا قرر المجمع المسكوني الفاتيكاني الأول إعلان عصمة قرارات البابا التعليمية. جاء في هذا الشأن المسمى Constitutiu pastor a eternus ما يلي: “عندما يعلن البابا بصفته صاحب المعتقد التعليمي، قراراً مستمداً من سلطة المقعد (Excathedra) إبان ممارسته وظيفته راعياً ومعلماً لكل السلطات الكنسية العليا، فإن هذه التعاليم المتعلقة بأمور المعتقد والعادات الأخلاقية، تملك الدعم الإلهي، الذي منح للرسول بطرس، وهي (القرارات) المعصومة (عن الخطأ)، لأن المخلص الإلهي – بحسب المفهوم الكاثوليكي – زود كنيسته بما يلزم من أجل التعريف والتعليم الصحيح، في ما يتعلق بأمور المعتقد والأخلاق، وبناء عليه فإن هذه التعريفات من البابا الروماني غير قابلة، من ذاتها للتغيير”. كذلك يكون قرار مجمع الأساقفة التعليمي معصوماً، عندما يجتمعون في مجمع، ولكن على هذا القرار أن يكون متفقاً عليه بالإجماع وبموافقة من البابا. وفي عام 1964 وافق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني على قضية العصمة من جديد، التي تعد حتى اليوم جزءاً من القانون الكنسي. الكنيسة… الدولة المؤكد أن هذه لمحة سريعة عابرة، لأهم ما يدور في داخل أروقة البابوية، تلك القصة التي شارك في نسجها عبر ألفي عام مئات من البابوات وآلاف من الأساقفة ومئات الآلاف من الكهنة والرهبان والراهبات، عطفاً على ملايين من المؤمنين في بقاع الأرض الأربع. تستمد البابوية قوتها من أتباعها المنتشرين في ست قارات الأرض، ويبلغ تعدادهم اليوم نحو مليار و400 مليون نسمة، ولهذا السبب تكتسي نوعاً من الحضور السياسي حول العالم من خلال انتشارها الواسع. غير أن الأمر هنا ليس فقط حديثاً دينياً، لا سيما أن الفاتيكان يعد دولة مستقلة منذ اتفاق “لاتيران” الذي عقد عام 1929، بين الكرسي الرسولي وجمهورية إيطاليا. هذه الدولة الأصغر حول العالم، لا تزيد مساحتها على نصف كيلومتر مربع، لكنها تتمع بما يعرف في القانون الدولي بـStatus Quo أو “الوضع الخاص”. هذا الوضع يمكنها من التمثيل الدبلوماسي، وتبادل السفراء مع بقية دول العالم، كما يمكنها من الحضور في المحافل الدولية والمؤسسات العالمية، لا سيما الأمم المتحدة، حيث تحظى بوضعية مراقب. يتساءل بعضهم: لماذا الفاتيكان عضو مراقب، وليس عضو عامل وفاعل؟ الجواب باختصار، العضو العامل مجبر على التمثيل في قوات حفظ السلام، بمعنى اتخاذ موقف سياسي، حال الخلافات في الداخل بين الدول الأعضاء. غير أن العضو المراقب، يسمح للفاتيكان بأن يكون محايداً، مما يمكن البابوية من القيام بوساطات متعددة في الملفات السياسية الخلافية شديدة التعقيد حول الكرة الأرضية. لا يمتلك البابا قوات مسلحة ولا فرقاً عسكرية، ودخلت هذه الجملة التاريخ حين تندر جوزيف ستالين على البابا بيوس الـ12 الذي تطلع للمشاركة في مؤتمر يالطا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتالياً سيقدر للبابوية أن تشارك في هدم الشيوعية، انطلاقاً من نقابة تضامن العمال في بولندا. المزيد عن: الكنيسة الكاثوليكيةالفاتيكانالبابويةإنجيل القديس متىالمجمع المسكوني الفاتيكاني الثانيالرهبنة اليسوعيةالقديس بطرسكونكلافدولة الفاتيكانالكوريا الرومانيةموسوليني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الكرادلة… أمراء الكنيسة الكاثوليكية next post قراءة في البرنامج النووي الإيراني You may also like حياة الشابات في السودان: حقائق مؤلمة ومعاناة متفاقمة 21 أبريل، 2025 قراءة في البرنامج النووي الإيراني 21 أبريل، 2025 الكرادلة… أمراء الكنيسة الكاثوليكية 21 أبريل، 2025 فرنسيس… البابا الفقير من المهد إلى اللحد 21 أبريل، 2025 ماذا يحدث عند وفاة البابا؟ 21 أبريل، 2025 وفاة البابا فرنسيس وزعماء العالم ينعونه: رجل سلام 21 أبريل، 2025 المطالب الأميركية الثمانية من سوريا… ماهي، وكيف ردت... 20 أبريل، 2025 آلاف الأميركيين يتظاهرون ضد ترمب 20 أبريل، 2025 أي مصير ينتظر “بلبن” في مصر؟ 19 أبريل، 2025 إيران تعلن البدء في وضع إطار عمل لاتفاق... 19 أبريل، 2025