ثقافة و فنونعربي الغربي عمران يفكك الواقع اليمني ويعيد تركيبه روائيا by admin 17 أكتوبر، 2021 written by admin 17 أكتوبر، 2021 25 مغامرات مأساوية بين الحب والرغبة وفوضى البلاد في “بر الدناكل” اندبندنت عربية \ عمر شبانة بين الرقم 54 و”بائعة الريحان”، التي هي بدء رواية “بر الدناكل” لليمني الغربي عمران، وبين الرقم 0 كنهاية لهذه الرواية، تجري مشاهد المياه والدماء والمتفجرات والعواطف والقتلى والمجانين التي تشهدها رحلة حياة “شنوق” البطل “المهزوم” لرواية تضج بالحياة والموت، بالحب والحروب، بالتحولات الميتامورفية العجيبة والغريبة لشخوصها الأساسيين والثانويين/ الهامشيين، الذين يؤثث بهم الراوي الرواية بحوادث مذهلة ومدهشة لشدة غرائبيتها.. لكنها تبدو على قدر كبير من “المنطقية” قياساً بما تشهده بلاد اليمن السعيد منذ عقود من الزمن، هي عمر “البطل” وعوالمه. الرواية (دار نوفل، بيروت)، تنشأ وتنمو من خلال شخصية شنوق، وعبر علاقاته المتشابكة والمتفرعة مع المجتمع والسلطة الحاكمة وأجهزتها، ويبدأ الراوي/ الروائي بتقديم “البطل” في معتزله- بيت اعتكافه، بعيداً عن عيون العسس ومطارداتهم له بدعوى المشاركة في العمل السياسي والتظاهرات المطالبة بالتغيير. وفي الأثناء نتعرف- نحن قراء الرواية- على علاقات شنوق ومغامراته النسائية، وهي ثلاث مغامرات تتسم بالمأساوية في جوهرها، وإن تكن منطوية على أبعاد جنسية ورومانسية في بعض جوانبها. ومنذ البداية، ومع مشهد فصل “بائعة الريحان”، تأخذ في التشكل صورة شنوق كشخص غير عادي، حيث يجلس “عارياً إلا من نافذة أمامه، يتابع حركة أحد الأزقة العميقة بين صفوف الدور، متمتماً: ستظهر الآن، فقد حان موعد وصولها”. وتبدأ في الارتسام أيضاً صورة الفتاة الشابة “غزال” بائعة الأزهار في إحدى الساحات العامة، وتأخذ بزيارته في شقته الواقعة في بناية تضم عدداً من العائلات، من بينها عائلة “الشريفة” مالكة البناية وزوجها مؤذن المسجد “طنهاس”، وهو أيضاً صديق شنوق في علاقة مشبوهة. قطط الفيسبوك وكما تتعدد علاقات شنوق النسائية، متنقلاً بين زوجته وأولاده وعائلته، من جهة، وبين غزال والبندرية وأروى من جهة ثانية، تتعدد أماكن الإقامة والتشرد والعمل والاعتقال والاختفاء القسري، فنراه ما بين صنعاء وريفها، ثم في عدن وقراها، قبل أن ينتهي على سطح مركب لتهريب المهاجرين الراغبين في الهروب من اليمن، واللجوء إلى دول “آمنة”.. إذ ينقلب المركب، ويسقط ركابه بين قتيل وجريح وغريق، ليبقى شنوق يتأمل ما آل إليه بين حياة وموت، لا يدري إن كان وصل “بر الدناكل”، أم أنه ما يزال في مياه عدن؟ الرواية اليمنية (دار نوفل) يعيش شنوق بأكثر من وجه، في بيئة تبدو شديدة المحافظة، تتوزع بين طائفتين واضحتين في الانقسام بين “الحوثي” و”الأنصار”، فيما هو رافض للفئتين، ويكتفي بالاختباء في مسكنه ووراء شاشة الكمبيوتر يتابع ما يجري قريباً منه، ويلاحق من يدعوهن “قطط الفيس”، مفضلاً النساء الصنعانيات “اللاتي يستطيع إغواءهن من دون عناء، لا سيما الأربعينيات منهن، فعادة ما يجدهن مهجورات، والكثير منهن تنتابهن مراهقة متأخرة، صبورات، قليلات الطلبات. وفيما هو يعيش علاقة مع “غزال”، وتجمع بينهما الحاجة والشهوات والأفكار المتمردة، وفجأة تظهر له على صندوق رسائله في “فيسبوك” امرأة تدعى “البندرية”، عرفها قبل ثلاثين سنة، وكان يعتقد أنها قتلت في إحدى العمليات الحربية، وفي أثناء محاولاتها إقناعه، وإقناع القارئ، أنها لا تزال على قيد الحياة، تستعيد معه علاقة وذكريات تراوح بين الحب والشبق والآمال والآلام والمعاتبات والاتهامات بالمخادعة والخذلان والتشكيك في صدقية هذا “الحبيب”.. خصوصاً بعد اكتشافها أنها “حامل” منه، ومطالبته لها بالإجهاض، وإصرارها على الاحتفاظ بالجنين حتى ولادته، واضطرارها للزواج من طبيب فرنسي يعمل في منظمات إنسانية، ثم الهجرة معه إلى فرنسا، وبقائها وحيدة بعد وفاته، فتبحث عن “حبيبها” شنوق. ذلك كله يجري في محادثات “فيسبوكية” بينه وبينها، وهو أسلوب في السرد يستخدمه الكاتب في رسم خطوط علاقاته مع “نسائه”، فيقدم تفاصيل العلاقة من خلال الحوارات عبر الرسائل المتبادلة بين الطرفين، وفي الأثناء يرسم خيوط الشخصية، تفكيرها وأحلامها وطموحاتها وتقلباتها وانكساراتها وهزائمها. وفي ذلك كله أيضاً، تختلط العناصر المكونة للشخصية وللحوادث، فيتداخل السياسي والفكري بالاجتماعي والمعيشي- الاقتصادي، مع مجريات الصراع الدائرة على الأرض بين السلطة والمعارضات، وتتوزع الشخصية وسط هذا بين ضعف وقوة واهتزاز وتردد ما بين بين، عاكسة بذلك تناقضات المجتمع والدولة ذات المرجعيات القبلية والدينية كما تبدو للمتابع المهموم بشؤونها. الحب في مواجهة الحروب رواية الغربي عمران هذه تضعنا، من بين أمور كثيرة، في صورة مجتمع مفكك يعيش حالاً من الخوف والرعب حد الهذيان، وهو ما يجسده شخص شنوق وعلاقاته المتعددة والمتقلبة، وتنقلاته بين الأمكنة والأفكار، والحياة السرية التي يقيمها في جزء من سكنه، حيث الغرفة “المغلقة” على أسراره التي يعيشها مع صديقه المؤذن طنهاس، غرفة تتناقض تماماً مع ما تبدو عليه حياته من تواضع وتقشف وعيش في “العتمة”، ففي الغرفة السرية يمارس مع صديقه حياة باذخة بين أثاث فاخر ومشروبات وغير ذلك مما تكتشفه “الشريفة” بعد رحيله عن صنعاء، واختفائه في أحد فنادق عدن، وعمله في مقهى إنترنت، وممارسته إحدى مغامراته، مع فتاة تدعى أروى ومجموعة من الشبان، كانوا يستعدون لإقامة ندوة فكرية في المقهى، فهاجمتهم عصابة إرهابية وقتلت عدداً منهم، كانت أروى بين القتلى، فيما تعرض هو لإصابة كادت تودي بحياته، وعلى إثرها قرر أن يهاجر. وفي رواية تتناول بالنقد والتشريح كل ما يقع تحت بصر الكاتب وبصيرته، يضع الروائي الحب بأبعاده المختلفة، في مواجهة الحرب، ويضع الحياة في صورها وأشكالها وإشكالياتها المتعددة أمام وجه الموت وأسئلته اللامحدودة، كما يجعل من القرى والأرياف، بحقولها ومزارعها ومياهها، ملجأ الهاربين من المدينة وتشوهاتها. وقد يحدث النقيض، حين تتحول قرية شنوق إلى بؤرة توتر أمني طارد لشخص مثله مطلوب لمواقفه وسلوكياته في الاصطدام بالسلطة، الأمر الذي يدفعه إلى الهرب من قريته، وترك أسرته بلا معيل، حتى تضطر زوجته، بعد طول غيابه، إلى تطليق نفسها منه، والزواج بأخيه ليحمي الأسرة ويرعاها، ووقوفه هو، شنوق، عاجزاً عن فعل أي شيء حيال ذلك. نهايات غامضة هكذا إذن، ثلاث نساء يؤنثن حياة شنوق، غزال والبندرية “القادمة من الموت” وأروى التي يختطفها الموت قتلاً في عملية لإرهابيين. ولكل منهن شخصيتها وملامحها وحكاياتها معه، هو المتخلي عن العمل السياسي- اليساري الاشتراكي بالوراثة، فقد سبقه والده الذي ذهب إلى عدن حاملاً لقب الحاج، وعاد منها يحمل لقب الرفيق، وبات شنوق مطارداً بتهمة الشيوعي، حتى انتهى بين اثنين من المهربين الموكلين بتهريبه ضمن مجموعات من الهاربين، إلى خارج اليمن، يختلف الرجلان على ما يفعلان به، أحدهما يريد الخلاص منه، والآخر يريد إنقاذه، ونقرأ في المشهد الأخير: أغمض شنوق عينيه مرة أخرى متشبثاً بما حوله لترتسم له ابتسامة وجه البورسلان أروى وكومة عظامها. وكلمات غزال تدعوه لزيارة قبرها (توفيت بالسرطان الرحم). وشتائم البندرية. ووجه زوجته المتجهم..”، وصوت أحد المهربين يقول لصاحبه “وماذا يعني لنا أن يعيش أو يموت.. هيا احمله ودعنا ننه مهمتنا”. ويرفع شنوق كفيه “يحاول قول شيء، فيسمع صوتاً آخر: – ألا تراه يتحرك؟ لا يمكن أن أسهم في قتله. رد صوت الثاني بكلام لم يفهمه.. ثم حسم الأول الأمر: لن أتركه”. ونعرف، أخيراً، أنه واحد “ممن كتبت لهم الحياة، بعد عاصفة جرفت وأغرقت عدداً من مراكب محملة بمهاجرين، وأنه أمسى في مخيم للاجئين، من دون أن يعرف أيكون ذلك البر هو “بر الدناكل”، أم شواطئ عدن”. نحن إذن حيال رواية تقدم صوراً للمجتمع اليمني اليوم، في ظل الاقتتال العنيف والدموي بين سلطة ديكتاتورية آخذة في فقدان هيمنتها، وبين قوى دينية- طائفية ومذهبية- هي غاية في التطرف واستخدام العنف. ورغم أن الرواية تحتشد بأسماء زعماء وقادة واقعيين ومعروفين، ورغم أنها تتخذ من الجغرافيا اليمنية مكاناً لحركة الشخوص والحوادث، ورغم التصريح بالصراع بين صنعاء وعدن وما سال بينهما من دم وضحايا.. رغم ذلك كله، فالكاتب يصب جل اهتمامه بالجوانب الإنسانية والنفسية والاجتماعية العميقة لشخوصه، ولحوادث روايته والظروف القاسية المحيطة بها، مستخدماً الواقعي والمتخيل والغرائبي إلى حد ما، بحيث يبدو شخوصه أمام المتلقي بشراً ينتمون إلى أي بيئة أو مكان في العالم، وليس إلى اليمن تحديداً. وهذه سمة من سمات الأدب الإنساني. المزيد عن: روائي يمني\رواية\الواقع\الفايسبوك\شخصيات\علاقات\مواجهات\حب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post 6 روايات باللغة الألمانية تمثل حقيقة مشهد روائي راهن next post مصر تستعد لافتتاح طريق الكباش بعد 72 عاما من التعثر You may also like فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.